مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 11

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 11/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الزكاة

اشارة

كتاب الزكاة

مقدمة المؤلف

.....

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السّلام على أشرف خلقه محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين.

الزكاة: قرين الصلاة في القرآن الكريم فيما يقرب من ثلاثين آية قال تعالى:

أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (1). بل هو كذلك في جميع الشرائع الإلهية، قال تعالى حكاية عن عيسى وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (2).

و الزكاة من جملة الصدقات التي تطابقت الأدلة الأربعة على رجحانها و يكفي من الكتاب العزيز قوله تعالى أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ (3)، و قوله تعالى وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً (4).

و من السنة نصوص متواترة بين الفريقين، منها قوله (صلّى اللّه عليه و آله):

«خير مال المرء و ذخائره الصدقة» (5) و قول عليّ (عليه السلام): «إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة» (6) و غير ذلك من الأخبار. و قد أجمع المسلمون بل العقلاء على حسنها.

و من العقل: حكمه القطعي بحسن مساعدة الفقراء، و إنّ التعاون بين البشر و توجه الأغنياء إلى الفقراء و الاهتمام بسدّ فقرهم و حاجتهم من أهم الأمور النظامية البشرية التي تحكم الفطرة العقلية بلزومه و رعايته مهما أمكن، و لا بد و أن تهتم الشرائع السماوية بذلك اهتماما بليغا، فإنّ الاجتماع البشري لا يتم إلا بأمرين مهمين يتقوّمان بالمال.

ص: 5


1- سورة البقرة: 43.
2- سورة مريم: 31.
3- سورة التوبة: 104.
4- سورة الحديد: 18.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة- كتاب الزكاة- حديث: 14.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة- كتاب الزكاة- حديث: 20.

.....

______________________________

أحدهما: عطف الأغنياء على الفقراء و تموينهم بما يحتاجونه و سدّ خلتهم، و قد بذل الشارع وسعه في ذلك بكلّ ما أمكنه من إيجاب الصدقات و الكفارات و نحوهما.

و ثانيهما: ما يحفظ به دماؤهم و أعراضهم و أموالهم و بلادهم، و المال الذي يصرف في ذلك يجي ء من بينهم و يصرف في مصالحهم، و قد اصطلح على هذا القسم من المال بالخراج، و المقاسمة، و الجزية.

و الحقوق التي جعلها اللّه تعالى في أموال الأغنياء كثيرة شرحها أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة.

«و لكن اللّه عزّ و جلّ فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال عزّ و جلّ:

وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ .. فالحق المعلوم غير الزكاة، و هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم، و إن شاء في كل جمعة، و إن شاء في كل شهر، و قد قال اللّه عزّ و جلّ أيضا أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً و هذا غير الزكاة، و قد قال اللّه عزّ و جلّ أيضا يُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً، و الماعون أيضا و هو القرض يقرضه، و المتاع يعيره، و المعروف يصنعه. و مما فرض اللّه عزّ و جلّ أيضا في المال من غير الزكاة قوله عزّ و جلّ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، و من أدى ما فرض اللّه عليه فقد قضى ما عليه، و أدّى شكر ما أنعم اللّه عليه في ماله إذا هو حمده على ما أنعم اللّه عليه فيه مما فضّله به من السعة على غيره، و لما وفّقه لأداء ما فرض اللّه عزّ و جلّ عليه و أعانه عليه» (1).

و لكن مقتضى الأصل و الإجماع، و السيرة القطعية، بل الضرورة الدينية عدم وجوب شي ء ابتداء غير الزكاة و الخمس، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من النصوص في فرض الزكاة، «و إنّه لو علم عدم سدّ حاجة الفقراء لافترض عليهم غيرها». نعم لا ريب في تأكد استحباب ما ورد في الموثق المذكور و غيره من الأخبار الكثيرة.

و الزكاة: في اصطلاح الكتاب و السنة- و منه اصطلاح الفقهاء-: ما يجب في

ص: 6


1- الوسائل باب: 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.

.....

______________________________

أموال خاصة بشروط مخصوصة، و يناسب ذلك معناه اللغوي أيضا. لأنّها في اللغة إما بمعنى الطهارة، أو النمو. و إخراج الزكاة يطهّر المال عن الأوساخ و الأقذار المعنوية. كما أنّه يوجب النموّ أي البركة و حلّية الاستفادة منه في وجوه المعيشة. قال الصادق (عليه السلام): «و لو أنّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير» (1). و قال (عليه السلام) أيضا: «ما من طير يصاد إلا بتركه التسبيح، و ما من مال يصاب إلا بترك الزكاة» (2). و تصح نسبة الطهارة إلى فاعل الزكاة، لأنّ إخراجها يطهّر النفس عن رذيلة البخل و الشّح و ينميها إلى ذروة فضيلة الجود و السخاء، و يمكن إضافتهما إلى المجتمع لأنّها توجب طهارة مجمع الأغنياء و الفقراء عن التنافر و البغضاء و نموهم في مجتمع واحد مهتمين بعضهم بشؤون بعض، و هذا من أقوى موجبات التآلف و التناصر فيما بينهم، و لذا ورد في عقاب تارك الزكاة ما تبهر منه العقول، ففي الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«ما من ذي مال- إبل أو غنم أو بقر- يمنع زكاة ماله إلا حبسه اللّه عزّ و جلّ بقاع قرقر- أي الأرض السهلة المستوية- تطؤه كل ذات ظلف بظلفها، و تنهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوّقه اللّه تعالى ريعة (مرتفع) أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة» (3).

و الجزء الأول من هذا الحديث يدل على حشر الحيوانات الذي هو مورد البحث عند الحكماء. و الجزء الثاني يمكن أن يحمل على أنّ هذا يطوق ثقله هذا المقدار، أو غيره من المحامل الممكنة. أعاذنا اللّه و المسلمين من عقوبات تارك الزكاة. ثمَّ إنّه قد أطلق على الزكاة أنّها أوساخ الناس، و يأتي نقل الحديث و شرحه في فصل أوصاف المستحقين للزكاة إن شاء اللّه تعالى.

ص: 7


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 20.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.

ص: 8

كتاب الزكاة بسم اللّه الرحمن الرحيم التي وجوبها من ضروريات الدّين (1)، و منكره مع العلم به كافر، بل في جملة من الأخبار: إنّ مانع الزكاة كافر (2).

فصل و يشترط في وجوبها أمور

اشارة

و يشترط في وجوبها أمور:

الأول: البلوغ

الأول: البلوغ (3)، فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول- فيما يعتبر

______________________________

(1) لما تقدم من الآيات الشريفة و السنة المباركة.

(2) فعن الصادق (عليه السلام)- في وصية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعليّ (عليه السلام)- «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: و عدّ منهم مانع الزكاة. ثمَّ قال: يا عليّ ثمانية لا يقبل الهّ تعالى منهم الصلاة و عدّ منهم مانع الزكاة.

ثمَّ قال: يا عليّ من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن و لا بمسلم و لا كرامة- الحديث-» (1).

و عنه (عليه السلام): «من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا، أو نصرانيا» (2) و نحوهما غيرهما.

و لا بد من حمل مثل هذه الأخبار إما على الجحود و الاستحلال، أو على بعض مراتب الكفر مثل قوله (عليه السلام): «أما الرشاء في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم» (3)، مع أنّ الكفر المطلق لا يناسب جملة مما ذكر في خبر الوصية (4) كما لا يخفى، مضافا إلى قصور مستنده.

(3) أما في النقدين، فللأصل، و الإجماع، و إطلاق النصوص المستفيضة

ص: 9


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
4- راجع تمام الوصية في الوسائل باب: 7 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

.....

______________________________

المشتملة على قولهم (عليهم السلام): «ليس على مال اليتيم زكاة» (1)، أو «لا زكاة على مال اليتيم» (2).

و المذكور فيها و إن كان هو اليتيم إلا أنّه تحقق الإجماع هنا على عدم الفرق بينه و بين مطلق الصغير، مع أنّ ذكر اليتيم من باب الغالب حيث يكون له مال انتقل إليه من أبيه. هذا مع أنّه قد ذكر الصغير في موثق يونس بن يعقوب: «أرسلت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ لي إخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال (عليه السلام): إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة» (3) و يأتي في [مسألة 1] خبر محمد بن فضيل عن الرضا عليه السلام أيضا.

و يمكن أن يستفاد من خبر ابن حمران إطلاق اليتيم على مطلق الصغير، فعن أبي جعفر (عليه السلام): «الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها- إلى أن قال- و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (4). و لكن فيه تأمل، فإن الظاهر منه كون اليتم غير الصغر.

ثمَّ إنّ هذه الأخبار ظاهرة في نفي الحكم الوضعيّ و التكليفيّ معا و لا ريب في شمول إطلاقها للنقدين، فلا إشكال فيهما من هذه الجهة في البين.

و أما حديث رفع القلم عن الصبيّ حتى يحتلم (5)فلا إشكال في شموله لنفي الحكم التكليفي بخلاف الحكم الوضعي، إذ لا منافاة بين الثبوت في ماله و تكليف الوليّ، أو تكليفه بعد البلوغ بالإخراج كسائر الديون المتعلقة به، هذا بالنسبة إلى زكاة النقدين.

و أما الغلات و المواشي، فالمشهور عدم الوجوب فيها أيضا، و عليه أعاظم القدماء و كافة المتأخرين. و نسب إلى أصحابنا تارة: و إلى الإمامية أخرى: و يدل عليه

ص: 10


1- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 1.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

.....

______________________________

- مضافا إلى الأصل، و الإطلاقات الدالة على أنّه «لا زكاة في مال اليتيم» أو «ليس في مال اليتيم زكاة» التي تقدم بعضها الشاملة بإطلاقها لجميع ما تتعلق به الزكاة في الشريعة نقدا كان، أو ماشيا، أو غلة،- خصوص موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلاته- من نخل، أو زرع، أو غلة- زكاة. و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» (1).

و أشكل عليه أولا بأنّه ظاهر في نفي الوجوب لا الوضع بقرينة قوله (عليه السلام): «و ليس عليه صلاة». و «فيه» أنّ كلا منهما جملة مستقلة لا ربط لأحدهما بالأخرى، و الجملات التالية ظاهرة في نفي الوضع و التكليف معا.

و ثانيا: بأنّ قوله (عليه السلام): «و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة» مجمل فلا بد من رده إلى أهله. (و فيه) أنّه لا إجمال فيه فإنّ المعنى: و إن بلغ اليتيم في أثناء الحول فليس عليه لما مضى من الحول زكاة و لا لما يستقبل منه زكاة حتى يدرك تمام الحول، فإذا أدرك تمام الحول كان عليه زكاة واحدة و يكون عليه مثل ما على الناس بناء على أنّ لفظ (ثمَّ)- كما رواه الكليني (2) في قوله (عليه السلام): «ثمَّ كان عليه»- بمعنى الواو، و قد نقله الشيخ بالواو، فلا وجه للحكم بالإجمال.

و ثالثا: بمعارضته بالعمومات و الإطلاقات الدالة على وجوب الزكاة في الأنواع الثلاثة (3) فإنّها ثبتت الزكاة فيها و لو كانت مال اليتيم، و مثل الموثق ينفيها و بعد التساقط يرجع إلى عمومات تشريع أصل الزكاة من الآيات- كقوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (4)- و الروايات كقوله (عليه السلام) «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض

ص: 11


1- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.
3- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
4- سورة النور: 56.

فيه الحول- و لا على من كان غير بالغ في بعضه (1) فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ (2).

______________________________

للفقراء في أموال الأغنياء فريضة و هي الزكاة»(1). (و فيه): أنّه لا وجه لتوهم المعارضة بين الخاص و العام، و المقيد و المطلق، و ما دل على نفي الزكاة عن مال الصغير مخصص للعمومات و مقيد للإطلاقات كأدلة نفيها عما دون النصاب و ما لا يحل عليه الحول- كما سيأتي.

و رابعا: بقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «ليس على مال اليتيم في الدّين و المال الصامت شي ء، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة» (2) و بإجماع الخلاف على وجوبها فيها. (و فيه): أنّ الإجماع موهون بوضوح الخلاف و كثرة الخلاف، و أما الصحيح فأسقطه عن الاعتبار مخالفته للمشهور و موافقته للجمهور، لخبر الهاشمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كان أبي (عليه السلام) يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة» (3).

و على هذا يكون الحمل على الندب أيضا خلاف الاحتياط من جهة التصرف في مال الصغير من دون ملزم شرعيّ، فلا وجه للندب فضلا عن الوجوب.

(1) لظهور الأدلة في اعتبار شرط الوجوب في تمام الحول، فيما يعتبر فيه الحول كما يأتي في سائر الشروط:

فما عن صاحب الذخيرة من أنّه لا منافاة بين عدم الوجوب قبل البلوغ و الوجوب بعده لما مضى عليه (مخدوش): بأنّه إن أراد (رحمه اللّه) ذلك في مقام مجرّد الاحتمال ثبوتا فله وجه. و أما إن كان مراده ذلك بحسب الاستظهار من الأدلة الواصلة إلينا فهو خلاف ظاهرها عرفا.

(2) لأنّ المنساق من الأدلة أنّ حكم الزكاة وضعا و تكليفا بشرائطها يتعلق

ص: 12


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 10.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 9.

و أما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الأربع، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق، و هو انعقاد الحب و صدق الاسم على ما سيأتي (1).

الثاني: العقل

الثاني: العقل فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول (2)، أو بعضه

______________________________

بالمالك الجامع لشرائط التكليف في تمام الحول، و حلوله عليه كذلك. و كفاية مضيّ الحول قبل البلوغ تماما أو بعضا يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد ظهور الأدلة في استمرار الشرائط من أول الحول إلى آخره مما يعتبر فيه الحول. نعم، لو كان عدم البلوغ يسيرا جدّا بحيث يتسامح فيه العرف لا يضرّ بالوجوب حينئذ، لصدق مضيّ الحول على ماله جامعا للشرائط عرفا، كما إذا ملك النصاب و بعد ملكه له بزمان يسير- كاليوم مثلا- بلغ ثمَّ مضى عليه الحول، فإنّ هذا المقدار من الزمان يتسامح فيه عرفا كما يأتي في اشتراط السوم و عدم كون الأنعام عوامل، فإنّ جميع هذه الشروط لا بد و أن يساق في مساق واحد.

و بالجملة: لا فرق بين جميع الشرائط من البلوغ، و العقل، و السوم و عدم كون الأنعام عوامل فيما يتعلق بالحول، و يأتي التفصيل في زكاة الأنعام، كما يأتي في اعتبار العقل و أنّ الجنون الأدواري مانع عن تعلق الزكاة لو كان ذلك في أثناء الحول.

(1) لوجود المقتضي حينئذ للوجوب و فقد المانع عنه، فتشمله الأدلة قهرا و يأتي في [مسألة 1] من (فصل زكاة الغلات) و في المسألة الخامسة بعض ما ينفع المقام.

(2) لظهور النص، و الإجماع، و قصوره عن تعلق الخطاب به وضعا أو تكليفا، و في صحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): امرأة من أهلنا مختلطة، أ عليها زكاة؟ فقال (عليه السلام): إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا» (1).

و قوله (عليه السلام): «فعليها زكاة» أي: على من اتجر به فيكون الإطلاق من باب المجاز و العناية، بقرينة خبر موسى بن بكير، قال: «سألت أبا الحسن (عليه

ص: 13


1- الوسائل باب: 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

و لو أدوارا (1)، بل قيل: إنّ عروض الجنون آنا ما يقطع الحول، لكنّه مشكل بل لا بد من صدق اسم المجنون و أنّه لم يكن في تمام الحول عاقلا، و الجنون آنا ما- بل ساعة و أزيد- لا يضرّ لصدق كونه عاقلا (2).

الثالث: الحرية

الثالث: الحرية، فلا زكاة على العبد و إن قلنا بملكه من غير فرق بين القن، و المدبر، و أمّ الولد، و المكاتب المشروط، و المطلق الذي لم يؤد شيئا من مال الكتابة (3).

______________________________

السلام) عن امرأة مصابة و لها مال في يد أختها هل عليها زكاة؟ قال (عليه السلام):

إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة» (1).

و يأتي في [مسألة 2] ما يتعلق بالمقام. نعم دل الدليل على صحة تعلق بعض الوضعيات كالجنابة- مثلا.

(1) لأنّ المنساق من الأدلة اعتبار استمرار الشروط في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول.

(2) إذ لم يرد تحديد شرعيّ في ذلك، فلا بد من مراجعة العرف، و الظاهر صحة صدق العاقل في الحول بحسب الأنظار العرفية على من جنّ في أثناء الحول بساعة، أو ساعتين، أو ثلاث ساعات- مثلا- إذ ليس المناط الصدق الدقيّ الحقيقيّ العقليّ، و استمرار الشروط بالدقة العقليّة حتى ينافي مثل ذلك الاستمرار و مع الشك في تحقق الشرط، فالمرجع أصالة البراءة و لا يصح التمسك بالعمومات، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المردد.

(3) كل ذلك لإطلاق النصوص، و معقد الإجماع. قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» (2)، و عنه (عليه السلام) أيضا: «قلت له: مملوك

ص: 14


1- الوسائل باب: 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

و أما المبعّض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزع على بعضه الحر النصاب (1).

الرابع: أن يكون مالكا

الرابع: أن يكون مالكا، فلا تجب قبل تحقق الملكية (2)، كالموهوب

______________________________

في يده مال أ عليه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، قلت: فعلى سيده؟ فقال (عليه السلام): لا، لأنّه لم يصل إلى السيد، و ليس هو للملوك» (1)، و مثله غيره.

و أما خبر قرب الإسناد «ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه» (2)فيمكن حمله على الندب مع كونه بإذن المولى، مضافا إلى هجره لدى الأصحاب.

ثمَّ إنّهم اختلفوا في المملوك هل يمكن أن يملك أو لا؟ و أطالوا البحث في ذلك و اضطربت و تشتت أقوالهم كما لا يخفي على من راجع المفصّلات، و لا ثمرة عملية له في هذه العصور، لانتفاء موضوع المملوك رأسا- بل لا ثمرة له في المقام أصلا، لعدم وجوب الزكاة على المملوك تعبدا و لو ملك فضلا عما إذ لم يملك- و لكن العمومات و الإطلاقات- كأدلة حيازة المباحات و المعاوضات، و مثل ما تقدم من صحيح ابن سنان- و كذا صحيح ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ..» (3). ظاهر بل نص في أنّه يملك.

و ما يظهر منه العدم- كما سيأتي في محله- محمول على الحجر عن التصرف، فكأنّه ليس بمالك، إذ لا أثر للملك إلا صحة التصرف، فالمنفيّ آثار الملك المتقوّم بها عرفا و المثبت ذاته الذي لا أثر له إلا شرعا، فهو من هذه الجهة كالصغير، و المجنون في أنّهما يملكان و لكنهما محجوران عن التصرف و هذا هو مفاد الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض ثمَّ الحكم بالمتحصّل منها.

(1) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة لا محالة، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(2) للنصوص، و الإجماع منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح:

ص: 15


1- الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

قبل القبض، و الموصى به قبل القبول، أو قبل القبض و كذا في القرض لا تجب إلا بعد القبض (1).

الخامس: تمام التمكن من التصرف

الخامس: تمام التمكن من التصرف (2)، فلا تجب في المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه- بأن كان غائبا و لم يكن في يده، و لا في يد وكيله

______________________________

«إنّما الزكاة على صاحب المال» (1)، و مثله مكاتبة ابن مهزيار: «لا تجب عليه الزكاة إلّا في ماله» (2) و يأتي في المسائل التالية بعض الأخبار الدالة عليه أيضا، و تقتضيه قاعدة العدل و الإنصاف المعتبرة في المقام، بالإجماع و النصوص الواردة في كيفية جباية الزكاة و تخريصها على المالك.

(1) توقف الملكية في الهبة، و القرض على القبض مما لا إشكال فيه. و أما في الوصية فلا يتوقف على القبض بلا إشكال. و في التوقف على قبول الموصى إليه أيضا تأمل، لاحتمال أن يكون رده مانعا لا أن يكون قبول شرطا، فتكون الوصية التمليكية من الإيقاعات لا من العقود و يأتي التفصيل في محله.

(2) للإجماع، و النصوص قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «لا صدقة على الدّين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك» (3).

و في موثق ابن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو، و مات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال (عليه السلام): يعزل حتى يجي ء. قلت: فعلى ماله زكاة؟

قال: لا حتى يجي ء، قلت: فإذا هو جاء أ يزكيه؟ فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده» (4)، و في خبر آخر عنه (عليه السلام) أيضا: «حتى يحول عليه الحول و هو عنده» (5).

ص: 16


1- الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

.....

______________________________

و في خبر ابن سدير الصيرفي: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في رجل كان له مال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمَّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلها فوقع على المال بعينه، كيف يزكيه؟ قال (عليه السلام): يزكيه لسنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه و إن كان احتسبه» (1).

و المراد من الغيبة عدم التمكن من التصرف، و عن زرارة: «في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال (عليه السلام): فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» (2)؟ و مثلها غيرها.

و هذه التعبيرات بمنزلة العلّة لعدم الزكاة و هي عبارة عن التسلط و التمكن من التصرف الذي عبّر به الفقهاء (رحمهم اللّه)، و مقتضى الأصل، و قاعدة العدل و الإنصاف على ما مرّ عدم الوجوب أيضا. فلا وجه لما يقال: إنّها وردت في موارد خاصة و لا كلية لها، لأنّ ذيل الأخبار يفيد العموم و الكلية، و إن كان السؤال في موارد خاصة، و المناط على عموم الجواب لا خصوص السؤال كما هو كذلك في جميع الأخبار الواردة في بيان الأحكام المسبوقة بالسؤال.

ثمَّ إنّ عدم التمكن من التصرف تارة: لعدم الملكية و قد مرّ اعتبارها في الشرط الرابع. و اخرى: للمانع و هو إما عرفي، أو شرعي، و المناط في الأول الصدق العرفي و هو يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص، و في الأخير لو ورد الدليل، فلا بد من اتباعه، و الأربعة الأولى المذكورة في المتن من العرفيات، فالمعوّل فيها إنّما هو العرف، و يختلف حكم العرف باختلاف الموارد و الأشخاص و الخصوصيات فربّ مال مسروق يتمكن مالكه من أخذه من السارق بأن يكون المالك قويا و السارق ضعيفا، و كذا في المغصوب، و رب مسروق و مغصوب يكون بالعكس، و كذا الكلام في المجحور

ص: 17


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.

.....

______________________________

و المدفون. و الثلاثة الأخيرة من الشرعيات و المعتمد فيها الأدلة.

ثمَّ إنّه لا ريب في تحقق الحكم التكليفيّ و هو وجوب الوفاء في مورد النذر، و من لوازمه العرفية وجوب حفظ المنذور و حرمة إتلافه إن تعلق بعين مخصوصة، و قد اختلفوا في أنّه هل يملكها المنذور له بمجرد النذر أم لا يملكها، بل يحصل له مجرّد الحق فقط، أو لا هذا و لا ذاك، بل ليس في البين إلّا مجرّد الحكم التكليفيّ للناذر فقط. ذهب إلى كل منها فريق، و مقتضى الأصل بقاء الملك على ملك مالكه و عدم حصول الملكية لغيره، كما أنّ مقتضى المرتكزات بين الناس حصول حق في الجملة للمنذور له في العين المنذورة، و هل هذا الحق من الحقوق المجاملية فقط- كحق الضيف بالنسبة إلى ما يوضع لديه من طعام و الفاكهة و نحوهما- أو يكون حقا أقوى من ذلك بحيث يستنكر العرف تصرف الناذر فيه و يخطئونه إن تصرف، و يرون تصرفه مخالفة لنذره، و لو أخذه المنذور له بدون اطلاع الناذر لا يحكمون بأنّه سرقه، بل يقولون إنّه أخذ حقه، وجهان بل قولان: أقواهما الأخير، فلا تجب الزكاة حينئذ هذا بالنسبة إلى حق المنذور في العين.

و أما حق اللّه تعالى، فيتردد بين أن يكون نحو ملكية خاصة أو من مجرد الحق، أو من مجرّد الإضافة إليه تعالى التي تكفي فيها أدنى مناسبة في الجملة و هو وجوب صرف العين في مورد النذر قربة إلى اللّه تعالى، و تجزي هذه المناسبة في الإضافة إليه تعالى و لا يحتاج إلى القول بالملكية و لا الحقية. و قول الناذر للّه عليّ كذا لا يدل على أزيد من هذه الإضافة و الاختصاص، و مقتضى الأصل عدم ثبوت الملكية و الحق.

و خلاصة العهود و النذور ترجع إلى أنّ الشخص يجعل نفسه مسؤولا عند اللّه عزّ و جلّ في الترك إن تعلقت بالفعل، و في الفعل إن تعلقت بالترك. و يأتي بعض الكلام في غير المقام إن شاء اللّه تعالى.

ص: 18

- و لا في المسروق، و المغصوب، و المحجور، و المدفون في مكان منسيّ، و لا في المرهون، و لا في الموقوف، و لا في المنذور للتصدق به و المدار في التمكن على العرف. و مع الشك يعمل بالحالة السابقة (1) و مع عدم العلم بها، فالأحوط الإخراج (2).

السادس: النصاب

السادس: النصاب كما سيأتي تفصيله.

مسألة 1: يستحب للوليّ الشرعيّ إخراج الزكاة في غلات غير البالغ

(مسألة 1): يستحب للوليّ الشرعيّ إخراج الزكاة في غلات غير البالغ (3)

______________________________

(1) الشك في التمكن من التصرف و عدمه تارة لشبهة مفهومية. و أخرى لشبهة موضوعية: و الأخيرة تارة مع العلم بالحالة السابقة، و اخرى مع عدمه.

و المرجع في الأولى إنّما هو العام، لأنّ المخصص إن كان مجملا مفهوما و تردد بين الأقلّ و الأكثر يرجع في غير مورد تعيين التخصيص إلى العام كما في المقام، فإنّ لعدم التمكن من التصرف أفراد معلومة و فرد مشكوك و الشك فيه يستلزم الشك في أصل التخصيص، فيرجع فيه إلى العام بلا كلام.

و في الثاني يرجع إلى الحالة السابقة، لتمامية أركان الاستصحاب.

و في الأخير لا بد من التفحص ثمَّ العمل بما ظهر، و مع استقرار الشك، فالمرجع البراءة، لأنّ الشك حينئذ في أصل التكليف.

(2) بل الأحوط التفحص ثمَّ العمل بما ظهر، و مع استقرار الشك يرجع إلى البراءة و وجه الاحتياط في التفحص أنّ الشبهة لها معرضية عرفية للوقوع في المخالفة و كل ما كان كذلك يجب فيه الفحص إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام. و قد اختلفت الكلمات في نظائر هذا الفرع، فمن مفت بعدم الاحتياط، و منهم من احتاط وجوبا، و منهم من احتاط ندبا، مع أنّه ليس في البين نص خاص، بل لا بد و أن يبتني جميع ذلك على أنّه هل يجب في الشبهات الموضوعية الفحص أو لا؟ و قد ذكرنا القاعدة الكلية في ذلك في الأصول، فراجع.

(3) نسب الاستحباب إلى جمع منهم الشهيدين، و العلامة، و المحقق الثاني،

ص: 19

يتيما كان أم لا، ذكرا كان أم أنثى- (1) دون

______________________________

بل أصل الرجحان متفق عليه بين الكل، لأنّهم بين قائل بالوجوب و قائل بالندب و مستندهم في ذلك صحيح ابن مسلم عن الصادقين (عليهما السلام): «ليس على مال اليتيم في الدّين و المال الصامت شي ء، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة» (1).

فمن قال بالوجوب أخذ بظاهره، و من قال بالندب حمله عليه، جمعا بينه و بين المطلقات الآبية عن التقييد و قد مرّ بعضها و منها صحيح يونس قال: «أرسلت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّ لي إخوة صغارا، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال:

إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال:

إذا اتجر به فزكه» (2)، فإنّ سياقها آب عن التقييد، و مقتضى ما تقدم- من خبر الهاشميّ (3)، و اشتهار الزكاة في مال الصغير بين العامة- حمل صحيح ابن مسلم على التقية، فلا يبقى دليل على الندب حينئذ أصلا، لأنّ ما سيق مساق التقية لا يستفاد منه الندب، إذ الرشد في خلافهم، خصوصا مع ملاحظة ما ورد من حرمة التصرف في مال الصغير (4) و التأكيد الأكيد فيها. و منه يظهر أنّ اتفاقهم على الرجحان لا وجه له إن كان مستندا إلى ما بأيدينا من النصوص.

(1) للإطلاق الشامل لهم بناء على ثبوت الاستحباب و قد مرّ الإشكال فيه.

ثمَّ إنّه يمكن أن يكون الخطاب باستحباب الإخراج- على فرض ثبوته- متوجها أولا و بالذات إلى الوليّ، كما نسب ذلك إلى المشهور، لأنّه تصرف ماليّ، فيكون هو المخاطب به حينئذ، و لكن يشمل الثواب لكل منهما، لأنّه تفضل، و تفضلاته تعالى عامة شاملة للمباشر للصدقات و من تكون منه الصدقة، و في الحديث: «من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره و لو تداولها

ص: 20


1- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 9.
4- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب ما يكتسب به و باب: 14 من أبواب عقد البيع.

النقدين (1) و في استحباب إخراجها من مواشيه إشكال و الأحوط الترك (2).

نعم، إذا اتجر الولي بماله

______________________________

أربعون ألف إنسان ثمَّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل و ما عند اللّه خير و أبقى للذين اتقوا و أحسنوا لو كنتم تعلمون» (1).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لو جرى المعروف على ثمانين كفّا لأوجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا» (2).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «المعطون ثلاثة: اللّه ربّ العالمين، و صاحب المال، و الذي يجري على يديه» (3)، و مثله عن أبي جعفر (عليه السلام) (4).

كما أنّه يمكن أن يكون الخطاب متوجها إلى الصغير نفسه، كاستحباب الحج للصبيّ المميّز كما يأتي في (فصل شرائط حجة الإسلام)، بل استحباب جميع المستحبات له لعموم أدلّتها و إطلاقاتها له بلا مخصص و مقيد في البين و يكون الوليّ متصديا للإخراج فقط، و قد مرّ مرارا صحة توجه الخطابات له، و لا ملازمة بين سقوط التكاليف الإلزامية بالنسبة إليه، لحديث الرفع (5) و سقوط غير الإلزاميات، فتشمله جميع التكاليف المندوبة، و المكروهة، بل الواجبة و المحرّمة أيضا و لكن لا عقاب عليه للمخالفة فيهما، فيقصد الوليّ الأمر المتوجه إلى الصغير من حيث توقف امتثاله على إذنه.

(1) للأصل، و الاتفاق، و الإطلاقات الدالة على أنّه ليس في مال اليتيم شي ء على ما تقدم.

(2) وجه الإشكال أنّ دليل الاستحباب منحصر بعدم القول بالفصل بين غلاته و مواشيه. و تقدم الإشكال في الغلات التي هي مورد النص فكيف بالمواشي التي

ص: 21


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الصدقة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الصدقة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الصدقة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الصدقة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

يستحب إخراج زكاته أيضا (1)

______________________________

لا نصّ فيها، و عدم القول بالفصل لا اعتبار به ما لم يكن من الإجماع المعتبر و هو مشكل في المقام، مع معارضته لحرمة التصرف في مال الصغير و قد مرّ الاحتياط فيما ورد فيه النص فكيف بما لا نصّ فيه.

(1) الأخبار مستفيضة منها: صحيح ابن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) هل على مال اليتيم زكاة؟ قال (عليه السلام): لا إلا أن يتجر به أو تعمل به» (1)، و خبر ابن الفضيل قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال (عليه السلام): لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه» (2)و نحوهما غيرهما مما هو كثير. و هذه الأخبار تحتمل وجوها:

الأول: الأخذ بظاهرها من الوجوب (و فيه): أنّه مع مخالفته للمشهور مخالف للمستفيضة الدالة على استحباب الزكاة في مال التجارة الآبية عن التخصيص بأخبار المقام.

الثاني: الحمل على التقية (و فيه): أنّه بعيد بعد عمل المشهور بها و تظافر الأخبار الظاهرة في أنّها لبيان الحكم الواقعي.

الثالث: الحمل على الندب جمعا بين جميع الأخبار الواردة في المقام و ما ورد في زكاة مال التجارة، بحمل هذه الأخبار على الندب بل و إجماعا أيضا إذ لم ينقل الوجوب إلا عن المقنعة و في ظهوره في الوجوب الاصطلاحي إشكال، بل منع لأنّ بعض عبارات القدماء تعرضها الإجمال من جملة من الجهات كما لا يخفى على من راجع، كتبهم فراجع المطولات.

ثمَّ إن الاتجار بمال الصغير على أقسام:

ص: 22


1- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

و لا يدخل الحمل في غير البالغ (1)، فلا يستحب إخراج زكاة غلاته و مال تجارته و المتولي لإخراج الزكاة هو الوليّ (2)

______________________________

الأول: أن يكون قد اقترضه الوليّ لنفسه مع تحقق شرائط صحة الاقتراض ثمَّ اتجر به لنفسه، و لا إشكال في استحباب الزكاة على الوليّ، لما يأتي من استحباب الزكاة في مطلق مال التجارة و لا ربط لهذا القسم بالمقام.

الثاني: أن يتجر بمال الصغير للصغير ولاية عليه و على ماله، و لا ريب في شمول الأخبار لهذا القسم، فيستحب للوليّ إخراج الزكاة من مال الصغير حينئذ.

الثالث: أن يأذن الوليّ للصغير في الاتجار بماله و كان بمنزلة الآلة بين الوليّ و الطرف و حكمه حكم القسم الثاني.

الرابع: أن يستقرض الوليّ مال الصبيّ مع عدم تحقق شرائط الاستقراض من الملاءة و غيرها و لا ريب في كون الربح للصغير حينئذ، لعدم خروج ماله عن ملكه، فتشمله قاعدة «تبعية النّماء للمال» و هي من القواعد النظامية العقلائية، و أجمع عليها الفقهاء، و يكون الخسران على الوليّ لعدم الإذن فيه- لا من المالك، لعدم اعتبار إذنه، و لا من الشارع، لفقد شرط التصرف- و حينئذ فإن قلنا: إنّ الزكاة في هذا القسم نحو خسران على مال الصغير يكون على الوليّ، و لم تثبت قاعدة «من كان الربح له كان الخسران عليه» بنحو يشمل المقام. و إن قلنا بانصراف الخسران عن مثل الزكاة، لأنّها توجب الثواب و حفظ المال، فلا وجه لأن يعدّ من الخسران، و مقتضى الجمود على الإطلاقات كون الزكاة على الصغير.

الخامس: أن يتجر به الفضوليّ و يجيزه الوليّ و تجري الأقسام الأربعة في هذا القسم فراجع و تأمل و إن لم يجر عليه حكم القسم الرابع.

(1) للأصل، و الإجماع، و ظواهر الأدلة، إذ المنساق منها عرفا إنّما هو الانفصال، مضافا إلى أصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا ما دل عليه الدليل بالخصوص.

(2) لأنّ ذلك من فروع ولايته الشرعية.

ص: 23

و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي (1) و لو تعدد الوليّ جاز لكل منهم ذلك (2)، و من سبق نفذ عمله (3) و لو تشاحوا في الإخراج و عدمه قدم من يريد الإخراج (4). و لو لم يؤد الوليّ إلى أن بلغ المولّى عليه، فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه (5).

مسألة 2: يستحب للوليّ الشرعيّ إخراج زكاة مال التجارة للمجنون

(مسألة 2): يستحب للوليّ الشرعيّ إخراج زكاة مال التجارة للمجنون (6) دون غيره، من النقدين

______________________________

(1) لأنّ ذلك من الأمور الحسبية و له الولاية فيها كما ثبت في محله.

(2) لوجود المقتضي و فقد المانع في كل منهم، فيصح عن كل منهم لا محالة.

(3) لأنّ معنى الولاية نفوذ العمل، فالعمل صدر عن أهله و في محلّه، فينتفي موضوع عمل الباقين قهرا. ثمَّ إنّ مورد التعدد كما يفرض في الأب و الجدّ للأب و إن علا يفرض للقيم المتعدّد من أحدهما مع فقدهما أيضا.

(4) لمكان ولايته و نفوذ عمله، فلا يبقى مورد لنظر الآخر نفيا أو إثباتا و هذا هو معنى التقديم يعني: أنّه لو أخرج ليس لرأي الآخر حينئذ أثر. و أما قبل الإخراج، فيقدم أرجح النظرين، و مع التساوي يقدم رأي من يريد الإخراج من جهة جلب الثواب.

(5) لأصالة بقاء خطاب الزكاة- وضعا و تكليفا- و مباشرة الوليّ كانت ما دامية و من باب الاستباق إلى الخير، لا أن تكون قيدا في أصل الجعل و التشريع بحيث ينتفي بانتفائه.

و احتمال أنّ التكليف مختص بالوليّ خطابا و ملاكا، فلا وجه لتكليف اليتيم به بعد بلوغه. ساقط رأسا، لأنّ الوليّ مكلف من حيث الولاية لا الموضوعية.

(6) لصحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة؟ فقال (عليه السلام): إن كان عمل به فعليها زكاة و إن

ص: 24

كان أو من غيرهما (1).

مسألة 3: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول

(مسألة 3): الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول، و كذا السكران، فالإغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، و لا ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلق (2) في الغلات.

مسألة 4: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه

(مسألة 4): كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه، على المختار من كونه مالكا. و أما على القول بعدم ملكه، فيجب عليه

______________________________

لم يعمل به فلا» (1)، و قريب منه خبر موسى بن بكير قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ قال: إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة» (2) و قد اعتمد عليها المشهور أيضا.

(1) للأصل بعد فقد الدليل، و بطلان القياس على الصغير.

(2) لأنّ المستفاد من الأدلة أنّ الزكاة من الوضعيات غير المنوطة بفعلية الخطاب إلا إذا دل دليل على الخلاف، كما ورد في الصغير و المجنون. و قياسهما عليهما باطل، بل مع الفارق بحسب الأنظار العرفية، فلا وجه لما عن جمع من سقوطها عن المغمى عليه و السكران، لأنّه مخالف لظواهر الإطلاقات و العمومات. هذا إذا كان الإغماء و السكر في زمان قليل.

و أما إذا كان كثيرا و استوعب كل منهما أياما كثيرة فيما يعتبر فيه الحول، أو استغرق وقت التعلق فيما لا يعتبر ذلك، فيشكل الوجوب حينئذ، لعدم القابلية للخطاب حينئذ و أيّ فرق بينه و بين الإغماء المستوعب للوقت في الصلاة حيث يوجب سقوط القضاء، و الإغماء الحاصل في اليوم الصوميّ حيث يسقط التكليف به كما مرّ كل ذلك في محله، فكما أنّه إذا كان العمل و العلوفة أياما كثيرة، فإنّ ذلك يقطع الحول، فكذا في المقام بلا فرق بينهما من هذه الجهة، و بذلك يمكن أن يجمع بين القولين فمن قال بالسقوط أي: فيما إذا كثر و طال. و من قال بالعدم أي: فيما إذا قلّ و قصر.

ص: 25


1- الوسائل باب: 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

مع التمكن العرفي من التصرف فيه (1).

مسألة 5: لو شك حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق

(مسألة 5): لو شك حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق (2) من صدق الاسم و عدمه- أو علم تاريخ البلوغ و شك في سبق زمان التعلق و تأخره ففي وجوب الإخراج إشكال، لأنّ أصالة التأخر لا تثبت البلوغ حال التعلق، و لكن الأحوط الإخراج. و أما إذا شك حين التعلق في البلوغ و عدمه، أو علم زمان التعلق و شك في سبق البلوغ و تأخره أو جهل التاريخين فالأصل عدم

______________________________

(1) أما عدم وجوب الزكاة على العبد، فلأجل عدم الحرية- كما تقدم- سواء قلنا بملكه أم لا، لأنّ الحرية شرط مستقل لا ربط لها بالملكية.

و أما الوجوب على سيده فيما ملكه فلا وجه له حتى مع التمكن من التصرف فيه، لزوال الملكية عن السيد بتمليكه لعبده إلا أن يقال: إنّ هذا النحو من التمليك لا يوجب زوال الملكية رأسا، و مع الشك فيه يستصحب بقاؤها.

(و فيه): أنّه لا وجه للاستصحاب للقطع بتحقق التمليك و معناه الإخراج عن الملك، فكيف يحكم بكونه ملكا للسيد مع اعترافه بإخراجه عن ملكه هذا بناء- على أن العبد يملك كما هو الحق. و أما بناء على العدم، فلا أثر لتمليك السيد لعبده و يكون تمليكه كتمليكه إلى بعض حيواناته.

(2) الأقسام المتصورة فيها ستة:

الأول: ما ذكره بقوله: «لو شك حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق من صدق الاسم و عدمه» يعني: أنّه يعلم ببلوغه و يشك في حدوث تكليف الزكاة بمجي ء وقت التعلق و عدم حدوثه بعدم مجيئه بعد، و لا ريب في عدم جواز التمسك بالأصول اللفظية في هذه الصورة و جميع الصور المذكورة في المتن، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا بد من التمسك بالأصول العملية، و مقتضى أصالة عدم المجي ء عدم وجوبها، و مع هذا الأصل الموضوعيّ لا تصل النوبة إلى الأصل الحكميّ أي: أصالة البراءة، لما ثبت في محله من تقدم الأصول الموضوعية على الأصول الحكمية.

ص: 26

.....

______________________________

الثاني: ما ذكره بقوله: «أو علم تاريخ البلوغ و شك في سبق زمان التعلق و تأخره» و حيث إنّ الأصل الموضوعيّ لا يجري في هذا القسم لأنّ أصالة عدم التعلق لا أثر لها إلا إذا ثبت بها كون التعلق بعد البلوغ، و حينئذ تكون من الأصول المثبتة التي لا اعتبار بها، فتصل النوبة لا محالة إلى الأصل الحكميّ و هو أصالة البراءة عن وجوب الزكاة، و لعل وجه الاحتياط للخروج عن خلاف من قال باعتبار أصالة تأخر الحادث مطلقا بناء على كونها أصلا مستقلا في حدّ نفسه و لو لم يرجع إلى الاستصحاب و لكنّه مردود كما ثبت في محله من أنّ الأصول المعتبرة محدودة و لا دليل على كون أصالة تأخر الحادث أصلا مستقلا من عقل، أو نقل، بل لا بد و أن ترجع الى الاستصحاب. و قد ظهر من ذلك المناقشة في قوله (رحمه اللّه): «لا تثبت البلوغ حال التعلق» و حق العبارة أن يقال: لا يثبت التعلق حال البلوغ، لأنّ الكلام في جريان الأصل في التعلق دون البلوغ.

الثالث: ما ذكره بقوله: «و أما إذا شك حين التعلق في البلوغ و عدمه» و هذا القسم عبارة عن احتمال حدوث كل منهما مقارنا فقط مع الآخر في زمان خاص، و حيث إنّ الأصل الموضوعيّ في كل منهما يجري و يسقط بالمعارضة، فتصل النوبة إلى أصالة البراءة، فلا تجب الزكاة، مع أنّه لا بدّ من إحراز تحقق شرط الوجوب قبل التعلق و لا تكفي المقارنة و هو غير محرز في المقام، فلا تجب من هذه الجهة أيضا، و على فرض كفاية المقارنة لا تثبت بالأصل من جهة الإثبات.

الرابع: ما ذكره بقوله: «لو علم زمان التعلق و شك في سبق البلوغ و تأخره» و مقتضى عدم تحقق البلوغ قبل التعلق عدم وجوبها و هو مقتضى أصالة البراءة أيضا.

الخامس: ما ذكره بقوله: «أو جهل التاريخين» و حيث إنّ الأصل الموضوعي يجري و يسقط بالمعارضة و تصل النوبة إلى الأصل الحكمي، و مقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب.

السادس: العلم بزمان حدوث كل منهما، و حكمه معلوم، فمع العلم بسبق البلوغ على التعلق تجب و في العكس لا تجب.

فتلخص مما ذكر: أنّه لا تجب عليه الزكاة في جميع الصور المتقدمة إلا في صورة

ص: 27

الوجوب، و أما مع الشك في العقل (1) فإن كان مسبوقا بالجنون و كان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل، و إن كان مسبوقا بالعقل، فمع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب، و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشك في سبق التعلق و تأخره فالأصل عدم الوجوب و كذا مع الجهل بالتاريخين، كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة و أنّها الجنون أو العقل كذلك.

______________________________

واحدة و هي القسم السادس.

(1) الأقسام هنا ستة أيضا:

الأول: سبق الجنون ثمَّ حصول الإفاقة و التعلق و الشك في التقدم و التأخر بينهما، و مقتضى أصالة عدم التعلق- في زمان العقل، و أصالة عدم تحقق شرط الوجوب في زمان الشك- عدم الوجوب.

الثاني: سبق العقل و العلم بزمان التعلق و الشك في حدوث الجنون قبله أو بعده، و مقتضى استصحاب بقاء العقل إلى حين التعلق هو الوجوب، مضافا إلى أصالة السلامة التي هي من الأصول العقلائية.

الثالث: سبق العقل مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشك في حدوث التعلق قبله أو بعده، و مقتضى أصالة عدم حدوث موجب التعلق حين العقل عدم الوجوب، و لا ينفع استصحاب بقاء العقل إلى حين التعلق، لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك فيه بالنسبة إلى الحادث المجهول. نعم، إن جرت أصالة السلامة في المقام تجب الزكاة، لإحراز الشرط بها إلى زمان التعلق.

الرابع: الجهل بتاريخ حدوث الجنون و تاريخ حدوث التعلق رأسا مع عدم العلم بالحالة السابقة، و مقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب بعد عدم جريان الأصول الموضوعية، للتعارض، أو لعدم المقتضي إلا أن يتمسك بأصالة السلامة، فيجب حينئذ.

ص: 28

مسألة 6: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة

(مسألة 6): ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة (1) إذا كان في تمام الحول، و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه، بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف، فلو اشترى نصابا من الغنم أو الإبل مثلا و كان للبائع الخيار، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه (2).

مسألة 7: إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد

(مسألة 7): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد (3) فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركا.

______________________________

الخامس: الشك في حدوثهما متقارنين فقط مع عدم العلم بالحالة السابقة، و مقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب إلا أن يتمسك بأصالة السلامة.

السادس: العلم بالتاريخين تفصيلا و حكمه معلوم.

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ أصالة السلامة و إن كانت من الأصول العقلائية و المعتبرة إلا أنّ المتيقن من مورد جريانها ما إذا تسالموا على جريانها فيه، و أما مع الشك في تسالمهم عليه، فيشكل التمسك بها حينئذ.

(1) يأتي في أحكام الخيار أنّ الملكية تحصل بمجرد العقد، و اللزوم متوقف على انقضاء الخيار و أنه يجوز لمن له الخيار التصرف في مورد الخيار فالمقتضي لتعلق الزكاة- و هو الملكية- موجود و المانع عنه- و هو عدم التمكن من التصرف- مفقود، فتجب لا محالة.

(2) لوجود المقتضي- و هو الملكية من حين العقد- و فقد المانع،- إن تمكن من التصرف. نعم، لو كانت في البين قرينة معتبرة على الالتزام بعدم التصرف لا تجب حينئذ، لعدم التمكن من التصرف.

(3) لما تقدم من اعتبار الملكية و لا ملكية لكل واحد من الشركاء في حصة الآخر و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في [مسألة 3] من (فصل زكاة الأنعام)، و [مسألة 29] من الختام.

ص: 29

مسألة 8: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاما أو خاصا

(مسألة 8): لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاما أو خاصا (1). و لا تجب في نماء الوقف العام (2) و أما في نماء الوقف الخاص فتجب على كل من بلغت حصته حدّ النصاب (3).

مسألة 9: إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور

(مسألة 9): إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور- بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك- بسهولة فالأحوط إخراج زكاتها (4)

______________________________

(1) لعدم الملكية بالنسبة إلى العين الموقوفة في الوقف العام، و عدم التمكن من التصرف فيها في الوقف الخاص، مضافا إلى ظهور الإجماع في عدم الزكاة في كل منهما بالنسبة إلى العين.

(2) إن كان الوقف وقف منفعة بأن وقفت العين لتكون منافعها للموقوف عليهم، فيستوفونها مباشرة أو تسبيبا، فالظاهر أنّهم يملكون المنافع ملكا طلقا، فيتعلق بها الزكاة بعد القبض مع تحقق سائر الشرائط للعمومات و الإطلاقات من غير فرق بين الوقف الخاص- كالوقف على الذرية- أو العام- كالوقف على الفقراء أو الفقهاء، و إن كان الوقف وقف انتفاع، فلا زكاة لعدم الملكية لا في العين و لا في المنفعة و إنّما يكون لهم حق الانتفاع فقط، فلا موضوع لوجوب الزكاة أصلا.

(3) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة قهرا.

فرع:- لا زكاة في بيت المال سواء كان قليلا أم كثيرا، لأنّها إما من الصدقات أو من غيرها، و على الأول يكون مالكها نوع المستحقين بناء على ملكهم لها بنحو الإشاعة، و لا يتمكنون من التصرف إلا بعد القبض، فلا زكاة حينئذ إلا بعد القبض مع تحقق سائر الشرائط، و بناء على عدم الملك و إنما لهم مجرّد الحق فقط فلا موضوع للزكاة أصلا، و على الأخير فلا ملك لأحد في البين و إنما يكون لوليّ الأمر حق صرفها في المصارف الخاصة.

(4) لا وجه للترديد، لأنّه مع صدق التمكن من التصرف عرفا يجب، و مع عدم الصدق لا يجب سواء صدق العدم أو شك فيه كما يأتي التفصيل في الفرع الثاني.

ص: 30

و كذا لو مكنه الغاصب من التصرف فيه، مع بقاء يده عليه، أو تمكن من أخذه سرقة بل و كذا لو أمكن تخليصه ببعضه، مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبدا، و كذا في المرهون إن أمكنه فكه بسهولة (1).

مسألة 10: إذا أمكنه استيفاء الدّين بسهولة و لم يفعل لم يجب عليه إخراج زكاته

(مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدّين بسهولة و لم يفعل لم يجب عليه إخراج زكاته بل و إن أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختيارا، مسامحة أو فرارا من الزكاة (2) و الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب و نحوه. أنّ الملكية

______________________________

(1) المناط- في صدق التمكن من التصرف، و التعبيرات الواردة في النصوص،- كقوله (عليه السلام): «عنده»، أو «في يده»، أو «يقع في يده» أو نحو ذلك- على الصدق العرفي، فمع الصدق العرفي تجب، و مع عدمه لا تجب، و أما مع الشك، فإن كان مسبوقا بالتمكن تجب، و مع عدم العلم بالحالة السابقة و استقرار الشك بالفحص و اليأس لا تجب، إذ المرجع حينئذ أصالة البراءة بعد عدم جواز التمسك بالأدلة، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و الظاهر اختلاف ذلك كلّه باختلاف الأشخاص و الموارد و الحالات، و المناط كله على صدق تسلطه و اقتداره على التصرف فيه فعلا عرفا، فربّ شخص يصدق عليه ذلك، و ربّ شخص لا يصدق، بل يمكن أن يصدق ذلك على شخص واحد في حالة، و لا يصدق عليه في حالة أخرى.

و يمكن أن يجعل هذا النزاع لفظيا، و يدل على ما قلناه خبر زرارة: «فإن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» (1) و نحوه غيره.

(2) للنص، و الإجماع، و لعدم الملكية إلا بعد القبض، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «لا صدقة على الدّين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» (2)، و عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «عن الدّين يكون على القوم

ص: 31


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

حاصلة في المغصوب و نحوه، بخلاف الدّين فإنّه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه (1).

مسألة 11: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض

(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض، فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكوية و بقي عنده سنة وجب عليه الزكاة.

______________________________

المياسير إذا شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، حتى يقبضه و يحول عليه الحول» (1).

و موثق إسحاق: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الدّين عليه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا حتى يقبضه. قلت: فإذا قبضه أ يزكيه؟ قال (عليه السلام): لا حتى يحول عليه الحول في يده» (2).

و ما يظهر منه الوجوب محمول على الندب بقرينة غيره كصحيح إسماعيل بن عبد الخالق: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) أ على الدّين زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، إلا أن تفرّ به (3)، و عنه (عليه السلام) أيضا: «ليس في الدّين زكاة إلا أن يكون صاحب الدّين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» (4) و قريب منه غيره.

هذا مع أنّ الزكاة تتعلق بالعين كما يأتي، و الدّين في الذمة ما لم يقبض و لو عمدا، فما نسب إلى المقنعة، و المبسوط، و السيد من الوجوب لا وجه له.

(1) للنصوص، و الإجماع، و الإطلاقات و العمومات، الدالة على وجوب الزكاة، و في صحيح يعقوب ابن شعيب: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء اللّه على من الزكاة، على المقترض أو على المستقرض؟ فقال (عليه السلام): على المستقرض، لأنّ له نفعه

ص: 32


1- الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 15.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 13.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.

نعم، يصح أن يؤدي المقرض عنه تبرعا، بل يصح تبرع الأجنبي (1) أيضا.

و الأحوط الاستيذان من المقترض (2) في التبرع عنه و إن كان الأقوى عدم

______________________________

و عليه زكاته»(1) و عن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكاته على المقرض أو على- المقترض؟ قال (عليه السلام): لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» (2).

(1) لأنّ التبرع بتفريغ ذمة الغير عما اشتغلت به نحو إحسان و قيام بحقوق الأخوة الإيمانية، و مقتضى المرتكزات حسنه و رجحانه إلا أن يدل دليل على المنع و لا دليل عليه إلا ما دلّ على أنّه لا تصح النيابة عن الحيّ في العبادات الواجبة.

و فيه: أنّ المنساق منه العباديات المحضة دون مثل الزكاة التي تغلب عليها جهة المالية و حق الناس، و مع الشك لا يصح التمسك به، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما لا يصح التمسك بأصالة بقاء اشتغال الذمة، للعمومات الدالة على حسن الإحسان إلى الإخوان، و البرّ، و الصلة في التصدق بالنسبة إلى الأحياء و الأموات، و في صحيح ابن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل استقرض مالا، فحال عليه الحول و هو عنده قال (عليه السلام): إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض»(3).

و المنساق من مثل هذا الصحيح- الذي سيق مساق التسهيل و التيسير، و الترغيب إلى الإحسان- أنّ الذي أقرضه من باب المثال لا الخصوصية فيشمل الأجنبيّ أيضا.

(2) و عن الشهيد لزومه، لأنّ الزكاة عبادة لصاحب المال، فلا بد من إضافتها إليه مباشرة أو تسبيبا و الإذن من التسبيب، فلا بد من تحققه بعد عدم المباشرة.

ص: 33


1- الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

اعتباره (1). و لو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض، فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجها إليه لم يصح، و إن كان المقصود أن يؤدي عنه صح (2).

______________________________

و فيه: أنّ الإضافة تحصل بقصد المتبرع، مضافا إلى إطلاق صحيح ابن حازم، و لا فرق في ذلك كلّه بين تعلق الزكاة بالعين كما هو المشهور بيننا، أو بالذمة كما نسب إلى غيرنا.

(1) للأصل، و إطلاق صحيح ابن حازم، و لا وجه للتمسك بقاعدة الاشتغال، لأنّه يسقط الحق بالأداء خصوصا إن كان إلى الحاكم الشرعيّ فيكون كما إذا تبرع أحد بأداء الدّين الذي عليه الرهن إلى المرتهن فتفرغ الذمة و يسقط حق الرهانة، فلا يبقى موضوع للقاعدة فكذا في المقام.

ثمَّ إنّه على فرض عدم اعتبار إذنه هل يكون منعه مانعا أو لا؟ وجهان و صريح جمع منهم سيدنا الأستاذ في كتاب الدّين عدم المنع، بل يجب على الدائن القبول، و في الفرق بين الزكاة و الدّين من هذه الجهة تأمل. نعم، لو كانت في البين منة لا تتحمل عادة وجب الاستيذان، و يكون المنع مانعا حينئذ و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(2) لأنّ الشرط على الأول يكون خلاف الكتاب و السنة، فيسقط عن الاعتبار بخلافه على الأخير و لكن لا تبرأ ذمته بمجرّد الشرط، بل بالأداء خارجا.

و بعد كون الحكم مطابقا للقاعدة لا نحتاج إلى حديث و إن ورد صحيح ابن سنان:

«قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار، و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين» (1).

و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال، فاشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين» (2).

ص: 34


1- الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

مسألة 12: إذا نذر التصدق بالعين الزكوية

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية، فإن كان مطلقا غير موقت و لا معلقا على شرط لم تجب الزكاة فيها، و إن لم تخرج عن ملكه بذلك، لعدم التمكن من التصرف فيها (1)، سواء تعلق بتمام النصاب أو بعضه (2).

نعم، لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب إخراجها أولا ثمَّ الوفاء بالنذر (3) و إن كان موقتا بما قبل الحول و وفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد

______________________________

و قد يتوهم: سقوط الشرط حتى على الأخير، لأنّ اشتراط ثبوتها على غير المالك، أو في غير المال الزكويّ خلاف الكتاب و السنة، مع أنّه من شرط النيابة عن الحيّ و هو أيضا لا يجوز، مضافا إلى أنّ شرط الزيادة في القرض من الربا المحرّم.

و الكل باطل: أما الأولان، فلما دل على عدم وجوب المباشرة في الأداء، و كفاية التسبيب فيه، و لما دل على عدم وجوب الأداء من نفس متعلق الزكاة، بل يجوز من غيره أيضا. و أما الثالث، فلظهور النص و الفتوى في كفاية النيابة و التبرع في الزكاة.

و أما الأخير: فلأنّ الرباء المحرم ما إذا كان الشرط على المقترض للمقرض لا العكس.

(1) لا ريب في تحقق الحكم التكليفي بوجوب الوفاء بالنذر لما دل على وجوب الوفاء به، و مقتضى المرتكزات من الناذرين و غيرهم ثبوت حق في الجملة للمنذور له، و جهة اختصاص للّه تعالى بالنسبة إلى المنذور و هذا الحق و ذاك الحكم التكليفي يقتضي عدم إتلافه و حفظه عن التلف، و أنّ إتلافه يعدّ لدى المتشرعة من المنكرات، بل و لدى غيرهم أيضا و هذا عبارة أخرى عن عدم التمكن من التصرف المانع عن تعلق الزكاة.

(2) إن لم تكن البقية بقدر نصاب الزكاة و الا فتجب.

(3) مقتضى إطلاق الدليلين و إمكان الجمع بين الحقين إعطاء الزكاة من القيمة، لما يأتي من جوازه و لو مع التمكن من الأداء من العين، و الوفاء بالنذر من العين.

ص: 35

ذلك مقدار النصاب (1)، و كذا إذا لم يف به و قلنا بوجوب القضاء- بل مطلقا- لانقطاع الحول بالعصيان (2). نعم، إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء (3). و كذا إن كان موقتا بما بعد الحول، فإنّ تعلق النذر به مانع عن التصرف فيه (4) و أما إن كان معلقا على شرط، فإن حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب (5)، و إن حصل بعده وجبت (6)، و إن حصل مقارنا لتمام الحول ففيه إشكال و وجوه، ثالثها:

التخيير بين تقديم أيّهما شاء، و رابعها: القرعة (7).

______________________________

(1) لانتفاء موضوع وجوب الزكاة حينئذ.

(2) بل بنفس النذر، لعدم التمكن من التصرف من هذه الجهة، فلا يجري في الحول حينئذ كما يأتي بعد ذلك عند قوله (رحمه اللّه): «إن كان موقتا بما بعد الحول».

(3) لوجود المقتضي لوجوب الزكاة و هو الملكية، و فقد المانع و هو عدم التمكن من التصرف، لأنّ لازم عدم وجوب القضاء من العين جواز التصرف فيها.

(4) و قد تقدم في الشرط الخامس اشتراط تمام التمكن من التصرف.

(5) لانقطاع الحول بعروض عدم التمكن من التصرف.

(6) بدعوى: أنّه لا مانع فيه قبل حصول الشرط، إذ لا تكليف بوجوب الوفاء فعلا حتى يكون مانعا عنه. و فيه: أنّ مجرد تحقق النذر بشي ء شرعا و لو كان مشروطا يوجب حفظ متعلقه مقدمة للوفاء به. إذ نرى المتشرعة إذا نذروا- إن شفى اللّه تعالى مريضهم أن يتصدّقوا بمال معيّن خارجي- فإنّهم يحفظونه عن التلف و لا يقدمون على الإتلاف قبل حصول الشرط التماسا لحصول الشرط ثمَّ الوفاء بنذرهم، و الأدلة وردت على طبق هذه المرتكزات و هي مانعة عن تعلق الزكاة، فلا موضوع للتزاحم و التعارض حتى يبحث عنهما في المقام.

(7) وجه سقوط الزكاة، و وجوب الوفاء بالنذر، عدم صدق التمكن من التصرف في تمام الحول عرفا، فيكون كما لو حصل النذر في أثناء الحول.

ص: 36

.....

______________________________

و وجه وجوب الزكاة صدق التمكن من التصرف في تمام الحول بناء على المسامحة العرفية. و فيه: أنّه لا دليل على اغتفار هذه المسامحة بعد ظهور الأدلة في اعتبار التمكن من التصرف في تمام الحول.

و وجه التخيير أنّه إما من التزاحم، فيتحقق التخيير العقلي، أو من التعارض، فالشرعيّ منه. و فيه: أنّه لا وجه للأول، لتوقفه على إحراز تمامية الملاك في كل واحد من المتزاحمين و لم يحرز ذلك، لأنّه مع صدق التمكن من التصرف لا ملاك لوجوب الوفاء بالنذر، و مع عدمه لا ملاك لوجوب الزكاة كما لا وجه للثاني، لأنّه من المتباينين لا العامين من وجه كما في المقام، فإنّ حكمه التساقط و الرجوع إلى ما لا يخالفهما و هو هنا إما صرف المقدار في مجمع العنوانين أو إعطاء الزكاة من القيمة و الوفاء بالنذر من العين، و يمكن القول به في المقام بناء على كفاية المسامحة العرفية في الجملة في صدق التمكن في الحول. و بذلك ينفي موضوع التخيير العقلي أيضا، لأنّه فيما إذا لم يمكن الجمع بين الخطابين في الامتثال و هنا يمكن ذلك فيكون هذا وجها خامسا لم يذكر في المتن، و لكنه مبنيّ على المسامحة العرفية في صدق التمكن من التصرف. و هو مشكل.

و أما وجه القرعة، فلأنها لكل أمر مشكل و المقام منها. و فيه: أن العمل بها يحتاج إلى الانجبار بفتوى الأصحاب و هو مفقود في المقام.

و تلخيص الكلام: إن في النذر المطلق في أثناء الحول، و الموقت فيه، و الموقت بما بعد الحول، و المشروط الحاصل شرطه في أثناء الحول، و المشروط الحاصل شرطه بعد تمام الحول لا تجب الزكاة في هذه الأقسام الخمسة، لعدم التمكن من التصرف، و إن كان النذر المطلق بعد تعلق الزكاة أو كان مشروطا و حصل الشرط مقارنا لتعلقها تجب الزكاة فيهما لوجود المقتضى لوجوبها و فقد المانع عنه. هذا كله في نذر الفعل.

و أما نذر النتيجة فالكلام تارة في مورده: و أخرى في صحته: و ثالثة: في أثره في المقام.

أما الأول: فيمكن أن يقال: إنّ مورده ليس جميع الأمور المحتاجة إلى أسباب خاصة في الشريعة من العقود و الإيقاعات و المعاملات، لأنّه يستنكر عند المتشرعة أن يقول أحد لامرأة: للّه عليّ أن تكوني زوجتي، أو تقول المرأة: للّه عليّ أن أكون زوجة

ص: 37

.....

______________________________

لزيد، أو يقول أحد: للّه عليّ أن يكون هذا مبيعا لعمرو أو نحو ذلك. و لم يعهد مثل هذه التعبيرات من أحد لا قديما و لا حديثا و إنّما تكون هذه احتمالات فرضها العلماء توسعة للبحث، فليس مورده إلا العباديات و الصدقات و التبرعيات المحضة و ترك المحرّمات، كما هو مورد النذور الفعلية غالبا- كأن يقول للّه عليّ أن يكون هذا المال للفقراء، أو لزيد أو يقول للّه عليّ أن أكون تاركا للغيبة، أو لشرب الخمر. نعم، لنا أن نفرض البحث من حيث التعميم أيضا كما يظهر ذلك من إطلاق الكلمات.

و أما الثاني: فالإشكال المعروف في نذر النتيجة أنّ أدلة النذر لا تقتضي ترتب الآثار التي رتبها الشارع على أسباب خاصة من البيع، و النكاح، و الطلاق و نحوها، فمقتضى الأصل عدم الترتب إلا أن يدل عليه دليل و هو مفقود. و لا وقع لهذا الإشكال بالنسبة إلى ما اخترناه من اختصاص مورد نذر النتيجة بموارد خاصة، و قد نسب في المدارك جعل المال صدقة، أو ضحايا إلى قطع الأصحاب، و أرسل- في عتق الجواهر قوله: «نعم، لو نذر كونه للّه خرج عن ملكه و وجب التصدق به»- إرسال المسلّمات فراجع. نعم، جعل (رحمه اللّه) كون المال لزيد مورد النزاع، و الظاهر أنّ مراده ما إذا كان بعنوان الهبة و نحوها لا بعنوان الصدقة لزيد قربة إلى اللّه تعالى. هذا و أما بناء على التعميم فلا جواب عن الإشكال، لأنّ الشك في مشروعية مورد النذر يكفي في عدم جواز التمسك بإطلاقاته و عموماته، لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

إن قيل: في مثل الصدقات، و التبرعات، و ترك المحرّمات و نحوها مما قلت فيها بالجواز تكون الشبهة مصداقية أيضا، فلا يصح التمسك بعموم النذر (يقال): لا شبهة في البين، لعدم تفرقة العرف و المتشرعة بينها من هذه الجهة، مع أنّ جملة مما ذكر يمكن إرجاعه إلى نذر الفعل أيضا.

و قد يستشكل على صحة نذر النتيجة بأنّ معنى النذر تمليك المنذور للّه تعالى و لا تعرض له بالنسبة إلى الصدقة، أو التبرع، أو الأمر الآخر.

(و فيه) أولا: أنّه لا دليل على كون النذر تمليك للّه تعالى من عقل أو نقل و إنّما استظهر ذلك من لفظ (اللام) في «للّه عليّ» و هو يستعمل في مطلق الإضافة التي

ص: 38

مسألة 13: لو استطاع الحج بالنصاب

(مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب، فإن تمَّ الحول قبل سير القافلة و التمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا (1) فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب، و إلا فلا، و إن كان مضى الحول متأخرا عن سير القافلة وجب الحج و سقط وجوب الزكاة (2). نعم، لو عصى و لم يحج وجبت بعد تمام الحول (3) و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولا لتعلقها

______________________________

يكفي فيها أدنى المناسبة كما في قول هذا الخيط للعباء، و هذه المكينة للسيارة. نعم، للإضافة مراتب كثيرة بعض مراتبها الملكية.

و ثانيا: أنّهما متلازمان فجعل التمليك للّه تعالى ملازم للصدقة و التبرع الكذائي في نفس الناذر، و عرف المتشرعة و تفصيل الكلام موكول إلى محل آخر و يأتي في أحكام الشروط بعض الكلام.

و أما الثالث: فلا ريب في منعه عن الزكاة بناء على صحته إما لزوال الملكية، أو لعدم التمكن من التصرف.

(1) لفعلية وجوب الزكاة، فيكون مانعا عن تحقق الاستطاعة، كما أنّ الدّين مانع عنها، و لا ربط لهذه المسألة بمسألة جواز تفويت الاستطاعة و عدمه، لأنّ موضوع بحث التفويت إنّما هو بعد حصول الاستطاعة، و في المقام لا تحصل الاستطاعة أصلا حتى يبحث عن التفويت و عدمه.

ثمَّ إنّه ليس لسير القافلة في الأدلة عين و لا أثر و المناط كله قبل إقدام المتعارف على تهيئة مقدمات المسير من الجواز، و المقاولة مع الحملدارية و نحو ذلك و هذا يختلف في هذه العصور اختلافا فاحشا بحسب الخصوصيات. فقد تسير القافلة بعد مضيّ أيام من شهر ذي الحجة، و قد تسير قبل ذلك بقليل أو كثير و يأتي التفصيل في محله.

(2) لأنّه بعد صرف بعض النصاب أو تمامه في الحج لا يبقى موضوع للزكاة حتى تجب، فتسقط لا محالة، و كذا لو لم يصرف و توقف الحج على حفظه، فإنّه تسقط الزكاة من جهة عدم التمكن من التصرف فيه.

(3) لكشف العصيان عن عدم وجوب حفظ المال، فيكون المقتضي لوجوب

ص: 39

بالعين، بخلاف الحج (1).

مسألة 14: لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه

(مسألة 14): لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه بأن كان مدفونا و لم يعرف مكانه، أو غائبا أو نحو ذلك (2) ثمَّ تمكن منه

______________________________

الزكاة و هو الملكية موجودا و المانع عنه مفقودا، لانكشاف عدم وجوب حفظ المال واقعا. هذا بناء على المقدمة الموصلة، إذ لا وجوب للمقدمة أصلا مع عدم الإتيان بذيها و لو عصيانا. و أما بناء على وجوب مطلق المقدمة و لو لم توصل، فلا تجب الزكاة لوجوب حفظ المال حينئذ مطلقا، فلا يتمكن من التصرف فيه و تسقط الزكاة من هذه الجهة. نعم، إن أمكنه الحج من مال آخر تجب الزكاة مطلقا بلا فرق بين المقدمة الموصلة و غيرها، لعدم وجوب حفظ هذا النصاب حينئذ على كل تقدير.

(1) لأنّ التعلق بالعين يكشف عن أهمية وجوب الزكاة التي اجتمع فيها حق الناس و حق اللّه عن الحج فلا يجب حفظ النصاب له، فالمقتضي لوجوب الزكاة موجود و المانع عنه مفقود، فتجب لا محالة.

(2) لما ادعي عليه من الإجماع، و مدرك التعميم بالنسبة إلى كل ما لا يتمكن من التصرف فيه منحصر بالإجماع لو تمَّ، و لكنه مشكل، لاشتمال أكثر الفتاوى- كالنص- على الغائب و المدفون، و قد تقدم في خبري زرارة و ابن سدير (1).

إلا أن يقال: إنّ ذكرهما من باب المثال لا الخصوصية، فيستفاد التعميم من الجمع لا محالة، و يشهد له ذكر المغصوب، و الضال، و نحوهما في بعض الكلمات، و يمكن استفادة التعميم أيضا من قوله (عليه السلام): «حتى يحول عليه الحول و هو عنده»(2)، لأنّ المنساق منه أنّ المناط صدق كونه عنده و لا خصوصية للغائب.

ثمَّ إنّه ذكر مدّة الغيبة في خبر رفاعة خمس سنين، فعنه: «الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين، ثمَّ يأتيه فلا يرد رأس المال، كم يزكيه؟ قال (عليه السلام): سنة

ص: 40


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1 و 7.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

استحب زكاته لسنة (1)، بل يقوى استحبابها لمضيّ سنة واحدة أيضا (2).

مسألة 15: إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكنا

(مسألة 15): إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكنا فقد استقر الوجوب فيجب الأداء (3) إذا تمكن بعد ذلك، و إلا فإن كان مقصّرا يكون ضامنا، و إلا فلا (4).

______________________________

واحدة» (1).

و في خبر سدير «ثلاث سنين»، و في خبر زرارة «لكل ما مر به من السنين» و الأخير شامل لسنتين، بل لسنة واحدة أيضا، فيحمل الثلاث و الخمس على مجرّد المثال لا الخصوصية.

(1) لخبر سدير، و زرارة- المتقدمان- ففي الأول «يزكيه لسنة واحدة» و في الآخر «زكاه لعام واحد» المحمول كل منهما على الندب جمعا و إجماعا.

(2) لإطلاق خبر زرارة، و لكنّه مشكل جمودا على لفظ الجمع الذي أقلّه اثنان إلا أن يقال: إنّ معنى قوله (عليه السلام): «لكل ما مرّ به من السنين» أي: لكل سنة مرّت به، و لكن لا يستحب التعدد إجماعا و إنّما استحب زكاة واحدة فقط، فيشمل الحديث السنة الواحدة أيضا، مع أنّ الاستحباب مبنيّ على المسامحة، فيشمل السنة الواحدة أيضا، لأنّها من مجرّد التصدق المطلوب على كل حال و استقرب ذلك في الجواهر فراجع.

(3) لثبوت المقتضي للوجوب و فقد المانع عنه، فتشمله الأدلة لا محالة.

(4) أما الضمان مع التقصير، فيدل عليه- مضافا إلى ظهور الإجماع و ما دلّ على ضمان الأمين مع التفريط- جملة من الأخبار منها صحيح ابن مسلم: «رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (عليه السلام): إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده» (2)،

ص: 41


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

مسألة 16: الكافر تجب عليه الزكاة

(مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة (1)، لكن لا تصح منه إذا

______________________________

و في خبر زرارة: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال (عليه السلام): ليس على الرسول، و لا على المؤدي ضمان، قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ فقال (عليه السلام): لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» (1).

و أما عدم الضمان مع عدم التقصير، فللأصل، و ظهور الإجماع و ما تقدم من صحيح ابن مسلم.

(1) على المشهور المدعى عليه الإجماع، لعموم أدلة التكاليف الشامل له أيضا، و مرجع هذا النزاع إلى أنّ التكاليف بالنسبة إلى الكفار هل يكون أصل تشريعها مشروطة شرعا بالإيمان- كاشتراط الحج بالاستطاعة مثلا؟ أو أنّها مطلقة بالنسبة إليهم- كإطلاقها بالنسبة إلينا-؟ مقتضى الأصل عدم التقييد، كما هو الشأن في كل قيد شك فيه بالنسبة إلى كل حكم من الأحكام. نعم، صحة خصوص العبادات واجبة كانت أو مندوبة مشروطة بالإيمان على إشكال في مثل التبرعات، و الصدقات المندوبة، و الخيرات و نحوها، بل الظاهر عدم اعتبار الإيمان في صحتها و ترتيب الأجر عليها في الجملة، و يدل على تكليف الكفار بالزكاة خصوص قوله تعالى وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (2)، و قوله تعالى لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (3) و احتمال أنّ المراد بها غير الزكاة المعهودة خلاف ظاهر الإطلاق.

كما أنّ الإشكال بأنّ الآية مكية و الزكاة إنّما شرعت في المدينة (مدفوع) بأنّ الآية في مقام الإخبار عن الحكم الواقعيّ سواء كان مشروعا حين نزول الآية أم سيشرع بعد ذلك و إنّما قدمت مقدمة لإظهار تشريعه بعد ذلك.

ص: 42


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- سورة فصلت: 6- 7.
3- سورة المدثر: 43- 44.

.....

______________________________

و أما الإشكال على تكليف الكفار بالفروع مطلقا بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال (عليه السلام): إنّ اللّه بعث محمدا إلى الناس أجمعين رسولا و حجة اللّه على جميع خلقه في أرضه فمن آمن باللّه و بمحمد رسول اللّه و اتبعه و صدقه، فإنّ معرفة الإمام منا واجبة عليه، و من لم يؤمن باللّه و برسوله و لم يتبعه و لم يصدقه و يعرف حقهما، فكيف تجب عليهم معرفة الإمام؟!!» (1). فباطل، لأنّ غاية ما يدل عليه هذا الصحيح هو أنّ معرفة الإمام (عليه السلام) متأخرة رتبة عن معرفة اللّه و رسوله. و أما أنّ الكفار ليسوا بمكلفين بالفروع قبل إسلامهم فلا يدل عليه.

ثمَّ إنّه ليس المقام مما ورد فيه مطلق و قيد، فيدور أمر القيد بين رجوعه إلى الهيئة أو المادة، فيرجع إلى الهيئة، فتصير النتيجة أنّ أصل وجوب التكاليف الفرعية و تشريعها مشروط بالإسلام، لما فيه:

أولا: من أنّ أصل هذا البحث ساقط، للملازمة بين الهيئة و المادة في التحقق، و إنّما التفكيك يكون في فرض العقل، و الفروض العقلية ليست مناطا للأحكام الشرعية.

و ثانيا: أنّه على فرض صحته إنّما يجري فيما إذا كان هناك قيد ثابت متحقق بالفعل لا ما إذا لم يكن كذلك و كان من مجرّد التخيل و القول بلا دليل. هذا مع أنّ خطاب الزكاة من سنخ خطاب الوضع و هو غير مختص بالمسلمين، مع أنّ الإسلام عبارة عن القول و العمل، كما في جملة من الأخبار (2)، فنفس أدلة وجوب الإسلام يتضمن وجوب الفرعيات عليه و لكن مترتبا كترتب المشروط على الشرط، و الأجزاء الأخيرة على الجزء الأول.

ثمَّ إنّ حديث الجبّ لا يجري فيما كان من حقوق الناس، بل مقتضى بعض الأخبار عدم جريانه في الحدود أيضا (3)، مع أنّ حديث الجبّ لا يعمل بإطلاقه إلا فيما

ص: 43


1- سبق الكلام حول الرواية في ج 7 صفحة: 289.
2- راجع أصول الكافي ج: 2 صفحة: 27 ط: طهران.
3- راجع باب: 29 و غيره من أبواب مقدمات الحدود.

أدّاها (1). نعم، للإمام (عليه السلام) أو نائبه أخذها منه قهرا (2) و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه (3).

مسألة 17: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه (4).

______________________________

عمل به الأصحاب. و قد تقدم الكلام في حديث الجبّ (1) مفصّلا.

(1) لأنّها عبادة و لا تصح العبادات من الكافر مطلقا إجماعا.

(2) لأنّ من أهمّ الأمور الحسبية التي يجب القيام بها على الإمام و نائبه إنّما هو أخذ حقوق الفقراء عمن استولى عليها و لهما الولاية على مثل هذه الحقوق أخذا، و جمعا، و إعطاء و غير ذلك مما يتعلق بها، بل لا معنى لقيام الأمور الحسبية، و تنظيم أمور الرعية إلا إحقاق الحقوق و أخذ الحق ممن عليه و صرفه فيمن له. و يأتي في المسائل الآتية و فروع الختام بعض ما يناسب المقام.

(3) لتحقق ضمانه لها بالإتلاف. و حيث يمتنع عن الأداء فالحاكم يأخذ منه قهرا، لأنّه وليّ الممتنع.

و القول بالعدم مع الإتلاف كما نسب إلى جمع منهم الفاضلان، و الشهيدان، بل إلى المشهور لعدم تمكنه من الأداء فلا وجه لضمانه، فلا موضوع لأخذ الزكاة منه (مردود): أولا بأنّه متمكن من الأداء بأن يسلم ثمَّ يؤدي، و التمكن مع الواسطة تمكن أيضا. و ثانيا: بأنّ التمكن من الأداء شرط في الضمان بالتلف لا الإتلاف الذي يكفي فيه عموم قاعدة (اليد) تمكن من الأداء أم لم يتمكن.

و ثالثا: بعد كون الأخذ تكليف الحاكم الشرعي يسقط البحث عن قدرة الكافر على الأداء و عدم قدرته عليه، فلا يبقى مجال لتطويل البحث في المقام كما عن بعض مشايخنا العظام و تبعه غيره.

(4) على المشهور المدعى عليه الإجماع، لحديث الجبّ: «الإسلام يجب ما قبله» (2).

ص: 44


1- راجع مهذب الأحكام ج: 7 صفحة: 288 الطبعة الرابعة.
2- راجع مهذب الأحكام ج: 7 صفحة: 288 الطبعة الرابعة.

.....

______________________________

و أشكل على الحديث أولا: بضعف السند.

و فيه: أنّه من المشهورات بين العامة و الخاصة و اعتمدوا عليه في موارد كثيرة من الفقه، مع أنّه مطابق للمرتكزات العقلائية في جميع الملل. و الأديان، لأنّ كل من ترك دينا و أخذ دينا آخر لا يؤاخذه الدّين اللاحق بما فعل في دينه السابق فكيف بشرع الإسلام المبنيّ على التسهيل و الامتنان.

و ثانيا: باختصاصه بخصوص قضاء الصلاة فلا يشمل غيرها.

و فيه: أنّه من المرغبات إلى الإسلام و التسهيلات لمن دخل فيه، و مقتضى ذلك سقوط مثل الزكاة أيضا، بل هي أولى بالسقوط فإنّه لو طولب بزكاة ما مضى من عمره في زمان كفره لنفر عن الإسلام مع ما عليه عامة الناس من شدّة العلاقة بالماليات.

و لنا أن نقول: إنا لا نأخذ بعموم الحديث إلا فيما انجبر بعمل الأصحاب، و قد انجبر في الزكاة بالإجماع كما مرّ مرارا.

و ثالثا: بأنّه من الأدلة الامتنانية، و سقوط الزكاة عنه خلاف الامتنان على الفقراء.

و فيه: أنّه لا يلزم في الامتنانيات أن تكون امتنانية من كل جهة، مع أنّه يمكن تدارك ما لم يصل إلى الفقراء بمصالح كثيرة تكون أهمّ منه بمراتب. منها تكثير عدد المسلمين، و زيادة شوكتهم و قوتهم، بل و ثروتهم، لأنّ الكافر المليّ إذا أسلم تؤخذ منه الزكاة بعد إسلامه، فتصرف على الفقراء و سائر المصارف. و بهذا يجبر ما فات من سقوط الزكاة عنهم في زمان كفرهم.

و رابعا: بأنّ العمل بعموم الحديث مستلزم لتخصيص الأكثر.

و فيه: أنّه لا يعمل به إلا فيما اعتمد عليه الأصحاب و انجبر كما تقدم.

و خامسا: أنّه معارض بما ورد في المخالف إذا استبصر من وجوب الزكاة عليه (1).

و فيه: أنّه لا وجه للتعارض، لاختلاف الموضوع.

ص: 45


1- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات.

و إن كانت العين موجودة (1)، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

مسألة 18: إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلق الزكاة وجب عليه إخراجها

(مسألة 18): إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب (2) بعد تعلق الزكاة وجب عليه إخراجها.

______________________________

و سادسا: أنّه قيل: إنّ الحديث ورد لبيان أنّ الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع، فلا ربط له بالمقام.

و فيه: أنّه خلاف ظهوره و إن كان أحد محتملاته.

(1) للجمود على إطلاق قوله (عليه السلام): «الإسلام يجب ما قبله»، الشامل لصورة وجود العين و لكنه مشكل، لظهور قوله (عليه السلام): «ما قبله» فيما لا أثر له فعلا، فمقتضى الأصل بقاء الوجوب و وجوب الإخراج، و يأتي منه (رحمه اللّه) في خمس المعادن اعتبار عدم بقاء العين.

لكن يمكن أن يقال: إنّ سيرة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و خلفائه لم تكن على أخذ الزكاة من الكفار بعد إسلامهم مع بقاء العين في أيديهم إما قطعا، أو استصحابا و أنّ الحكم كان ابتلائيا بينهم، فمن هذه الجهة يمكن التفريق بين المقام و بين الخمس.

ثمَّ إنّه قد أشكل على المقام: بأنّه لا وجه لتكليف الكفار بالفروع، إذ لا تصح منهم في حال الكفر و يسقط بعد الإسلام، فأيّ فائدة في التكليف.

و فيه: أنّه يصح أخذ الحاكم الشرعيّ منه حال كفره، و يصح عقابه عليها لو مات كافرا و لم يؤخذ منه.

(2) لإطلاق الأدلة، و عدم تحقق المسقط لها و لا اختصاص لها بتمام النصاب، بل يجري في بعضه أيضا، كما لا اختصاص له بخصوص الشراء، بل يجري في مطلق الانتقالات. و يأتي ما ينفع المقام في [مسألة 31] من (فصل زكاة الغلات).

ص: 46

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة

اشارة

(فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة) تجب الزكاة في تسعة أشياء (1): الأنعام الثلاثة و هي: الإبل، و البقر، و الغنم، و النقدين- و هما: الذهب و الفضة- و الغلات الأربع و هي: الحنطة، و الشعير و التمر، و الزبيب، و لا تجب فيما عدا ذلك على الأصح (2): نعم، يستحب إخراجها من أربعة أنواع أخر.

(فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة)

______________________________

(1) لإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدّين، و نصوص متواترة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «لما نزلت آية- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها- في شهر رمضان أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) مناديه فنادى في الناس إنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليكم من الذهب، و الفضة، و الإبل، و البقر، و الغنم، و من الحنطة و الشعير، و التمر، و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان، و عفى لهم عما سوى ذلك» (1).

و منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «وضع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الذهب، و الفضة، و الإبل، و البقر، و الغنم و عفى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عما سوى ذلك» (2) و نحوهما غيرهما.

(2) لما تقدم من الصحيحين و غيرهما مما هي متواترة في نفي الوجوب عن غير التسعة، و للإجماع المحكيّ عن جمع منهم الشيخان و السيدان، فما يظهر من بعض

ص: 47


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 5.

أحدها: الحبوب

أحدها: الحبوب مما يكال أو يوزن (1)، كالأرز، و الحمص، و الماش،

______________________________

الأخبار من الوجوب محمول على الندب، جمعا و إجماعا كصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة، و قال: جعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و البقول، و كل شي ء يفسد من يومه» (1).

و لا بد من حمله على الندب بقرينة صحيحة الآخر عن أبي جعفر (عليه السلام): «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير، و التمر، و الزبيب- إلى أن قال- و ليس فيما أنبتت الأرض شي ء إلّا في هذه الأربعة أشياء» (2).

و في بعض الأخبار الاستنكار، كخبر الطيار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- الوارد في بيان الزكاة في تسعة أشياء- «فقلت: أصلحك اللّه فإنّ عندنا حبّا كثيرا فقال (عليه السلام): و ما هو؟ قلت الأرز قال: نعم، ما أكثره، فقلت أ فيه الزكاة؟

فزبرني (3)ثمَّ قال: أقول لك إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عفى عما سوى ذلك و تقول إنّ عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة؟!!» (4).

و لو لا تسالم الأصحاب على الاستحباب لأشكل ذلك، لإمكان حملها على التقية كما عن المرتضى، و يشهد له خبر أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): هل في الأرز شي ء؟ فقال (عليه السلام): نعم. ثمَّ قال (عليه السلام) إنّ المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه؟»(5)فما نسب إلى يونس، و ابن الجنيد من الوجوب لا وجه له.

(1) على المشهور، و قد ورد الكيل في جملة من النصوص منها: ما تقدم من

ص: 48


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 8.
3- زبره أي: انتهره.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 12.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 11.

.....

______________________________

صحيح زرارة، و منها: صحيحه الآخر: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): في الذرة شي ء؟ فقال لي: الذرة، و العدس، و السلت، و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» (1).

و أما الوزن: فلم يرد إلا في رسالة المحكم و المتشابه عن تفسير النعماني: «و أما الوزن فمن الذهب و الفضة و سائر ما يوزن من أبواب سلع التجارات مما لا يدخل فيه العدد و الكيل» (2) مع أنّا لا نحتاج إلى ذكر الوزن و وروده في النص، لأنّ الكيل طريق إلى الوزن المخصوص، و يشهد له قوله (عليه السلام): «ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة».

ثمَّ إنّ مجموع نصوص الباب على أقسام ثلاثة:

الأول: مثل قوله (عليه السلام): «ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه فيه الزكاة»، و مثله قوله (عليه السلام): «في الحبوب كلها زكاة» (3) لأنّ الحبوب من المكيل و ظاهر هما الاختصاص بالمكيل و قد تقدم ذكر الوزن أيضا، فما لا يكال و لا يوزن لا تستحب فيه الزكاة.

الثاني: قوله (عليه السلام): «جعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه» (4)، و مقتضاه استحباب الزكاة فيما أنبتت الأرض سواء كان من المكيل أم لا، و سياقه آب عن التخصيص مع بنائهم على عدم التخصيص في المندوبات خصوصا في مثل الصدقة الراجحة مطلقا، فيحمل على تأكد الاستحباب بالنسبة إلى المكيل و الموزون مع ثبوت أصل الندب بالنسبة إلى كل ما أنبتت الأرض أيضا.

الثالث: ما يستفاد منه قاعدة كلية و هي: أنّه «لا زكاة فيما لا بقاء له» كقوله

ص: 49


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 15.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4.

.....

______________________________

(عليه السلام): «و كل شي ء يفسد من يومه» (1) و تدخل في هذه الكلية الثمار و الخضر بجميع أقسامهما و أشباههما، و مقتضى المفهوم ثبوت الاستحباب فيما له بقاء كالأزهار، و الزعفران، و الأشنان، و القطن، و الكتان، و نحوها و لكن ظاهرهم الإجماع على عدم الاستحباب فيها مع ورود النص في نفيها عن القطن، و الزعفران، و الأشنان (2) و إن أمكن حمل ذلك على نفي الوجوب لا أصل الرجحان، و يشهد له اقتصار الأصحاب على استثناء خصوص الخضر عن نفي الاستحباب.

و خلاصة القول في زكاة غير الأجناس التسعة المعروفة: أنّ الاحتمالات فيها ثلاثة- الأول: حمل ما ورد في زكاتها على التقية، فلا وجه لاستحباب الزكاة فيها أصلا، و هذا الاحتمال حسن ثبوتا و ضعيف إثباتا عن سياق جملة منها، مع كثرة ما ورد في الترغيب إلى الصدقة، و كون تلك الحبوب في المرأى و المنظر من الفقراء، و إطلاق قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «ملعون كل ما لا يزكى»(3) و هو يشمل جميع الأموال، و التخصيص بالتسعة إنّما هو بالنسبة إلى الوجوب فقط لا أصل الرجحان، فيكون للعن مراتب بعضها تختص بالزكاة الواجبة، و بعضها تشمل غيرها. هذا مع أنّ الحمل على التقية إنّما هو بعد عدم إمكان الجمع العرفيّ، و الحمل على الاستحباب من الجمع العرفي.

الثاني: استحباب الزكاة في غير التسعة المعروفة مما ذكر و هذا هو المتحصل من مجموع الأخبار بعد الجمع و الإجماع.

الثالث: الوجوب بالنسبة إلى مطلق الحبوب بجعل من النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، ثانيا، كما أنّ الصلاة كانت في أول النبوة ركعتان فزادت بقية الركعات بجعل النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) ثانيا. و نسب هذا القول إلى يونس و شيخه ابن الجنيد.

و هذا القول شاذ و مخالف للأصل و الإجماع، و موافق في الجملة مع العامة.

ص: 50


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6 و 8.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 23.

و العدس، و نحوها، و كذا الثمار- كالتفاح و المشمش- و نحوهما (1) دون

______________________________

ثمَّ إنّ التعبيرات التي وردت لما لا زكاة فيه مما أنبتت الأرض ثلاثة: 1- «لا يكون له بقاء»- 2- «سريع الفساد»- 3- «يفسد من يومه» (1). و الأخير أخصّ من الجميع فلا بدّ من حمل البقية عليه، و التفاح و جملة من الثمار لا يفسد في اليوم، بل بعض أقسام التفاح يبقى أياما أو شهورا خصوصا في البلاد الباردة.

(1) لكونها مما أنبتت الأرض و قد نسب إلى المشهور استحبابها فيها لإطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و جعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر، و البقول، و كل شي ء يفسد من يومه» (2).

و في صحيح زرارة عنهما (عليهما السلام) قالا: «عفى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن الخضر؟ قالا: كل شي ء لا يكون له بقاء. البقل، و البطيخ، و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد. قال زرارة: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) هل في القضب شي ء؟ قال: لا» (3).

و القضبة: الرطبة، و في خبر ابن إسماعيل: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إنّ لنا رطبة و أرزا، فما الذي علينا فيهما؟ فقال (عليه السلام): أما الرطبة فليس عليك فيها شي ء» (4).

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنّه سئل عن الخضر فيها زكاة و إن بيع بالمال العظيم؟ فقال: «لا حتى يحول عليه الحول» (5).

و أما صحيح الحلبي قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما في الخضر؟

قال: و ما هي؟ قلت: القضب و البطيخ و مثله من الخضر قال (عليه السلام): ليس

ص: 51


1- راجع جميعها في الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4 و 9 و غيرهما.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 9.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 5.

الخضر و البقول- كالقت و الباذنجان و الخيار و البطيخ و نحوها- (1).

الثاني: مال التجارة

الثاني: مال التجارة على الأصح (2).

______________________________

عليه شي ء- إلى أن قال- و عن الغضاة من الفرسك(1)و أشباهه فيه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، قلت فثمنه؟ قال ما حال عليه الحول من ثمنه فزكه» (2) فيمكن حمله على نفي تأكد الاستحباب، أو على ما كان مما يفسد في اليوم.

و أما خبر المهتدي: قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القطن و الزعفران عليهما زكاة؟ قال: لا» (3)، و كذا خبر يونس قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الأشنان فيه زكاة؟ فقال: لا» (4) فلا بد من حملهما على نفي الوجوب و إلا لكان مخالفا للمشهور، فلا بد و أن يطرح من جهة الإعراض، مضافا إلى قصور السند.

(1) نصّا، و إجماعا و جميع ذلك داخل في تلك القاعدة الكلية.

فرع: لو أمكن بقاء ذلك كله بالوسائل الحديثة العصرية، فمقتضى الأصل عدم الاستحباب بعد صحة دعوى انصراف الأدلة عن ذلك، و ظهورها فيما إذا كان استعداد البقاء بالذات لا بالعلاج.

(2) لجملة من الأخبار:

منها: خبر سماعة قال: «سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين و أكثر من ذلك قال: ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلا أن يكون أعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» (5).

ص: 52


1- الغضاة: الطري. و الفرسك: ضرب من الخوخ.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 8.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6.

.....

______________________________

و في صحيح ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟

فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال- الحديث-» (1) و نحوهما غيرهما.

و نسب إلى المشهور العمل بهذه الأخبار و حملوها على الندب بقرينة أخبار أخرى ظاهرة في نفي الوجوب منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ليس في المال المضطرب به زكاة، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبت جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك، فقال: أي بنيّ حق أراد اللّه أن يخرجه فخرج» (2)، بل يظهر من صحيح (3) زرارة- قال: «كنت قاعدا عند أبي جعفر (عليه السلام) و ليس عنده غير ابنه جعفر (عليه السلام) فقال: يا زرارة إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به، و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر: أما ما يتجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فقال (صلّى اللّه عليه و آله): القول: ما قال أبو ذر»- إنّ عدم الوجوب كان معهودا بين خواص أصحاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من زمن النبيّ، و لكن ذلك لا ينافي الاستحباب لدليل آخر، و لا وجه لحمل ما دلّ على الوجوب على التقية كما عن الكاشاني، و الحدائق، لأنّه بعد عدم إمكان الجمع العرفي و المفروض إمكانه و هو حمل الوجوب على مطلق الرجحان.

فرع: استحباب الزكاة المستحبة حكم تكليفيّ محض، لأصالة عدم تعلق حق الفقراء بالعين ملكا أو حقا بعد عدم ظهور أدلته في ذلك و ليس كالزكاة الواجبة

ص: 53


1- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.

الثالث: الخيل الإناث دون الذكور

الثالث: الخيل الإناث (1) دون الذكور، و دون البغال، و الحمير، و الرقيق (2).

الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء

الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء، كالبستان و الخان، و الدكان، و نحوها (3).

______________________________

متعلقة بالعين على ما يأتي من التفصيل و إن كان مقتضى بعض الأخبار (1) أنّها كالزكاة الواجبة و لكن إجراء أحكام ذلك مشكل جدّا.

(1) للنص، و الإجماع، ففي صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) هل في البغال شي ء؟ فقال: لا، فقلت: كيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال (عليه السلام): لأنّ البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء قلت: فما في الحمير؟ قال (عليه السلام): ليس فيها شي ء» (2) و مثله غيره.

(2) للأصل، و ما تقدم من صحيح زرارة، و لقوله (عليه السلام): «ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق يبتغي به التجارة» (3) و يأتي في (فصل ما يستحب فيه الزكاة) ما ينفع المقام.

(3) لظهور الإجماع و لم يوجد عليه دليل سوى ذلك، و هو يكفي بناء على التسامح في الاستحباب و لو لم ينسب إلى حديث، بل كان من مجرد فتوى الأصحاب، و لا بأس به خصوصا في الصدقات الراجحة ذاتا. هذا إذا لم ينطبق عليها مال التجارة و إلا فتشملها أدلة استحباب الزكاة فيها كما هو معلوم.

ص: 54


1- تقدم في صفحة: 53.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.

مسألة 1: لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم

(مسألة 1): لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم (1) في تحقق الزكاة و عدمها، سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين، بل سواء كانا محللين أو محرّمين أو مختلفين. مع فرض تحقق الاسم حقيقة، لا أن يكون بمجرّد الصورة، و لا يبعد ذلك فإنّ اللّه قادر على كلّ شي ء.

______________________________

(1) لدوران الأحكام مدار الأسماء و العناوين الخاصة التي يستكشف منها الحقائق النوعية المخصوصة في الشرعيات و التكوينيات.

ص: 55

فصل في زكاة الأنعام الثلاثة

اشارة

(فصل في زكاة الأنعام الثلاثة)

و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة أمور

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور:

الأول: النصاب
اشارة

الأول: النصاب

و هو في الإبل إثنا عشر نصابا
اشارة

و هو في الإبل إثنا عشر نصابا (1).

الأول: الخمس و فيها شاة.

الثاني: العشر، و فيها شاتان.

الثالث: خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: العشرون، و فيها أربع شياه.

الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه.

السادس: ست و عشرون، و فيها بنت مخاض، و هي الداخلة في السنة الثانية.

السابع: ست و ثلاثون، و فيها بنت لبون، و هي الداخلة في السنة الثالثة.

الثامن: ست و أربعون و فيها حقة، و هي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع: إحدى و ستون، و فيها جذعة، و هي التي دخلت في السنة الخامسة.

______________________________

(فصل في زكاة الأنعام الثلاثة)

(1) للنصوص المستفيضة، و إجماع المسلمين، ففي صحيح زرارة- الذي هو من محكمات أخبار الباب- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي ء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشرا ففيها

ص: 56

.....

______________________________

شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض، فابن لبون ذكر، فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقة- و إنّما سمّيت حقّه لأنّها استحقت أن يركب ظهرها- إلى ستين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة، فإن زادت على العشرين و المائة واحدة، ففي كل خمسين حقة، و في كل أربعين ابنة لبون» (1).

و مثله صحيح أبي بصير و لكن فيه بعد العشرين و مائة: «فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة» (2)، و مثله صحيح ابن الحجاج إلا أنّ فيه بعد التسعين: «فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة» (3) كما في الكافي، و في التهذيب زاد بعد قوله (عليه السلام) إلى تسعين «فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة» و لم يتعرض لشي ء آخر.

و الظاهر رجوع الكل إلى شي ء واحد و إنّما القصور في التعبير، و لكن في صحيح الفضلاء عنهما (عليهما السلام) إسقاط الواحدة في نصب الإبل كلها إلا في المائة و عشرين كما في قوله (عليه السلام): «فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كل خمسين حقة»، فيخالف الجمع.

و أجيب عنه بوجوه:

منها: الحمل على التقية، لكون ذلك مذهب العامة.

و منها: أنّ السقوط من النساخ، لوجود الزيادة في بعض النسخ الصحيحة كما في معاني الأخبار(4).

و منها: أنّ الإسقاط كان لمعلومية النصب، فأسقط اقتصارا. و على أيّ تقدير

ص: 57


1- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 4.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 7.

العاشر: ست و سبعون (1) و فيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدى و تسعون، و فيها حقتان.

الثاني عشر: مائة و إحدى و عشرون (2) و فيها في كل خمسين حقة، و في كل أربعين بنت لبون (3) بمعنى أنه

______________________________

لا أثر للإسقاط بعد معلومية نصب الإبل و تعارفها في كل عصر، فلا تصلح صحيحة الفضلاء لمعارضة غيرها الذي اعتمد عليه المشهور قديما و حديثا، فلا وجه لما نسب إلى ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد من إيجابهما بنت مخاض في الخمس و العشرين تمسكا بهذه الصحيحة قالا (عليهما السلام): «في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة لبون»، فأسقط النصاب السادس. و عن المرتضى (رحمه اللّه) أنّ الإجماع تقدم على ابن الجنيد و تأخر عنه.

(1) على المشهور المنصوص، كما تقدم في صحيح زرارة، و نسب إلى الصدوقين أنّها إذا بلغت إحدى و ستين ففيها جذعة إلى ثمانين، فإن زادت واحدة، ففيها شي ء، و لم يعرف له مدرك غير الفقه الرضوي (1) و في أصل اعتباره كلام، فكيف بما إذا كان مخالفا للمشهور و لنصوص معتبرة معمول بها عند الأصحاب.

(2) على المشهور المنصوص، و نسب إلى الانتصار عدم تغير الفرض من إحدى و تسعين إلا ببلوغ مائة و ثلاثين، و نسبه إلى انفراد الإمامية مع أنّه (رحمه اللّه) ادعى الإجماع على خلافه في الناصريات، فكيف يعتمد على إجماع الانتصار مع مخالفة ناقله له.

(3) نسب إلى المشهور إطلاق التخيير في النصاب الأخير و لو كان ما اختاره أكثر عفوا من غيره، فيجوز في المائة و الأربعين الاحتساب بخمسينين، و في المائة و خمسين بثلاث أربعينيات جمودا على قوله (عليه السلام): «ففي كل خمسين حقة،

ص: 58


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

يجوز (1) أن يحسب أربعين أربعين و فيها في كل منها بنت لبون أو خمسين خمسين و في كل منها حقة، و يتخيّر بينهما مع

______________________________

و في كل أربعين بنت لبون» (1).

و فيه- أولا: إنّه خلاف ظاهر الإطلاق، فإنّ مقتضاه سببيّة كل خمسين فرض تحققه للحقة، و سببية كل أربعين فرض تحققه لبنت لبون سواء كان الجمع بالأربعين أم بالخمسين أو بالاختلاف. و عليه، فلا يلزم عفو إلا فيما بين العقود و هو عفو مطلقا.

و ثانيا: أنّ قوله (عليه السلام) بعد بيان النصاب الكليّ: «ليس على النيف شي ء و لا على الكسور شي ء» (2) ظاهر في أنّ العفو منحصر بهما إذ الأول ما بين العقدين و الأخير من الواحد إلى الخمسة، و منها إلى العشرة، و منها إلى خمسة عشر و هكذا، و بناء على ما نسب إلى المشهور يلزم كون مورد العفو أزيد منها كما لا يخفى.

و ثالثا: قد ورد في نصاب الكليّ في البقر ما هو نظير ذلك ففي خبر الأعمش بعد نصاب التسعين: «ثمَّ بعد ذلك تكون في كل ثلاثين بقرة تبيع، و في كل أربعين مسنة» (3)و المشهور فيه لزوم مراعاة الاستيعاب مطلقا، بل ادعي الإجماع عليه و عدم جواز التخيير المطلق، و مثله صحيح الفضلاء، «فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة» (4) بناء على أنّه من ذكر أحد فردي التخيير، فلا وجه للفرق بالتفكيك في النصاب الكليّ بين نصاب الإبل و نصاب البقر مع وحدة التعبير بهما، بل ظاهر الأصحاب لزوم الاستيعاب في البقر حتى قبل دخول النصاب الأخير كما يأتي.

(1) هذا هو التخيير المطلق المنسوب إلى المشهور و قد تقدم ضعفه، بل يتعيّن الحساب بالأربعين إن انطبق تمام النصاب عليه، أو بخمسين إن كان كذلك أو بهما

ص: 59


1- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الأنعام.

المطابقة لكل منهما، أو مع عدم المطابقة لشي ء منهما، و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها، بل الأحوط مراعاة الأقل عفوا (1)، ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين (2)، و في المائتين و أربعين الأحوط اختيار الأربعين (3)، و في المائتين و ستين يكون الخمسون أقلّ عفوا (4)، و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقلّ عفوا (5).

مسألة 1: في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزئ عنها ابن اللبون

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزئ عنها ابن اللبون (6)، بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختيارا أيضا (7) و إذا لم يكونا

______________________________

معا إن انطبق عليهما.

(1) بناء على ما قلناه لا يتصور أقلّ عفوا فيما بين العقود و هو عفو مطلقا على كل تقدير، لقوله (عليه السلام): «ليس على النيف شي ء».

(2) بل هو المتعيّن، لشمول إطلاق الدليل لهما مجتمعا أيضا كشموله لحال الانفراد.

(3) بل المتعيّن، فيختار ستة أربعينات، أو أربع خمسينات و أربعين واحد.

(4) بل يحسب بخمسينين و أربع أربعينات.

(5) يحسب بخمسينين و أربعين واحد.

فائدة: تسمّى الإبل في السنة الأولى: حوار، و في السنة الثانية: ابن مخاض.

و في السنة الثالثة: ابن لبون، و في الرابعة: تسمّى الذكر حقا، و الأنثى حقة، و في الخامسة: جذعا، و في السادسة: ثنيا، و في السابعة: رباعا، و في الثامنة: سديسا، و في التاسعة: بازلا، و في العاشرة: مختلفا.

(6) لما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون» (1) و قد أفتى المشهور بذلك أيضا.

(7) نسب ذلك إلى المشهور، لقيام علو السن مقام الأنوثة، و لأنّه لو كان

ص: 60


1- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

معا عنده يتخيّر في شراء أيّهما شاء (1)

و أما في البقر فنصابان
اشارة

و أما في البقر فنصابان (2):

الأول: ثلاثون

الأول: ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة (3)،

______________________________

لاعتبار بنت مخاض موضوعية خاصة لأمر (عليه السلام) باشترائها، فيعلم من ذلك أنّ الحكم مبنيّ على التسهيل و التيسير خصوصا في الزكاة التي ورد فيها من الإرفاق بالمالك ما ورد- كما سيأتي- و لكن الأحوط أن يكون بعنوان القيمة، لأنّ ظاهر التعليق يقتضي عدم إجزاء البدل مع التمكن من المبدل إلا أنّ الشأن في أنّ التعليق من باب الإلزام، أو من مجرّد الاحتمال.

(1) لأصالة البراءة عن التعيين. و توهم: أنّه متمكن من شراء بنت مخاض فلا يصدق قوله (عليه السلام): «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون».

مدفوع: بأن ظاهر الصحيح وجود بنت مخاض عنده فعلا و لا يشمل صورة إمكان تحصيله، فيصدق حينئذ ليس عنده ابنة مخاض، فيتحقق موضوع الاجتزاء بابن لبون أيضا.

(2) لإجماع الفقهاء، و صحيح الفضلاء: «في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي و ليس في أقلّ من ذلك شي ء، و في أربعين بقرة مسنّة- إلى أن قال (عليه السلام)-: فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة إلى الثمانين، ففي كلّ أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة» (1) فيستفاد منه و مما تقدم من خبر الأعمش أنّ في البقر نصابان كليان أي: كل ثلاثين ففيه تبيع، و كل أربعين ففيه مسنة.

(3) للإجماع، و لأولوية التبيعة من التبيع، و لاشتمال صحيح الفضلاء على

ص: 61


1- الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

و هو ما دخل في السنة الثانية (1).

الثاني: أربعون

الثاني: أربعون، و فيها مسنّة (2) و هي: الداخلة في السنة الثالثة (3).

و فيما زاد يتخيّر (4) بين عدّ ثلاثين ثلاثين و يعطي تبيعا أو تبيعة، و أربعين

______________________________

التخيير بين التبيع و التبيعة على ما رواه في المعتبر (1)، و في الخلاف إرسال الأخبار بذلك (2)، و تقدم في صحيح الفضلاء: «فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات».

(1) لظهور اتفاق الأصحاب عليه، و استشهد له أيضا بما تقدم في الصحيح من وصف التبيع بالحولي، فإنّ المنساق منه تمام الحول و الدخول في الثانية لا الإشراف على الإتمام، و بصحيح حمران- كما في الجواهر- «التبيع ما دخل في الثانية»، و لكنه غير موجود في كتب الأحاديث فيما تفحصت عاجلا.

(2) لما تقدم في الصحيح، مضافا إلى ظهور الاتفاق، فلا وجه لما نسب إلى المنتهى من إجزاء المسن.

(3) أرسل ذلك إرسال المسلّمات من غير نقل خلاف فيه و هذا هو عمدة الدليل، و استشهد له أيضا بما روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «المسنة هي الثنية فصاعدا»(3) بناء على أنّ الثنية ما تمت له السنتان و دخل في الثالثة، و لكن صرّح الشيخ (رحمه اللّه) في الهدي بأنّ الثني من البقر ما دخل في الثانية و يأتي في كتاب الحج بعض الكلام.

(4) الظاهر لزوم الاستيعاب هنا بلا ظهور خلاف فيه، فيعد الستون بالثلاثين، و السبعون بها و بالأربعون معا، و الثمانون بالأربعين، و التسعون بالثلاثين، و المائة بالثلاثين و الأربعين. و يتخيّر لو حصل الاستيعاب لكل منهما كالمائة

ص: 62


1- راجع المعتبر صفحة: 260.
2- الخلاف ج: 1 صفحة: 306 ط:- 2- طهران.
3- أوردها الشيخ في المبسوط في فصل مناسك منى.

أربعين و يعطي مسنّة.

و أما في الغنم فخمسة نصب
اشارة

و أما في الغنم فخمسة نصب (1):

______________________________

و العشرين، فيتخيّر بين ثلاث أربعينات، أو أربع ثلاثينات مع مراعاة عدم العفو إلا في النيف و الكسور كما في الإبل.

(1) لصحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام) في كل أربعين شاة، شاة و ليس في ما دون الأربعين شي ء، ثمَّ ليس فيها شي ء حتى تبلغ العشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين، ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثمَّ ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة و سقط الأمر الأول، و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء، و ليس في النيف شي ء، و قالا كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (1).

و هذا الصحيح من محكمات أخبار الباب سندا و دلالة و رواه أعاظم الفضلاء و هو المشهور بين الفقهاء، و ادعي عليه الإجماع، و مخالف للجمهور أيضا، فاجتمع فيه جميع شرائط الحجية، فلا بدّ من رد غيره إليه أو طرحه، كصحيح ابن قيس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة فإذ زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة- الحديث-» (2).

فأهمل فيه النصاب الرابع، و الظاهر أن الإهمال لأجل الاكتفاء بذكر البعض

ص: 63


1- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

.....

______________________________

عن الكلّ، مع أنّ في الإجمال- في قوله (عليه السلام): «فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» و عدم التعرض للتفصيل- نكتة ظاهرة في التعمد في الإجمال و معهوديته و بيانه في صحيح الفضلاء، و اشتهاره بين الرواة فلا معارضة بينهما، فلا وجه لما نسب إلى الصدوق و الحليّ، و العلامة من العمل بمضمونه، لأنّه من الأخذ بالمرجوح من الدليلين مع وجود الراجح في البين.

ثمَّ إنّه لا بدّ من الإشارة إلى أمور:

الأول- قد أشكل على صحيح الفضلاء باشتماله على ما لا يقول به أحد، فقوله (عليه السلام): «ليس فيما دون الأربعين شي ء ثمَّ ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مائة ففيها شاتان» و هو مخالف للنص و الفتوى، لاتفاق الكل على اشتراط زيادة الواحدة.

و فيه: أنّه على بعض نسخ التهذيب فقط، و أما الكافي و الاستبصار، و سائر مجامع الحديث مشتملة على اعتبار زيادة الواحدة- كما تقدم- و نعم ما قال في الحدائق: «لا يخفى على من له أنس بالتهذيب ما وقع للشيخ فيه من التحريف و الزيادة و النقصان في المتون و الأسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة».

الثاني: قد اشتمل صحيح قيس على ما لا يقول به الأصحاب فهو ساقط من هذه الجهة أيضا كقوله (عليه السلام): «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق، و لا يفرق بين مجتمع، و لا يجمع بين متفرق و يعد صغيرها و كبيرها» (1) و فيه:

أنّ التفكيك في حديث واحد بالعمل ببعض جملاته و طرح بعضها الآخر لا بأس به، فلا إشكال عليه من هذه الجهة و إن أشكلنا عليه من جهة أخرى.

الثالث: ما الحكمة في زيادة الواحدة في جملة من نصب الغنم و الإبل؟.

أقول: لا يتصور حكمة إلا الإرفاق بالمالك و الإحسان إليه و التخفيف عنه مهما أمكن.

ص: 64


1- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3 و باب: 11 منها حديث: 1.

الأول: أربعون و فيها شاة (1).

الثاني: مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

______________________________

الرابع: قد اتحدت الفريضة في النصاب الرابع و الخامس من الغنم و في النصاب الثاني عشر و النصاب الثامن من الإبل فما وجه هذا الاتحاد مع اختلاف المورد فيهما؟.

أقول: لا اتحاد فيهما من كل جهة، لأنّ الأخير كليّ و الأول خاص بمورد.

و تظهر الفائدة في الضمان، لأنّه إذا تلف واحد من الأربعمائة- مثلا- بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة، و أما لو كانت ناقصة عن الأربعمائة و لو واحدة و تلف منها شي ء لا ينقص من الواجب شي ء ما دامت الثلاثمائة و واحدة موجودة لفرض وجود النصاب، و كون الزائد عفوا، و الفريضة إنّما تعلق بالنصاب لا بالعفو هكذا قالوا. و لكنه مشكل لأنّ مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين و إن كان الزائد على النصاب عفوا و لا منافاة بينهما كما لا يخفى.

الخامس: هل الواحدة في مورد اعتبارها في النصب جزء أو شرط؟ مقتضى ظاهر الأدلة هو الأول، فلو تلفت الواحدة بعد الحول و قبل إمكان الأداء سقط من الواجب بحسبها.

و عن جمع- منهم المحقّقين، و الشهيدين- الثاني فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط، كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها. و فيه: أنّه مبنيّ على الإشاعة في غير العفو بالخصوص، و أما على الإشاعة في جميع المال، فلا وجه لهذه الثمرة، كما أنّه لا وجه لاستظهار الاشتراط من الأدلة أصلا.

(1) لما تقدم من الصحيحين، مضافا إلى الإجماع، و نسب إلى الصدوقين (رحمهم اللّه) اعتبار زيادة واحدة و لا وجه له إلا الفقه الرضوي (1) الذي لم يثبت اعتباره في نفسه، فكيف بما إذا خالف المشهور المنصوص بالصحيح من النصوص.

ص: 65


1- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة و ما بين النصابين في الجميع عفو، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

مسألة 2: البقر و الجاموس جنس واحد

(مسألة 2): البقر و الجاموس جنس واحد كما أنّه لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي (1)، و في الغنم بين المعز و الشاة و الضأن، و كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى في الكلّ (2).

مسألة 3: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم

(مسألة 3): في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم، و إن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط، و إذا كان المجموع نصابا، و كان نصيب كل منهم أقلّ لم يجب على واحد منهم (3).

______________________________

(1) للنص، و الإجماع و قد تقدم في الإبل و البقر.

(2) للإطلاق بعد صدق الاسم بالنسبة إلى الجميع- مضافا إلى ظهور الاتفاق- و الاختلاف إنّما هو في الصنف و هو لا يوجب الاختلاف النوعي كما هو واضح، و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال (عليه السلام): مثل ما في البقر» (1)، و في صحيح الفضلاء: «فما في البخت السائمة شي ء؟ قال (عليه السلام) مثل ما في الإبل العربية» (2).

(3) أما الأول: فلوجود المقتضي و فقد المانع بالنسبة إلى كل واحد، فتشمله الإطلاقات.

و أما الثاني: فلعدم شرط الوجوب بالنسبة إلى من لم تبلغ حصّته النصاب، و تحققه بالنسبة إلى من بلغت فليعمل كل بوظيفته.

و أما الأخير: فلفقد الشرط بالنسبة إلى الجميع فلا وجه للوجوب، و عن أبي جعفر (عليه السلام)- في المال المشترك- «ليس عليهم شي ء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت: و كذلك في الشاة، و الإبل، و البقر، و الذهب، و الفضة

ص: 66


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
مسألة 4: إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا

(مسألة 4): إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا و لو متباعدا- يلاحظ المجموع (1) فإذا كان بقدر النصاب وجبت و لا يلاحظ كل واحد على حدة.

مسألة 5: أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم و الإبل من الضأن الجذع

(مسألة 5): أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم و الإبل من الضأن الجذع، و من المعز الثني (2) و الأول ما كمل له سنة واحدة (3) و دخل في

______________________________

و جميع الأموال؟ قال: نعم» (1)، و قوله (عليه السلام) مطابق للقاعدة و لا تعبد فيه بوجه.

(1) لإطلاق الأدلة، و للإجماع بقسميه. و أما قوله (عليه السلام) في صحيح ابن قيس: «و لا يجمع بين متفرق» (2) فلا بدّ من حمله على المتفرق من حيث المالك لا الملك و إلا فلا بدّ من طرحه.

(2) على المشهور المدعى عليه الإجماع فيهما، و في المرسل أنّه (صلّى اللّه عليه و آله): «أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن، و الثني من المعز»(3)، و في خبر سويد بن غفلة: «أتانا مصدق رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و قال: نهينا أن نأخذ المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية» (4) و الظاهر أنّ الآمر و الناهي هو رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، مع أنّه قد جرت عادة الشرع بتحديد الموضوعات المشككة العامة البلوى في موارد مختلفة- كالكر، و السفر، و الهدي و نحوها- و المقام مما يعم به البلوى، فلا بدّ من تحديد له، فالاكتفاء بمطلق ما يسمّى غنما لا وجه له، مع أنّ ما ورد من التحديد في الهدي بالجذع (5)كما يأتي شاهد على ورود التحديد في المقام أيضا.

(3) قد اضطربت الكلمات في المقام، و في الهدي- الذي هو نظير المقام أيضا.

ص: 67


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.
3- راجع غوالي اللئالي القسم الأول من الباب الثاني من الزكاة.
4- سنن أبي داود ج: 2 صفحة: 38 و سنن البيهقي ج: 4 صفحة: 100.
5- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب ذبح الهدي.

.....

______________________________

و لا بدّ من تنقيح البحث تارة: بحسب الأصل العمليّ. و أخرى: بحسب الأدلة اللفظية. و ثالثة: بحسب كلمات القوم من فقيههم و لغويّهم، مع أنّ المسألة لا بدّ و أن يرجع فيها إلى الرعاة من أهل البوادي، لأنّهم أهل خبرة في ذلك- كما لا يخفى- فلا موضوع في مثله لتطويل البحث.

أما الأولى: فالمسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر بناء على أنّ الأجذاع من مراتب السن، لأنّ وجوب ما تمَّ له ستة أشهر معلوم، و اعتبار غيره مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل، كما في جميع موارد الأقلّ و الأكثر.

و احتمال أنّ مراتب السن من المتباينين إن لوحظ كل واحد منها بحد نفسه.

خلاف المأنوس في الأذهان، و المتعارف عند الإنسان. نعم، هو محتمل ثبوتا و خلاف الانسباق المحاوري إثباتا، و المدار في مجاري الأصول على الثاني دون الأول. و كذا بناء على كون الأجذاع عبارة عن الحالة الخاصة أي: الوصول إلى الحالة التي تسقط فيها أسنانه اللبنية، إذ المراد بتلك الحالة تارة الحالة الاستعدادية القريبة من الفعلية.

و أخرى الحالة الفعلية أي: سقوط الأسنان اللبنية كلّها، و اعتبار الأولى معلوم بلا إشكال و الأخيرة مشكوك فيها، فيرجع فيها أيضا إلى الأصل بعد كون الشك في أصل التكليف، و كون أصل التشريع مرددا بين هذا و ذاك، مع أنّ في كون المدار على الأجذاع الفعليّ من كل جهة من الإحالة على المجهول، لاختلاف ذلك اختلافا كثيرا بحسب الخصوصيات و الجهات، فلا وجه لتوهم كون المقام من موارد الاحتياط، لأنّ الشك في أصل الجعل و التشريع لا في الفراغ بعد معلومية الحكم المشروع بحدوده و قيوده.

أما الثانية: فهي إما المطلقات و توهم كونها في مقام بيان أصل التشريع لا وجه له بعد كون الحكم ابتلائيا بين الناس و عدم ورود تحديد صحيح فيه كما يأتي، و يشهد له عدم ورود التحديد في أسنان أصل النصب، و أما مرسل الصدوق الوارد في الهدي: «و يجزي من المعز و البقر الثني، و هو الذي له سنة و دخل في الثانية. و يجزي من الضأن الجذع لسنة» (1)، و مقتضى المطلقات كفاية ما كان لستة أشهر، بل أقلّ،

ص: 68


1- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب ذبح الهدي حديث: 11.

الثانية، و الثاني ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة (1). و لا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب، بل له أن يدفع شاة أخرى (2) سواء كانت من ذلك البلد

______________________________

و مقتضى قوله في المرسل (لسنة) أي: في سنة و هو يشمل ما كان لستة أشهر أيضا، مضافا إلى قصور سنده و موافقته في جزئه الأول لمذهب حنبل.

و أما الأخير: فعن جمع- بل نسب إلى الأكثر التصريح كما في المتن، و عن آخرين أنّه ما كان له سبعة أشهر، و نسب إلى المشهور. لكن الإجماع غير متحقق، و الشهرة غير ثابتة، و الدليل على القولين مفقود، فالمتعيّن هو الرجوع إلى الأصل و الإطلاق، و مقتضاهما كفاية كونه سبعة أشهر- كما عن المشهور- إن تمَّ الإجماع على عدم كفاية الأقل.

و أما قول اللغويين: فهي مختلفة أيضا، فعن جمع منهم: أنّه ما كمل له سنة، و عن بعض أنّه ابن ثمان أشهر، و عن آخرين أنّه ابن سبعة أشهر. و عن آخر أنّه ابن ستة أشهر. و الكل بلا دليل، مضافا إلى عدم الدليل على اعتبار أصل قول اللغوي، فاللازم حينئذ الرجوع إلى الرعاة من أهل البوادي و كل من نشأ في تربية الأنعام، فإن حصل من قوله اطمينان عرفيّ فهو المتعيّن و إن قال اللغوي، بل الفقيه بخلافه و إلا فالمرجع هو الأصل و الإطلاق، و طريق الاحتياط واضح خصوصا في مثل هذه المسائل التي اختلفت فيها الأقوال.

(1) لتصريح جمع من أهل اللغة، بل مشهورهم بذلك، و به صرح أيضا في المبسوط، و التذكرة. و عن جمع من القدماء أنّه ما دخل في الثانية و قد تقدم ذلك في مرسل الصدوق، و كل من قال إنّ الجذع ماله ستة أشهر، أو سبعة، أو ثمانية، أو تسعة يلزمه القول بكفاية الدخول في الثانية في الثني، لأنّ الثني بعد الجذع اتفاقا و الكلام فيه ما تقدم في الجذع من حيث الأصل و الإطلاقات فلا نحتاج إلى الإعادة.

(2) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و سهولة الشريعة المقتضية للإرفاق، و ظهور الأدلة في تعلق الحق بمالية المال لا بالخصوصية العينية، فكل مال أعطاه المالك زكاة فهو عين ما وجب عليه لا أنّه بدله إلا إذا قصد ذلك، إذ البدلية قصدية لا أن تكون

ص: 69

أو غيره (1)، و إن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب، و كذا الحال في الإبل و البقر، فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى (2)، لا الأعلى و لا الأدنى، و إن كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن و زاد خيرا (3) و الخيار للمالك لا الساعي، أو الفقير (4)، فليس لهما الاقتراح

______________________________

قهرية انطباقية في نظائر المقام.

(1) للإطلاق، و الإرفاق، و أصالة عدم اعتبار كون المدفوع من النصاب، أو من بلد المالك و هذا هو المشهور أيضا، فما نسب إلى الشيخ- من اعتبار كونه من البلد، و إلى المحقق و الشهيد الثانيين من اعتبار ذلك في فريضة الإبل دون غيره- مخالف للأصل من غير ما يصلح للاعتماد بعد صدق الجذع و الثني عليه عرفا، و كذا في سائر الفرائض، و لعل نظرهم إلى مورد الاختلاف الموجب لعدم صدق الاسم، فيصير النزاع لفظيا.

(2) لظهور الإطلاق، و بناء الشرع على التوسط و الإرفاق، فيجزي المتوسط و العالي و الداني، للصدق العرفي بالنسبة إلى الجميع. نعم، خرج الأخير بالدليل على تفصيل يأتي في [مسألة 8].

(3) لأنّه زيادة في الصدقة و الزيادة فيها خير و حسنة سواء دفع الأعلى بعنوان الفريضة مطلقا، أم قصد التبرع بما زاد على المتوسط و لو دفعه بعنوان قيمة المتوسط له استرجاع زيادة القيمة من الفقير إلا إذا تلفت العين و كان الفقير مغرورا.

(4) للنص، و الأصل، و الاتفاق، و الإرفاق، و السهولة بالنسبة إلى المالك ففي صحيح بريد بن معاوية قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «بعث أمير المؤمنين مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثرن دنياك على آخرتك- إلى أن قال: فاصدع المال صدعين، ثمَّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرض له، ثمَّ اصدع الباقي صدعين ثمَّ خيّره فأيّهما اختار فلا تعرض له، و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء

ص: 70

عليه (1)، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية (2)، من النقدين أو

______________________________

لحق اللّه في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق اللّه منه و إن استقالك فأقله- الحديث-» (1).

و نحوه غيره، و ظهور مثل هذه الأخبار في تخيير المالك مما لا ينكر و إن ورد في بيان تكليف الساعي، فما نسب إلى الشيخ من أنّ للساعي معارضة المالك، و اقتراحه بالقرعة ضعيف جدّا إلا أن يحمل على بعض المحامل.

(1) لأصالة عدم هذا الحق لهما عليه إلا بدليل معتبر و هو مفقود.

(2) لبناء أخذ الزكاة على التسهيل، و الإرفاق، و ظهور الاتفاق في النقدين و الغلات، و صحيح البرقي: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير، و ما يجب على الذهب دراهم قيمته ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجاب أيّما تيسر يخرج» (2).

و الظاهر أنّ ذكر الحرث و الذهب في السؤال من باب المورد لا الخصوصية، و المناط على عموم الجواب الذي ورد مورد الامتنان و التيسير، فيشمل زكاة الأنعام أيضا. و عن الشيخ دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم بجواز إعطاء القيمة في الأنعام، و يقتضيه إطلاق موثق يونس: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى أنّ ذلك خير لهم، فقال (عليه السلام): لا بأس» (3) الظاهر في أنّ الشراء كان قبل الدفع إليهم لا أنّه بعد دفع الزكاة إليهم ثمَّ أخذها منهم و الاشتراء لهم، لأنّ يونس أجلّ من أن يسأل عن جواز مثله، كما أنّ المناقشة في السند بمحمد بن الوليد (مردودة): إذ الظاهر أنّه البجلي الثقة، كما لا يخفى على من تأمل، مع أنّ هذا البحث ساقط رأسا بناء على أنّ الزكاة حق متعلق بمالية المال لا بالخصوصية العينية و ليست من الشركة العينية الخارجية، فما نسب إلى المقنعة من عدم الجواز في زكاة الأنعام، و إلى المحقق من أنّه

ص: 71


1- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.

غيرهما (1) و إن كان الإخراج من العين أفضل (2).

مسألة 6: المدار في القيمة على وقت الأداء

(مسألة 6): المدار في القيمة على وقت الأداء (3)، سواء كانت العين

______________________________

لا دليل عليه ضعيف، و طريق الاحتياط في غير النقدين الاستيذان من الحاكم الشرعي، كما أنّ طريق الاحتياط لحكام الشرع الإذن العام في ذلك لجميع الملاك.

(1) لما تقدم من قول أبي الحسن (عليه السلام): «أيّما تيسّر يخرج»، و عن الخلاف، و الغنية الإجماع عليه أيضا. و أما خبر سعيد بن عمر: «عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قلت: أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق، و البطيخ و العنب فيقسمه؟ قال (عليه السلام): لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر اللّه تعالى» (1) فهو مضافا إلى قصور سنده لم يعمل به أحد في مورده و هو زكاة الدراهم، فكيف يتعدى منه إلى غيره فما عن المدارك من الإشكال في غير النقدين لا وجه له.

(2) دفعا لشبهة الخلاف، و حملا لخبر سعيد على الأفضلية و لو في غير الموارد.

فروع- (الأول): لا فرق في القيمة بين كونها عينا أو منفعة، أو حقا يقابل بالمال.

(الثاني): يجوز للمالك المعاوضة عليها مع الحاكم الشرعي و الظاهر أنّه لا إشكال فيه من أحد، لأنّ إشكال من استشكل إنّما هو فيما إذا قوّمه المالك على نفسه.

(الثالث): لو قوّمها المالك بشي ء في نظره يجوز له تقويمها بشي ء آخر ما لم تعزل الأولى.

(3) لأنّه المتعارف في تفريغ الذمة في الضمانات العرفية، و الأدلة الشرعية منزلة عليها، و لأنّ القيمة إما بدل عن العين، أو نفس الزكاة بناء على كونها حقّا متعلقا بمالية المال، فيكون يوم الأداء يوم التعيين على أيّ تقدير.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ المدار على الوسط زمانا و مكانا، للإرفاق و التسهيل الوارد في الزكاة كما هو كذلك مع وجود العين، فيكون مع التلف أيضا كذلك. نعم،

ص: 72


1- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

موجودة أو تالفة (1) لا وقت الوجوب (2) ثمَّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة، و إن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد الذي

______________________________

لو أخر عمدا إلى أن انخفضت القيمة السوقية مع العلم بذلك يشكل الاكتفاء، لاحتمال كونه من التفويت حينئذ، و عن العلامة «أنّه لو قومها على نفسه و ضمن القيمة ثمَّ زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج، فالوجه ما ضمنه دون الزائد و الناقص و إن كان قد فرط بالتأخير» و هذا صحيح إن كان التضمين مع مراجعة الحاكم الشرعي و أما مع عدمها، فهو مشكل، بل ممنوع و يأتي التفصيل في المسائل الآتية.

(1) بما لا يوجب الضمان و أما معه، فهل المقام من صغريات الضمان بالتلف، فتجري فيه الأقوال الكثيرة التي قيلت في تلك المسألة، أو أنّ المدار على الوسط مطلقا، لكثرة إرفاق الشارع و تسهيله في الزكاة؟ وجهان أقربهما الأخير، فلا فرق حينئذ بين كون العين باقية أو تالفة في أنّ المناط في القيمة على الوسط و تأتي في [مسألة 31] من (فصل زكاة الغلات) ما يناسب المقام، فراجع، فإنّ حلّ هذه الفروع مبنيّ على كون الزكاة من الشركة العينية الخارجية، و أما على كونها نحو حق خاص متعلق بمالية المال فلا وجه لها، و لا بد من ذكر هذه المسائل بعد بيان أصل المبنى، و لا وجه للتعرض لها قبل بيان أصل المبنى.

(2) لأنّه لا قائل به و لا وجه له على فرض وجود القائل به إلا دعوى: أنّه وقت تعلق الحق، فينطبق دليل الضمان على أول مراتب تعلقه قهرا، و تعين غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

و فيه: أنّه متوقف على كون التعلق بخصوصية العين الخاصة في زمان مخصوص و لا دليل عليه من عقل أو نقل، إذ من الممكن تعلقها بالعين بمالها من البقاء في سلسلة الزمان ما لم تتلف، أو بذات مالية المال من حيث الطبيعة السارية في جميع مراحل التطور و التبدل، فلا وجه لاحتمال تعين وقت الوجوب بعد إمكان استظهار كونها من الحق المتعلق بالمالية بمالها من التبدل و التغير، و هذا الحق أيضا مردد بين

ص: 73

هي فيه (1).

مسألة 7: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس

(مسألة 7): إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس، كما أنّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس، و إن اختلفت في القيمة، و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء، كما أنّ في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس، و كذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب و بالعكس (2)، تساوت في

______________________________

أقسام كما سيأتي.

ثمَّ إنّه لا فرق في عدم الاعتبار بوقت الوجوب بين اتصاله بوقت الأداء عرفا أو تخلل زمان بينهما و لو كثيرا.

(1) بدعوى: انسباق ذلك من الأدلة و أنّ تعلق الزكاة من الشركة الحقيقية العينية.

و فيه: أنّ الأول من مجرد الدعوى بلا شاهد، بل مخالف لظهور الإطلاق.

و الثاني: مردود من حيث أصل المبنى كما يأتي، مع أنّه مناف للتسهيل و الإرفاق، و إيكال اختيار الإخراج إلى المالك، فيجزي قيمة الوسط من جنس الفريضة مطلقا.

(2) كل ذلك للإطلاق، و الإرفاق بعد صدق المسمّى عرفا و عدم ما يصلح للتقييد إلا دعوى: أنّ مقتضى الشركة الحقيقية التقسيط بحسب القيمة و المالية أيضا.

و فيه: أنّه لا دليل على الشركة الحقيقية فكيف بفروعها و على فرض اعتبارها فمقتضى الإطلاق، و إيكال التخيير إلى المالك و عدم ورود تحديد في هذا الأمر العام البلوى هو ما ذكر في المتن، فلا وجه لما نسب إلى الشهيدين و المحقق الثاني من اعتبار التقسيط مع عدم استدلالهم عليه بشي ء يصح أن يعتمد عليه إلا قاعدة الشركة و هي ممنوعة في المقام أصلا و فرعا لأنّ الشركة العينية على فرض صحتها إنّما هي في الجملة لا من كل حيثية و جهة.

ص: 74

القيمة أو اختلفت (1).

مسألة 8: لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب و العد منه

(مسألة 8): لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب و العد منه (2)، لكن إذا كانت كلها صحاحا لا يجوز دفع المريض، و كذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب، و لو كانت كل منها شابا لا يجوز دفع الهرم (3)، بل مع الاختلاف أيضا الأحوط إخراج الصحيح (4) من غير ملاحظة التقسيط (5). نعم، لو كانت كلها مراضا أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها (6).

______________________________

(1) لإطلاق الأدلة، و تصريح الأجلة و السيرة العملية، و أصالة البراءة عن الخصوصية.

(2) كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و السيرة.

(3) للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح أبي بصير- الوارد في الإبل-: «و لا تؤخذ هرمة، و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق» (1) و بضميمة عدم القول بالفصل بين الإبل و غيره يثبت المطلوب- و العوار: هو العيب- و عدم العمل بذيل الحديث لا يضرّ بالعمل بصدره لصحة التفكيك.

(4) لاحتمال شمول ما تقدم من قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير لصورة الاختلاف أيضا.

(5) جمودا على ما مرّ من صحيح أبي بصير بناء على شموله لهذه الصورة أيضا فلا موضوع للتقسيط بالنسبة إلى النصاب حينئذ، لفرض النهي عن الإخراج كذلك، و لكن نسب إلى المشهور التقسيط و لا دليل لهم عليه إلا دعوى أنّ الفريضة في النصاب من الشركة العينية الحقيقية و يأتي بطلان هذه الدعوى من أصلها.

(6) لقاعدة العدل و الإنصاف، و الإرفاق، و ظهور الاتفاق، و أصالة البراءة عن وجوب إخراج الصحيح بعد الشك في شمول ما مرّ من صحيح أبي بصير لهذه الصورة، فلا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 75


1- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.
الشرط الثاني: السوم طول الحول

الشرط الثاني: السوم طول الحول (1)، فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها و لو كان شهرا، بل أسبوعا (2). نعم، لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفا علفها يوما أو يومين (3). و لا فرق في منع

______________________________

(1) للنصوص المستفيضة، و إجماع الإمامية، بل المسلمين إلا من مالك و في صحيح الفضلاء: «ليس على العوامل شي ء إنّما ذلك على السائمة الراعية» (1).

و قال (عليه السلام): «و لا على العوامل شي ء و انما الصدقة على السائمة الراعية» (2).

و في صحيح زرارة: «ليس على ما يعلف شي ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مراحها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء»(3).

(2) لعدم صدق السوم في السنة عرفا، و تقدم في صحيح زرارة: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مراحها عامها»، و الظاهر أنّه ورد مطابقا للمرتكزات العرفية في معنى السوم في السنة، فإنّ المنساق منه عندهم استغراق السوم في السنة إلا ما كان قابلا للمسامحة، و الشهر و الأسبوع غير قابلين لها سواء كانا مجتمعين أم متفرقين.

(3) للصدق العرفي بعد عدم اعتبار الدقة الحقيقية في السوم في السنة، بل المناط النظر العرفي، فيكون كمنّ من الحنطة عرفا مع ما فيها من ذرات الحصى، و التراب، و التبن، مضافا إلى أنّه قلّما يتفق من الأنعام ما لا تعلف في طول السنة يوما أو يومين لعوارض تمنع عن السوم، مع أنّه قد ثبت في محله من أنّه إذا كان المخصص و المقيد مجملا مرددا بين الأقلّ و الأكثر يكون المرجع في مورد الشك عموم العام و إطلاق المطلق، فلا بدّ هنا من الرجوع إلى أدلة وجوب الزكاة فيما شك في صدق المعلوفة عليه.

ثمَّ إنّه نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) عدم قدح العلف إن كان السوم أغلب، قياسا على السقي في الغلات، و لصدق المعلوفة.

و فيه: أنّ الأول خلاف المذهب، و الأخير خلاف العرف، فلا وجه لهما.

ص: 76


1- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1
2- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2
3- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار، أو بالاضطرار- لمنع مانع من السوم من ثلج، أو مطر، أو ظالم غاصب، أو نحو ذلك- و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره بإذنه، أو لا بإذنه، فإنّها تخرج بذلك كله عن السوم، و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز، أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك (1). نعم، لا يخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه إذا لم يكن مزروعا، كما أنّه لا يخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة (2).

______________________________

(1) لإطلاق الدليل الشامل لجميع ذلك كله. و عن جمع: إنّه إذا كان بغير إذن المالك يكون ملحقا بالسوم، لعدم المؤنة حينئذ على المالك. و عن آخر فيما إذا سام في الزرع المملوك للمالك لعدم الفرق بينه و بين السوم في المرعى العام.

و فيه: أنّ كلا منهما خلاف المتفاهم من أدلة السوم، مع أنّه لم يعلم أنّ علة الزكاة في السائمة عدم المؤنة بنحو العلة التامة المنحصرة حتى يتعدّى عنه إلى كل مورد لا مئونة فيه، أو أنّ ذلك من مجرّد الاقتضاء فقط.

(2) لصدق السائمة عليه في جميع ذلك، و عدم صدق المعلوفة عند المتعارف، و كذا الكلام في مصانعة المتولي للمرعى الموقوفة لرعي البهائم، و لو فرض الشك في صدق المعلوفة عليه، فمقتضى العمومات و الإطلاقات وجوب الزكاة عليه.

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاقات وجوب الزكاة في السائمة سواء كان أكله بقدر المتعارف أم لا، لمرض أو نحوه.

(الثاني): لو أكل الحيوان في سومة بقدر غذائه الطبيعيّ المتعارف و مع ذلك أطعمه المالك لأجل التسمين- أو غرض آخر- علفا زائدا بحيث لو لم يعلفه لم يؤثر ذلك فيه أبدا بالنسبة إلى غذائه الطبيعيّ، فهل يكون ذلك مانعا عن تعلق الزكاة أو لا؟ وجهان: الأحوط هو الأخير.

(الثالث): لو تبرع أحد بعلوفة حيوان شخص آخر لا يصير بذلك سائمة و لا تجب فيه الزكاة.

ص: 77

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل (1)، و لو في بعض الحول، بحيث لا يصدق عليها أنّها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول. و لا يضرّ إعمالها يوما أو يومين في السنة كما مرّ في السوم.

الشرط الرابع: مضى الحول عليها جامعة للشرائط
اشارة

الشرط الرابع: مضى الحول عليها (2) جامعة للشرائط (3) و يكفي

______________________________

(الرابع): لو كانت الأرض مزروعة، فحصد الزرع و بقيت أصول الزرع و استؤجرت الأرض للرعي يصدق السوم حينئذ، لعدم صدق استيجار الزرع للرعي و إن شك فيه، فالمرجع إطلاق أدلة الزكاة كما مرّ.

(1) للنص، و الإجماع قال الصادق في الصحيح: «ليس على العوامل شي ء إنّما على السائمة الراعية»(1).

و أما موثق عمار قال: «سألته عن الإبل تكون للجمال، أو تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال: نعم» (2) و في موثقة الآخر: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الإبل العوامل، عليها زكاة؟

فقال (عليه السلام): نعم، عليها زكاة» (3) فلا بدّ من حمله أو طرحه. ثمَّ إنّه يجري فيه جميع ما تقدم في السوم من غير فرق، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(2) للنصوص و الإجماع، فعن الصادقين قالا: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء- إلى أن قالا:- و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (4)، و في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا يزكي من الإبل، و البقر، و الغنم إلا ما حال عليه الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن» (5).

(3) لظهور الأدلة في ذلك مضافا إلى الإجماع.

ص: 78


1- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 7.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 8.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 9.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

الدخول في الشهر الثاني عشر (1)، فلا يعتبر تمامه فبالدخول فيه يتحقق الوجوب، بل الأقوى استقراره أيضا (2)، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه (3).

______________________________

(1) نصّا و إجماعا بقسميه قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الموثق: «أيّما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنّه يزكيه. قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟

قال: ليس عليه شي ء أبدا- إلى أن قال زرارة- رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك بها قبل حلها بشهر فقال (عليه السلام): إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة»(1) فيكون هذا شارحا و حاكما على الأخبار المشتملة على لفظ الحول، مع إمكان أن يراد بها الأول و المشارفة كما هو شائع في المحاورات.

(2) لثبوت الموضوع، فيترتب عليه الحكم قهرا، إذ لا وجه لكون الدخول في الشهر الثاني عشر كافيا في تحقق الحول نصّا و فتوى إلا ترتب أثر الحول بالنسبة إليه شرعا، فلا وجه لما نسب إلى جمع- منهم الشهيدان من حمل الوجوب على المتزلزل جمودا على أدلة اعتبار الحول، لظهوره في انقضاء الحول-، و ذلك لحكومة ما دلّ على حلوله بالدخول في الثاني عشر على تلك الأدلة، و لا وجه للأخذ بإطلاق دليل المحكوم مع وجود دليل الحاكم، لأنّه كالأخذ بإطلاق دليل ذي القرينة مع وجود القرينة على الخلاف.

(3) لظهور الاتفاق، و عدم الإشكال فيه من أحد، إذ لم يقل أحد بأنّ المراد بالحول في المقام أحد عشر شهرا فقط، بل المراد به إنّما هو معناه المعهود المتعارف، لكن إطلاق الحول على الدخول في الشهر الثاني عشر توسعا كما يقال: لمن دخل في

ص: 79


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.
مسألة 9: لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول

(مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول (1)، كما لو نقصت عن النصاب، أو لم يتمكن من التصرف فيها، أو عاوضها بغيرها و إن كان زكويا من جنسها، فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلا و مضى ستة أشهر، فعاوضها بمثلها و مضى عليه ستة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة (2)، بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة و إن

______________________________

عام السبعين أنّ عمره سبعون عاما، مع أنّه لم يتم العام بعد، فهذا نحو توسع متعارف بين الناس في استعمالاتهم المحاورية، و في المقام تعجيل للخير بالنسبة إلى المالك و الفقير، و لا يأثم المالك بالتأخير في الأداء إلى تمام الثاني عشر و يسقط الوجوب لو اختل بعض الشرائط، و يثاب لو أخرجها قبل التمام، فهو توسع، و تفضل، و استباق إلى الخير و تبادر إلى المعروف، و إنّ التوسعة جهتية لا من كل جهة.

(1) للنص، و الإجماع ففي صحيح زرارة و ابن مسلم قلت: «فإن وهبه قبل حلّه بشهر، أو بيوم قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء أبدا، قلت له: فإن أحدث فيها قبل الحول، قال (عليه السلام): جائز ذلك له، قلت: إنّه فربّها من الزكاة قال (عليه السلام): ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاته» (1).

و في صحيح عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل فرّ بماله من الزكاة، فاشترى بها أرضا، أو دارا، أ عليه فيها شي ء؟ فقال (عليه السلام): لا، و لو جعله حليا أو نقرا فلا شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق اللّه الذي يكون فيه» (2) و مثلهما غيرهما مما يأتي نقله.

هذا مضافا إلى إطلاق قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(2) لأنّ ظواهر الأدلة بقاء شخص النصاب مستجمعا للشرائط في الحول، و مضى الحول على شخصه لا على ماليته و لو تبدلت الشخصية، مضافا إلى إطلاق

ص: 80


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

كانت بقصد الفرار من الزكاة (1).

______________________________

قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و إطلاق الفتاوى، فما نسب إلى المبسوط من الوجوب إذا ساوم أربعين شاة سائمة ستة أشهر عنده بأربعين كذلك و وافقه عليه الفخر في شرح الإرشاد مخالف للمنساق من الأدلة فلا وجه له.

(1) لإطلاق الأدلة و التصريح به فيما تقدم من صحيح زرارة، مع أنّ مقتضى الأصل جواز تفويت الشرط قبل تعلق الوجوب.

و نسب إلى جمع منهم السيد (رحمه اللّه)، بل المشهور بين القدماء الوجوب في هذه الصورة و استدل عليه تارة: بالإجماع. و أخرى: بموثق ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ- إلى أن قال- قلت له: فإنّه فرّ بها من الزكاة؟ فقال (عليه السلام): إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة»(1).

و في موثق ابن مسلم عنه (عليه السلام) أيضا: «الحليّ فيه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، إلا ما فرّ به من الزكاة» (2).

و فيه: أنّ الإجماع موهون بكثرة المخالف و الخبران محمولان على ما إذا كان الفرار بعد تعلق الوجوب، و يشهد له موثق زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ أباك (عليه السلام) قال: من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤديها، فقال (عليه السلام): صدق أبي، إنّ عليه أن يؤدي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه منه»(3).

و يمكن الحمل على الاستحباب، لأنّه من الجمع المقبول لدى الأصحاب في كل باب. و أما الحمل على التقية فلا وجه له، لأنّه بعد عدم إمكان الجمع بنحو ما مقبول و تقدم إمكانه فلا موضوع للحمل عليها.

ص: 81


1- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.
مسألة 10: إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي ء

(مسألة 10): إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي ء، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن (1) و إن كان بتفريط منه- و لو

______________________________

(1) للأصل، و ظهور الإجماع، و قاعدة العدل و الإنصاف، و قاعدة عدم تضمين الأمين إلا مع التعدّي، لأنّ المالك أمين شرعيّ، فلا يضمن المالك ما تلف من حصة الفقير، بل يحسب التالف عليهما بقدر حصتهما و يكون الباقي لهما كذلك، و خبر ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل يكون له إبل، أو بقر، أو غنم، أو متاع فيحول عليه الحول، فتموت الإبل، و البقر، و الغنم و يحترق المتاع قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء» (1) المحمول على عدم التفريط إجماعا.

و في صحيح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (عليه السلام): إذا وجد لها موضعا، فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها خرجت من يده، و كذلك الوصيّ الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان» (2).

و في صحيح زرارة عنه (عليه السلام) أيضا: «رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال (عليه السلام): ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان، قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال (عليه السلام): لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» (3).

و نحوه غيره المحمول كل ذلك على عدم التفريط إجماعا، و الصحيحان و إن وردا في تلف تمام الزكاة، لكن إطلاقهما يشمل تلف بعض النصاب أيضا. هذا مع

ص: 82


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

بالتأخير، مع التمكن من الأداء- ضمن بالنسبة (1). نعم، لو كان أزيد من النصاب و تلف منه شي ء مع بقاء النصاب على حاله لم ينقص من الزكاة شي ء و كان التلف عليه بتمامه مطلقا على إشكال (2).

مسألة 11: إذا ارتد الرجل المسلم

(مسألة 11): إذا ارتد الرجل المسلم، فإما أن يكون عن ملة، أو عن فطرة، و على التقديرين إما أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فإن كان بعده وجبت الزكاة سواء كان عن فطرة أو ملة (3) و لكن المتولي لإخراجها الإمام،

______________________________

أنّه لا وجه للضمان أصلا إلا بناء على أنّ الزكاة من الشركة الحقيقية، و الإشاعة الواقعية في مال المالك. و أما بناء على أنّها حق متعلق بمالية المال، أو أنّها من الكليّ في المعيّن، أو من قبيل حق الرهانة أو الجناية، فلا موضوع للضمان أصلا، و يأتي التفصيل في [مسألة 31] من (فصل زكاة الغلات) و لا وجه للتعرض هنا بعد ما يأتي التفصيل في محلّه.

(1) لما تقدم من صحيح ابن مسلم، و هو المشهور بين الفقهاء، و لكنه يتم بناء على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية دون سائر المباني التي يأتي التعرض لها.

أما التمسك بالإجماع للضمان في المقام فهو مخدوش، لأنّ إجماعهم مبنيّ على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية و هي ساقطة كما يأتي.

ثمَّ إنّ إطلاق الكلمات يشمل صورة كون التفريط بالتأخير أيضا و هو يصح مع التلف و ورود النقص على الفقراء، و أما مع عدم ذلك كله و تحقق مجرد التأخير فقط فلا ريب في تحقق الإثم، و أما الضمان فلا موضوع له.

(2) مبنيّ على أنّ حق الفقراء من الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية حتى في الزائد على النصاب، أو يختص ذلك بخصوص النصاب فقط و يأتي أنّ كونه من الشركة الحقيقية مخدوش، و على فرض الصحة فلا وجه لكونها في الزائد على النصاب، للأصل موضوعا و حكما، و انسباق مقدار النصاب في تعلق الحق من الأدلة اللفظية، و كونه هو المتيقن من الأدلة اللبية.

(3) للإطلاقات، و أصالة بقاء الوجوب، و عدم السقوط بالارتداد مطلقا.

ص: 83

أو نائبه (1)، و إن كان في أثنائه، و كان عن فطرة انقطع الحول، و لم تجب الزكاة (2) و استأنف الورثة الحول (3) لأنّ تركته تنتقل إلى ورثته، و إن كان عن ملة لم ينقطع (4) و وجبت بعد حول الحول، لكن المتولي الإمام عليه

______________________________

(1) لاشتراط الزكاة بقصد القربة و حيث إنه لا يحصل من الكافر فلا بدّ من مباشرة الحاكم الشرعيّ أو نائبه لذلك.

و فيه: أنّ حصول قصد القربة من الكافر ممكن بلا إشكال. نعم، لا يحصل التقرب إلى اللّه تعالى لهم بقصد قربتهم لمنع الكفر عن ذلك، و لا ملازمة بين عدم حصول التقرب و عدم إمكان حصول القربة، إذ ربّ مسلم يقصد القربة بعمل و لا يحصل منه التقرب إلى اللّه تعالى لمانع فيه. مع أنّ لنا أن نقول: إنّ التقرب المعتبر في الصدقات عنوان خاص للمدفوع لا أنّه تقرب للدافع أولا و بالذات، فمن حيث إنّ الصدقة مضافة إلى اللّه تعالى، و أنّه عزّ و جل يأخذ الصدقات لا بدّ و أن تضاف إليه تعالى. و حينئذ فإن صادف ذلك محلا قابلا يحصل التقرب له و إلا فلا، فيسقط التكليف من دون تقرب للفاعل مع أنّ للتقرب مراتب متفاوتة جدّا يمكن أن يكون بعض مراتبه باعتبار سقوط التبعات الدنيوية، أو التخفيفات في البرزخ، لأنّ مراتب قربه تعالى، و ألطافه غير متناهية، و الصدقات لا تختص بملة دون أخرى، و كون جميعها باطلة إلا ما صدرت من ملة خاصة مشكل جدّا بالنسبة إلى الصدقات المطلوبة بالذات و المرغب إليها بأنحاء الترغيبات مع أنه لو كان التقرب المعتبر تقربا فاعليا لا وجه لتصدّي الغير له إن تعذر من الفاعل، بل الأمر يدور بين سقوط أصل الزكاة حينئذ أو سقوط قصد التقرب و الظاهر تعين الأخير، لما اشتهر من أنّ مراعاة حق الناس أولى عند الدوران من مراعاة حق اللّه تعالى. هذا كله في المرتد الملي. و أما الفطريّ، فيكون المتصدّي للإخراج الورثة، لانتقال المال إليهم.

(2) لأنّه كالميت حينئذ، فينتقل ماله إلى ورثته كما يأتي في محله مفصلا.

(3) مع استكمالهم لشرائط الوجوب.

(4) لعدم خروج مال المرتد الملي عن ملكه- كما يأتي- فالمقتضي للوجوب موجود

ص: 84

السلام أو نائبه إن لم يتب (1)، و إن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه (2) و أما لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه (3) إلا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النية (4)، أو كان الفقير القابض عالما بالحال، فإنّه يجوز له الاحتساب عليه (5)، لأنّه مشغول الذمة بها، إذا قبضها مع العلم بالحال و أتلفها، أو تلفت في يده. و أما المرأة فلا ينقطع الحول بردتها (6).

مسألة 12: لو كان مالكا للنصاب لا أزيد

(مسألة 12): لو كان مالكا للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلا-

______________________________

و المانع عنه مفقود.

(1) تقدم ما يتعلق به.

(2) لأنّه كسائر المسلمين حينئذ، فيكون مجزيا لوجود المقتضي و فقد المانع.

(3) بناء على عدم حصول قصد القربة منه و هو مشكل جدّا- كما تقدم- و إنّه لا خلاف عندهم ظاهرا في صحة وقف الكافر، مع أنّه نحو من الصدقة المتوقفة على القربة.

(4) أي: بعد التوبة فيصح حينئذ و يجزي لوجود المقتضي للصحة حينئذ و فقد المانع عنها بعد عدم كفاية الإخراج الفاقد لقصد القربة، فتكون العين باقية حينئذ على ملكه و يجوز تجديد النية ما لم يتلف كما في سائر موارد فقد شرط من الشروط، فيجدد فيها النية بعد تحقق الشرط مع بقاء العين، و يأتي لذلك أمثلة كثيرة في (فصل أوصاف المستحقين) فراجع.

(5) و المتصدّي للاحتساب هو الورثة إن كان الكفر عن فطرة، و هو بنفسه إن كان عن ملة و تاب، و الحاكم الشرعي إن لم يتب و قلنا بتوقف ذلك على تصدّي الحاكم الشرعي.

(6) لعدم خروج مالها عن ملكها بالارتداد و لو كان فطريا كما يأتي في محله.

ثمَّ إنّه قد تقدم الفرق بين الارتداد الفطري و الملي و بيان أقسام الكفر في كتاب الطهارة (1).

ص: 85


1- لاحظ ج: 2 صفحة: 104 من هذه الدورة الفقهية.

فحال عليه أحوال، فإن أخرج زكاته كل سنة من غيره تكرّرت، لعدم نقصانه حينئذ عن النصاب (1). و لو أخرجها منه، أو لم يخرج أصلا لم تجب إلا زكاة سنة واحدة، لنقصانه حينئذ عنه (2) و لو كان عنده أزيد من النصاب- كأن كان عنده خمسون شاة- و حال عليه أحوال لم يؤد زكاتها، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين (3) إلى أن ينقص عن النصاب، فلو مضى عشر سنين- في المثال المفروض- وجب عشرة، و لو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة، و بعده لا يجب عليه شي ء، لنقصانه عن الأربعين. و لو كان عنده ست و عشرون من الإبل، و مضى عليه سنتان، وجب عليه بنت مخاض للسنة الأولى، و خمس شياه للثانية (4) و إن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضا

______________________________

(1) للعمومات، و الإطلاقات الدالة على وجوب الزكاة مع اجتماع الشرائط، و لكن لا يعد الزمان المتخلل بين التعلق و الإخراج من الحول اللاحق بناء على الشركة الحقيقية، لعدم التمكن فيه من التصرف فيعتبر الحول اللاحق من بعد الإخراج على هذا، و قد صرّح بذلك جمع منهم سيدنا الأستاذ (رحمه اللّه) في الوسيلة.

(2) أما في الصورة الأولى فواضح، و كذا في الثانية بناء على الشركة الحقيقية و الإشاعة في جميع النصاب، بل و كذا بناء على كونه من مجرّد الحق و لو بنحو الكليّ في المعيّن، لأنّ بقاء هذا الحق يوجب عدم التمكن من التصرف في تمام المال.

(3) لوجود المقتضي و فقد المانع، فيشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها الدالة على وجوب الزكاة مع تحقق الشرائط.

(4) أما بنت مخاض للسنة الأولى، فلما مرّ من وجوبها في النصاب السادس من الإبل، و أما خمس شياه للسنة الثانية، فلتنزل النصاب حينئذ من النصاب السادس إلى الخامس و فيه خمس شياه كما مرّ، و لو كانت قيمة بنت مخاض تزيد على الواحدة تنقص عن خمس شياه بقدر الزيادة كما يأتي.

ص: 86

أربع شياه (1) و هكذا .. إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب.

مسألة 13: إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد إما بالنتاج، و إما بالشراء، أو الإرث أو نحوها- فإن كان بعد تمام الحول السابق، قبل الدخول في اللاحق (2) فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع، إن كمل بها النصاب اللاحق (3)، و أما إن كان في أثناء الحول فإما أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو (4)، و لم يكن نصابا مستقلا، و لا مكملا لنصاب آخر، و إما أن يكون نصابا مستقلا، و إما أن يكون مكملا للنصاب.

______________________________

(1) قال في المدارك: «لا يخفى أنّ ذلك مقيد بما إذا كان النصاب بنت مخاض، أو مشتملا عليها، أو قيمة الجميع قيمة بنت مخاض. أما لو انتفت الفروض، فإن كانت زائدة عن قيمة بنت المخاض أمكن أن يفرض خروج قيمة بنت المخاض عن الحول الأول من جزء واحدة من النصاب و يبقى فيه خمس و عشرون، فيجب فيه أقلّ من خمس شياه كما لا يخفى».

أقول: و هو تنبه حسن و استجوده في الجواهر أيضا.

(2) الظاهر أنّ المراد بالسبق و اللحوق هو السبق و اللحوق العرفي، لصحة اعتبارهما بحسب المتعارف حتى مع التقارن الزماني، و ليس المراد السبق و اللحوق بحسب الدقة العقلية، إذ ليس عليها مدار الأحكام الشرعية.

(3) كما لو كان مالكا لأربعين شاة، فملك عند انتهاء حولها اثنتين و ثمانين أخرى، أو كان مالكا لخمس من الإبل و عند انتهاء حولها ملك خمسة أخرى، فيعطي شاة عند انتهاء الحول الأول، و شاتين عند انتهاء الحول الثاني، لانقلاب النصاب الأول إلى الثاني، فتشمله الإطلاقات و العمومات، و لكن الظاهر أنّه يكون ابتداء الحول الثاني فيما إذا ملك بالإنتاج من حين الولادة لا من حيث الاستغناء بالرعي، لإطلاق الأدلة بعد انصراف ما دلّ على اعتبار السوم عن النتاج.

(4) هذا التقسيم الذي ذكره (رحمه اللّه) عقليّ دائر بين النفي و الإثبات كما لا يخفى على المتأمل الخبير.

ص: 87

أما في القسم الأول فلا شي ء عليه (1) كما لو كان له هذا المقدار ابتداء و ذلك كما لو كان عنده من الإبل خمسة، فحصل له في أثناء الحول أربعة أخرى. أو كان عنده أربعون شاة ثمَّ حصل له أربعون في أثناء الحول.

و أما في القسم الثاني فلا يضم الجديد إلى السابق، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده (2)، كما لو كان عنده خمس من الإبل ثمَّ بعد ستة أشهر ملك خمسة أخرى، فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة و بعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضا يخرج شاة و هكذا.

و أما في القسم الثالث فيستأنف حولا واحدا، بعد انتهاء الحول الأول (3)،

______________________________

(1) للأصل، و إطلاق مثل قوله (عليه السلام): «ليس في الغنم بعد الأربعين شي ء حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين» (1)، فإنّ ظاهره كون ما بين الأربعين و مائة و إحدى و عشرين عفوا مطلقا سواء ملك تمام الأربعين دفعة واحدة أو متدرجا فلا يلاحظ الأربعين مستقلا، بل ملحوظ مما بين النصابين مطلقا و هذا هو المشهور.

فما احتمله في المعتبر و استوجهه الشهيد من إمكان اللحاظ الاستقلالي.

(مخدوش) إذ ليس المدار على مجرد الإمكان الذاتي، بل المناط الاستظهار العرفي و هو ما ذهب إليه المشهور.

(2) لوجود المقتضي و فقد المانع، فيشمله الإطلاق، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(3) لإطلاق أدلة وجوب زكاة الأول عند تمام حوله مع وجود المقتضي له و فقد المانع عنه، فلا يعتبر بعد ذلك منضما إلى غيره في ذلك الحول، و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا ثنيا في الصدقة» (2)، و قوله (عليه السلام): «لا يزكى المال من وجهين في

ص: 88


1- ورد مضمونه في الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الأنعام.
2- راجع النهاية لابن الأثير ج: 1 صفحة 224، و المفردات للأصبهاني صفحة: 82.

.....

______________________________

عام واحد»(1) مع ظهور اعتبار أدلة النصاب المتأخر في غير المفروض، فيكون انطباق أدلة وجوب الزكاة على ما تمَّ حوله قهرا و لا تشمل الأخير، لظهورها في جريان الحول على تمام أجزاء النصاب، و المفروض عدمه بالنسبة إلى الأخير، مضافا إلى إطلاق قوله (عليه السلام): «كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه» (2)، و قوله (عليه السلام): «لا يزكى من الإبل، و البقر، و الغنم، إلا ما حال عليه الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن» (3) و هذا هو مختار جمع من الفقهاء: منهم الشهيدان، و المحقق الثاني، و صاحب الجواهر.

و لكن أشكل عليه تارة: بأنّ كون انطباق الأدلة على ما تمَّ حوله قهريا من الترجيح بلا مرجح، و السبق الزماني ليس بمرجح بلا فرق بين كون المقام من التزاحم- بأن إحراز الملاك فيهما- أو من التعارض بأن لم يكن الملاك إلا في أحدهما. و أخرى:

بظهور التسالم على النصاب المندرج تحت النصاب الآخر لا اعتبار به. و ثالثة: بأنّ مقتضى الإطلاقات في مكمل النصاب أنّ الاعتبار بالنصاب الثاني، لوجود المقتضي- و هو تحقق النصاب- و فقد المانع، فيكون النصاب الأول ضمنيا لا استقلاليا.

و يرد الأول: بأنّ خروج النصاب الثاني يكون بنحو التخصيص لفقد شرط الوجوب و هو حلول الحول بالنسبة إليه، و إخراج الأول يحتاج إلى دليل و هو مفقود، فتنطبق عليه أدلة الوجوب قهرا لا محالة، فلا يبقى موضوع للترجيح بلا مرجح.

و يرد الثاني: بأنّه لا وجه لهذا التسالم فإنّ المتيقن منه- على فرض اعتباره- ما إذا كان النصاب الآخر جامعا لجميع الشرائط التي منها مضيّ الحول من أول حدوثه لا من قبيل المقام.

و يرد الأخير: بأنّ مجرد شمول الإطلاق لا وجه له بعد فقد الشرط و هو حلول الحول عليه.

إن قلت: نعم، حيث إنّ الأخير في ضمن ما حال عليه الحول يلغى حكمه

ص: 89


1- الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

و ليس على الملك الجديد في بقية الحول الأول شي ء (1)، و ذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر، فملك في أثناء حولها أحد عشر أو كان عنده ثمانون من الغنم، فملك في أثناء حولها اثنين و أربعين و يلحق بهذا القسم على الأقوى (2) ما لو كان الملك الجديد نصابا مستقلا، و مكملا للنصاب اللاحق، كما لو

______________________________

و يكون تبعا له في هذه الجهة.

قلت: التبعية في حلول الحول لا دليل عليها، بل مقتضى ظواهر الأدلة عدمها.

إن قلت: يلزم التضييع في حق الفقراء بالنسبة إلى ستة أشهر، فليجعل ذلك في الستة أشهر التي مضت بالنسبة إلى النصاب الأول، فيستأنف حولا كاملا لها من حين ملك الثاني.

قلت: نعم، و لكنه تخصيص في دليل وجوب الزكاة بالنسبة إلى النصاب الأول بلا دليل كما تقدم.

إن قلت: فليجعل لكل منهما قولا مستقلا كما في القسم الثاني.

قلت: ينافي ذلك فرض كونه مكملا للنصاب، فإنّه فرض عدم جعله نصابا مستقلا و كونه في ضمن نصاب آخر.

(1) للأصل، و قوله (عليه السلام): «كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه» (1)، و قوله (عليه السلام): (و ما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن» (2).

(2) لعين ما تقدم في سابقة بلا فرق. و لباب المقال: أنّه إذا اندرج الكل تحت نصاب تكون الفريضة ما جعله الشارع فريضة لذلك النصاب و لا يلحظ الأبعاض مستقلة بحسب ظواهر الأدلة المنزلة على الأفهام العرفية.

ص: 90


1- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

كان عنده من الإبل عشرون فملك في الأثناء ستة أخرى، أو كان عنده خمسة، ثمَّ ملك أحد و عشرين و يحتمل إلحاقه بالقسم الثاني (1).

مسألة 14: لو أصدق زوجته نصابا، و حال عليه الحول وجب عليها الزكاة

(مسألة 14): لو أصدق زوجته نصابا، و حال عليه الحول وجب عليها الزكاة (2) و لو طلّقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج، و وجب عليها زكاة المجموع في نصفها (3)، و لو تلف نصفها يجب إخراج الزكاة من

______________________________

إن قلت: إنّ مقتضى إطلاق الأدلة أنّه مهما تحقق نصاب تجب فيه الفريضة الخاصة، ففي المثال المذكور للإبل في المتن إذا تحقق ستة أخرى في الأثناء و مضى عليها الحول يجب إخراج أربع شياه عن العشرين بعد مضيّ الحول عليها و قد جعله الأقوى في الجواهر، فيكون حكم هذا القسم حكم القسم الثاني.

قلت: أما إطلاق الكلمات، فلا اعتبار بها ما لم يكن من الإجماع المعتبر و ثبوته ممنوع. و أما إطلاق الأدلة، فيكفي في عدم الشمول الشك فيه، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، بل يصح دعوى انصرافها عنه، لما تقدم من عدم لحاظ الاستقلال بالنسبة إلى المكمل. و منه يظهر بطلان القياس على القسم الثاني، لعدم كونه مكملا للنصاب، بل يكون نصابا مستقلا كما تقدم.

(1) اختاره في الجواهر، و بعض مشايخنا (رحمه اللّه) في حاشيته على العروة بدعوى: أنّه مقتضى إطلاق الأدلة، و إطلاق الكلمات و تقدم ما فيه فراجع.

(2) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و تمكنها من التصرف عرفا، لأنّ المعرضية للطلاق لا توجب سلب تمكنها عنه، و تقدم في [مسألة 6] من أول كتاب الزكاة ما ينفع المقام فراجع.

(3) أما رجوع نصف الصداق- بالطلاق قبل الدخول- إلى الزوج فللأدلة الثلاثة كما يأتي في محله- إن شاء اللّه تعالى- فيأخذ الزوج نصف تمام المهر كاملا.

و أما وجوب تمام الزكاة على الزوجة، فلوجود المقتضي- و هو الإطلاقات و العمومات- و فقد المانع، لعدم التنافي بين الخطابين و إمكان الجمع بينهما كما هو واضح، لأنّ كلا

ص: 91

النصف الذي رجع إلى الزوج (1)، و يرجع بعد الإخراج عليها بمقدار

______________________________

منهما بنحو الإشاعة لا التعيين، كما لو باع شخص عشر ماله المشاع من شخص ثمَّ باع نصفه المشاع من آخر، فلا ريب في أنّه يجب عليه الوفاء بالبيعين، و هكذا المقام لكون ولاية الإخراج للمالك، فهما حقان مشاعان في تمام المال يكون اختيار الإخراج فيهما إلى المالك.

فما عن المبسوط من أنّ للزوج من العين نصف ما عدى مقدار الفريضة و تضمن له نصف مقدارها، كما لو طلقها بعد الإخراج. لا وجه له، و قياسه على ما بعد الإخراج مع الفارق، لأنّه بعد الإخراج يملك الزوج النصف الباقي و نصف التالف مثلا أو قيمة، و ليس له مطالبة نصفه تماما من الموجود الخارجي، لأنّ حقه كان مشاعا في المجموع، فيكون الباقي لهما و التالف عليهما و ينتقل لا محالة إلى المثل أو القيمة بخلاف قبل الإخراج، فإن تمام المال موجود حينئذ في الخارج و قد تعلق به حقان يمكن الجمع بينهما بلا محذور، فيخرج الحقان و يكون تمام ما بقي بعد ذلك للزوجة. ثمَّ إنّه لو وقع الطلاق بعد الإخراج و أعطت المرأة تمام نصف الزوج من تمام الباقي برضاها جاز لها ذلك أيضا.

(1) ظاهر من عبّر بهذا التعبير أنّ التلف وقع في نصفها المختص بها و إلا فلا وجه لإضافة التلف إلى نصفها فقط و هو يتوقف على تحقق القسمة قبل التلف، و لا إشكال في صحتها بناء على أنّ تعلق الزكاة من قبيل الكلّي في المعيّن، إذ لا تكون القسمة حينئذ تصرفا في موارد الزكاة حتى يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعيّ. نعم، لو كان التعلق بنحو آخر تتوقف القسمة على الإذن حينئذ.

و أما وجوب إخراج الزكاة مما رجع إلى الزوج فلا دليل عليه، بل هو على الخلاف لما مرّ و يأتي من جواز الإخراج من غير العين. و لعل نظره إلى أنّه لو لم تؤد الزكاة يرجع الساعي على الزوج لوجود متعلق الزكاة لديه في الجملة فيأخذها منه ثمَّ يستوفي الزوج تمام حقه من الزوجة و هذا مما لا إشكال فيه كما يأتي.

ص: 92

الزكاة. هذا إن كان التلف بتفريط منها. و أما إن تلف عندها بلا تفريط (1)، فيخرج نصف الزكاة من النصف الذي عند الزوج، لعدم ضمان الزوجة حينئذ لعدم تفريطها نعم، يرجع الزوج حينئذ أيضا عليها بمقدار ما أخرج (2)

مسألة 15: إذا قال ربّ المال: «لم يحل على مالي الحول» يسمع منه

(مسألة 15): إذا قال ربّ المال: «لم يحل على مالي الحول» يسمع منه، بلا بينة، و لا يمين، و كذا لو ادعى الإخراج أو قال: «تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب» (3).

______________________________

(1) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق بينهما بحسب القواعد.

نعم، الفرق بينهما تنصيف الزكاة هنا و ورود النقص على الزكاة أيضا، لفرض كون التلف بلا تفريط بخلاف السابق حيث لا نقص على الزكاة، لكون التلف بالتفريط فيضمن جميع الزكاة من فرط.

(2) لفرض تعلق خطاب الزكاة بالزوجة و لا تكليف بالنسبة إلى الزوج، فما أعطاه يرجع إليها إلا إذا قصد التبرع، و قلنا بجوازه في الزكاة فلا رجوع إليها حينئذ.

(3) لظهور الاتفاق في جميع ذلك، مع أنّه نحو من الإرفاق، و في صحيح بريد بن معاوية: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له: يا عبد الهّ انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له- إلى أن قال:- ثمَّ قل لهم: يا عباد اللّه، أرسلني إليكم وليّ اللّه، لأخذ منكم حق اللّه تعالى في أموالكم فهل للّه في أموالكم من حق فتأدوه إلى وليه، فإن قال لك قائل لا، فلا تراجعه» (1).

و مقتضى إطلاقه عدم الاختصاص بمورده، فيشمل دعوى فقدان شرط من شروط الزكاة من غير فرق بينها. هذا إذا لم تكن قرائن في البين على كذبه و إلا فلا يقبل منه مطلقا، لأنّه تضييع لحق الفقراء.

ص: 93


1- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
مسألة 16: إذا اشترى نصابا، و كان للبائع الخيار

(مسألة 16): إذا اشترى نصابا، و كان للبائع الخيار فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شي ء على المشتري (1)، و يكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ (2). و إن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة (3)، و حينئذ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما أخرج (4)، و إن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين (5). و إن كان قبل الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين (6) و يغرم للبائع ما أخرج، و أن يخرجها من مال آخر، و يرجع العين بتمامها إلى البائع.

______________________________

(1) لفقد شرط الوجوب بالنسبة إليه و هو حلول الحول.

(2) لأنّه حين انتقال الملك إليه و قبل ذلك لا يكون مالكا، فلا موضوع لتعلق الزكاة أصلا.

(3) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله أدلة الوجوب بلا مدافع. نعم، من قال بتوقف الملك على انقضاء زمان الخيار، فلا موضوع لوجوب الزكاة بالنسبة إلى المشتري حينئذ، و لكنه قول عليل و لا يصح عليه التعويل.

(4) لأنّ مقتضى المعاوضة، و تحقق الخيار ضمان المشتري لدرك المبيع، و ضمان البائع لدرك الثمن و يأتي التفصيل في محله.

(5) لانتقال تمامه إليه بالفسخ، فيتسلط على أخذه لا محالة، و لا يمنع عن ذلك تعلق الزكاة، لفرض أنّ المشتري أداها من مال آخر و يجوز له ذلك كما يأتي.

(6) لأنّ الزكاة حق متعلق بالعين، و لا دليل على سقوط حق الإخراج عنه، كما لا دليل على سلطنة البائع على منع المشتري عن إخراجها من العين، مع إمكان الجمع بين إتيان الزكاة من العين، و دفع حق البائع من العوض إلا أن يقال: إنّه بعد جواز إخراج الزكاة من مال آخر ينبغي مراعاة إذن البائع حينئذ مهما أمكن في الإخراج من العين و هذا نحو أدب مجاملي بين الناس.

ص: 94

فصل في زكاة النقدين

اشاره

(فصل في زكاة النقدين) و هما الذهب، و الفضة (1) و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور:

الأول: النصاب

اشارة

الأول: النصاب (2)،

ففي الذهب نصابان

ففي الذهب نصابان: الأول عشرون دينارا و فيه نصف دينار (3)

______________________________

(فصل في زكاة النقدين)

(1) للنصوص- التي يأتي بعضها- مضافا إلى الاتفاق عليه.

(2) للنصوص الكثيرة التي يأتي التعرض لبعضها، مضافا إلى الاتفاق عليه.

(3) إجماعا، و نصوصا مستفيضة منها قول أبي الحسن في صحيح ابن بشار:

«في الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه» (1)، و في موثق سماعة عن الصادق (عليه السلام): «و من الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شي ء» (2) و نحوهما غيرهما.

و أما قول الصادقين (عليهما السلام) في الصحيح: في الذهب في كل أربعين مثقالا، مثقال، و في الورق في كل مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء، و ليس في أقلّ من مائتي درهم شي ء، و ليس في النيف شي ء حتى يتم أربعون، فيكون فيه واحد» (3)، فهو بالنسبة إلى نصاب الذهب خلاف المشهور

ص: 95


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.
3- راجع تمام الحديث في المقنع صفحة 14 و في الوسائل باب: 1 و 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 13 و 7.

و الدينار مثقال شرعي (1)، و هو ثلاثة أرباع الصيرفي فعلى هذا النصاب الأول- بالمثقال الصيرفي- خمسة عشر مثقالا و زكاته ربع المثقال و ثمنه (2).

و الثاني: أربعة دنانير (3)،

______________________________

و المستفيضة المعمول بها لدى الأصحاب فلا بد من رد علمه إلى أهله، أو طرحه، فما نسب إلى بعض القدماء و غيرهم من العمل به لا وجه له.

(1) لقوله (عليه السلام): «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار» (1)، و قوله (عليه السلام): «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال» (2) و مثلهما غيرهما، على أنّ المراد بالدينار المثقال. هذا مضافا إلى ظهور تسالم الفقهاء عليه.

(2) لأنّ المثقال الشرعيّ ثماني عشرة حمصة، و الصيرفي. أربع و عشرون حمصة، و ربع المثقال الصيرفي و ثمنه يصير تسع حمصات و كل ذلك من المسلّمات عند الفقهاء، و استقر عليه المذهب. و قد كتبوا رسائل في الأوزان الشرعية من العامة و الخاصة، بل و غير المسلمين أيضا من شاء فليراجعها.

ثمَّ إنّ الظاهر، بل المقطوع به اختلاف وزن الدنانير القديمة، و يشهد لذلك ما هو الموجود منها فعلا في المتاحف الفعلية في بلاد الإسلام و غيرها، و ليس جميع هذه الدنانير مورد البحث في المقام و إلا لاختل أصل الكلام، لاختلافها اختلافا كثيرا على ما هو المشاهد فيها.

(3) لقول الصادقين (عليهما السلام) في الصحيح: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء، فإذا أكملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة» (3)، و عن الصادق (عليه السلام) في الموثق: «إذا

ص: 96


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.

و هي ثلاثة مثاقيل صيرفية (1) و فيه: ربع العشر- أي من أربعين واحد- فيكون فيه قيراطان. إذ كل دينار عشرون قيراطا (2). ثمَّ إذا زاد أربعة فكذلك (3) و ليس قبل أن يبلغ عشرين دينارا شي ء، كما أنّه ليس بعد العشرين- قبل أن يزيد على أربعة (4) شي ء، و كذا ليس بعد هذه الأربعة شي ء إلا إذا زاد أربعة أخرى و هكذا.

و الحاصل: إنّ في العشرين دينارا ربع العشر، و هو نصف دينار. و كذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة و عشرين. و فيها ربع عشره، و هو نصف دينار و قيراطان. و كذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية و عشرين، و فيها نصف دينار

______________________________

جازت الزكاة العشرين دينارا، ففي كل أربعة دنانير عشر دينار»(1). هذا مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع.

ثمَّ إنّ الدينار عشرون قيراطا، كما أنّ ثلاثة أخماس الدينار فيما مرّ من موثّق أبي بصير إثنا عشر قيراطا، عشرة منها تكون فريضة عشرين دينارا و قيراطان فريضة أربعة دنانير، و المجموع ربع العشر، لأنّ ربع العشر من أربعمائة و ثمانين قيراطا يصير اثنا عشر قيراطا كما هو واضح.

(1) لما تقدم من أنّ المثقال الشرعيّ ثلاثة أرباع الصيرفي، فيصير كل أربعة مثاقيل شرعية ثلاثة مثاقيل صيرفية كما هو واضح.

(2) لظهور اتفاقهم عليه فيصير أربعة دنانير ثمانين قيراطا، و عشر ثمانين ثمانية و ربع العشر قيراطان.

(3) نصّا، و فتوى، و تقدم قول الصادقين (عليهما السلام): «فعلى هذا الحساب كل ما زاد أربعة».

(4) للإجماع، و ظاهر النصوص، و لأنّه لا وجه لاعتبار النصاب إلا الحدّ الخاص الذي لا حكم لما قبله و لا لما بعده.

ص: 97


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 6.

و أربع قيراطات و هكذا، و على هذا فإذا أخرج- بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد- من كل أربعين واحدا فقد أدى ما عليه و في بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل (1)، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.

و في الفضة أيضا نصابان.

الأول: مائتا درهم و فيها خمس دراهم (2).

الثاني: أربعون درهما و فيها درهم (3).

و الدّرهم نصف المثقال الصيرفي ربع عشره (4)، و على هذا فالنصاب الأول مائة و خمسة مثاقيل صيرفية، و الثاني أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيما قبل النصاب الأول و لا فيما بين النصابين شي ء على ما مرّ (5) و في الفضة أيضا

______________________________

(1) كما إذا أخرج ربع العشر من جملة ما عنده و كانت زائدة على النصاب الأول و لم تبلغ النصاب الثاني، و كذا في جميع موارد ما بين النصابين.

(2) نصوصا مستفيضة، بل متواترة، و إجماعا بقسميه، قال أبو عبد اللّه: «في كل مائتي درهم خمسة دراهم من الفضة و إن نقصت فليس عليك فيها زكاة» (1).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح قال: «في الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس فما دون المائتين شي ء» (2) إلى غير ذلك من الأخبار.

(3) نصوصا، و إجماعا، فعن الصادقين في الصحيح قالا: «في الورق في كل مائتين خمسة دراهم، و لا في أقلّ من مائتي درهم شي ء، و ليس في النيف شي ء حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد» (3).

(4) للإجماع، و عن المجلسي: «أنّه مما اتفق عليه إجماع العامة و الخاصة».

(5) للنص، و الإجماع قال (عليه السلام): «ليس في النيف شي ء» (4) و قال: «و ليس

ص: 98


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 6.
3- راجع تمام الحديث في المقنع صفحة: 14 و في الوسائل باب: 1 و 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 13 و 7.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 7.

- بعد بلوغ النصاب- إذا أخرج من كل أربعين واحدا فقد أدى ما عليه، و قد يكون زاد خيرا قليلا (1).

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة (2)، سواء كان بسكة الإسلام أو الكفر، بكتابة أو غيرها بقيت سكتهما أو صارا ممسوحين بالعارض (3)

______________________________

في الكسور شي ء» (1).

(1) كما تقدم في الذهب، فإنّهما متحدان من هذه الجهة.

(2) للتعبير بالدينار و الدرهم في جملة من النصوص- كما تقدم- مضافا إلى الإجماع، و في صحيح ابن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السلام): «قلت له: إنّه يجتمع عندي الشي ء الكثير قيمته، فيبقى نحوا من سنة، أ نزكيه؟ قال (عليه السلام): لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء قلت: و ما الركاز؟ قال (عليه السلام): الصامت المنقوش ثمَّ قال (عليه السلام): إذا أردت ذلك، فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شي ء من الزكاة» (2).

و المراد بالصامت الذهب و الفضة، كما أنّ المراد بالنقوش السكة المعاملية بقرينة قوله (عليه السلام): «ليس في التبر زكاة إنّما هي على الدراهم و الدنانير» (3).

و إنّه ليس على السبائك و الحليّ زكاة- كما يأتي- مع وجود مطلق النقش في الحليّ غالبا فتكون مثل هذه الأخبار و الإجماع مقيّدة لإطلاق ما دل على وجوب الزكاة في الذهب و الفضة، فلا وجه للأخذ بإطلاقه، فالمسألة بحسب الأصل العملي من صغريات الأقلّ و الأكثر، و يطابقه الأصل اللفظي أيضا لفرض تقييد أصالة الإطلاق بالدرهم و الدينار.

(3) لظهور الإطلاق، و الاتفاق الشامل لكل ذلك.

ص: 99


1- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.

و أما إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما (1) إلا إذا تعومل بهما فتجب على الأحوط (2) كما أنّ الأحوط ذلك أيضا إذا ضربت للمعاملة و لم

______________________________

(1) للأصل، و الإجماع بعد عدم المعاملة بهما، و عدم صدق الدينار و الدرهم عليهما.

(2) استدل على الوجوب تارة: بالإجماع، و أخرى: بالإطلاقات و العمومات و ثالثة: بالاستصحاب فيما إذا كانت رائجة و هجرت المعاملة. و الكل مخدوش:

أما الأول، فلعدم كونه من الإجماع المعتبر.

و أما الثاني: فلأنّ المنساق منها عرفا بقاء المعاملة و رواجها.

و أما الأخير: فلأنّ الظاهر أنّ لرواج المعاملة دخلا في الحكم حدوثا و بقاء فيكون الاستصحاب تعليقيّا، و مع صحة الاستصحاب التعليقي كما أثبتناه في محله فلا وجه له، للتعليل الوارد في خبر ابن يقطين عن الكاظم (عليه السلام)- فإنّ مقتضاه عدم الوجوب و هو مقدم على الاستصحاب مطلقا- قال: «أ لا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة» (1)و الظاهر أنّ المراد بذهاب المنفعة سقوط المعاملة و عدم الرواج.

و لباب المقال: أنّ أخبار المقام أربعة أقسام:

الأول: ما اشتمل على لفظ الذهب و الفضة.

الثاني: ما اشتمل على الدرهم و الدينار، و لا ريب في لزوم تقييد الأول بالأخير كما استقرت عليه سيرة كل فقيه و خبير.

الثالث: ما اشتمل على اعتبار كونه منقوشا و الظاهر- بل المقطوع به- أنّ المراد بالنقش العلامة المجعولة للرواج المعاملي، و للدرهمية و الدينارية، فيرجع هذا القسم إلى القسم الثاني و لا وجه لعده قسما مستقلا برأسه، إذ لم يتوهم أحد لوجوب الزكاة في الذهب و الفضة إذا كانا منقوشين للزينة و أثاث البيت، و تزيين الأبواب و الجدران

ص: 100


1- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

يتعامل بهما (1)، أو تعومل بهما لكنّه لم يصل رواجهما إلى حدّ يكون دراهم أو

______________________________

و السقوف و نحو ذلك مما تعارف عند المترفين حتى الآن بأجمل النقوش و أحسن الصور.

الرابع: ما اشتمل على بقاء المنفعة و عدم ذهابها، و هو عبارة أخرى عن رواج المعاملة و عدم سقوطها، فإنّ لكل عصر و زمان دراهم و دنانير رائجة و أخرى ساقطة كما تشهد له التواريخ المعتبرة، و المتاحف الموجودة و إلا فلا يعقل ذهاب منفعة الذهب و الفضة، لأنّهما بذاتهما منفعة في أيّ مادة و صورة كانتا، فتكون جميع هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض تفرغ عن لسان واحد، و ترجع إلى شي ء فارد، و هو وجوب الزكاة في الدرهم و الدينار الرائج، إنّما الكلام في أنّ الرواج المعامليّ ملحوظ بنحو الموضوعية الخاصة فكل ذهب أو فضة كانت رائجة المعاملة تجب فيها الزكاة و لو لم تكن من الدرهم و الدينار المعهود في كل زمان و مكان، أو أنّه عنوان مشير إليهما أيضا؟ الظاهر هو الأخير إذ لم يعهد في العصور السابقة ما كان رائج المعاملة و لم يسم بالدرهم و الدينار و كان له اسم آخر غيرهما مع كونه من الذهب أو الفضة و التواريخ المعتبرة و ما يوجد في المتاحف من كل عصر شاهد عليه، فلا موقع لهذا البحث أصلا، و نسب في الذخيرة- عدم الزكاة في الممسوح. و لو تعومل به- إلى الأصحاب مشعرا بدعوى:

الإجماع عليه. هذا مضافا إلى الأصل بعد عدم جواز التمسك بعمومات الزكاة، لأنّ المخصص مجمل مردد بين المتباينين.

إن قلت: مقتضى قوله (عليه السلام)- في سقوط الزكاة عنه- «أ لا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه» أنّ المناط على المنفعة سواء سمّي الذهب أو الفضة بالدينار و الدرهم أم لا، فتعلق الزكاة بكل ما تعومل به مطلقا و لو لم يسم بهما.

قلت: الظاهر أنّ المراد- بالمنفعة- المنفعة الدينارية و الدرهمية لا مطلق المنفعة، إذ لا يتصوّر ذهب و فضة لا تكون فيهما المنفعة المطلقة.

(1) جمودا على صدق الدرهم و الدينار في الجملة، و لكنه مشكل إذ المنصرف منهما ما هو المتعارف الرائج، و يمكن أن يستفاد ذلك من مجموع الأدلة، فالدرهم

ص: 101

دنانير (1) و لو اتخذ الدرهم أو الدنانير للزينة، فإن خرج عن رواج المعاملة لم

______________________________

و الدينار المقيد بالرواج في مورد الزكاة لا كل رائج و لو من غيرهما، أو كل درهم و لو مع عدم الرواج.

(1) لصدق الدرهم و الدينار و الرواج في الجملة، إلا أن يقال: إنّ الرواج المعامليّ ظاهر في ما هو المعهود من الرواج لا صرف وجوده في الجملة.

و خلاصة الكلام أنّ الأقسام خمسة:

الأول: الدرهم و الدينار من الذهب و الفضة الرائجين و لا ريب في تعلق الزكاة بهما، نصّا و إجماعا.

الثاني: ما يسمّى درهما و دينارا و هما من غير الذهب و الفضة مع رواج المعاملة بهما و ليس فيهما زكاة، لاعتبار كون مورد الزكاة في النقدين من الذهب و الفضة نصّا و إجماعا كما تقدم.

الثالث: الدرهم و الدينار من الفضة و الذهب مع عدم رواج المعاملة أصلا فلا زكاة فيهما، لما مرّ.

الرابع: الدرهم و الدينار من الذهب و الفضة مع الرواج في الجملة لا الرواج الشائع، و مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد الشك في شمول الإطلاقات و العمومات له، لأنّ التمسك بها من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

الخامس: الدراهم و الدنانير الفضية و الذهبية التي كانت معمولة، فصارت مهجورة هجرا تاما، و مقتضى قوله (عليه السلام): «ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه» (1) عدم وجوب الزكاة فيه خصوصا مع قدم العهد الذي يترتب عليه حكم العتائق، لكن قد ادعي الإجماع على وجوبها في المهجورة التي قد تعومل بها مدّة ثمَّ هجرت. و عهدة إثبات هذا الإجماع على مدعيه، مع أنّ ظواهر الأدلة تنفيه، و طريق الاحتياط في كل ذلك واضح.

ص: 102


1- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

تجب فيه الزكاة (1) و إلا وجبت (2).

______________________________

(1) لانتفاء الشرط و هو الرواج المعاملي، كما صرّح به في الجواهر و غيره.

(2) للإطلاقات الدالة على وجوب الزكاة في الدرهم و الدينار مع الرواج المعاملي، و لاستصحاب بقاء الوجوب فيه.

و فيه: أولا عدم استفادة الإطلاق الأحوالي عن الإطلاقات، لكونها واردة في مقام تشريع أصل الزكاة فقط.

و ثانيا: أنّها مقيدة بما دل على عدم الزكاة في الحليّ الذي ورد للامتنان و التسهيل و التيسير.

و دعوى: أنّ النسبة بين ما دل على وجوب الزكاة في الدرهم و الدينار و ما دل على نفيها في الحلي عموم من وجه، فيرجع بعد التعارض إلى عموم ما دل على وجوب الزكاة في الذهب و الفضة، و استصحاب الوجوب. (ساقطة)! للقطع بعدم الزكاة في مطلق الذهب و الفضة، فلا وجه للرجوع إليها بعد التعارض، فيبقى التعارض بالعموم من وجه بحاله، و الترجيح مع ما دل على نفي الزكاة في الحليّ، لورودها مورد التوسعة و الامتنان، فيشمل حتى ما لو جعلت الدراهم و الدنانير الرائجة حليا و لإطلاق مثل صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الزكاة في الحليّ قال (عليه السلام): إذا لا يبقى» (1)، فإنه يشمل ما إذا جعلت الدنانير أو الدراهم حليا.

و كذا إطلاق موثق ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له:

الرجل يجعل لأهله الحليّ من مائة دينار و المائتي دينار. و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال (عليه السلام): ليس فيه زكاة» (2).

فيستفاد من إطلاق مثل هذه الأخبار عدم الزكاة في الحليّ و إن كانت من الدراهم و الدنانير الرائجة مع شيوع جعلها منها في الأزمنة القديمة إلا أن يقال:

ص: 103


1- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 6.

الثالث: مضيّ الحول

اشارة

الثالث: مضيّ الحول (1) بالدخول في الشهر الثاني عشر (2) جامعا للشرائط التي منها النصاب. فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب.

و كذا لو تبدل بغيره من جنسه أو غيره، و كذا لو غيّر بالسبك (3)، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أم لا على الأقوى (4)، و إن كان

______________________________

بثبوت الملازمة العرفية بين جعل الدنانير و الدراهم حليا و بين سقوط الرواج المعامليّ عنها، و لكن الكلام في ثبوت هذه الملازمة و مقتضى الأصل عدمها.

(1) للنصوص- كما يأتي- و الإجماع، فعن أبي إبراهيم (عليه السلام) في الصحيح: «كل ما لم يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة» (1).

و عن زرارة (2) سمع أبا جعفر يقول: «إنّما الزكاة على الذهب و الفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي ء» و مثلهما غيرهما.

(2) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة» (3) و قد تقدم ما ينفع المقام في الشرط الرابع من زكاة الأنعام فراجع فإنّ المقام متحد معه.

(3) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط الجارية في جميع ذلك، إذ المنساق من الأدلة بقاء شخص النصاب بعينه تمام الحول.

(4) لنصوص مستفيضة:

منها: قول الكاظم (عليه السلام): «لا تجب الزكاة فيما سبك، قلت: فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟ قال: «أ لا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا يجب عليه الزكاة»(4).

ص: 104


1- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

الأحوط الإخراج على الأول (1)، و لو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة (2) و وجبت الإخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير، إذا فرض نقص القيمة بالسبك (3).

مسألة 1: لا تجب الزكاة في الحليّ و لا في أواني الذهب

(مسألة 1): لا تجب الزكاة في الحليّ (4) و لا في أواني الذهب

______________________________

و منها: صحيح ابن يزيد قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه شي ء؟ فقال (عليه السلام): لا، و لو جعله حليا أو نقرا، فلا شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق اللّه الذي يكون فيه» (1).

فما في جملة من الأخبار من أنّه إذا فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة كصحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الحليّ فيه زكاة؟ قال (عليه السلام) لا، إلا ما فرّ به من الزكاة» (2) و مثله غيره محمول على الندب جمعا، أو على ما إذا كان الفرار بعد حلول الحول.

(1) للخروج عن خلاف الشيخ (رحمه اللّه) القائل بالوجوب فيما إذا بدل النصاب بغيره من جنسه و هذا هو المراد بالأول، و قد مرّ في زكاة الأنعام أنّه خلاف المنساق من الأدلة.

(2) لعموم الأدلة، و إجماع الأجلة، و استصحاب الحالة السابقة.

(3) لكون نفس الدراهم و الدنانير متعلق الزكاة، فيضمن النقص الحاصل بفعله و تفريطه، كما أنّ له الزيادة إن حصلت زيادة بالسبك و نحوه.

(4) لنصوص مستفيضة و ظهور إجماع الإمامية قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ليس على الحليّ زكاة» (3)، و في صحيح رفاعة قال: «سمعت أبا عبد اللّه و سأله بعضهم عن الحليّ فيه زكاة؟ فقال (عليه السلام): لا، و لو بلغ مائة ألف» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 105


1- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.

و الفضة (1)، و إن بلغت ما بلغت (2) بل عرفت سقوط الوجوب عن الدّرهم و الدّينار إذا اتخذ للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما: نعم، في جملة من الأخبار «أنّ زكاتها إعارتها» (3).

مسألة 2: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منها و الردي ء

(مسألة 2): لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منها و الردي ء، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيّدا و بعضه رديّا (4). و يجوز الإخراج من الرديّ و إن كان تمام النصاب من الجيّد (5) لكن الأحوط خلافه (6)، بل يخرج الجيّد من الجيّد و يتبعض بالنسبة مع التبعض، و إن أخرج الجيّد عن الجميع فهو أحسن (7).

______________________________

(1) لعدم وجوب الزكاة في مطلق الذهب و الفضة، بالضرورة و إنّما تجب في الدينار و الدرهم من الذهب و الفضة على ما تقدم تفصيله.

(2) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(3) لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «زكاة الحليّ عاريته»(1) و في الفقه الرضوي: «ليس على الحليّ زكاة، و لكن تعيره مؤمنا إذا استعار منك، فهو زكاته» (2).

(4) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و بناء الزكاة على الإرفاق.

(5) للإطلاق و الإرفاق، و نسب إلى المشهور التقسيط و هو مبنيّ على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية، و تأتي المناقشة في أصل المبنى، فلا وجه لما بني عليه من الفروع.

(6) خروجا عن مخالفة المشهور و إن كان لا دليل لهم على ما ذهبوا إليه على ما يأتي تفصيله إنشاء اللّه تعالى.

(7) لأنّه خير و إحسان محض، و نحو من الإيثار و لا ريب في كون كل ذلك من أحسن الصفات.

ص: 106


1- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

نعم، لا يجوز دفع الجيد عن الرديّ بالتقويم (1)، بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوى دينار رديّا عن دينار إلا إذا صالح الفقير بقيمته في ذمته، ثمَّ احتسب تلك القيمة عما عليه من الزكاة، فإنّه لا مانع منه (2) كما لا مانع من دفع الدينار الردي ء عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك (3).

مسألة 3: تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة

(مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب (4) و لو شك في بلوغه و لا طريق للعلم بذلك- و لو للضرر- لم

______________________________

(1) لتوقف إجزائه على ثبوت إطلاق في دليل جواز إعطاء القيمة، فتشمل الفرض الذي هو إعطاء القيمة من نفس الفريضة و هو مشكل، كما أنّ ولاية المالك على الإخراج هكذا أيضا مشكلة، و الشك فيهما يكفي في عدم جواز التمسك بدليلهما و هذا هو المشهور. و عن صاحب الحدائق الجواز، جمودا على ما دلّ على جواز إعطاء القيمة و يبقى عليه إشكال إعطاء القيمة من نفس الفريضة و شمول الإطلاق له و هو مشكل.

(2) لتحقق الدفع حينئذ بعوض الدينار الرديّ، مع عدم كونه نصف دينار كما إذا صالح الفقير عن نصف الدينار الذي يدفعه إليه بكتاب يسوى دينارا في ذمة الفقير ثمَّ يحتسب ذلك الكتاب بعنوان القيمة عن الزكاة.

(3) يعني: إذا كان فرضه نصف دينار و أعطى دينارا عنه، و وجه عدم المنع أنّه حينئذ إعطاء للفريضة مع زيادة، فيكون كما لو خرج الجيد عن الجميع من حيث الانحلال إلى شيئين أصل الفريضة و ما يزيد عليها وصفا كان أو جزءا، و لكنه يتوقف على قصد ذلك، و لو إجمالا.

(4) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و خبر زيد الصائغ- المعتمد عليه لدى الأصحاب- قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مسا، و ثلث رصاصا، و كانت تجوز عندهم، و كنت أعملها و أنفقها، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا بأس بذلك إن كان تجوز عندهم، فقلت: أ رأيت إن حال عليه الحول

ص: 107

تجب (1) و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار إشكال أحوطه ذلك (2) و إن كان عدمه لا يخلو عن قوّة (3).

______________________________

و هو عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة أزكيها؟ قال: نعم، إنّما هو مالك قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أ زكيها؟

قال: إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة؟

قال: فاسكبها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثمَّ تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة»(1).

و أشكل عليه بعدم صدق الدراهم و الدينار على المغشوش. مع أنّ ما يدل على عدم الزكاة في غير الذهب و الفضة يشمل المغشوش. و فيه: أنّه لا ريب في صدقهما على المغشوش كصدقهما على الخالص، و الظاهر أنّ الغالب إنّما هو المغشوش و لكنه يختلف بكثرة الغش و قلته، و لم يقل أحد بوجوبها في الغش، و إنّما يجب في الخالص كما تقدم في الخبر، فلا وجه للإشكال أصلا.

(1) لأصالة البراءة عقلا و نقلا.

(2) لأنّ الشبهات التي لها معرضية عرفية للوقوع في خلاف الواقع لا بد من التثبت فيها. و ما اشتهر من أنّه لا يجب الفحص في الشبهات الموضوعية يمكن أن يراد به التفحص في الأدلة كالشبهات الحكمية أو ما لا تكون لها المعرضية العرفية للوقوع في خلاف الواقع، أو ما يوجب الوسواس كما في شبهة النجاسة لا جميع الشبهات الموضوعية مطلقا من أول الفقه إلى آخره، و إلا لناقض قولهم هذا الفتوى بوجوب الفحص أو الاحتياط الوجوبي في جملة كثيرة من الموارد كما لا يخفى على من راجع كلماتهم و قد تعرّضنا لبعضها في هذا الكتاب.

(3) نسب ذلك إلى المعروف، و عن المسالك لا قائل بالوجوب، و قواه في

ص: 108


1- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.
مسألة 4: إذا كان عنده نصاب من الجيّد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش

(مسألة 4): إذا كان عنده نصاب من الجيّد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش (1)، إلا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص (2)، و إن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه (3)، إلا إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة (4).

مسألة 5: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش

(مسألة 5): و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش، إلا مع العلم على النحو المذكور (5).

______________________________

الجواهر لو لم يكن إجماع على الخلاف، لأنّ البناء على العدم يوجب إسقاط كثير من الواجبات، و لا مدرك لما نسب إلى المعروف إلا ما قاله في الجواهر: «من أنّ مقدمات الوجوب لا يجب تحصيلها و لا تعرفها .. ثمَّ قال (رحمه اللّه): و الأول مسلّم بخلاف الثاني ضرورة معلومية الوجوب في مثله من مذاق الشرع».

ثمَّ إنّ تقوية الماتن (رحمه اللّه) عدم الوجوب هنا ينافي الاحتياط الوجوبي في جملة من الشبهات الموضوعية كخمس المعادن، [مسألة 13] منه، و الاستطاعة في الحج [مسألة 20] و غيرهما مما لا يخفى، مع أنّ الجميع داخل في الشبهات الموضوعية و لا دليل على التفريق بينها، ففي بعضها احتاط (رحمه اللّه) استحبابا، و في بعضها وجوبا، و في بعضها قوّى الوجوب، و في البعض قوّى العدم، و لأيّ شي ء هذا التفريق و من أين حصل منشأه؟!!.

(1) لقاعدة الاشتغال، و عدم العلم بالفراغ بدفع المغشوش.

(2) للعلم بتفريغ الذمة حينئذ، فيصح لا محالة.

(3) لأصالة بقاء الفريضة هذا إذا دفعه بعنوان الفريضة، و أما إن دفعه بعنوان القيمة، فيصرّح (رحمه اللّه) بعد ذلك بجوازه و لا إشكال فيه. ثمَّ إنّ حق هذه العبارة أن تذكر بعد قوله (رحمه اللّه): «لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش».

(4) حتى يصدق إعطاء القيمة حينئذ، و إلا فلا تكون من إخراج القيمة من نفس الفريضة، و تقدم الإشكال فيه في [مسألة 2].

(5) ظهر مما تقدم وجهه، فلا وجه للتكرار.

ص: 109

مسألة 6: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب

(مسألة 6): لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب و شك في أنّه خالص أو مغشوش، فالأقوى عدم وجوب الزكاة و إن كان أحوط (1).

مسألة 7: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب

(مسألة 7): لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب، أو الدنانير المغشوشة بالفضة لم يجب عليه شي ء (2) إلا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب، فيجب في البالغ منهما أو فيهما (3)، فإن علم الحال فهو و إلا وجبت التصفية (4). و لو علم أكثرية أحدهما مرددا، و لم يكن العلم وجب إخراج الأكثر من كل منهما (5)، فإذا كان عنده ألف و تردد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس أخرج من ستمائة ذهبا و ستمائة فضة و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستمائة عن الذهب، و أربعمائة عن

______________________________

(1) هذه المسألة مكررة مع المسألة الثالثة موضوعا و دليلا فراجع و تأمل و لا وجه للتكرار.

(2) لعدم تحقق موضوع الوجوب، فلا وجه لثبوته، لأنّ النصاب هو الذهب أو الفضة لا المركب منهما.

(3) لوجود المقتضي للوجوب حينئذ و فقد المانع عنه، فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا.

(4) لما تقدم من خبر زيد الصائغ، و للمعرضية العرفية للوقوع في خلاف الواقع، و يجزي إعطاء الأكثر، بل للاجتزاء بإعطاء المتيقن وجه، إذ المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر.

(5) على الأحوط، للعلم الإجمالي بناء على تنجزه عند دوران الأمر بين المتباينين حتى في الماليات.

و لكن عن جمع منهم الماتن في حاشية المكاسب عدم الوجوب، بل ربما يدعى الإجماع عليه، مع أنّ في كون المقام من المتباينين منع، إذا لوحظ تعلق الحق بلحاظ أصل المالية لا الخصوصية النوعية و الأحوط للآخذ استرضاء المالك و لو بالمصالحة.

ص: 110

الفضة بقصد ما في الواقع (1).

مسألة 8: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة

(مسألة 8): لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أنّ الغش ثلثها مثلا- على التساوي في أفرادها- يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص، و أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش (2). و أما إذا كان الغش بعد العلم بكونه ثلثا في المجموع- لا على التساوي فيها- فلا بد من تحصيل العلم بالبراءة إما بإخراج الخالص، و إما بوجه آخر (3).

مسألة 9: إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب و بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه

(مسألة 9): إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب و بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه (4). إلا إذا كان متمكنا من التصرف فيه

______________________________

(1) مرددا بين الفريضة و القيمة، لاحتمال الفريضة في كل منها.

(2) للعلم بفراغ الذمة على كل تقدير، و لكنه فيما إذا علم بتساوي الغش في الجميع و إلا فلا بد من إحراز العلم بالفراغ كالصورة الآتية.

(3) لقاعدة الاشتغال.

(4) لجملة من الأخبار- مضافا إلى ما مرّ في الشرط الخامس من شرائط وجوب الزكاة- منها موثق إسحاق عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام): «قلت له: رجل خلف عند أهله نفقة ألفين لسنتين عليها زكاة؟ قال (عليه السلام): إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة» (1).

و في مرسل ابن أبي عمير «في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول قال (عليه السلام): إن كان مقيما زكاه و إن كان غائبا لم يزك» (2) المحمول على صورة عدم التمكن من التصرف كما هو الغالب في الأزمنة القديمة عند الغيبة و هذا هو المشهور، و يظهر منهم الإجماع عليه.

ص: 111


1- الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

طول الحول (1) مع كونه غائبا.

مسألة 10: إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة، و كان كلها أو بعضها أقلّ من النصاب

(مسألة 10): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة، و كان كلها أو بعضها أقلّ من النصاب، فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر (2) مثلا: إذا كان عنده تسعة عشر دينارا، و مائة و تسعون درهما، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم، و لا العكس.

______________________________

(1) مباشرة أو تسبيبا على ما تقدم في الشرط الخامس من الشرائط العامة فراجع.

(2) للأصل، و الاتفاق، و صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكيها؟ قال (عليه السلام): ليس عليه زكاة في الدرهم، و لا في الدنانير حتى يتم. قال زرارة:

و كذلك هو في جميع الأشياء» (1).

ص: 112


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

فصل في زكاة الغلات الأربع

اشارة

(فصل في زكاة الغلات الأربع) و هي- كما عرفت- الحنطة، و الشعير و التمر و الزبيب (1) و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته، و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- إشكال، فلا يترك الاحتياط فيه كالإشكال في العلس- الذي هو كالحنطة، بل قيل إنّه نوع منها في كل قشر حبتان، و هو طعام أهل صنعاء- فلا يترك الاحتياط فيه أيضا (2).

______________________________

(فصل في زكاة الغلات)

(1) للنصوص المتواترة التي تقدم بعضها، و إجماعا من المسلمين.

(2) نسب إلى المشهور عدم الإلحاق، و في الغنية الإجماع، و تقتضيه أصالة البراءة، و حصر الوجوب في التسعة في الأخبار المتواترة، بل ظاهر خبر ابن مسلم- أنّ السلت ليس من الشعير- قال: «سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ قال (عليه السلام): البر، و الشعير، و الذرة، و الدخن، و الأرز، و السلت، و العدس- الحديث»(1)فإنّه (عليه السلام) ذكر السلت في عداد سائر الحبوب و يتم بالعلس بعدم القول بالفصل و منشأ الاحتياط تصريح جمع من اللغويين بأنّ السلت نوع من الشعير، و العلس نوع من الحنطة، و لكن عدم اطلاع أعاظم الفقهاء على ما صرّح أهل اللغة بعيد، و حمل كلمات اللغويين على الفرد الادعائي أو ما يلحق بها قريب فالمعوّل هو الأصل و أخبار الحصر إلا أن يصدق عليهما الحنطة و الشعير في المتعارف كما نقل ذلك عن بعض بلاد خراسان.

ص: 113


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4.

و لا تجب الزكاة في غيرها (1) و إن كان يستحب إخراجها من كل ما تنبت الأرض، مما يكال أو يوزن من الحبوب كالماش، و الذرة، و الأرز، و الدخن، و نحوها إلا الخضر و البقول (2) و حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه، في قدر النصاب و كمية ما يخرج منه، و غير ذلك (3).

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران

اشارة

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران:

الأول: بلوغ النصاب

الأول: بلوغ النصاب (4)، و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا- مائة و أربعة و أربعون منا، إلا خمسة و أربعين مثقالا.

و بالمنّ التبريزي- الذي هو ألف مثقال- مائة و أربعة و ثمانون منّا و ربع منّ و خمسة و عشرون مثقالا، و بحقة النجف في زماننا سنة 1326- و هي تسعمائة

______________________________

ثمَّ إنّ كلام بعض الفقهاء هنا و في الربا مختلط فاحتاط بعضهم هنا وجوبا و في الربا استحبابا، فأيّ فرق بينهما بعد كون المناط فيهما وحدة الجنس.

(1) للأصل، و أدلة الحصر في التسعة.

(2) تقدم ما يتعلق بذلك في (فصل الأجناس التي تتعلق بها الزكاة) فراجع.

(3) للنص، و الإجماع، بل ضرورة من المذهب قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «ما أنبتت الأرض من الحنطة، و الشعير و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان يسقى بالرشا و الدّوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء أو السيح، أو كان بعلا ففيه العشر تاما. و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء، و ليس فيما أنبتت الأرض شي ء إلا في هذه الأربعة أشياء» (1).

(4) كل صاع يكون 614 مثقالا صيرفيا، و كل كيلو يكون 213 مثقالا و 8 حمصة، فيصير النصاب بالعيار المعروف- في زماننا- بالكيلو غرام 864 كيلوا إلا 45

ص: 114


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 5.

و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيا و ثلث مثقال- ثمان وزنات و خمس حقق و نصف إلا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال،- و بعيار الإسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة، و عشر حقق، و خمسة و ثلاثون مثقالا.

و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا (1) كما أنّها تجب في الزائد عليه يسيرا كان أو كثيرا (2).

الثاني: التملك بالزراعة فيما يزرع

الثاني: التملك بالزراعة فيما يزرع، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة. و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له إلى وقت التعلق، أو انتقالها إلى ملكه- منفردة أو مع الشجر- قبل وقته (3).

مسألة 1: في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف

(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف، فالمشهور على أنّه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما، و في ثمر النخل حين اصفراره أو

______________________________

مثقالا، و النصاب بالمثقال الصيرفي مائة و أربعة و ثمانون ألف و خمسة و سبعون

(184075) مثقالا صيرفيا.

(1) نصا، و إجماعا، و تدل عليه قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(2) لإطلاق الأدلة، و إجماع فقهاء الملة.

(3) لأنّه المنساق من النصوص، و المدعى عليه الإجماع أيضا، و المستفاد من الأدلة إنّما هو تعلق الوجوب بمن ملك نمو الغلات حين التعلق، و هذه ملكية خاصة بالنسبة إلى وقت الغلات، فتكون لها حالات ثلاثة بالنسبة إلى تعلق الزكاة و ملك المالك لها.

الأولى: حالة قبل بدوّ الصّلاح فمن ملكها و زال عنها قبل ذلك لا يجب عليه الزكاة.

الثانية: حالة بدوّ الصّلاح و نموّ الحنطة و الشعير و التمر.

الثالثة: حالة اليبس و الجفاف و انتهاء النموّ، و المالك الذي تجب عليه الزكاة من ملك الحالة الوسطى دون الأخيرة و الأولى، فلو ملك الحالة الأولى أحد و انتقل المال منه إلى غيره اختيارا أو قهرا تجب الزكاة على المنتقل إليه دون المنتقل عنه.

ص: 115

احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما (1). و ذهب جماعة إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة، و الشعير، و التمر، و صدق اسم العنب

______________________________

(1) استدلوا عليه بوجوه:

منها: دعوى الإجماع. و منها: صدق الاسم فتشملها الأدلة. و منها: بعث النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) الخارص حين الانعقاد.

و منها: الأخبار كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن خالد: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق. و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا» (1).

و صحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير، و التمر، و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال (عليه السلام): إذا ما صرم، و إذا خرص» (2) و مثله غيره بدعوى: أنّ وقت الصرم و الخرص هو وقت الانعقاد.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلمنع ثبوته و على فرضه فهو اجتهاديّ لا تعبديّ، بل قيل إنّ الشهرة غير ثابتة، فيكف بالإجماع لكثرة الخلاف.

و أما الثاني: فلأنّ التسمية للأول و المشارفة من المجاز الشائع في المحاورة فلا بأس بها.

و أما الثالث: فهو ممنوع صغرى و كبرى، إذ لم يثبت أنّ بعثه (صلّى اللّه عليه و آله) كان حين الانعقاد، و على فرض الثبوت فهل كان للإعلام أو الإلزام كلّ محتمل، و مقتضى الأصل، و عموم وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (3)هو الأول.

و أما الأخير، فلأنّ صدر صحيح ابن خالد في مقام أصل التشريع و ذيله على

ص: 116


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.
3- سورة محمد: 36.

في الزبيب، و هذا القول لا يخلو عن قوة (1) و إن كان القول الأول أحوط (2)، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط (3).

مسألة 2: وقت تعلق الزكاة و إن كان ما ذكر

(مسألة 2): وقت تعلق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف إلا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات (4) فلو كان

______________________________

خلاف المطلوب أدل و كون وقت الصرم و التخريص في صحيح سعد واحدا أول الدعوى، مع أنّ الصرم بمعنى القطع و هو أخص من وقت التسمية عرفا، فأصالة عدم تعلق الوجوب لا حاكم عليها بحسب هذه الأدلة المخدوشة.

ثمَّ إنّ البحث في المقام في جهات ثلاثة: وقت التعلق، و وقت اعتبار النصاب، و وقت الإخراج، و لا بد و أن يعقد فصل مستقل لكل واحدة منها، و الماتن (رحمه اللّه) ذكر الأولين في هذا الفصل، و عقد لوقت وجوب الإخراج فصلا مستقلا و أشار في [مسألة 6] من هذا الفصل إليه أيضا.

(1) لانسباق التسمية العرفية من الأدلة، و أصالة البراءة، و لعله الأنسب بالإرفاق و التسهيل على المالك، و عدم التضيق عليه.

(2) حذرا عن خلاف المشهور، و لأنّ أدلّتهم تصلح للاحتياط و إن لم تصلح للجزم بالفتوى.

(3) كما لو تحقق بعض الشرائط العامة بعد بدوّ الصلاح، فإنّ الأحوط حينئذ تعلق الزكاة به و إن لم يتعلق بناء على القول المشهور.

(4) للإجماع، و لأنّ المتعارف بين الناس أنّهم يعتبرون المقدار في الحنطة و الشعير، و التمر بعد الجفاف، فيكون الإجماع و الاعتبار العرفي مقيدا للإطلاقات على فرض ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة، إذ من المحتمل قويّا أنّها في مقام بيان أصل التشريع في الجملة، فليس لها إطلاق من سائر الجهات و لا بد من تنزيلها على المتعارف.

ثمَّ إنّ المذكور في جلّ الأخبار، بل كلّها التمر و الزبيب. نعم، ذكر في خبرين

ص: 117

الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس فلا زكاة (1).

مسألة 3: في مثل البرين و شبهه من الدقل

(مسألة 3): في مثل البرين و شبهه من الدقل الذي يؤكل رطبا، و إذا لم يؤكل إلى أن يجف يقلّ تمرة، أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا- المدار فيه على تقديره يابسا (2) و تتعلق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه.

______________________________

منها العنب كصحيح ابن خالد: «ليس في النخل صدقة حتى يكون خمسة أوساق و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا» (1).

و صحيح سعد عن الرضا (عليه السلام): «و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال (عليه السلام): نعم، إذ خرصه أخرج زكاته» (2).

و الأول ظاهر، بل نص في أنّ المدار في تعيين النصاب على الزبيب، و الأخير محمول عليه بقرينة سائر الأخبار المستفيضة، بل المتواترة و هذه أيضا نحو إرفاق بالمالك و تسهيل عليه، بل و بالنسبة إلى الفقراء أيضا، فالوجوب يتعلق بمجرد التسمية، و النصاب يعتبر بعد الجفاف و هذا مراعاة للحقين، و عدل و إنصاف في البين.

(1) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط، مضافا إلى ظهور الإجماع. و به يفرق بين وقت التعلق و بين وقت اعتبار النصاب و إلا فمقتضى ظاهر الأدلة اعتبار النصاب في وقت التعلق أيضا.

(2) على المشهور المتسالم عليه بين الفقهاء و قد أرسل ذلك إرسال المسلّمات و يشهد له ما تقدم من صحيح ابن خالد، و كذا إطلاق الأخبار المشتملة على التمر و الزبيب. و هذه المسألة و اللتان بعدها من الثمرات بين قول المشهور في وقت التعلق و قول من خالف المشهور. و يأتي في [مسألة 22] ما ينفع المقام فراجع.

ثمَّ إنّه يظهر من المدارك و الذخيرة في القسم الثاني- و هو ما إذا لم يصدق على اليابس منه التمر- سقوط الزكاة رأسا، لأنّ ما دل على اعتبار بلوغه نصابا إذا صار تمرا ظاهر في دوران الحكم مدار هذه التسمية، و مع عدم صدق التمرية فكيف

ص: 118


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلاة حديث: 7 و 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلاة حديث: 2.

مسألة 4: إذا أراد المالك التصرف في المذكورات- بسرا، أو رطبا أو حصرما أو عنبا

(مسألة 4): إذا أراد المالك التصرف في المذكورات- بسرا، أو رطبا أو حصرما أو عنبا بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن، وجب عليه ضمان حصة الفقير (1)، كما أنّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (2).

مسألة 5: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك

(مسألة 5): لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول (3)، بخلاف

______________________________

يتصور اعتبار النصاب، و مع عدم إمكان اعتباره ينتفي موضوع الزكاة.

و فيه: أنّ أكثر الأخبار و إن اشتمل على لفظ التمر (1)، و لكن الظاهر أنّ المراد منه ثمر النخل بقرينة ذكر النخل في بعض الأخبار كصحيح ابن خالد المتقدم، و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين» (2) فالمناط كله ثمر هذه الشجرة المخصوصة، و ذكر التمر من باب الغالب، و إلا فلثمرة هذه الشجرة أسماء كثيرة و حالات مختلفة، فلا وجه لما ذكراه و إن استجوده في الجواهر، و يأتي أنّ التأخير إرفاقي لا أن يكون واجبا.

(1) بناء على ما نسب إلى المشهور من الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية دون الأقوال الأخيرة، و هذه المسألة مبنية على مباحث ثلاثة: وقت التعلق، و كيفيته و استثناء المؤنة، و يأتي في المسائل الآتية ما ينفع المقام. ثمَّ إنّه هل يعتبر أن يكون الضمان بإذن الحاكم الشرعيّ أو لا؟ يأتي في المسائل الآتية ما يوضح المبنى.

(2) لظهور اتفاقهم عليه، لأنّ التأخير إلى الجفاف إرفاقيّ لا أن يكون واجبا نفسيا أو غيريا و قد صرّح بذلك في الجواهر، فراجع، فيكون المقام كالإرفاق في تأخر الخمس إلى آخر السنة في الأرباح.

(3) للأصل، و لأنّ وجوب القبول خلاف الإرفاق المبنيّ عليه مطالبة الزكاة.

ص: 119


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 7 و 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.

ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا، فإنّه يجب على الساعي القبول (1).

مسألة 6: وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخرها عنه ضمن- عند تصفية الغلة

(مسألة 6): وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخرها عنه ضمن- عند تصفية الغلة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلق (2).

مسألة 7: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي

(مسألة 7): يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي، مع التراضي بينهما قبل الجذاذ (3).

مسألة 8: يجوز للمالك دفع الزكاة و التمر على الشجر

(مسألة 8): يجوز للمالك دفع الزكاة و التمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو من قيمته (4).

مسألة 9: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين

(مسألة 9): يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أيّ جنس كان

______________________________

(1) لوجود المقتضي- و هو التعلق- و فقد المانع و هو المنافاة، للإرفاق لفرض أنّ المالك يبذلها باختياره، فعدم القبول يكون حينئذ خلاف الإرفاق. نعم، لو كان البذل في وقت يكون تفويتا لحق المستحق و إضرارا بالنسبة إليه يشكل القبول حينئذ.

و بذلك يمكن أن يجمع بين قول من يقول بوجوب القبول و بين قول من يقول بعدمه.

(2) للإجماع عليه كما عن جمع، و تشهد له سيرة المتشرعة- قديما و حديثا- و لا فرق فيه بين قول المشهور في وقت التعلق و القول الآخر، لإطلاق معقد الإجماع و السيرة.

(3) لأنّه من فروع ولاية المالك على الإخراج، و ولاية الساعي على المطالبة المستفاد كل منهما من الأدلة التي تأتي الإشارة إلى بعضها، و تقدم في [مسألة 5] ما ينفع المقام، فراجع.

(4) لظهور الاتفاق، و أنّه من التسهيل و الإرفاق، و كون ذلك كله من فروع ولاية المالك على الإخراج و هي ثابتة نصّا و إجماعا.

ص: 120

بل يجوز أن تكون من المنافع، كسكنى الدار (1) مثلا و تسليمها بتسليم العين إلى الفقير.

مسألة 10: لا تتكرّر زكاة الغلات بتكرر السنين إذا بقيت أحوالا

(مسألة 10): لا تتكرّر زكاة الغلات بتكرر السنين إذا بقيت أحوالا فإذا زكى الحنطة ثمَّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي ء. و كذا التمر و غيره (2).

مسألة 11: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر فيما سقي بالماء الجاري

(مسألة 11): مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر فيما سقي بالماء الجاري، أو بماء السماء، أو بمص عروقه من الأرض- كالنخل و الشجر، بل الزرع أيضا في بعض الأمكنة- و نصف العشر فيما سقي بالدلو و الرشا و النواضح، و الدّوالي، و نحوها من العلاجات (3). و لو سقي

______________________________

(1) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و تقتضيه كثرة إرفاق الشارع بالمالك و جعل ولاية الإخراج له كما يظهر من الوظائف المجعولة للجباة و السعاة. و تقدم في [مسألة 5] من زكاة الأنعام ما ينفع المقام. و نسب إلى المستند تقريب المنع من غير النقدين و هو ضعيف لا دليل عليه. و طريق الاحتياط أن يكون في غير النقدين بإذن الحاكم الشرعي.

(2) للنص، و الإجماع حتى من العامة قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح زرارة: «أيّما رجل كان له حرث، أو ثمرة فصدقها فليس عليه شي ء، و إن حال عليه الحول عنده إلا أن يحوّل مالا، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكيه، و إلا فلا شي ء عليه، و إن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه. فإنّما عليه فيها صدقة العشر، فإذا أداها مرّة واحدة فلا شي ء عليه فيها حتى يحوّله مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده» (1).

(3) إجماعا من المسلمين، و نصوصا كثيرة من المعصومين (عليهم السلام) قال أبو جعفر في الصحيح: «ما كان يعالج بالرشا و الدّوالي و النضح ففيه نصف العشر

ص: 121


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

بالأمرين، فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر (1)،

______________________________

و ما كان يسقى من غير علاج- بنهر، أو عين، أو بعل أو سماء- ففيه العشر كاملا» (1) و مثله غيره، و يقتضيه العدل و الإنصاف أيضا.

فروع- (الأول): الظاهر من الأخبار و الكلمات أنّ المراد بالعلاج و غيره ما كان من الوصف بحال الذات لا من الوصف بحال المتعلق، يعني كان العلاج و عدمه في نفس السقي من حيث هو سقي لا في المقدمات، فإذا كان نفس السقي من حيث هو بعلاج ففيه نصف العشر، و إن كانت مقدمته بلا علاج كما إذا اجتمعت مياه المطر في محل و سقي الزرع منها بعلاج، و إذا كان نفس السقي من حيث هو بلا علاج ففيه العشر و إن كانت مقدماته مع العلاج كما هو كذلك غالبا. و يظهر من الجواهر دعوى الاتفاق على ما ذكرناه.

(الثاني): الظاهر أنّ العلاج و عدمه يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة، و ما ورد في الأخبار- كما مرّ- إنّما هو من باب المثال، لما كان متعارفا في تلك الأزمنة فالمناط الصدق عند متعارف أهل الخبرة و الحرّاث و الزارعين.

(الثالث): الظاهر أنّ السقي بالمكائن الحديثة من السقي بالعلاج.

(الرابع): لو شك في أنّ السقي بالعلاج أم لا، فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ نصف العشر معلوم و الشك في الزائد عليه فيرجع فيه إلى البراءة.

(1) لتحقق الموضوع بالنسبة إلى كل من العشر و نصفه، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا، مضافا إلى ظهور الإجماع. و لا إشكال فيه مع التساوي، و أما مع مجرد صدق الاشتراك الأعمّ من التساوي عرفا، فيدل عليه إطلاق خبر ابن شريح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدّوالي، ثمَّ يزيد الماء و تسقى سيحا، فقال (عليه السلام): إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت: نعم، قال

ص: 122


1- الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الغلات حديث: 3.

و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (1)، و لو شك في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما، فيكفي الأقلّ و الأحوط الأكثر (2).

مسألة 12: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي

(مسألة 12): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي

______________________________

(عليه السلام): النصف و النصف، نصف بنصف العشر، و نصف بالعشر فقلت:

الأرض تسقى بالدّوالي، ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا قال (عليه السلام): و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر، أو سبعة أشهر، قال (عليه السلام):

نصف العشر» (1).

فإنّ إطلاق الصدر يشمل مطلق الاشتراك سواء كان متساويا أم لا، بما يتسامح فيه عرفا، مع أنّ هذه الأمور لا وجه للتعبد فيها، لأنّها موضوعات عرفية لا بد فيها من الرجوع إلى أهل خبرتها. و أما الذيل فظاهر فيما إذا كان السقي اللازم المتعارف بالدّوالي، و أما السقية و السقيتين فكانت من باب الاتفاق إذ لا تخلو الأرض عنهما في الغالب حتى فيما إذا كان السقي المتعارف بالعلاج، و يأتي في [مسألة 13] ما ينفع المقام.

ثمَّ إنّ التساوي أو الغلبة تارة: يلاحظ بالنسبة إلى الزمان. و أخرى إلى العدد.

و ثالثة: إلى مطلق النفع. و رابعة: إلى النمو، و المرجع في التعيين أهل خبرة ذلك، إذ ليس تعيين ذلك من شأن الفقيه، و ليس من التعبديات التي لا بد فيها من الرجوع إلى الشرع.

(1) لظهور الاتفاق، و يقتضيه الاعتبار.

(2) لأنّ المسألة حينئذ من موارد الأقلّ و الأكثر و المرجع فيها البراءة و إن كان الاحتياط حسنا على كل حال، و للخروج عن خلاف من أوجب الاحتياط.

ص: 123


1- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

و مع ذلك سقي بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر (1) و كذا لو كان سقيه بالدّوالي، و سقي بالنهر و نحوه من غير أن يؤثر فيه فالواجب نصف العشر (2).

مسألة 13: الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدّوالي عن حكمه

(مسألة 13): الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدّوالي عن حكمه (3)، إلا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدّوالي أصلا (4)، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة فحينئذ يتبعهما الحكم.

مسألة 14: لو أخرج شخص الماء بالدّوالي على أرض مباحة- مثلا عبثا، أو لغرض

(مسألة 14): لو أخرج شخص الماء بالدّوالي على أرض مباحة- مثلا عبثا، أو لغرض فزرعه آخر، و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر (5). و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع، ثمَّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه (6)، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع

______________________________

(1) لإطلاق دليله الشامل لهذه الصورة أيضا، مع أنّ المنساق من السقي الموجب لنصف العشر السقي المحتاج إليه لا مطلق السقي و لو لم يكن احتاج إليه كما هو المفروض.

(2) لعين ما تقدم في سابقة بلا فرق بينهما.

(3) لأنّها دائمية أو غالبية الوجود، فلو أوجب انقلاب حكم نصف العشر لصار جعل هذا الحكم لغوا و لا ريب في بطلانه، مع أنّ أهل الخبرة يحكمون بأنّه سقي بالعلاج مع التفاتهم إلى هذه الجهات.

(4) لانتفاء موضوع العلاج و الدّوالي حينئذ، و تحقق موضوع عدم العلاج قهرا، فيتبعه الحكم لا محالة، و كذا مع تحقق الشركة يتعلق به حكم الاشتراك، إذ الحكم تابع لتحقق الموضوع علاجا كان، أو عدمه، أو بالاشتراك.

(5) لأنّ المتفاهم من الأدلة عرفا إنّما هو ما إذا كان السقي بالعلاج و الدّوالي عن عمد و التفات و توجه في الجملة، فلا يشمل مثل المقام، و مع الشك، فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، فيجب الأول، و إن كان الأحوط الأخير كما تقدم.

(6) لعين ما مرّ في سابقة من غير فرق.

ص: 124

الكذائي (1) و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع، فزاد و جرى على أرض أخرى (2).

مسألة 15: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة

(مسألة 15): إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (3)،

______________________________

(1) فسقي زرعا آخر غير ما قصده أولا، فيجب فيه نصف العشر، لأنّ السقي بالعلاج مقصود في هذه الصورة و إن اختلف في سقي الزرع، فيشمله إطلاق الدليل لا محالة فأصول الأقسام خمسة:

الأول: السقي العلاجي لخصوص ما فيه الزكاة و لا ريب في نصف العشر حينئذ.

الثاني: السقي العلاجي لغرض آخر غير الزرع، فتعدّى منه إلى ما فيه الزكاة مع استغنائه بغير العلاج، و لا ريب في أنّ فيه العشر.

الثالث: السقي العلاجي للزرع غير الزكوي، فسقي الزكوي أيضا و فيه نصف العشر.

الرابع: عالج شخص آخر في السقي لغرض من زرع أو غيره، فسقي الزكوي من زرع شخص آخر بعروقه و فيه العشر.

الخامس: الصورة السابقة مع الاحتياج إلى السقي العلاجي، الظاهر التقسيط و هناك صور أخرى.

(2) فيجب العشر في زرع الأرض الأخرى، لأنّ السقي بالعلاج غير مقصود بالنسبة إليها، فيكون كالصورة الأولى.

(3) لعدم الملك، و عدم التمكن من التصرف إن استحقها السلطان قبل تعلق الزكاة، و للنص، و الإجماع إن استحقها بعده. قال أبو جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «كل أرض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها، فعليك مما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر: إنّما عليك

ص: 125

بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا (1) بل ما يأخذه العمال زائدا

______________________________

العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» (1) و المقاسمة عبارة عن نفس حاصل الأرض الذي يأخذه السلطان.

(1) استدل عليه تارة: بالإجماع. و أخرى: بأنّه من المقاسمة موضوعا.

و ثالثة: باشتمال الكلمات على حصة السلطان و هي شاملة لهما. و رابعة: بأنّه من المؤنة التي يأتي استثناؤها. و خامسة: بخبر صفوان و البزنطي قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج- إلى أن قال:- و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم» (2) بدعوى: أنّ القبالة تشمل الخراج أيضا.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلما عن العلامة (رحمه اللّه) من إرسال عدم استثنائه إرسال المسلّمات فكيف يتحقق الإجماع على الاستثناء.

أما الثاني: فلاختلاف الخراج و المقاسمة اعتبارا، فإذا كان المذكور في الدليل المقاسمة، فلا يتعدّى منها إلى الخراج إلا مع العلم باتحادهما حكما و هو أول الدعوى.

و أما الثالث: فلا وجه للاستناد إليه ما لم يكن من الإجماع المعتبر.

و أما الرابع: فيأتي تفصيله.

و أما الأخير: ففيه مضافا إلى قصور السند أنّ المراد به المقاسمة، لأنّها كانت متعارفة في الأزمنة القديمة.

فتلخص أنّ مقتضى الإطلاق و العموم عدم استثناء الخراج المحمول على رقبة الأرض. نعم، لو كان مجعولا على نفس الغلة من حيث هي يمكن استفادة استثنائه من مجموع ما تقدم.

فرع: لا يجزي عن الزكاة ما يأخذه السلطان بعنوان المقاسمة، للأصل و الاتفاق، و ظهور الإطلاق، و ما يدل على الإجزاء محمول على التقية. نعم، لو تقلبها

ص: 126


1- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

على ما قرّره السلطان ظلما (1) إذا لم يتمكن من الامتناع جهرا و سرّا (2) فلا يضمن حينئذ حصة الفقراء من الزائد (3). و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاما (4). و أما إذا كان شخصيا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها (5)، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما (6). و أما إذا أخذ من نفس الغلة قهرا، فلا ضمان إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.

مسألة 16: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (7) من غير فرق بين

______________________________

الحاكم الشرعيّ بعنوان الزكاة يحسب منها، و يمكن حمل تلك الأخبار (1) على ما إذا قبل الإمام (عليه السلام) ذلك من الزكاة تخفيفا لشيعته.

(1) إن كان ذلك من توسعة المقاسمة ظلما، فيشمله إطلاق دليل استثنائها و إلا فهو من المؤنة و يأتي حكمها.

(2) لعدم الدليل على الاستثناء مع التمكن من الامتناع كذلك، بل مقتضى الإطلاق و العموم عدم الاستثناء حينئذ.

(3) لما تقدم من أنّ الزائد حينئذ مثل نفس المقاسمة و يشمله دليل استثنائها.

(4) لأنّ المتفاهم من أدلة استثناء المقاسمة إنّما هو الظلم العام لبناء موضوع المقاسمة على ذلك كما هو واضح.

(5) لأنّ مقتضى الإطلاقات عدم الاستثناء حينئذ من حيث المقاسمة فيكون من المؤنة و يأتي حكمها.

(6) جمودا على المتيقن من المقاسمة فقط، فإنّ المتيقن منها إنّما هو الجعل الخاص من الحكومة على الحرّاث و الزارعين.

(7) نسب ذلك إلى المشهور، بل استظهر الإجماع عليه. و استدلوا عليه بأمور كلها مخدوشة:

الأول: أصالة عدم الوجوب فيها. (و فيه): أنّه محكوم بالإطلاقات

ص: 127


1- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الغلات.

.....

______________________________

و العمومات. و أما المناقشة في بعضها بورودها في مقام التشريع فقط، فلا يصح التمسك بها في سائر الجهات. لا ترد في جميعها، لورود بعضها في مقام البيان من كل جهة كما لا يخفى على المتأمل فيها.

الثاني: قاعدة نفي الحرج و الضرر. (و فيه): عدم شمولها للحكم المجعول في مورد الضرر و الحرج، مع أنّ مراعاتهما خلاف لمصلحة الفقراء مضافا إلى أنّه لا حرج في البين، و لو فرض اتفاقه أحيانا نقول بالاستثناء حينئذ.

الثالث: بما دلّ على استثناء حصة السلطان، فيستفاد من التعميم لجميع المؤن. (و فيه): أنّه قياس و لا نقول به.

الرابع: بما دل من الآيات و الروايات على العفو و الوسط (1) (و فيه): أنّ المنساق منها العفو و التوسط في أصل تشريع الزكاة فلا يشمل المقام بعد ثبوت أصل التشريع بنحو الوسط و الإرفاق.

الخامس: ما في الفقه الرضويّ من إخراج العشر بعد خراج السلطان و معونة العمارة و القرية، فقد ورد فيه: «و ليس في الحنطة و الشعير شي ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق- إلى أن قال:- فإذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان، و معونة العمارة و القرية أخرج منه العشر- الحديث-» (2).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده قصور دلالته أيضا، لأنّ معونة العمارة و القرية أعم من مطلق المؤنة كما لا يخفى.

السادس: ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح الفضلاء: «لا يترك للخارص (الحارث) أجرا معلوما و يترك من النخل معافارة، و أم جعرور، و يترك للحارث- يكون في الحائط- العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إياه» (3).

و في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «يترك للحارس العذق و العذقان. و الحارس يكون في النخل ينظره، فيترك ذلك لعياله» (4).

ص: 128


1- الأعراف: 198 و في سورة البقرة: 219 و غيرهما من الآيات.
2- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الغلات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الغلات حديث: 3.

.....

______________________________

و فيه: أنّه أعمّ من أن يكون استحبابيا أو استثنائيا، و يمكن استظهار الأول كما يقتضيه التأمل في الأخبار.

السابع: أنّ الصدوق (رحمه اللّه) أرسل إخراج- مئونة القرية- إرسال المسلّمات في المقنع، و الهداية، و الفقيه و لا يكون ذلك إلا لظفره إما بالصحيح من الأثر، أو النص المعتبر.

و فيه: أنّه أعم من ذلك إذ يمكن أن يكون لأجل نظره الشريف الذي استفاده من الأخبار كما لا يخفى على من اطلع على عادته (رحمه اللّه).

الثامن: بأنّ المؤنة اللاحقة على الوجوب تخرج، فكذا السابقة عليه لعدم القول بالفصل، بل يكون خروج السابقة بالأولى، لعدم تعلق حق الفقراء بعد.

و فيه: أنّه لا اعتبار بعدم الفصل و إنّما المعتبر القول بعدم الفصل و هو غير ثابت و الأولوية ظنية لا اعتبار لها.

التاسع: بأنّ ذلك مقتضى قاعدة العدل و الإنصاف.

و فيه: أنّها مخالفة للعمومات و الإطلاقات و نحتاج إلى دليل عليها بالخصوص و هو مفقود في المقام، و إن كانت تجري في غيره بمناسبة إجماع الإعلام، أو نص من الإمام (عليه السلام).

و قد يستدل بغير ذلك مما هو واضح المناقشة كما لا يخفى على من راجع الكتب المطولة. و لذا اختار جمع- منهم الشيخ و الشهيد الثاني- عدم الإخراج هذا. و لكن باب المناقشة في كل واحد من الأدلة و إن كانت واسعة إلا أنّ التأمل في المجموع يوجب الاطمئنان بالحكم، و إمكان المناقشة لا يضرّ بالاستدلال و ما يضرّ به سقوط الظهور العرفي، و إمكان المناقشة خصوصا من الأعلام أعم منه، إذ يمكن المناقشة في جملة من الواضحات كما هو واضح. و لقد أحسن في الجواهر حيث قال: «كل ما أجاد الفقيه التأمل في المسألة ازداد القول بخروج المؤنة قوة كما هو واضح لمن حصل له».

ص: 129

المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة (1)، كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروجها (2)، و إن كان الأحوط اعتباره قبله (3).

______________________________

(1) يجري فيها جميع ما تقدم من الأدلة التي استدلوا بها على استثناء المؤنة.

و أشكل عليه بأنّه يصح بناء على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية، و أما بناء على كونها من مجرد الحق خصوصا بنحو الكلي في المعيّن، فمقتضى توجه خطاب الزكاة إلى المالك كون المؤنة عليه لا على الزكاة، فلا وجه حينئذ لاحتسابها على الزكاة.

و يمكن أن يجاب عنه بأنّ ذلك نحو إرفاق بالمالك و ترغيب له في الامتثال، و عناية خاصة من وليّ الزكاة بالنسبة إليه.

(2) نسب ذلك إلى المشهور، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه، و مجموع الأدلة على أقسام ثلاثة:

الأولى: الإطلاقات الدالة على وجوب العشر و نصفه.

الثاني: إطلاق أدلة اعتبار النصاب.

الثالث: ما دلّ على إخراج المؤنة، و الأخير مردد بين أن يكون مقيّدا للأول فيكون اعتبار النصاب قبل إخراج المؤن لا محالة، و أن يكون مقيّدا للثاني، فيكون اعتبار النصاب بعد الإخراج، و مقتضى المرتكزات و إجماع الغنية هو الأخير، و مع استقرار الإجمال تصل النوبة إلى الأصل العملي و هو البراءة عن الوجوب إن وصل المال إلى النصاب قبل الإخراج و لم يصل إليه بعده.

(3) لاحتمال أن يكون إطلاق أدلة النصاب أقوى و أظهر من إطلاق العشر و نصفه، لورودها لتحديد المال بحدّ خاص، و الأدلة الواردة للتحديد يلاحظ فيها جميع الطوارئ و العوارض بخلاف أدلة العشر و نصفه، فإنّها لأصل التشريع في الجملة، فيصلح لعروض الإجمال و التقييد، و حينئذ فيؤخذ بإطلاق أدلة النصاب فتجب الزكاة و إن بلغ المال إلى النصاب قبل إخراج المؤن، مع أنّه أرفق بحال الفقراء و هو حسن على كل حال.

ص: 130

بل الأحوط عدم إخراج المؤن (1) خصوصا اللاحقة (2). و المراد بالمؤنة كلما يحتاج إليه الزرع (3) و الشجر من أجرة الفلاح، و الحارث، و الساقي و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و أجرة الحفظ، و الحصاد، و الجذاذ، و تجفيف الثمرة، و إصلاح موضع التشميس و حفر النهر، و غير ذلك، كتفاوت نقص الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها. و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها، وزع عليهما بالنسبة.

مسألة 17: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى

(مسألة (17): قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى، أو المال الذي لا

______________________________

(1) خروجا عن خلاف من لم يعتبر إخراجها أصلا.

(2) في مقام اعتبار النصاب و خصوصا السابقة في مقام أصل الأداء.

(3) المرجع في تشخيص المؤنة متعارف أهل الخبرة بالزرع و الزراعة و الغرس و أهل الكروم و النخيل و الحراث و الدّهاقين، و الظاهر اختلافها حسب اختلاف الأمكنة و الأزمنة و ليس تعيينها من وظيفة الفقيه، بل الفقهاء لا بد لهم من أن يرجعوا إلى خبراء هذه الأمور و ثقاتهم، و الظاهر الاختلاف في حفر النهر فتارة: يعدّ من المؤنة. و أخرى: لا يعدّ منها. و ثالثة: يشك في أنّه من أيّهما.

ثمَّ هل يحسب من المؤنة الخسران الوارد لإصلاح المكائن و آلات الحرث و جبر يد العامل- مثلا- لو انكسرت، و أعضاء الحيوان الذي يحرث به لو حصلت فيها آفة؟ الظاهر هو الاحتساب لعدّ ذلك من المؤن عرفا، و مع الشك فيها يأتي حكمه في [مسألة 23].

فرع: لو كان فيما يصرف للمؤنة مراتب طولية في الزمان من حيث القيمة و كان بعضها أعلى قيمة من البعض يجوز له احتساب الأعلى و إن كان الأحوط الاقتصار على الأدون.

ص: 131

زكاة فيه من المؤن (1). و المناط قيمة يوم تلفه و هو وقت الزرع (2).

مسألة 18: أجرة العامل من المؤن

(مسألة (18): أجرة العامل من المؤن (3) و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل، و كذا إذا عمل ولده، أو زوجته بلا أجرة، و كذا إذا تبرع به أجنبيّ، و كذا لا يحسب أجرة الأرض التي يكون مالكا لها، و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له (4).

______________________________

(1) على ما هو المتعارف بين الناس إلّا أنّ البذر أقسام:

الأول: كونه من المزكى، أو ماله الذي لا زكاة عليه كما لو اشترى البذر، و يصح استثناء مقداره من الحاصل في الصورتين كما يجوز له استثناء الثّمن المسمّى في الأخيرة.

الثاني: مما فيه الزكاة مع كونه زائدا على النصاب، فيجب زكاته كوجوب زكاة الحاصل مع اجتماع الشرائط.

الثالث: كونه مما فيه الزكاة مع كونه متمما لنصاب الحاصل، و لا ريب في وجوب زكاة البذر، لأصالة بقاء الوجوب، و لا يجب عليه زكاة الحاصل لفرض أنّه باستثناء البذر الذي يكون من المؤنة يخرج المال عن النصاب، فلا يبقى موضوع للوجوب حينئذ حتى يجب فيه الزكاة.

ثمَّ إنّه لو اختلف مقدار الزكاة في البذر و الحاصل من حيث العشر و نصفه فلا أثر له في الصورة الأخيرة، و في الصورة الثانية يخرج من كل منهما بحسبه.

(2) لأنّه وقت انطباق عنوان المؤنة عليه عرفا.

(3) لأنّ المرجع في المؤنة إلى المتعارف بين الناس، و لا إشكال بينهم في عدّها من المؤن فتشملها الأدلة قهرا.

(4) كل ذلك لأنّ المتفاهم من المؤنة عرفا ما يوجب النقص المالي، فيتدارك الاستثناء إرفاقا، و جميع ما ذكر لا يوجب النقيصة المالية و إن أوجب فوت المنفعة، و لا يعدّ ذلك من الخسارة المالية حتى يكون من المؤنة.

ص: 132

مسألة 19: لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة

(مسألة (19): لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة (1) و كذا لو ضمن النخل، و الشجر (2) بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض، و النخل و الشجر (3)، كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها (4).

مسألة 20: لو كان مع الزكويّ غيره

(مسألة 20): لو كان مع الزكويّ غيره، فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين (5). و إذا كان المقصود بالذات غير الزكويّ ثمَّ عرض قصد الزكويّ بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن (6)

______________________________

(1) للسيرة المتعارفة المستمرّة حيث يلحظ المحصول بعد استثناء ثمن الزرع و لكن في المقام لا بد و أن يعد من المؤنة ما يقع بإزاء خصوص الزكويّ دون غيره من التبن، و السعف و نحوهما.

(2) لأنّ عوض التضمين من أهمّ المؤن عرفا، فيكون مثل ثمن الزرع بلا فرق بينهما من هذه الجهة.

(3) لأنّه حينئذ من مؤن ملك المالك لا من مؤن الزكاة كما هو واضح.

(4) بلا خلاف، و لا إشكال فيه إذا تمكن من الزرع بدونها أو لم يتمكن و لكن عدّت من أمواله و كانت قيمتها وافية بثمنها، و إلا فالظاهر أنّ الثّمن تماما أو إتماما من المؤنة عرفا، و مع الشك في كونه منها يأتي حكمه في [مسألة 23]، و كذا الكلام في المكائن المستحدثة فيما قارب هذه العصور، فيجري فيها هذا التفصيل بلا فرق.

(5) لأنّ المؤنة إما قصدية أو قهرية، و الأخيرة في صورة تعين الزكاة و انفرادها فإنّ كل ما يصرف عليه حينئذ يحسب من المؤنة قصد أو لا، و الأولى فيما إذا كان معه غيره فإنّ كونهما مقصودين قصد لمؤنتهما و لو إجمالا و ارتكازا و هذا المقدار من القصد يكفي، و لا دليل على اعتبار الأزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه.

(6) لعدم صدق المؤنة القصدية حين الصرف و عدم صدق القهرية أيضا لأنّها إنّما تنطبق إذا لم يقصد الخلاف و قد قصد في المقام صرف المؤنة في غير الزكويّ فكيف تنطبق عليه مع هذا القصد.

ص: 133

و إذا كان بالعكس حسب منها (1).

مسألة 21: الخراج الذي يأخذه السلطان

(مسألة 21): الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكويّ و غيره (2).

مسألة 22: إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأولى

(مسألة 22): إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأولى (3) و إن كان الأحوط التوزيع على السنين (4).

مسألة 23: إذا شك في كون شي ء من المؤن أم لا لم يحسب منها

(مسألة 23): إذا شك في كون شي ء من المؤن أم لا لم يحسب منها (5).

مسألة 24: حكم النخيل، و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد

(مسألة 24): حكم النخيل، و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد (6)، فيضم الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك بعد

______________________________

(1) لصدق المؤنة القصدية بالنسبة إلى الزكويّ حينئذ.

(2) لأنّه مئونة لهما عرفا إن كان موضوعا عليهما، و أما إن كان موضوعا على أحدهما دون الآخر فلا وجه للاحتساب عليهما معا.

(3) بدعوى: أنّ المناط في استثناء المؤنة ملاحظة حال الحدوث فقط دون البقاء، و لو شك في أنّها بملاحظة البقاء من المؤنة لا يحسب منها كما يأتي في المسألة التالية.

(4) ليس هذا من الاحتياط في شي ء، بل الاحتياط في اعتبار النصاب قبل إخراج المؤنة مطلقا سواء عدّ من السنة الأولى أم وزّع على السنين.

(5) لأنّ الشبهة مفهومية مرددة بين الأقلّ و الأكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الزكاة في غير المتيقن من التقييد. نعم، لو كانت الشبهة موضوعية و لم يكن أصل موضوعيّ في البين، فالمرجع أصالة البراءة عن الوجوب.

(6) لظهور الإطلاق و الاتفاق. هذا مع صدق الوحدة العرفية. و أما مع التعدد، فيأتي حكمه، و مع الشك في الوحدة و التعدد، فمع وجود أصل موضوعيّ هو المعوّل عليه، و مع عدمه فالمرجع أصالة البراءة و لا يصح التمسك بالعمومات لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 134

أن كانت الثمرتان لعام واحد، و إن كان بينهما شهر، أو شهران أو أكثر، و على هذا فإذا ما بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه ثمَّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر.

و إن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع (1)، و كذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين يضم الثاني إلى الأول، لأنّهما ثمرة سنة واحدة لكن لا يخلو عن إشكال (2)، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل (3).

مسألة 25: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه

(مسألة 25): إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه (4) و إن كان بمقدار لو جف كان بمقدار ما عليه من التمر، و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به. نعم، يجوز دفعه على وجه القيمة، و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب إلا على وجه

______________________________

(1) لأنّ هذا هو ثمرة الانضمام، فيكون الجميع كالزكاة الموجودة في محلّ واحد.

(2) نسب كونها في حكم ثمرة سنة واحدة إلى المشهور، لإطلاق الأدلة.

و فيه: أنّه لا وجه للتمسك به مع صدق التعدد عرفا، بل لا وجه للتمسك به مع الشك فيه فضلا عن التعدد العرفيّ، فالمرجع حينئذ هو البراءة كما لو فرض تحقق ثمرة بالإعجاز أو الكرامة مثلا.

(3) نسب ذلك إلى المبسوط، و الوسيلة و اقتصر الشهيد في البيان و الدروس على النقل من دون تعرض للترجيح.

(4) على المشهور معللا بما في المتن و هذه من إحدى الثمرات المبنية على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية المنسوبة إلى المشهور، لعدم كونه حينئذ مصداقا للحق فإنّ مصداقه على هذا القول القدر الخاص من العين، و كذا إن قلنا بأنّ تعلق الزكاة من قبيل الكليّ في المعيّن فيصح دفع كل ما كان من العين، بحيث يصدق الكليّ عليه و أما إن قلنا بأنّه حق متعلق بالعين يصح الإعطاء مطلقا و لو لم يكن من العين و يأتي التفصيل في [مسألة 31] و أنّ الحق هو الأخير.

ص: 135

القيمة، و كذا العكس فيهما. نعم، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة (1). و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر أو الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة (2) أيضا لأنّ الوجوب تعلق بما عنده، و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى، أو شعير آخر.

مسألة 26: إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة، أو نقيصة لا يكون من الربا

(مسألة 26): إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة، أو نقيصة لا يكون من الربا، بل هو من باب الوفاء (3).

مسألة 27: لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب

(مسألة 27): لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب (4)، أما لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كل منهم النصاب، وجب على كل زكاة نصيبه. و إن بلغ نصيب

______________________________

(1) لأنّه حينئذ مصداق للحق الواجب، فتشمله الأدلة، و كذا فيما بعده.

(2) بل الأحوط الدفع بعنوان ما عليه في الواقع أعمّ من القيمة و من الفرض.

(3) أي: امتثال التكليف. و حرمة الربا في متحد الجنس يختص بالمعاوضات و ليس المقام منها- كما يأتي في محله- و قد بقي إشكال دفع القيمة من الجنس بحاله و قد تقدم في [مسألة 2] من زكاة النقدين ما ينفع لدفع الإشكال من المصالحة مع الفقير.

(4) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات فتنتقل التركة إلى الورثة متعلقا لحق الفقراء، فيجب الوفاء. و منه يعلم الوجه فيما إذا بلغ نصيب بعض الورثة النصاب. و أما عدم الوجوب فيما إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب و إن بلغ المجموع، فللأصل بعد ظهور أدلة اشتراط النصاب في كونه في ملك مالك واحد و يأتي في [مسألة 14] من مسائل الختام، و في [مسألة 21] من كتاب المزارعة ما يناسب المقام.

ص: 136

البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم (1).

مسألة 28: لو مات الزارع، أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين

(مسألة 28): لو مات الزارع، أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين، فإما أن يكون الدّين مستغرقا أو لا، ثمَّ إما أن يكون الموت بعد تعلق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا، فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب، وجب إخراجها سواء كان الدّين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاصّ مع الغرماء لأنّ الزكاة متعلقة بالعين (2). نعم، لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمة، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و بين الغرماء، كسائر الدّيون (3).

______________________________

(1) لفقد شرط الوجوب و هو النصاب.

(2) لما يأتي في [مسألة 31] و لا فرق فيه بين كونه بنحو الشركة كما نسب إلى المشهور، أو بنحو الكليّ في المعيّن، أو بنحو حق الرهانة، لعدم السلطنة في كل ذلك على تفويت مورد الزكاة من حيث سبق تعلق حق الفقراء بالعين، و أما إن كان بنحو حق الجناية، فلا ريب في أنّ للغرماء السلطنة على استيفاء حقهم من التركة إذا امتنع الورثة من الأداء، كما أنّ للفقراء ذلك أيضا. و حق الفقراء سابق على حق الغرماء لأنّ الأخير حدث بالموت، و الأول كان في زمان الحياة، و هل يكون مثل هذا السبق الزماني موجبا للترجيح أيضا بمجرّد السبق فقط أو لا؟ لأنّ ما هو منشأ الترجيح ما كان تعلق الحق فيه بالعين أولا و بالذات بأن يكون لذي الحق السلطنة الفعلية التامة على العين بحيث يتسلط على استيفاء حقه متى شاء و أراد، لا المعلقة على امتناع المالك عن الأداء و إلا فيكون مع غيره في عرض واحد وجهان؟ ربما يأتي ما ينفع المقام، و نسب إلى المبسوط تحاصّ الغرماء مع الفقراء مطلقا. و ظهرت الخدشة فيه مما تقدم.

(3) لأنّها بعد ما صارت في الذمة لا موضوع لها في الخارج حتى يوجب الترجيح، فيكون تقديمها على غيرها من الترجيح بلا مرجح. إلا أن يقال: إنّ الزكاة

ص: 137

و إن كان الموت قبل التعلق و بعد الظهور، فإن كان الورثة قد أدّوا الدّين قبل تعلق الوجوب من مال آخر (1)، فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب و عدمه، و إن لم يؤدوا إلى وقت التعلق، ففي الوجوب و عدمه إشكال (2) و الأحوط الإخراج مع الغرامة للديان، أو استرضائهم، و أما إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة بناء على انتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلق الدّين بنمائها الحاصل قبل أدائه و أنّه للوارث من غير تعلق

______________________________

اجتمع فيها حق اللّه و حق الناس و هذا نحو ترجيح. و فيه: أنّه من مجرّد الاستحسان فلا يوجب الرجحان.

(1) المناط كله تفريغ ذمة الميت سواء كان ذلك بالأداء من مال آخر، أم بالتضمين تضمينا شرعيا يوجب التفريغ.

(2) الاحتمالات بل الأقوال- في مال الميت مع الدّين المستغرق و فيما قابل الدّين من التركة- ثلاثة:

الأول: البقاء على حكم ملك الميت و عدم الانتقال إلى الورثة.

الثاني: الانتقال إليهم متعلقا لحق الغرماء، فلا يجوز لهم التصرف فيه.

الثالث: الانتقال إليهم و جواز تصرفهم فيه و لكن يجب عليهم تفريغ ذمة الميت بحسب الحكم التكليفي فقط، لا أن يحدث في تركة الميت حقا وضعيا للغرماء.

و لا تجب الزكاة على الأول، لعدم الملك، و كذا على الثاني لعدم التمكن من التصرف بخلاف الأخير، فتجب و حيث إنّ المستفاد من الأدلة أحد الأولين بقرينة ما هو المأنوس في أذهان الناس من أنّه لو منع الغرماء الورثة من التصرف في تركة الميت إلا بعد أداء دين ميتهم لم يستنكر العقلاء ذلك، بل يرون الغرماء ذا حق في ذلك و المتشرعة أيضا لا يتصرّفون في التركة إلا بعد تفريغ ذمة ميتهم عن الدّين. و يستفاد ذلك من قولهم: (عليهم السلام): «أول شي ء يبدأ به من مال الميت الكفن، ثمَّ

ص: 138

حق الغرماء به (1).

مسألة 29: إذا اشترى نخلا، أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها قبل تعلق الزكاة

(مسألة 29): إذا اشترى نخلا، أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها قبل تعلق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلق مع اجتماع الشرائط (2). و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء (3) و إذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع (4) فإن علم بأدائه أو شك في ذلك ليس عليه شي ء (5)، و إن علم بعدم

______________________________

الدّين ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث» (1).

و بعبارة أخرى: تبدل ذمة الميت إلى ماله و يصير المال مورد الحق بعد أن كانت الذمة مورده فلا وجه لوجوب الزكاة في المستوعب و فيما قابل الدّين، و أما في غيره فتجب مع تحقق سائر الشرائط.

(1) بناء على بقاء التركة في الدّين المستوعب و فيما قابل الدّين في غيره على ملك الميت لا وجه لوجوب الزكاة، لكون النماء تابعا لملك الأصل فلا يملك الورثة حينئذ ما قابل الدّين حتى تجب عليهم الزكاة، و كذا بناء على الانتقال إليهم متعلقا لحق الغير مع كون النماء مورد الحق أيضا كما هو المنساق إلى الأذهان خصوصا في مثل الزرع الذي تكون عمدة ماليته بنمائه، و ذلك لعدم التمكن من التصرف حينئذ. و أما بناء على أنّ المنع عن التصرف يختص بخصوص الأصل فقط دون النماء، فتجب الزكاة حينئذ مع تحقق سائر الشرائط، و إن شك في التمكن و عدمه، أو حصول الملك و عدمه فهو من الشك في تحقق أصل وجوب الزكاة و قد تقدم في الشرط الخامس من أول كتاب الزكاة فراجع.

(2) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا.

(3) لأنّ المناط كله تحقق الملك قبل تعلق الزكاة بأيّ وجه تحقق اختياريا كان أو قهريا.

(4) لأنّه المالك حين التعلق، فيتوجه إليه الخطاب بالأداء كما هو واضح.

(5) أما مع العلم بالأداء فهو واضح. و أما مع الشك فهو المشهور المدعى

ص: 139


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصية.

أدائه، فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي (1)، فإن أجازه الحاكم الشرعيّ طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة، و إن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه (2)، و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع و لو أدّى البائع الزكاة بعد البيع، ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال (3).

______________________________

عليه الإجماع، و يقتضيه ظهور حال المسلم و السيرة المستمرة، فلا وجه للرجوع إلى أصالة عدم الأداء مع الإجماع، و السيرة، و ظهور الحال، مع إطلاق قوله (عليه السلام): «ضع أمر أخيك على أحسنه» (1)، و ما ورد من تحريم التهمة بالمؤمن و سوء الظن به (2)، فإنّ شمولهما لاعتبار ظاهر الحال ليس قابلا للمقال.

(1) هذا و ما بعده من ثمرات كيفية تعلق الزكاة بالأعيان الزكوية و يأتي البحث عنها في [مسألة 31] كما أنّ إجازة الحاكم الشرعيّ مبنية على ولايته لمثل ذلك و الظاهر ثبوتها، لأنّ مثل هذه الأمور تعدّ من الأمور الحسبية عند المتشرعة و ولايته عليها من المسلّمات كما ثبت في محله و يأتي في المسائل الآتية بعض ما ينفع المقام فراجع و تفحص.

(2) لفرض أنّ المشتري دفع الزكاة عن البائع لا تبرعا، فمقتضى قاعدة نفي الضرر صحة الرجوع، و كذا إذا أخذ مقدار الزكاة من المبيع.

(3) لا إشكال فيه، فيصح البيع من دون حاجة إلى الإجازة، لصحيح البصري قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل لم يزك إبله، أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (عليه السلام): نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع. أو يؤدي زكاتها البائع» (3).

و يمكن القول بالصحة مع قطع النظر عن هذا الصحيح أيضا بناء على أنّ تعلق الزكاة من تعلق نحو من الحق بالعين، و ذلك لوجود المقتضي و هو الملكية و فقد

ص: 140


1- الوسائل باب: 161 من أبواب أحكام العشرة.
2- الوسائل باب: 161 من أبواب أحكام العشرة.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

مسألة 30: إذا تعدد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيّدا

(مسألة 30): إذا تعدد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيّدا أو أجود و بعضها الآخر رديّ، أو أردأ، فالأحوط الأخذ من كل نوع بحصته (1)، و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد (2) و إن كان مشتملا على الأجود، و لا يجوز دفع الرديّ عن الجيّد و الأجود على الأحوط (3).

______________________________

المانع بعد أداء الزكاة و سقوط الحق، فيكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا، فيؤثر البيع أثره، بل و يمكن القول بالصحة بناء على أنّه من الشركة العينية أيضا، لأنّ ولاية الإخراج من العين أو من مال آخر للمالك، و مع ثبوت هذه الولاية له يصح البيع إن أخرجها من مال آخر، لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات، فليست الشركة في المقام كالشركة في سائر الموارد التي لا ولاية لأحد من الشركاء في التصرف إلا بإذن الباقين، بل جعل الشارع ولاية الإخراج من العين أو القيمة للمالك، فله الإعطاء بأيّ نحو شاء و فك ماله عن اشتراك الفقراء.

ثمَّ إنّه مع وجود البائع لا وجه لإجازة الحاكم كما لا يخفى، و لعل لفظ «الحاكم» وقع اشتباها عن لفظ البائع و بدلا عنه، و نظير المسألة ما إذا باع الراهن العين المرهونة ثمَّ فك الرهن.

(1) لما عن المشهور من أنّ تعلق الزكاة بنحو الشركة الحقيقية و الإشاعة في الجميع، فيكون كل من الجيّد و الرديّ مورد الشركة و الإشاعة و هذه الثمرة تصلح للاحتياط و إن لم تصلح للفتوى، لما يأتي من عدم تمامية أصل المبنى.

(2) للإطلاقات و العمومات على ما يأتي تحقيقه من كون التعلق من مجرد الحق لا الإشاعة العينية. و حينئذ فيجزي كل ما أطلق عليه لفظ التمر عرفا و لو لم يكن أجود.

(3) لقاعدة العدل و الإنصاف المرتكزة في الأذهان في الجملة، فيحتمل تنزل الأدلة عليها أيضا، و احتمال شمول إطلاق قوله تعالى:

ص: 141

مسألة 31: الأقوى أنّ الزكاة متعلقة بالعين

(مسألة 31): الأقوى أنّ الزكاة متعلقة بالعين (1) لكن لا على وجه

______________________________

وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1) للمقام مع ملاحظة ما ورد في نزولها في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«كان النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) إذا أمر بالنخل أن يزكى، يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردى التمر يؤدونه زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعى فأرة قليلة اللحاء، عظيمة النوى و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء و في ذلك نزل:

وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ.

و لكن الآية الكريمة لا تخلو عن إجمال، لأنّ للخبيث مراتب كثيرة جدّا و ظاهر الخبر كون الجعرور و المعى فارة خارجين عن النصاب و عدم تخريصها أصلا و هو أعم من عدم الإجزاء. نعم، ظاهر قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «و لا تجيئوا منها» عدم الإجزاء لو لم يحمل على الكراهة.

(1) على المشهور المدعى عليه الإجماع. و لباب المقال: أنّ التكليف بالزكاة إما من التكليف المحض- كالصلاة، و الصوم و نحوهما- و هو و إن كان مطابقا لظواهر الآيات، و الروايات- كما تقدم- المشتملة على إيتاء الزكاة و إعطائها و نحو ذلك من التعبيرات الظاهرة في الحكم التكليفي المحض، و لكنه خلاف ظواهر أدلة أخرى و المسلّمات الفقهية عند الإمامية.

أو من مجرّد الذميات المحضة- كالديات، و الغرامات، و الضمانات و الكفارات و هذا أيضا مخالف لظاهر الإجماع، و ظهور جملة من الأخبار على ما يأتي.

و كليات الأدلة الواردة في الزكاة على قسمين:

الأول: ما يستفاد منها أنّها من التكليف المحض.

الثاني: ما هو ظاهر في الجهة الوضعية بالنسبة إلى متعلق الزكاة. و محصل

ص: 142


1- سورة البقرة: 267.

.....

______________________________

المجموع أنّه اجتمع في الزكاة حكمان تكليفيّ و وضعيّ، و الأخير يتردد بين احتمالات:

الأول: كونه من الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية في جميع متعلق الزكاة شركة ملكية عينية، فلا يجوز تصرف المالك في متعلقها إلا بإذن وليّ الفقراء أو إجازته كجميع الأموال المشتركة بين الأشخاص و يجري على تصرفه حكم الفضولي.

الثاني: أنّ الشركة ملكية عينية و لكن بنحو الكليّ في المعيّن، فيصح تصرف المالك فيه مطلقا إلا فيما يبقى من مقدار الزكاة.

الثالث: أنّه ليس من الشركة الخارجية العينية أصلا، بل هو كحق الرهانة المتعلق بالعين فيكون حكمه كالوجه الأول- لأنّ الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف، فلا يجوز لكل منهما التصرف في العين إلا بإذن الآخر- فلا يجوز للمالك التصرف في متعلق الزكاة إلا بإذن الحاكم الشرعي، و الفرق بينهما أنّ الفقير شريك للمالك في الملكية العينية في متعلق الزكاة بمقدار حقهم بخلاف هذا الوجه، فإنّ لهم مجرّد الحق فقط كحق المرتهن في العين المرهونة.

الرابع: أنّه كحق الجناية الحاصل للمجنيّ عليه بالنسبة إلى العبد الجاني حيث يجوز لمولاه بيعه بلا استيذان من المجنيّ عليه، و لكنه التزام بالوفاء من غيره، فيجوز للمالك في المقام حينئذ التصرف في متعلق الزكاة، و تصرفه هذا التزام عرفيّ- بحسب ظهور إسلامه- بإعطاء الزكاة من سائر أمواله.

الخامس: أنّه كالحق الحاصل للمنذور له في منذور التصدق، فهو نحو حق برزخيّ بين الحقيقة المحضة و الحكم كذلك، فليس للفقراء إسقاطه و لا المطالبة به إلا من باب الحسبة، كما أنّ هذا هو شأن المنذور له أيضا.

السادس: أنّه كحق الخراج و العشور، و الماليات المجعولة في الدول على أموال الرعية، فتكون العين منشأ لجعل الحق على الشخص لا أن تكون متعلقا له أولا و بالذات، و لا أن يكون التكليف ذميا من كل جهة بحيث تشتغل الذمة أولا و بالذات و لو لم يكن عين في البين أصلا.

ثمَّ إنّه بناء على كونه من الحق بجميع أقسامه يتردد بين أن تكون متعلقا بجميع المال أو بالكلّي في المعيّن، و المتيقن من أقسام الحق كونه من الكلّي في المعيّن إلا أن يدل

ص: 143

.....

______________________________

دليل على الخلاف، كما أنّ المتيقن من الحق الكلّي في المعيّن أن يكون متعلقا بمالية المال لا بشخصه إلا أن يدل دليل عليه بالخصوص و هو مفقود كما يأتي. فالزكاة نحو من الحقوق المجعولة في الممالك و الدول على أموال مخصوصة.

ثمَّ إنّه استدل المشهور على ما ذهبوا إليه من الشركة الحقيقية بأمور:

الأول- ما دل على أنّ اللّه تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، كما في خبر أبي المعزى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ اللّه تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (1).

الثاني: جملة من الأخبار الدالة على أنّ اللّه تعالى جعل في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء كما عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «إنّ اللّه عزّ و جل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم- الحديث-» (2).

و في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ اللّه عزّ و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم» (3) و غيرهما من الأخبار.

الثالث: ما تقدم من صحيح عبد الرحمن البصري قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (عليه السلام): نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع. أو يؤدي زكاتها البائع» (4).

الرابع: ما دل على الضمان إن تلف و أنّ لها القسط من الربح كما في خبر عليّ بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤديها، قال (عليه السلام): اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح، و لا

ص: 144


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

.....

______________________________

وضيعة عليها» (1).

و هذا الخبر أقوى أدلتهم على الشركة الحقيقية.

الخامس: الأخبار المشتملة على لفظي الإخراج و العزل- كقوله (عليه السلام): «أخرجها من مالك لا تخلطها بشي ء ثمَّ أعطها كيف شئت» (2) و مثله غيره- و هي ظاهرة في الشركة الحقيقية.

السادس: المستفيضة المشتملة على لفظ «في» الظاهر في الظرفية الحقيقية فيستفاد منها الشركة و الإشاعة كقولهم (عليهم السلام): «في كل خمسين حقة، و في كل أربعين ابنة لبون (3)، و قوله (عليه السلام) في الذهب: «إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار» (4) و قوله (عليه السلام) في الغلات: «ففيها العشر» (5) إلى غير ذلك من التعبيرات.

السابع: ما ورد في آداب المصدق كقوله (عليه السلام): «لا تدخله إلا بإذنه فإنّ أكثره له، فاصدع المال صدعين» (6)، فإنّه ظاهر في الشركة.

الثامن: ما ورد في تلف الزكاة بتلف المال من غير تفريط كما في الصحيح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها خرجت من يده» (7) و تقدم ما يدل على ذلك (8).

التاسع: ما دل على أنّ الساعي يتبع العين لو امتنع المالك عن الأداء- كما سيأتي فإن ذلك ظاهر في الشركة.

ص: 145


1- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 9.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الغلات حديث: 8.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.
7- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1 و راجع صفحة:.
8- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1 و راجع صفحة:.

.....

______________________________

العاشر: ظهور الاتفاق على تقديمها على الدّين مع قصور التركة و وجود العين المتعلق بها الزكاة.

هذه هي الأدلة التي استدلوا بها على الشركة الحقيقية.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلأنّه يشمل جميع الصدقات بواجباتها و مندوباتها، مع أنّه لا يقول أحد بالشركة في غير الزكاة، مضافا إلى أنّ الشركة أعمّ من الملكية و الحقية، و التنزيلية العرفية، و يشهد للأخير قوله (عليه السلام): «فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (1).

و في الحديث: «إنّ المسلمين شركاء في الماء، و الكلاء، و النار» (2)، و الاستعمالات المتعارفة عند التسلية: أنا شريك لك في المصيبة إلى غير ذلك من موارد استعمال الشركة غير المختصة بالملكية.

و أما الثاني: فلأنّ الجعل أعمّ من جعل الملك و الحق و الحكم و غيرها من الاعتباريات، فلا وجه للاستدلال به على الشركة الحقيقية كما هو واضح.

و أما الثالث: فهو أعمّ من الشركة الملكية، بل يناسب الحقية و لو بنحو الكلّي في المعيّن، بل يناسب مطلق الموردية و لو لم يكن من الحق المتعلق بالعين كالخراج المجعول على بعض الأموال و لا ريب في أنّ متابعة ما هو مورد الجعل عند امتناع من عليه الجعل عن الأداء من اللوازم العرفية لذات الجعل سواء كان حقا، أو ملكا، أو حكما، أو غيرها.

و أما الرابع: ففيه مضافا إلى قصور سنده بالضعف، و الإرسال و عدم عمل الأصحاب بمضمونه، و معارضته بصحيح البصري مخالف لجملة من المسلّمات لدى الفقهاء التي يصعب طرحها لأجل مثله كتوقف صحة البيع الفضولي على الإجازة و يظهر منه عدم التوقف، و كجواز دفع المالك الزكاة من غير العين و لو مع عدم رضا المستحق. و يظهر منه عدم الجواز، و كحرمة تصرف أحد الشريكين في المال المشترك بغير إذن الشريك و يظهر منه الجواز، و كقاعدة تبعية النماء للمالك مع أنّهم لا يقولون

ص: 146


1- تقدم في صفحة:.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

.....

______________________________

به في المقام، و مثل أنّه لو فرط المالك في الأداء لا بد و أن يكون ضامنا للمنفعة و لو لم يستوفها مع أنّهم لا يقولون به في المقام. إلى غير ذلك من آثار الشركة الحقيقية التي لا يلتزمون بها، فكيف يصح أن ينسب إليهم الموضوع مع أنّهم لا يلتزمون بآثاره.

و أما الخامس: فهو باعتبار الغالب خصوصا في الأزمنة القديمة حيث كانوا يخرجون الزكاة الواجبة من نفس العين، فتصح هذه التعبيرات من هذه الجهة لا من جهة الشركة الحقيقية.

و أما السادس: فاستعمال لفظ «في» في الظرفية مما لا ينكر إلا أنّها هل يكون المراد بها الظرفية باعتبار الملكية أو الحقية، أو من مجرّد الموردية للجعل و التشريع.

و المتيقن من الأدلة الأخيرة إلا أن يدل دليل على إحدى الأولتين و قد استعملت الأخيرة في موارد شتّى: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في كفارات الإحرام: «في القبّرة و العصفور، و الصعوة مدّ من الطعام» (1)، و قال (عليه السلام) في الدّيات: «في الخطإ خمسة و عشرون بنت لبون، و في شبه العمد ثلاثة جذعة» (2)، و قال (عليه السلام):

«إنّ اللّه تعالى فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال تعالى وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (3).

فللظرفية معنى واسع جدّا بحسب اعتبارات المظروف و اعتبار الظرفية، فلا ظهور لها في مجرّد الملكية الإشاعية مع أنّ استعمالها في السببية أيضا صحيح.

و أما السابع: فهو يناسب الملكية و الحقية و مجرّد الموردية أيضا و هو نحو تسهيل و تفضل من الشارع، مع أنّه بحسب الغالب خصوصا في تلك الأزمنة التي تخرج الزكاة من العين، فلا وجه للاستدلال بها على الملكية.

و أما الثامن: فقد ظهر مما تقدم، فإنّه يناسب الحق و الموردية أيضا و هو نحو إرفاق من الشارع بالنسبة إلى الملاك.

و أما التاسع: فلعدم اختصاصه بالملكية مطلقا، بل يجري بناء على الحق

ص: 147


1- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب كفارات الصيد (كتاب الحج).
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ديات النفس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.

.....

______________________________

و غيره، بل هو من بعض مراتب الأمر بالمعروف، و من الأمور الحسبية التي يقوم بها الحاكم الشرعي.

و أما العاشر: فإنّه يناسب مجرّد الحق أيضا كما في حق الرهانة، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء دينه من العين المرهونة من سائر الغرماء، و كذا فيما إذا كان من جملة أموال المفلس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمته كان البائع أولى بأن يأخذ عين ماله من سائر الغرماء كما يأتي تفصيل ذلك كله في محله، بل و كذا لو كان من مجرّد الحكم التكليفي أيضا لأهمية ملاحظة حق الفقراء حينئذ، فلا يستفاد من تلك الأدلة كونها من الملك سواء كان بنحو الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن.

و يمكن استفادة كونها من الديون و الذميات من الأخبار المشتملة على لفظ:

«على المالك» أو «عليه» فإنّ ظهور هذه اللفظة في الذميات مما لا ينكر، و الآيات الكريمة مشتملة على الإيتاء و هو أعمّ من الملكية، بل و من الحقية أيضا، و قد مرّ أنّ المنساق منها الحكم التكليفيّ المحض، مع أنّ المشهور في الزكوات المندوبة يقولون بتعلقها بمالية المال لا بالعين، فليكن المقام أيضا كذلك، لتفرغ الأدلة عن لسان واحد، مضافا إلى أنّ جعل الحقوق المالية ليست من التعبديات المحضة المختصة بالشريعة المقدّسة الإسلامية، بل كانت دائرة قبل الشريعة، و حين حدوثها و بعد ظهورها في جميع الممالك و الدول بالنسبة إلى جملة من الأشياء، فكل ما يقال فيها يصح أن يقال بالنسبة إلى الزكاة أيضا، و مقتضى المتعارف فيها عدم الملكية مطلقا. و تلك الحقوق عند العقلاء متعلقة بأصل مالية المال في الجملة.

و من ثمرات هذا النحو من التعلق أنّه لو امتنع من عليه الحق من الأداء كان للذي له الحق استيفاؤه من مورد الحق و هذا هو المتيقن من بناء العقلاء في الحقوق المجعولة عندهم على الأموال و هو المستفاد من مجموع أدلة الزكاة بعد رد بعضها إلى بعض و هو المطابق للأصل العمليّ أيضا، لأنّ كونها بهذا النحو من الحق معلوم قطعا و غيره مشكوك، فيرجع فيه إلى البراءة.

ثمَّ إنّ أمهات الحقوق- التي توجب خروج الملك عن الطلقية، و اعتنى الفقهاء بذكرها و التعرض لفروعها- أربعة: حق الوقف، و حق أم الولد، و حق الرهانة

ص: 148

الإشاعة، بل على وجه الكليّ (1) في المعيّن و حينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صح (2) إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده (3) بخلاف ما إذا باع الكل، فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا محتاجا إلى إجازة الحاكم على ما مرّ (4) و لا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على

______________________________

و حق الجناية. و هناك حقوق أخرى ربما أنهاها بعضهم إلى عشرين. تعرضنا لجملة منها في كتاب البيع عند بيان موارد جواز بيع الوقف فراجع.

(1) قد ظهر من جميع ما تقدم أنّه لا دليل على تعين هذا الاحتمال بل لا دليل على الملكية أصلا و لو بهذا النحو من الملكية، فإنّ تعلق حق في الجملة بمالية المال معلوم، و الاحتمالات الأخرى مشكوكة و أن مرجعها الأصل.

(2) بلا فرق فيه بعد كونه من الكليّ في المعيّن بين كونها ملكا أو حقا بأيّ نحو من أنحاء الحقوق. نعم، لو كان الحق مشاعا في الجميع لا يصح التصرف في جزء معيّن و إن صح في الكسر المشاع غير المعيّن- كما لو باع ثلث النصاب مشاعا مثلا- و لكنه يتوقف التسليم و التقسيم على رضا الشريك حينئذ كما في جميع موارد الشركة الإشاعية ملكا كانت أو حقا، كما لا فرق بينما إذا بنى المالك على أدائها من مال آخر أم لا و إن كانت الصحة في الصورة الأولى أوضح و أولى.

(3) لانحصار مورد الحق فيه حينئذ، فيصير ذلك نحو إفراز قهري. هذا بناء على الملكية و على الحقية الخاصة المتعلقة بالعين.

(4) بلا إشكال فيه إن كان تعلق الزكاة بنحو الملكية سواء كانت من الإشاعة أم من الكلّي في المعيّن، فإنّ مقابل الزكاة من الثمن يكون للفقراء، فيكون من الفضولي و تتوقف صحة البيع و تعين الزكاة في الثمن على الإجازة. و أما إن كان التعلق من قبيل حق الرهانة، فلا ريب في الاحتياج إلى الإجازة أيضا، لكن في سقوط الحق فقط لا في تعين الزكاة في الثمن، لأنّ الزكاة على هذا تكون في الذمة و تكون العين وثيقة لحق الفقراء فقط موردا لاستيفاء الحق لو امتنع المالك عن الأداء فلا ربط للإجازة بتعين الثمن للزكاة. نعم، لو قبضه الحاكم الشرعيّ ولاية عن الفقراء بعنوان

ص: 149

الأحوط (1).

مسألة 32: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (2)

______________________________

قبض الزكاة، فيتعيّن للزكاة حينئذ كما في الصورة الآتية.

ثمَّ إنّ الحاكم تارة: يأخذ مقدار الزكاة من المالك ثمَّ يجيز البيع و أخرى:

يشترط عليه إعطاءها في ضمن عقد لازم بحيث كان له الفسخ لو تخلف. و ثالثة:

يكون مبسوط اليد يقدر على أخذه منه على أيّ تقدير، فلا ريب في صحة إجازته في هذه الصور. و أما مع عدم ذلك كله فيشكل نفوذ إجازته للشك في ثبوت ولايته حينئذ، بل إن عدّ ذلك من تضييع حق الفقراء عرفا، فلا تنفذ إجازته قطعا، و لو شرط عليه الإعطاء في ضمن نفس الإجازة فلا أثر للشرط، لظهور الإجماع على أنّ الشرط المذكور في الإيقاعات لا يجب الوفاء به.

هذا، و لو كان التعلق من باب حق الجناية فإن قلنا بما هو المشهور من أنّ هذا الحق متعلق بالعين من حيث هي مع قطع النظر عن إضافتها إلى المالك، فيصح البيع و لا يحتاج إلى الإجازة لقيام الحق بالعين من حيث هي، و مع عدم الوفاء يتبعها ذو الحق أين ما وجدها. و قلنا سابقا: إنّ هذا هو المتعارف من جعل الحقوق المالية و أما إن قلنا بأنّ حق الجناية قائم بالعين من حيث إضافتها إلى المالك و ما دام في ملكه فيحتاج إلى الإجازة حينئذ على تفصيل مرّ في احتمال كونه من قبيل حق الرهانة.

(1) لأصالة عدم الولاية له على ذلك و لعل وجه تردده (قدّس سرّه) احتمال إمكان استفادة ولايته على ذلك أيضا من ولايته على الإخراج و لو من القيمة بدعوى:

أنّ ذلك كله من فروع أصل ثبوت ولايته، فهي ملازمة لأصل ثبوت الولاية و لكنه مشكل، بل ممنوع. نعم، لو استوثق ذلك بالطرق الوثيقة المعتبرة، فالظاهر الكفاية.

(2) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن العنب هل عليه زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال (عليه السلام): نعم

ص: 150

- بل و الزرع (1)- على المالك و فائدته جواز التصرف للمالك، بشرط قبوله

______________________________

إذا خرصه أخرج زكاته»(1).

و قال: أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «كان رسول اللّه إذا أمر بالنخل أن يزكى يجي ء قوم بألوان من التمر- و هو من أردى التمر- يؤدونه من زكاته تمرا يقال له: الجعرور، و المعى فأرة قليلة اللحاء عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيد، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء» (2) و المراد بقوله (صلّى اللّه عليه و آله) منهما المعى فأرة و الجعرور، فيستفاد من مثلهما أنّ التخريص كان معهودا و متعارفا بالنسبة إلى النخل و الكرم، و يدل عليه مضافا إلى ذلك ظهور الإجماع، و أنّه اهتمام بحق الفقراء و تسهيل بالنسبة إلى المالك، و من فروع ولايته على الإخراج و التعيين عرفا.

(1) لصحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الزكاة في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب متى تجب على صاحبها قال (عليه السلام): إذا ما صرم و إذا خرص» (3)و إطلاقه يشمل الجميع و هذا هو المشهور و ادعي عليه الإجماع أيضا.

و عن جمع المنع و استدلوا عليه تارة: بأنّ التخريص مخالف للقاعدة لا بد من الاقتصار على المتيقن. و أخرى: بأنّه لا يمكن تخريص الزرع لاستتاره. و ثالثة: بأنّ الفائدة في النخل و الكرم نماؤه بخلاف الزرع.

و الكل مخدوش: إذ يرد على الأول أنّه لا وجه للاقتصار على القدر المتيقن مع إطلاق صحيح سعد و ظهور الإجماع. و على الثاني: أنّ للتخريص أهل خبرة يمكنهم الاطلاع على مقدار الزرع بحسب ما هو متعارف لديهم بلا فرق عندهم في تخريص النخل، و الكرم، و الزرع من هذه الجهة. و على الأخير: أنّ الفائدة الاهتمام بحق

ص: 151


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

كيف شاء (1).

______________________________

الفقراء و التسهيل على المالك كما يأتي، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، فما هو المشهور المدعى عليه الإجماع من جواز التخريص في الزرع أيضا لا إشكال فيه.

(1) لما أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و يشهد له العرف و الاعتبار. ثمَّ إنّ التخريص تارة: بمعنى مجرد الإخبار بمقدار زكاة المال، و أنّ زكاته كذا، و مقتضى الأصل جوازه مطلقا رضي المالك بذلك أم لا، و مع تبيّن الخلاف لا بد من العمل على ما هو الواقع، و الظاهر خروج هذا القسم عن مورد الكلمات و عدم ترتب الثمرة عليه. و أخرى: بمعنى انقطاع الحق عن العين و انتقاله إلى ذمة المالك و تسلطه على مورد الحق كيف ما شاء و أراد، و ظاهر الفقهاء صحة ذلك مرسلين له إرسال المسلّمات و ثالثة: بمعنى تعيّن الكلّي في المعيّن حقا أو ملكا و هو مبنيّ على كون التعلق بنحو الإشاعة حقا كان أو ملكا. و أما إن كان بنحو الكلّي في المعيّن فلا أثر للتخريص كما هو واضح إلا أن يكون المراد به التعين الخارجي في جزء معيّن خارجي.

ثمَّ إنّ التخريص يحتمل أن يكون معاملة متقوّمة برضا الطرفين فلا ريب في اعتبار رضا المالك حينئذ و أنّه لا ثمرة له بدون رضاه. كما يحتمل أن يكون من مجرد تخمين الزكاة على المالك و إزالة المانع عن تصرفه كيفما شاء و أراد، و الظاهر التوقف على رضاه أيضا. لسلطنته على ماله و كون ولاية الإخراج إليه و يحتمل أن يكون من مجرّد الحسبة التي لا بد و أن يقوم بها الإمام أو نائبه مع بسط اليد و المنساق من الكلمات، و إطلاق بعض الروايات (1)عدم التوقف على رضا المالك و قد أرسل في الجواهر عدم كونه من المعاملة إرسال المسلّمات. و يمكن استظهار كونه من الأمور الحسبية مراعاة لحق الفقراء، و تسهيلا على الملاك، و لمصالح أخرى تعرّضوا لها في المطوّلات فراجع.

ص: 152


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.

و وقته بعد بدو الصلاح و تعلق الوجوب (1)، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه (2) إذا كان من أهل الخبرة، أو بغيره من عدل أو عدلين (3) و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم، أو وكيله مع التمكن (4) و لا يشترط فيه

______________________________

(1) لأنّه لا موضوع للتخريص قبل ذلك، كما مرّ من حدوث حق الفقراء حين بدو الصلاح في [المسألة 1] من هذا الفصل فلا حق له قبل ذلك حتى يعين حقه.

و ما روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه كان يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا للنخل حين يطيب (1) فلا يدل على التخريص قبل بدوّ الصلاح، لأنّ المراد بالطيب التسمية و بدو الصلاح.

(2) لأنّه من فروع كون ولاية الإخراج للمالك، بل هو نحو من العزل و يأتي جواز كل منهما للمالك، و لو كان من الأمور الحسبية يجوز له أيضا مع الثقة و الأمانة إذ لا دليل على توقف صحة جميع الأمور الحسبية بتمام مراتبها على إذن الحاكم الشرعي. نعم، لا إشكال في توقف بعض أقسامها و مراتبها عليه، و مع الشك فيشمله إطلاق قوله (عليه السلام): «كل معروف صدقة» (2)، مع أنّ المناط كله في التخريص مراعاة حق الفقراء و التحفظ عليه و هو يحصل بمباشرة المالك أيضا مع كونه من أهل الخبرة كما هو المفروض مع أنّه نحو من المسارعة و الاستباق إلى الخير.

(3) مقتضى ما تقدم من أنّ المناط في التخريص هو التحفظ على حق الفقراء و الإحسان إليهم جوازه بكل ثقة أمين من أهل الخبرة فكيف بالعدل أو العدلين. و قد نسب الجواز إلى الشهيد و الفاضلين، و يشهد له بعض الإطلاقات أيضا.

(4) لاحتمال عموم ولايته لمثل هذه الأمور، و تحفظا على الاستيثاق لحق الفقراء مهما أمكن، مع حسن تدخل الحاكم الشرعي في كل ما فيه معرضية النزاع و المخاصمة.

ص: 153


1- السنن للبيهقي ج: 4 باب الخرص صفحة: 123. 11.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الصدقة حديث: 1.

الصيغة (1)، فإنّه معاملة خاصة (2) و إن كان لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى (3). ثمَّ إن زاد ما في يد المالك كان له و إن نقص كان عليه (4) و يجوز- لكل من المالك و الخارص- الفسخ مع الغبن الفاحش (5). و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز (6) و يجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو غيره (7).

______________________________

(1) للأصل، و الإطلاق، و السيرة.

(2) كما في الجواهر (و فيه) أنّه لا دليل على كونه من المعاملة أصلا لا من العرف و لا من الشرع و لا من اللغة، بل المنساق إلى الأذهان كونه من سنخ القسمة و إن لم يكن عينها، فلا يجري عليه أحكام المعاملة و لا أحكام القسمة، للأصل بعد عدم كونه داخلا في موضوعهما لغة و شرعا. نعم، لو كانت معاملة خاصة يكفي في صحتها العمومات و الإطلاقات بعد عدم دليل على لزوم حصرها في المعاملات المعهودة.

(3) و هو يجري في التخريص سواء كان معاملة خاصة أم لا.

(4) إن كانت الزيادة و النقيصة مما يتسامح فيهما، فالظاهر، بل المقطوع به أنّ بناء التخريص على الاغتفار بالنسبة إليهما حينئذ و إن كانتا مما لا يتسامح فيهما، فلا دليل على الاغتفار حينئذ من نص أو إجماع، أو عرف، أو عادة معتبرة، بل مقتضى القاعدة عدم الاغتفار و بطلان أصل التخريص، فلا تكون الزيادة له و النقيصة عليه.

(5) الظاهر عدم تحققه حينئذ أصلا حتى يحتاج إلى الفسخ، لأنّه لو لم يكن معاملة فلا موضوع للصحة حينئذ، و لو كانت معاملة خاصة فكذلك أيضا، لأنّ خيار الغبن و إن عمّ جميع المعاملات، لكنّه فيما إذا تقوّمت المعاملة بالعوضين و التبادل من الطرفين لا فيما إذا غلبت عليها جهة الإفراز و القسمة، فلا تصح حينئذ أصلا حتى يتحقق موضوع الفسخ.

(6) لأنّ الحق لا يتعداهما فلهما البناء على ما تراضيا عليه و توافقا بالنسبة إليه.

(7) لأنّ ذلك من فروع ولاية الحاكم الشرعي على الزكاة تخريصا، و تفريقا،

ص: 154

مسألة 33: إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة

(مسألة 33): إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء (1) بالنسبة، و إن خسر يكون خسرانها عليه.

مسألة 34: يجوز للمالك عزل الزكاة

(مسألة 34): يجوز للمالك عزل الزكاة (2) و إفرازها من العين، أو من

______________________________

و إيصالا لها إلى أهلها، بل و يجوز ذلك من المالك الأمين أيضا، لأنّه من فروع ولايته على إخراج الزكاة من القيمة.

(1) لما مرّ من مرسل ابن أبي حمزة (1)، و لكن قصور سنده، و هجر الأصحاب عن إطلاقه أسقطه عن الاعتبار. نعم، بناء على ما نسب إلى المشهور من الشركة الحقيقية العينية يصح ذلك، و لكن بعد إجازة الحاكم الشرعي للبيع، و أما قبلها فأصل البيع باطل فكيف يكون الربح للفقراء بالنسبة و قد تقدم ضعف أصل المبنى بما لا مزيد عليه.

(2) لنصوص كثيرة:

منها: صحيح أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه».

و قول أبي عبد اللّه في صحيح عبيد: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها» (2).

و في الموثق عنه (عليه السلام) أيضا: «زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجئني من يسألني يكون عندي عدّة، فقال (عليه السلام):

إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشي ء، ثمَّ أعطها كيف شئت قال:

قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال (عليه السلام): نعم، لا يضرّك» (3).

و في صحيح ابن سنان: «في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقي بعضا

ص: 155


1- الوسائل باب: 52 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4 و 3.
3- تقدم في صفحة 82.

مال آخر (1)، مع عدم المستحق، بل مع وجوده أيضا على الأقوى (2)، و فائدته صيرورة المعزول ملكا للمستحقين قهرا، حتى لا يشاركهم المالك عند التلف (3)، و يكون أمانة في يده، و حينئذ لا يضمنه إلا مع التفريط (4)، أو التأخير مع وجود المستحق (5).

______________________________

يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر قال (عليه السلام): «لا بأس» (1).

إلى غير ذلك من النصوص التي عمل بها المشهور الظاهر في إذن وليّ الزكاة في عزلها و هي إرشاد إلى طريق تخليص المالك من ضمان الزكاة لو تلفت، و إرفاق و تسهيل بالنسبة إليه. فما عن بعض من عدم الجواز. اجتهاد في مقابل النص، كما أنّ ما نسب إلى الشيخين من وجوبه خلاف المنساق من نصوصه.

(1) لما دل على جواز إخراج الزكاة من مال آخر، و ظاهر أخبار المقام عزل الزكاة بمالها من الأحكام، فتشمل الإخراج من القيمة أيضا.

(2) لظهور ما تقدم من الموثق، و صحيح ابن سنان في ذلك، مضافا إلى ظهور إطلاق بعض الأخبار، فما يظهر من المحقق (رحمه اللّه) من التخصيص بصورة فقد المستحق ضعيف.

(3) لظهور النصوص و الفتاوى في ذلك، و لو لا هذه الثمرة لا فرق بين المعزول و غيره، فلا وجه لتوقف الدروس فيه.

(4) هذه الأمانة أمانة شرعية، و معنى الأمانة- شرعية كانت أو مالكية- عدم الضمان إلا مع التعدّي أو التفريط، إذ لا وجه لتضمين الأمين مطلقا إلا مع التعدّي.

(5) نصّا، و إجماعا، ففي صحيح زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال (عليه السلام) ليس على الرسول، و لا على المؤدي ضمان. قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال (عليه السلام) لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو

ص: 156


1- الوسائل باب: 53 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

و هل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال. و إن كان الأظهر عدم الجواز (1).

ثمَّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين، متصلا كان أو منفصلا (2).

______________________________

فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» (1).

و في خبر ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (عليه السلام): إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده» (2)، و بذلك كله يقيد ما تقدم من مثل خبر أبي بصير (3).

(1) لظهور الأدلة في انقطاع ولاية المالك عنها بعد العزل، فليس له حق التصرف فيها، لكونه كقبض الفقير، فيصير بذلك ملكا قهريا له. نعم، تبقى للمالك خصوص ولايته على الإقباض الخارجيّ فقط.

(2) لأنّ المستفاد من الأدلة خصوصا مثل قول الصادق (عليه السلام) فيما تقدم في خبر ابن مسلم: إنّ العزل بمنزلة القبض، فيكون المعزول ملكا قهريا للمستحقين و النّماء تابع للملك شرعا و عرفا.

ص: 157


1- الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2
2- الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1
3- تقدم في صفحة: 155.

فصل فيما يستحب فيه الزكاة

اشارة

(فصل فيما يستحب فيه الزكاة) و هو- على ما أشير إليه سابقا- أمور (1):

الأول: مال التجارة

اشارة

الأول: مال التجارة، و هو المال الذي تملكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به (2) سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل الهبة، أو

______________________________

(فصل فيما يستحب فيه الزكاة)

(1) الحصر استقرائيّ، كما أنّ استحباب الزكاة فيها إنّما هو بحسب العنوان الخاص في مقابل الصدقة و إلا فرجحان أصل الصدقة مما تدل عليه الأدلة الأربعة كما يأتي.

(2) المرجع في صدق مال التجارة متعارف الناس، لأنّه من الموضوعات العرفية لا من الأمور التعبدية، و لا من الموضوعات المستنبطة. و ما ذكر في النصوص إرشاد إلى ما هو المتعارف بين الناس، كخبر سعيد الأعرج: «إنا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال: إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته- إلى أن قال:- فزكه للسنة التي اتجرت فيها» (1).

و في خبر ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال (عليه السلام): إذا حال عليه الحول فليزكها»(2).

ص: 158


1- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3.

الصلح المجاني، أو الإرث على الأقوى (1). و اعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة (2)، و سواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو

______________________________

و في خبر الشامي: «إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» (1).

و في خبر ابن مسلم: «كل مال عملت به فعليك الزكاة إذا حال عليه الحول قال يونس: تفسيره أنّه كل ما عمل للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه الزكاة» (2).

و في خبر الحجاج: «و ما كان من تجارة في يدك» (3) و في خبر شعيب: «كل شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار، و مقتضى إطلاقها الشمول لكل ما أعدّ للتجارة سواء انتقل إليه بالنواقل الاختيارية أو القهرية و هو الذي تقتضيه المرتكزات العرفية أيضا، و إن كان الغالب فيه ما كان الانتقال بعقد المعاوضة لكنه لا يوجب التقييد مع أنّ كونه من الغالب ممنوع أيضا.

ثمَّ إنّ للإعداد للتجارة مراتب متفاوتة:

منها: الإعداد القصدي القلبي.

و منها: الإعداد الخارجيّ بتحقق بعض مقدماته الخارجية كالجلوس في محل التجارة و وضع المال لديه.

و منها: جريان التجارة الفعلية عليه مرّة أو مرّات، و مقتضى الصدق العرفي كفاية الوسط و تقتضيه الإطلاقات أيضا.

(1) كل ذلك لظهور الإطلاق الشامل للجميع.

(2) نسب ذلك إلى جماعة منهم المحقق (رحمه اللّه) في الشرائع و هو مخالف لظاهر إطلاق الأخبار، و ظاهر بناء التجار حيث يطلقونه على كل مال أعدّ لها.

ص: 159


1- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

بعده (1)، و إن اعتبر بعضهم الأول (2)، فالأقوى أنّه مطلق المال الذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد الإعداد يدخل في هذا العنوان (3)، و لو كان قصده حين التملك- بالمعاوضة أو بغيرها- الاقتناء و الأخذ للقنية، و لا فرق فيه بين أن يكون مما تتعلق به الزكاة المالية- وجوبا أو استحبابا- و بين غيره كالتجارة بالخضروات مثلا (4)، و لا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع (5)، كما لو استأجر دارا بنية التجارة و يشترط فيه أمور:

الأول: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين (6)، فلا زكاة فيما لا يبلغه،

______________________________

(1) للصدق العرفي عليها، فتشملها الإطلاقات. نعم لو فرض الشك في الصدق العرفي لا بد من الرجوع إلى الأصل حينئذ موضوعا أو حكما.

(2) نسبه في المدارك إلى علمائنا. و استدل عليه تارة: بظهور الإجماع عليه (و فيه): أنّه لا اعتبار به لأنّه اجتهاديّ حصل عما بين أيدينا من النصوص.

و اخرى: بظهور النصوص المتقدمة في ذلك. (و فيه): أنّ الظهور على فرض تحققه من باب الغالب، و في النصوص إطلاقات تشمل المقام أيضا، مع أنّه تقدم كفاية الإعداد الخارجيّ و لو بتهيئة بعض المقدمات و حينئذ تشمله الأدلة لا محالة.

(3) للصدق العرفي، فيشمله الدليل لا محالة، و نزاع الفقهاء في المقام صغروي، فتارة: يصدق مال التجارة عرفا. و أخرى: يصدق عدمه. و ثالثة: يشك في الصدق و عدمه، و في الأخيرين يرجع إلى الأصل النافي للاستحباب.

(4) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(5) لإطلاق قوله (عليه السلام): «كل ما عملت به فعليك الزكاة إذا حال عليه الحول» (1)، و ذكر الأعيان في بعض الأخبار (2)من باب المثال و الغالب لا التقييد مع أنّ الاتجار بالمنافع كثير جدّا خصوصا في هذه العصور.

(6) إجماعا من الإمامية، بل من الأمة كما عن المحقق و العلامة.

ص: 160


1- تقدم في صفحة 159.
2- تقدم في صفحة 159.

و الظاهر أنّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضا (1).

الثاني: مضيّ الحول عليه (2) من حين قصد التكسب.

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول (3) فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم و إن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه (4).

الرابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول (5).

______________________________

(1) لإرسالهم ذلك إرسال المسلّمات، و عن الشهيد الثاني: المناقشة فيه. و لا وجه فيها بعد ظهور التسالم عليه و إطلاق الكلمات و الفتاوى.

(2) نصوصا، و إجماعا منها صحيح ابن مسلم: «عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، فقال (عليه السلام): إذا حال عليه الحول فليزكها» (1)، و أما أنّ مبدءه من حين قصد التكسب، فهو مبنيّ على كفاية ذلك في الحكم و قد تقدم عدم الكفاية، فلا بد من اعتبار المضيّ من الإعداد العرفي و تهيئة المقدمات الخارجية لها و هي قد تقارن القصد و قد تتأخر عنه. و الظاهر أنّ من يقول بأنّ المناط من حين قصد التكسب لا يقول به فيما إذا تأخرت التجارة عرفا عنه بكثير.

(3) لظواهر أدلة المقام، و ظهور اتفاق الأعلام، فيكون اعتبار التجارة في المقام كاعتبار السوم و أن لا تكون عوامل في زكاة الأنعام، و الظاهر أنّ مجرّد النية المحضة لا يضرّ بانقطاع الحول ما لم يصدق عرفا أنّه انصرف عن كسبه و تجارته.

(4) بناء على كفاية قصد الاكتساب و إلا فيعتبر الحول من حين الإعداد الخارجيّ للتجارة.

(5) لا دليل على اعتبار بقاء عين رأس المال، بل عن العلامة دعوى الإجماع على عدم اعتباره و هو الموافق للتجارات المتعارفة بين عامة التجار بتبدل رأس المال و لعل المراد بقولهم: بعينه أي بعين مقداره، فتصير عبارة أخرى عن الشرط الخامس فتأمل. نعم، بقاء رأس المال بماليته معتبر كما سيأتي في الشرط الخامس.

ص: 161


1- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3.

الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (1) فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة و لو حبة من قيراط يوما منها سقطت الزكاة (2) و المراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع (3).

و قدر الزكاة فيه ربع العشر، كما في النقدين (4) و الأقوى تعلقها بالعين، كما في الزكاة الواجبة (5) و إذا كان المتاع عروضا فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد

______________________________

(1) نصوصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الأعرج: «إن كنت تربح منه أو يجي ء منه رأس ماله فعليك زكاته» (1).

(2) لظاهر الأخبار، و الإجماع، و يقتضيه الاعتبار.

(3) المرجع فيه أهل الخبرة من التجار، و الثقات من أهل السوق.

(4) بإجماع الفريقين كما عن الفاضلين.

(5) لأنّ الأدلة تفرغ عن لسان واحد في الزكاة الواجبة و المندوبة، و لأصالة إلحاق كل مندوب بواجبه إلا ما خرج بالدليل، و لكن نسب إلى المشهور، بل ادعي عليه الإجماع أنّ الزكاة في خصوص المقام إنّما تتعلق بالقيمة، لأصالة عدم التعلق بالعين، و لأنّ النصاب إنّما يعتبر بالقيمة فالزكاة تتعلق بها، و للموثق- كما في الجواهر- «كل عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير»، و بأنّ الاستحباب ينافي ثبوت الحق و بأنّ متعلق الزكاة في المقام من حيث المالية المبهمة لا العينية الشخصية الخارجية.

و الكل مخدوش: إذ يردّ الأول: بإطلاق الأدلة، و المعارضة بأصالة عدم التعلق بالقيمة. و الثاني: بأنّه أعمّ من المدعى، و الثالث: بأنّه في مقام بيان مقدار النصاب لا كيفية التعلق. و الرابع: بأنّ للحق مراتب متفاوتة شدّة و ضعفا، مع أنّه معارض بتعلق الحق بالقيمة أيضا. و الأخير: بأنّ عدّه من أدلة التعلق بالعين أولى من جعله من أدلة التعلق بالقيمة. و قد ذكروا وجوها أخرى أوهن مما ذكرناه من شاء فليراجع المطولات.

ص: 162


1- الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.

النقدين دون الآخر (1).

مسألة 1: إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة

(مسألة 1): إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين دينارا، أو نحو ذلك فإن اجتمعت شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة (2)، و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الأخرى (3).

مسألة 2: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول أربعين غنما سائمة

(مسألة 2): إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول أربعين غنما سائمة، سقط كلتا الزكاتين بمعنى: أنّه انقطع حول كلتيهما (4)، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول، فلا بد أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية.

مسألة 3: إذا ظهر في مال المضاربة ربح

(مسألة 3): إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع

______________________________

(1) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(2) نصّا، و إجماعا قال (صلّى اللّه عليه و آله): «لا ثنيا في الصدقة» (1)، و قال (عليه السلام): «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» (2) و تعين المندوبة للسقوط لأنّ الواجبة أهمّ بالمراعاة، و لأنّها فرض اللّه، و للإجماع على سقوط خصوص المندوبة فيقيد بذلك إطلاق الخبر.

(3) لوجود المقتضي بالنسبة إلى جامعة الشرائط، فتشملها الأدلة، فتثبت بخلاف الأخرى فتسقط لا محالة.

(4) بناء على اعتبار بقاء عين النصاب في زكاة مال التجارة. و أما بناء على عدم اعتباره كما مرّ، فتثبت الزكاة المندوبة و تسقط الواجبة لانقطاع الحول.

ص: 163


1- تقدم في صفحة: 88.
2- تقدم في صفحة: 89.

بلوغه النصاب- على ربّ المال (1)، و يضم إليه حصته من الربح، و يستحب زكاته أيضا (2) إذا بلغ النصاب و تمَّ حوله، بل لا يبعد كفاية مضيّ حول الأصل (3) و ليس في حصة العامل من الربح زكاة، إلا إذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط (4). لكن ليس له التأدية من العين، إلا بإذن المالك، أو بعد

______________________________

(1) لكونه مالكا، فيشمله الخطاب، مع أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

(2) لوجود المقتضي و هو الملكية و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات و حينئذ فإن بلغ النصاب الثاني و كان رأس المال بقدر النصاب الأول لحق كلا حكمه، و إن كان متمما للنصاب الأول بالنسبة إلى رأس المال يعتبر مضيّ الحول من حين ظهوره.

(3) بدعوى: أنّ الربح تبع للأصل فيكفي فيه حول الأصل. (و فيه): أنّه إن كان نصابا مستقلا، فلا فرق بين الحول و سائر الشرائط في اعتبارها فيه و إن كان متمما فالكل نصاب واحد.

(4) لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ، فتشمله الأدلة. و عن المحقق الثاني عدم الوجوب في حصة العامل، و مال إليه الأردبيلي (رحمه اللّه) لأنّه لا يملكها إلا بعد الإنضاض، و لعدم التمكن من التصرف، و لأنّه لا يسمّى تاجرا، و لأنّ الملك فيه معرض للزوال، لكون الربح وقاية لرأس المال، و لموثق سماعة: «عن الرجل يربح في السنة خمسمائة، و ستمائة، و سبعمائة هي نفقته، و أصل المال مضاربة قال (عليه السلام): ليس عليه في الربح زكاة» (1).

و الكل مردود: إذ يرد على الأول: أنّ الملك حاصل بالظهور كما هو المشهور.

و على الثاني: أنّ الشركة لا تعد من عدم التمكن من التصرف و قد تقدم في أول كتاب الزكاة. و على الثالث: أنّه من مجرد الدعوى، بل يصدق التاجر عليه في المتعارف.

ص: 164


1- الوسائل باب: 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6.

القسمة (1).

مسألة 4: الزكاة الواجبة مقدمة على الدّين

(مسألة 4): الزكاة الواجبة مقدمة على الدّين، سواء كان مطالبا به أم لا، ما دامت عينها موجودة (2)، بل لا يصح وفاؤه بها بدفع تمام النصاب (3). نعم، مع تلفها، و صيرورتها في الذمة حالها حال سائر الديون (4)، و اما زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدم عليها حيث انها مستحبة (5)، سواء قلنا بتعلقها بالعين أو بالقيمة. و أما مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين

______________________________

و على الرابع: بأنّه لا يمنع عن شمول الأدلة بعد تمامية الملك. و على الأخير: بأنّ المنساق منه عرفا عدم حلول الحول، لكون الربح مصروفا في النفقة السنوية، فلا يبقى موضوع للزكاة حينئذ.

(1) لعدم جواز التصرف في المال المشترك إلا بعد القسمة أو برضا الشريك كما هو واضح.

(2) للإجماع، و لأنّ ذلك من ثمرات تعلق الزكاة بالعين سواء كان التعلق بنحو الملكية أم الحقية.

(3) لعدم ولايته على ذلك إلا بإذن الحاكم الشرعيّ إذا استلزم ذلك تفويت حق الفقراء.

(4) لكون الجميع دينا حينئذ و لا ترجيح في البين، و يحتمل أن تكون الزكاة أهمّ منها حينئذ، لأنّه قد جمع فيها حق اللّه و حق الناس، لكثرة ما ورد فيها من الترغيبات حتى عدّ تاركها في عداد اليهود، و النصارى، و ذكرت في عرض الصلاة في آيات شتّى- كما تقدم- و جعلت مما بني عليه الإسلام في أخبار كثيرة (1).

(5) لأنّه لا تزاحم و لا تعارض بين الواجب و المندوب مطلقا، و لا أثر فيه بين التعلق بالعين أو القيمة.

ص: 165


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات.

أيضا (1)، بل مع المطالبة أيضا إذا أداها صحت و أجزأت (2) و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.

مسألة 5: إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية، و اختلف مبدأ حولهما

(مسألة 5): إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية، و اختلف مبدأ حولهما، فإن تقدم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة (3) و إن انعكس، فإن أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت (4)، و إلا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة.

مسألة 6: لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمَّ بلغه في أثناء الحول

(مسألة 6): لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمَّ بلغه في أثناء الحول، استأنف الحول عند بلوغه (5).

مسألة 7: إذا كان له تجارتان، و لكل منهما رأس مال

(مسألة 7): إذا كان له تجارتان، و لكل منهما رأس مال، فلكل منهما شروطه و حكمه (6)، فإن حصلت في إحداهما دون الأخرى استحبت فيها فقط، و لا يجبر خسران إحداهما بربح الأخرى.

______________________________

(1) للإطلاق، و الأصل الشامل لهذه الصورة أيضا.

(2) لعدم تعلق النهي بذات الزكاة حتى تكون من النهي في العبادة فيوجب الفساد و إنّما تعلق النهي بتأخير أداء الدّين.

(3) لنقص النصاب في أثناء الحول بناء على الملكية سواء كانت بنحو الشركة أم الكلّي في المعيّن، و لعدم التمكن من التصرف في الجميع بناء على الحقية. هذا بناء على كونه من قبيل حق الرهانة و نحوه مما يمنع عن التصرف في العين و إن كان مما لا يمنع، فتجب المالية و التجارة مع تحقق الشرائط كالحول و نحوه.

(4) مع اختلال شرط من شروط وجوب المالية و إلا فتجب.

(5) لتحقق الموضوع حينئذ فيترتب الحكم عليه لا محالة.

(6) لتعدد الموضوع، فيتعدد الحكم لا محالة. و منه يظهر الوجه في عدم جبران خسران إحداهما بربح الأخرى، لأنّ تعدد الموضوع عرفا مانع. و يأتي في كتاب الخمس نظير هذه المسألة.

ص: 166

الثاني: مما يستحب فيه الزكاة

الثاني: مما يستحب فيه الزكاة: كل ما يكال أو يوزن مما أنبتته الأرض عدا الغلات الأربع فإنّها واجبة فيها، و عدا الخضر كالبقل، و الفواكه و الباذنجان، و الخيار، و البطيخ، و نحوها.

ففي صحيحة زرارة: «عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الخضر قلت و ما الخضر؟ قال: كلّ شي ء لا يكون له بقاء، البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك، مما يكون سريع الفساد» و حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة حكم الغلات الأربع في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها و في السقي و الزرع و نحو ذلك (1).

الثالث: الخيل الإناث

الثالث: الخيل الإناث (2) بشرط أن تكون سائمة، و يحول عليها الحول (3)، و لا بأس بكونها عوامل (4)، ففي العتاق منها- و هي التي تولدت

______________________________

(1) و قد تقدم بعض الكلام في أول (فصل الأجناس التي تتعلق بها الزكاة) فراجع.

(2) نصّا، و إجماعا فعن الصادق (عليه السلام): «وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا» (1).

(3) لعموم أدلة اعتبارهما، و أصالة إلحاق المندوب بالواجب في الشروط و القيود إلا ما خرج بالدليل.

(4) على المشهور، لندرة عدم العمل فيها، و عن الشهيد و المحقق الثانيين اعتبار عدم العمل فيها أيضا، لإطلاق بعض أدلة اعتباره. و هو مخدوش بما مرّ من ندرة عدم العمل، مع أنّه خلاف المشهور.

ص: 167


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.

من عربيين- كل سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفي. و في البراذين كل سنة دينار، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي و الظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك (1) فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.

الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء

الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء، من البساتين، و الدكاكين و المساكن، و الحمامات، و الخانات و نحوها (2) و الظاهر اشتراط النصاب، و الحول. و القدر المخرج ربع العشر، مثل النقدين (3).

الخامس: الحليّ

الخامس: الحليّ و زكاته إعارته لمؤمن (4).

السادس: المال الغائب

السادس: المال الغائب، أو المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه، إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحب زكاته لسنة واحدة بعد التمكن (5).

السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة

السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة فإنّه يستحب إخراج زكاته بعد الحول (6).

______________________________

(1) لشمول الأدلة لهذه الصورة أيضا، مع أنّ الحكم استحبابيّ قابل للمسامحة.

(2) نسب ذلك إلى المشهور، و ادعى في الجواهر عدم وجدان الخلاف، و اعترف في المدارك بعدم الوقوف على النص، و يكفي في الاستحباب عدم الخلاف بين الأصحاب، و احتمال كونها من موارد التجارة فتشملها أدلتها.

(3) على المشهور بين من تعرض له في كل ذلك، و تقتضيه قاعدة الإلحاق.

(4) تقدم ما يدل عليه في [مسألة 1] من (فصل زكاة النقدين) فراجع.

(5) لما تقدم في [مسألة 14] من أول الكتاب.

(6) راجع الشرط الثالث من (فصل زكاة النقدين).

ص: 168

فصل في أصناف المستحقين للزكاة

اشارة

(فصل في أصناف المستحقين للزكاة) و مصارفها ثمانية (1):

الأول و الثاني: الفقير و المسكين

اشارة

الأول و الثاني: الفقير و المسكين، و الثاني أسوأ حالا من الأول (2)

______________________________

(فصل في أصناف المستحقين)

(1) بالأدلة الثلاثة: فمن الكتاب قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1) و من النصوص المتواترة التي يأتي بعضها. و من الإجماع، إجماع المسلمين، بل المتعارف في جميع الملل و الأديان الذين يعتقدون بالصدقة، فإنّهم لا يصرفون صدقاتهم إلا في مثل هذه الموارد الثمانية فتصح دعوى إجماع العقلاء و التمسك بالأدلة الأربعة. و عدّها سبعة مبنيّ على اتحاد الفقير و المسكين و يأتي تعدّدهما فلا وجه له.

(2) على المشهور، و عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم» (2)، و عن أحدهما (عليهما السلام) في الصحيح: «أنّه سأله عن الفقير و المسكين فقال (عليه السلام): «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل» (3). فالفرق بين الفقير و المسكين بالشدة و الضعف، فكما أنّ للغنى مراتب متفاوتة للفقر أيضا كذلك و الجامع

ص: 169


1- سورة التوبة: 60.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

و الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله (1)، و الغنيّ الشرعيّ بخلافه. فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك، تقوم بكفايته

______________________________

بين الفقر و المسكنة الاحتياج العرفي، و هو يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و الحالات و الحوادث، فلا يمكن ضبط الاحتياج بحدّ معيّن إلا بنحو الإهمال و الإجمال. و المشهور، بل حكي الاتفاق على تعددهما مع الاجتماع و اتحادهما مع الافتراق.

و ما نسب إلى جمع من الفقهاء و اللغويين من أنّ الفقير أسوء من المسكين لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه في مقابل الصحيحين، مع أنّه لا ثمرة للبحث عن تعددهما، و اختلافهما، أو كون الفقير أسوء من المسكين، أو العكس في المقام إلا على احتمال وجوب البسط و يأتي في (فصل في بقية أحكام الزكاة) في المسألة الثانية عدم وجوب البسط فراجع. نعم، لو وقع أحدهما، أو كلاهما في مورد الوقف، أو الوصية، أو النذر، فيصح فرض الثمرة حينئذ، و قد ذكر الأقوال الطريحي في مجمع البحرين من شاء فليرجع إليه، مع أنّه لا طائل في نقلها و مراجعتها.

(1) للنص، و الإجماع، و المعروف بين المتشرعة، بل متعارف الناس، لأنّ المؤنات إنّما تلحظ بالنسبة إلى السنة عندهم خصوصا في الأزمنة القديمة، فليس لها معنى شرعيا تعبديا، بل قرر الشارع معناها العرفي المتعارف بين الناس، و عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في صحيح ابن إسماعيل: «عن السائل و عنده قوت يوم، أ يحلّ له أن يسأل؟ و إن أعطى شيئا أ له أن يقبل؟ قال (عليه السلام): يأخذ- و عنده قوت شهر- ما يكفيه لسنة من الزكاة، لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» (1).

و عن المقنعة في مرسل ابن عمار: «سمعت الصادق (عليه السلام) يقول:

«تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة» (2).

ص: 170


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 10.

و كفاية عياله في طول السنة، لا يجوز له أخذ الزكاة (1)، و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤنته، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله، و إن كان لسنة واحدة (2)، و أما إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له

______________________________

و أما قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما، يحول عليها الحول عنده أن يأخذها. و إن أخذها أخذها حراما» (1) فالمتفاهم منه عرفا أنّ من عنده قوت السنة و زيادة أربعين درهما يحول عليه الحول لا يجوز له أخذ الزكاة، و يكون ذكر الأربعين من باب المثال لا الخصوصية، و إلا فلو كانت الزيادة عشرة دراهم أو أقلّ لا يحلّ له أخذ الزكاة أيضا.

(1) للإجماع، و النص، ففي موثقة سماعة: «عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال (عليه السلام): نعم، إلا أن تكون داره دار غلة فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله- في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم- من غير إسراف، فقد حلّت له الزكاة. فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» (2)، فمئونة السنة أعمّ مما كانت بالفعل، أو بالقوة و الاستعداد و الغالب عند متعارف الناس الأخير خصوصا في الأزمنة القديمة.

(2) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة: «قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة، و تحرم على صاحب الخمسين درهما. فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال (عليه السلام): إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه، و ليأخذها لعياله. و أما صاحب الخمسين، فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده، و هو محترف يعمل بها، و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه» (3) هذا مضافا إلى الإجماع و المناط كلّه صدق وجدان مئونة السنة فعلا أو قوّة.

ص: 171


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

أخذها (1)، و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه- بعد صرف بعضه في أثناء السنة- يجوز له الأخذ، و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده (2)، ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ. و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصل منهما مقدار مئونته (3) و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا (4).

______________________________

(1) لأنّه يصدق حينئذ عدم تمكنه من مئونة السنة.

(2) أما جواز الأخذ، فلوجود المقتضي و هو الفقر، إذ يصدق عليه فعلا أنّه ليس واجدا لمؤنة السنة.

(3) نصّا، و إجماعا قال أبو جعفر في الصحيح: «إنّ الصدقة لا تحل لمحترف، و لا لذي مرّة سويّ قويّ، فتنزهوا عنها»(1)، و عنه (عليه السلام) أيضا: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا تحل الصدقة لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف و لا لقويّ. قلنا: ما معنى هذا؟ قال (عليه السلام): لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر أن يكف نفسه عنها» (2) إلى غير ذلك من الأخبار مع أنّه غنيّ أيضا، لأنّه أعمّ من الفعل و القوة.

(4) التكاسل على قسمين:

الأول: ما إذا كان مع القدرة الفعلية على الحرفة، و وجود المقتضي لها و فقد المانع عنها بحيث لو اشتغل فعلا أخذ ما يكفيه، و الظاهر عدم صدق الفقير بالنسبة إليه عرفا، بل و لا شرعا أيضا، و لو أعطي من الزكاة يعطي من سهم سبيل اللّه إن انطبق عليه، دون سهم الفقراء لعدم الموضوع له كما هو المفروض.

الثاني: ما إذا تكاسل عن الحرفة في أوان حرفته و صار لذلك فقيرا و لا يقدر على الاحتراف فعلا كما إذا كان شغله منحصرا بالشتاء أو الصيف فلم يشتغل تكاسلا، فالظاهر صدق الفقير عليه حينئذ و يأتي في [مسألة 7] ما يرتبط بالمقام.

ص: 172


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.
مسألة 1: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته

مسألة 1): لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته، لكن عينه تكفيه، لا يجب عليه صرفها في مئونته (1)، بل يجوز له إبقاؤه للاتجار به و أخذ البقية من الزكاة و كذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤنته و لكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها و صرف

______________________________

(1) الأقسام أربعة:

الأول: ما إذا كان الربح كافيا لمؤنته و لا إشكال في عدم جواز أخذ الزكاة و جواز بقاء رأس المال له، بل قد يجب إن وقع مع صرف بعضه في خلاف عزته الإيمانية و شرفه.

الثاني: عدم كفاية رأس المال و الربح معا بالمؤنة، و لا إشكال في جواز أخذه من الزكاة و من سائر الصدقات، لكونه فقيرا بلا إشكال.

الثالث: كفاية الربح و رأس المال معا للمؤنة.

الرابع: كفاية رأس المال فقط لها، و مقتضى سيرة المتشرعة، بل العقلاء كون القسمين الأخيرين من الفقير الذي يجوز له أخذ الزكاة و سائر الصدقات، لأنّهم يهتمون بحفظ رأس المال اهتماما كثيرا، و لو وجدوا فيه خللا يرون ذلك نقصا و يتداركونه بأيّ وجه أمكنهم ذلك، و مقتضى سهولة الشريعة المقدسة، و سماحته و نهاية رأفته بأمته ذلك أيضا، و كذا الكلام في الدار و العقار، و الأثاث، و آلات الكسب و الصنعة و نحو ذلك و هو المشهور بين الفقهاء أيضا، و يدل عليه جملة من الأخبار.

منها: موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال (عليه السلام): نعم، إلا أن تكون داره دار غلة، فيخرج من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجاتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة فإن كانت غلتها تكفيهم فلا» (1).

ص: 173


1- الوسائل باب: 9 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

.....

______________________________

و منها: خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) أيضا: «رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف، و له عيال كثير، أ له أن يأخذ من الزكاة؟ فقال (عليه السلام): يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم، قال (عليه السلام):

كم يفضل؟ قال: لا أدري، قال (عليه السلام): إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت، فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة، قلت فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى قلت: كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقي منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضه على عيالهم حتى يلحقهم بالناس» (1) و لعل اعتبار زيادة النصف من القوت لأجل المصارف الاتفاقية غير المترقبة التي تكون مبتلى بها عامة الناس، و ربما يكون أزيد من النصف و لا تعدّ من مصارف القوت عرفا، و يمكن أن يراد بالزكاة عليه زكاة مال التجارة التي لا بأس بصرف بعضها في التوسعة للعيال و إيصال بعضها الآخر إلى غيرهم، فلا مخالفة في الحديث لشي ء من القواعد العامة المستفادة من الأدلة.

و منها: خبر إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه قال: «دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقا و هو رجل صدوق يدين اللّه بما تدين به فقال (عليه السلام): من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه؟!! فقال:

العباس بن وليد بن صبيح، فقال (عليه السلام): رحم اللّه الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد؟ قال جعلت فداك: له دار تسوى أربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال، أ له أن يأخذ من الزكاة؟ قال (عليه السلام): نعم، و قال: و له هذه العروض؟! فقال: يا أبا محمد فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزه و مسقط رأسه، أو يبيع خادمه الذي يقيه الحرّ و البرد و يصون وجهه و وجه عياله؟ أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته؟ بل يأخذ الزكاة فهي له حلال و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله» (2)و ظهور مثل هذه الأخبار في الاحتفاظ بما يحتاج إليه و عدم صرفه في المؤنة مما

ص: 174


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

العوض في المؤنة، بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقيمة المؤنة (1).

مسألة 2: يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة

(مسألة 2): يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة (2) فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة و كذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه مئونة سنته، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها أو التاجر الذي لا

______________________________

لا ينكر، فكل ما يحتاج إليه الشخص بحسب شأنه سواء كان ذلك رأس المال أم غيره يستثنى و يلاحظ الفقر بعده، فإن كان فقيرا بعد استثناء ما يحتاج إليه يعطى من الزكاة تماما، أو إتماما، و إلا فلا.

(1) لما مرّ من الأخبار الشاملة لجميع ذلك كله.

(2) على المشهور المدعي عليه الإجماع. و استدل عليه- مضافا إلى الإطلاقات، و سهولة الشريعة، و كثرة الاهتمام بشأن فقراء الأمة- بجملة من النصوص:

منها: موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا أعطيت فأغنه» (1).

و خبر ابن بشار عن أبي الحسن (عليه السلام): «ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال (عليه السلام): يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثمَّ قال و عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه تعالى، و الفاجر في معصية اللّه تعالى» (2).

و في خبر ابن غزوان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ قال (عليه السلام): أعطه من الزكاة حتى تغنيه»(3).

و في صحيح أبي بصير: «فليعطه ما يأكل و يشرب، و يكتسي، و يتزوج و يتصدّق، و يحج» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 175


1- الوسائل باب: 24 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

يفي ربح تجارته بمؤنة سنته و لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمة، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين بل يجوز جعله غنيا عرفيا (1).

______________________________

و نوقش في الجميع: أما الإجماع، فلعدم ثبوته، و على فرضه فمدركه الأخبار، فلا وجه لعدّه دليلا مستقلا.

و أما الإطلاقات، فليست في مقام البيان من هذه الجهة (و فيه): أنّ ظاهر الإطلاق أن يكون في مقام البيان مطلقا إلا مع القرينة على الخلاف.

و أما نصوص الإغناء، فلصحة دعوى: أنّ المراد الإغناء الشرعي. (و فيه):

أنّ المنساق من الغنى في المحاورات الغنى العرفي إلا مع القرينة على الخلاف و لا قرينة كذلك في المقام. نعم، للغنى العرفي مراتب متفاوتة يشكل شمول الإطلاق لبعض مراتبه، فالمرجع حينئذ أصالة عدم الولاية و عدم فراغ الذمة.

و أما خبر بشار فهو في مقام بيان حكم آخر. (و فيه) أنه خلاف ظاهر إطلاق صدره، و ذيله علة للحكم المطلق في الصدر.

و أما صحيح أبي بصير يمكن أن يكون من سهم سبيل اللّه لا الفقراء (و فيه) أنّه خلاف إطلاقه.

و أما مرسل ابن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في حديث- «إنّ الناس إنّما يعطون من السنة إلى السنة، فللرجل أن يأخذ ما يكفيه و يكفي عياله من السنة إلى السنة» (1)، فمضافا إلى قصور سنده يمكن حمله على مطلق الأفضلية، لأنّ التنزه عن الصدقات في غير الضروريات راجح مطلقا و هذه قرينة محفوفة بالأخبار و كلمات الفقهاء، فيسقط ظهورها في الحرمة لو فرض ظهورها فيها.

(1) لما تقدم من الأدلة، و لكن تقدم أنّ للغنى العرفي مراتب متفاوتة يشكل شمول الأدلة لبعض مراتبها خصوصا مع وجود المستحقين و كثرتهم. و أما خبر ابن حمزة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيمن له بضاعة و له عيال: «فلينظر ما يفضل

ص: 176


1- الوسائل باب: 24 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 9.

و إن كان الأحوط الاقتصار (1). نعم، لو أعطاه دفعات لا يجوز- بعد أن حصل عنده مئونة السنة- أن يعطى شيئا و لو قليلا ما دام كذلك (2).

مسألة 3: دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله- و لو لعزّة و شرفه- لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها

(مسألة 3): دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله- و لو لعزّة و شرفه- لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها (3)، بل و لو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها، و كذا الثياب و الألبسة الصيفية و الشتوية السفرية و الحضرية و لو كانت للتجمل، و أثاث البيت، من الفرش، و الظروف و سائر ما يحتاج إليه، فلا يجب بيعها في المؤنة (4)، بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها (5). و كذا يجوز أخذها لشراء الدار، و الخادم، و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها، مع الحاجة إليها. نعم،

______________________________

منها، فيأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» (1)و في صحيح ابن وهب: «بل ينظر إلى فضلها، فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها»(2) فلا ظهور لهما في عدم جواز أخذ الأزيد عن مئونة السنة و إن لم يخل عن الإشعار به و يمكن حملها على مطلق المرجوحية بقرينة ما مرّ من الأخبار.

(1) لاحتمال أن يكون المراد من الغنى الشرعي منه فقط خصوصا في بعض مراتب الغنى سيّما مع كثرة ذوي الحاجات.

(2) لخروجه عن الفقر بذلك، فلا يبقى موضوع للزكاة أخذا و إعطاء.

(3) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها، كخبر أبي بصير و غيره.

(4) إجماعا، و نصّا تقدم بعضها في الأخبار السابقة فراجع.

(5) لكونه محتاجا. و فقيرا بالنسبة إليها، فيشمله إطلاق ما دل على أنّ الزكاة للفقراء و ذوي الحاجات، و كذا الكلام فيما بعده مع الحاجة و الفقر بالنسبة إليها.

ص: 177


1- الوسائل باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته- بحسب حاله- وجب صرفه في المؤنة (1)، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته، و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته، وجب بيعه (2)، بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة، فالأحوط بيعها و شراء الأدون و كذا في العبد، و الجارية، و الفرس (3).

مسألة 4: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه

(مسألة 4): إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش الغير اللائقين بحاله، يجوز له أخذ الزكاة. و كذا إذا كان عسرا و مشقة- من جهة كبر أو مرض، أو ضعف- فلا يجب عليه التكسب حينئذ (4).

مسألة 5: إذا كان صاحب حرفة و صنعة

(مسألة 5): إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها، من جهة فقد الآلات، أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة (5).

______________________________

(1) يعني: لا يجوز إعطاؤها له، لأنّه ليس بفقير، و أما وجوب البيع فلا دليل عليه و مقتضى الأصل عدمه إلا إذا عرض عنوان خارجيّ يوجبه.

(2) لا يجوز له أخذ الزكاة، و أما وجوب البيع، فلا دليل عليه، بل الأصل ينفيه إلا لسبب خارجيّ يوجبه.

(3) مقتضى إطلاق ما تقدم من خبر أبي بصير، و إطلاق الكلمات عدم وجوب هذا الاحتياط إلا إذا كانت الزيادة خلاف المتعارف النوعي بالنسبة إليه، أو يعد من الإسراف عند المتشرعة.

(4) للأصل، و ظهور الإجماع، و إطلاق ما تقدم من مثل خبر أبي بصير و سهولة الشريعة و رأفته بأمته.

(5) لأنّه فقير و محتاج فعلا، فتشمله أدلة تشريع الزكاة للفقراء و ذوي الحاجات، و لكن الأفضل أن يؤخذ له آلات الكسب من سهم سبيل اللّه و يشتغل بالحرفة إن أمكن.

ص: 178

مسألة 6: إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة

(مسألة 6): إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة (1)، ففي وجوب التعلّم، و حرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال. و الأحوط التعلم، و ترك الأخذ بعده. نعم، ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها (2).

مسألة 7: من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في مقدار يوم أو أسبوع مثلا

(مسألة 7): من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في مقدار يوم أو أسبوع مثلا، و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و بقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد جواز أخذه (3) و إن

______________________________

(1) التمكن من إمرار المعاش تارة سهل يسير عرفا من دون مشقة عرفية و لا تسبيب أسباب خاصة، فلا يجوز أخذ الزكاة حينئذ، لعدم صدق الفقير عليه، بل يلام عند العرف إن تناول من الصدقات. و أخرى: يتوقف على تسبيب أسباب بعيدة و تحمل مشقات كثيرة و الظاهر جواز أخذها له، لأنّه فقير فعلا، فتشمله الأدلة قهرا.

و ثالثة يشك في أنّه من أيّهما، و مقتضى الأصل عدم تفريغ ذمة المالك بإعطائها له إن لم يكن أصل موضوعيّ في البين، و يأتي التعرض له في المتن، هذا.

و أما البحث عن وجوب التعلم و عدمه، فلا ربط له بالمقام، بل لا بد و أن يبحث عنه في بحث أقسام التكسب من المكاسب، و أحكام النفقات من كتاب النكاح، و مقتضى الأصل في المقام عدم الوجوب و لو تعنون عنوان آخر عليه يمكن أن يصير واجبا بذاك العنوان.

(2) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف طول المدة و قصرها، و إمكان إمرار المعاش بنحو آخر و عدمه، و المناط التمكن العرفي من إمرار المعاش و عدمه، فلا يجوز الأخذ في الأول بخلاف الثاني و مع الشك فمقتضى الأصل عدم فراغ ذمة المالك إن لم يكن أصل موضوعيّ في البين كما مرّ و يأتي، و هل يشمل التمكن القدرة على الاستدانة مع القدرة على الأداء بعد الفراغ عن التعلم؟ الظاهر ذلك مع قصر مدة التعلم.

(3) إذ يصدق عليه أنّه محتاج و لا يقدر أن يكف نفسه.

ص: 179

قلنا إنّه عاص بالترك (1) في ذلك اليوم أو الأسبوع، لصدق الفقير عليه حينئذ.

مسألة 8: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة

(مسألة 8): لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة، إذا كان مما يجب تعلّمه عينا أو كفاية، و كذا إذا كان مما يستحب تعلمه، كالتفقه في الدّين اجتهادا أو تقليدا (2). و إن كان مما لا يجب و لا يستحب- كالفلسفة، و النجوم، و الرياضيات، و العروض، و العلوم الأدبية لمن لا يريد التفقه في الدّين- فلا يجوز أخذه (3).

______________________________

(1) إن كان تركه للتكسب لأجل تفويت حق الفقراء و التضييق عليهم و نحو ذلك من الأغراض الفاسدة الموصلة إلى الحرام، فللعصيان وجه، و إلا فلا يعلم وجه صحيح له، بل مقتضى الأصل عدمه.

(2) لأنّ المراد بالقدرة على التكسب المانعة عن أخذ الزكاة ما إذا لم يكن صرفها في غيره أهم عند الشارع و لا ريب في أنّ القدرة فيما ذكر أهمّ شرعا، مع جريان السيرة على ارتزاق محصلي العلوم الدّينية من الزكاة و نحوها، و كذا غيرهم ممن تصرف قدرته في الإرشاد، و الوعظ، و إمامة الجماعة و نحوها من الأمور الحسبية التي تحتاج إليها الأمة.

(3) لإطلاق قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف، و لا لذي مرّة سويّ» (1). نعم، لو فرض ترتب فرض راجح شرعيّ عليه يجوز له الأخذ حينئذ. و يأتي في [مسألة 38] من الختام ما ينفع المقام. ثمَّ إنّ المشتغل بالعلوم الدينية تارة: يشتغل بها خالصا للّه تعالى و لا ريب في جواز أخذه منها بل هو أهمّ مصارفها و أفضلها. و أخرى: يشك في قصده. و ثالثة: يكون قصده لمجرّد تكميل النفس فقط. و رابعة: يكون لمجرّد إمرار المعاش فقط، و تحصيل وسيلة له. و خامسة: لأجل

ص: 180


1- تقدم في صفحة: 172.
مسألة 9: لو شك في أنّ ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا

(مسألة 9): لو شك في أنّ ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع سبق العدم و حدوث ما يشك في كفايته يجوز، عملا بالأصل في الصورتين (1).

مسألة 10: المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به

(مسألة 10): المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به (2) و إن جهل الأمران، فمع سبق فقره يعطى من غير يمين (3)، و مع سبق الغني، أو الجهل بالحالة السابقة، فالأحوط عدم الإعطاء (4)، إلا مع الظن

______________________________

المجادلة، و المماراة، و الرياء، و يجوز الأخذ في غير الأخير، لأنّ الاهتمام بحفظ الصورة يكون كالاهتمام بالواقع، بل قد يكون أشدّ منه. و أما الأخير، فيأتي حكمه في [مسألة 35] من الختام.

(1) بلا فرق في الصورة الأولى بين كون منشأ الشك تلف بعض ما عنده و تجديد مئونة له، أو زيادة عيال عليه أو نحو ذلك، كما لا فرق في الصورة الأخيرة بين كونه منشأه حدوث ملك له، أو قلة عيال، أو نحو ذلك. هذا مع إحراز الحالة. و أما مع عدم إحرازها، فلا بد من التفحص للمعطي و الآخذ حتى يتبيّن الحال، و مع استقرار الشك و عدم تبين الحال، فمقتضى قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى المعطي عدم فراغ ذمته بالإعطاء، كما أنّ مقتضى الشك في الشرط و هو الفقر عدم جواز الأخذ أيضا.

(2) سواء كانت المعرفة بالعلم الوجداني، أم الاطمئنان المعتبر، أم البينة الشرعية، أم القرائن المعتبرة.

(3) للاستصحاب الذي يكون معتبرا شرعا، بل و عرفا أيضا، و معه لا وجه لليمين إلا إذا كان تخاصم في البين.

(4) المشهور بين الأصحاب تصديق دعوى الفقر بلا بينة و لا يمين و عن المحقق، و العلامة أنّه موضع الوفاق، للسيرة القطعية خلفا عن سلف على قبول قول الشخص فيما لا يقبل إلا من قبله- كالغنى، و الفقر، و الصحة، و المرض، و نحوها- و عدم ورود ردع عن هذه السيرة في خبر من الأخبار، مع عموم الابتلاء في جميع

ص: 181

.....

______________________________

الأزمان و الأمصار، مضافا إلى عسر إقامة البينة خصوصا بالنسبة إلى النفوس الآبية الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، و لأنّ التكليف بإقامة البينة نحو إذلال للمسلم، و هو مما لا يرضى به الشارع الأقدس، و لأصالتي عدم المال، و الصحة في المقام، و بما ورد فيما يهدى، أو ينذر للكعبة من أنّه ينادى على الحجر: «ألا من قصرت به نفقته أو قطع به، أو نفذ طعامه فليأت فلان ابن فلان فيعطى الأول، فالأول حتى ينفذ» (1).

و بما ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن العرزمي: «قال (عليه السلام): جاء رجل إلى الحسن (عليه السلام) و الحسين (عليه السلام)- و هما جالسان على الصفا- فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلا في دين موجع، أو غرم مفضع، أو فقر مدقع ففيك شي ء من هذا قال: نعم، فأعطياه» (2).

و في خبر ابن جذاعة قال: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّه فقال له: يا أبا عبد اللّه قرض إلى ميسرة، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): إلى غلة تدرك؟ قال: لا و اللّه قال: فإلى تجارة تؤب؟ قال: لا و اللّه، قال: فإلى عقدة تباع؟ فقال: لا و اللّه، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): فأنت ممن جعل اللّه له في أموالنا حقا، فدعا بكيس في دراهم» (3) إلى غير ذلك مما تصلح للشهادة و التأييد.

و يمكن الخدشة في الجميع: أما السيرة فلأنّ المتيقن منها صورة حصول الوثوق و الاطمئنان بالصدق و سائر الأدلة منزلة على هذه الصورة أيضا، و يمكن أن تكون هذه الصورة مراد المشهور- خصوصا مع كثرة المدعين للفقر و عدم المبالاة بمطابقة الدعوى للواقع في بعضهم سيّما بعد ما ورد من أنّه «لو لا كذب الفقراء لهلك الأغنياء» ففي كل مورد حصل الوثوق بالصدق يجزي و لا يجب التفحص بعده.

ثمَّ إنّ المحقق (رحمه اللّه) في كتاب القضاء من الشرائع قال: «إنّ مدّعي

ص: 182


1- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.

بالصدق. خصوصا في الصورة الأولى (1).

مسألة 11: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة

(مسألة 11): لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيا أو ميتا (2) لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه، و إلا لا

______________________________

تبديل النصاب يقبل قوله بلا يمين» و ذكر في الجواهر عن المسالك: موارد تقرب من عشرين مما يقبل القول فيها بلا يمين و يأتي- إن شاء اللّه- في كتاب القضاء تفصيل ذلك كله.

(1) المدار على حصول الاطمئنان العرفي، و لعله المراد بما نسب إلى المشهور من كفاية الظن بالصدق كما مرّ.

(2) على المشهور الذي لا يظهر فيه خلاف عن أحد، و تدل عليه جملة من النصوص:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «القرض الواحد بثمانية عشر. و إن مات احتسب بها من الزكاة» (1).

و منها: قوله (عليه السلام): «القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسب بها من الزكاة» (2)إلى غير ذلك من الأخبار.

فروع- (الأول): ظاهر الأخبار أنّ هذا القسم من إعطاء الزكاة أفضل من غيره يدرك ثواب القرض به أيضا.

(الثاني): لا فرق فيه بينما إذا علم المقرض بأنّه يحتسب من الزكاة أم لا لإطلاق بعض الأخبار، و ظاهر بعضها الآخر- كما تقدم- و كذا لا فرق بين علم المقترض و عدمه. و الإشكال بأنّه مع علمه بالاحتساب لا تشتغل ذمته حتى يتحقق موضوع الاحتساب (مدفوع) بأنّ العلم بفراغ الذمة بعد ذلك لا ينافي ثبوت الاشتغال الفعلي، و هذه حيلة شرعية موجبة لزيادة الثواب في إعطاء الزكاة قبل وقتها.

ص: 183


1- الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8.

.....

______________________________

(الثالث): لو أعطى الفقير بعنوان الزكاة قبل وقت وجوبها، فإن بقيت العين إلى وقت الوجوب تصح الزكاة حينئذ، و إن تلفت العين فالظاهر اشتغال ذمة الآخذ لو لم يكن غرور في البين، فيصح الاحتساب أيضا هذا بناء على عدم جواز التقديم على وقت الوجوب كما هو المشهور. و أما بناء على الجواز كما عن بعض فلا إشكال فيه.

(الرابع): لا فرق بين أقسام الديون من القرض- كما هو مورد الأخبار- أو غيره، لظهور عدم الخلاف.

(الخامس): هل يجري ذلك في الخمس، و السهم المبارك، و سائر الصدقات و الكفارات واجبة أو مندوبة، لأنّ المناط كلّه فيها رفع الحاجة، و سدّ الخلة و هو يتحقق بذلك أيضا أو لا، جمودا على مورد النص؟ وجهان، بل قولان أقواهما الأول و أحوطهما الثاني، و طريق الاحتياط أن يأخذ من الطرف ثمَّ يدفعه إليه إن لم يكن محذور في البين من إهانة، أو امتنان، أو نحوهما.

(السادس): لو كان المقترض غنيا حين الاقتراض و صار فقيرا حين الاحتساب يصح الاحتساب بخلاف العكس.

(السابع): المتيقن من الأدلة إنّما هو الدّين الثابت باعتراف كل من المقرض و المقترض. و أما لو ثبت باعتراف أحدهما دون الآخر يشكل الاحتساب حينئذ. و يأتي في المسائل الآتية بعض ما يرتبط بالمقام.

(الثامن): لو دفع المالك زكاته إلى شخص باعتقاد فقره و الآخذ كان غنيا و أخذها و دفعها إلى الحاكم الشرعي، أو إلى فقير فهل تبرأ ذمة المالك؟ و هل يجوز للآخذ العالم بالحال مثل هذا الأخذ و الإعطاء أو لا؟ مقتضى إطلاق خبر ابن جابر هو الجواز قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أ يحلّ للرجل أن يأخذ الزكاة و هو لا يحتاج، فيتصدّق بها قال: نعم، و قال في الفطرة مثل ذلك» (1).

(التاسع): يجوز جعل الزكاة في المصارف المتعارفة- مع الاطمئنان الشرعي-

ص: 184


1- الوسائل باب: 35 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.

يجوز (1). نعم، لو كان له تركة، لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة أو غيرهم- فالظاهر الجواز (2).

______________________________

و إحالة الفقراء إليها و لا بد من استمرار النية و لو إجمالا إلى حين أخذ الفقير، كما يجوز لوليّ الأمر وضعها في المصارف مع اقتضاء المصلحة لذلك، و صرف منافعها المحللة في مصارف فقراء المسلمين، و كذا سائر الحقوق، و كذا يجوز له الإتجار بها إن رأى المصلحة في ذلك.

(1) لعدم تحقق الفقر الذي هو موضوع الجواز، و في خبر زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه، و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال (عليه السلام): إن كان أبوه أورثه مالا ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته. و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» (1).

فما عن جمع من الجواز مطلقا تمسكا ببعض الإطلاقات لا وجه له مع وجود هذا الخبر، و الظاهر عدم الفرق بين قضاء دين الميت الذي هو مورد الخبر، أو الاحتساب عليه الذي هو مورد البحث، لحكم العرف بالتسوية بينهما من هذه الجهة.

(2) استدل على الجواز بجملة من الإطلاقات، كصحيح ابن الحجاج قال:

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل عارف فاضل توفي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضي عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: نعم»(2). و نحوه غيره.

و فيه: أنّ ما تقدم من خبر زرارة يصلح لتقييده، فلا وجه للأخذ بإطلاق مثله معه إلا أن يقال: إنّ المراد بخبر زرارة عدم إمكان أداء دين الميت سواء كان ذلك

ص: 185


1- الوسائل باب: 18 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
مسألة 12: لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة

(مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة (1) بل لو كان

______________________________

لعدم تركة له أصلا، أم لوجود مانع عن الأداء- و لو مع وجود التركة- كظلم ظالم أو نحوه و على أيّ حال لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي لعله أمكنه إجبارهم على الأداء أو الاستيفاء بطريق آخر.

(1) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و صحيح أبي بصير قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة و لا أسمي له أنّها من الزكاة؟ فقال (عليه السلام): أعطه و لا تسم و لا تذل المؤمن» (1)، مع أنّ تشريع الصدقات إنّما هو لرفع حوائج ذوي الحاجات، و ذلك لا يتوقف على قصدهم لذلك، بل يحصل و لو مع عدم قصدهم، أو قصدهم للعدم.

نعم، لا بد من قصد المعطي للزكاة للقربة.

و بالجملة: القبول في المجانيات و الصّدقات ليس كالقبول في المعاوضات حتى يتوقف على قصد عنوان خاص، بل هو كالتسبب إلى رفع الحاجة القائم بنفس المعطي فقط، كما يأتي، فيكون الرد مانعا عن تحققها لا أن يكون القبض بالعنوان الخاص شرطا له فيتحقق بالاحتساب و الصرف على الفقير و الدس في ماله، و الهدية، و الإعطاء بنحو السوقات (هدية المسافر) و نحو ذلك. نعم، الأولى و الأفضل أن يذكر ذلك و يقبل الفقير بعنوان الزكاة و يدعو للمالك، لأنّ ذلك كلّه من آداب هذه النعمة التي جعلها اللّه تعالى للفقراء، و ذوي الحاجات.

و أما خبر ابن مسلم: «الرجل يكون محتاجا فيبعث إليه بالصدقة، فلا يأخذها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك زمام [مراعاة للحرمة] و استحياء و انقباض فتعطيها إيّاه على غير ذلك من وجه، و هي منا صدقة؟ فقال (عليه السلام): لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه. و ما ينبغي له أن يستحي مما فرض اللّه عزّ و جل، إنّما هي فريضة اللّه له، فلا يستحي منها» (2).

ص: 186


1- الوسائل باب: 58 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2 و باب: 57 منها حديث: 1.

ممن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحق يستحب دفعها إليه على وجه الصلة ظاهرا و الزكاة واقعا (1)، بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز (2) إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر (3) غير الزكاة، بل قصد مجرّد التملك.

مسألة 13: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر، فبان كون القابض غنيا

(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر، فبان كون القابض غنيا فإن كانت العين باقية ارتجعها (4)، و كذا مع تلفها إذا كان القابض عالما بكونها

______________________________

فيمكن حمله على ضرب من الرجحان، أو حمله على بعض مراتب الاستيحاء الموجب للاستخفاف و المهانة بفريضة اللّه تعالى كما هو دأب بعض المتكبّرين في كلّ عصر و زمان.

(1) لأنّه نوع من توقير المؤمن و إجلاله الراجح شرعا و عرفا.

(2) إن كانت المصلحة من المصالح الملزمة، فلا إشكال فيه، و كذا إن كانت من مطلق المصلحة مع كون حرمة الكذب بالوجوه و الاعتبار لا الحرمة الذاتية، لزوال الحرمة الاعتبارية بمطلق المصلحة الراجحة، و أما إن كانت حرمة الكذب ذاتية، كما هو المنساق من ظواهر الأدلة، فكفاية مطلق المصلحة لرفع مثل هذه الحرمة ممنوعة إلا أن يقال: إنّ حفظ شأن المؤمن و عدم إذلاله من أهمّ المصالح الملزمة مطلقا و هو كذلك بالنسبة إلى بعض مراتب الإيمان، و بعض الإعفاف الذين لا يشكون حاجاتهم إلا إلى اللّه تعالى و لا يطلع على سرائرهم غيره تعالى.

(3) المدار في فراغ الذمة قصد الدافع و لا اعتبار بقصد القابض، للأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق فلا يضرّ أن يقصد الخلاف، فكيف بعدم قصد الزكاة.

(4) لبقائها على ملك المالك، و عدم تحقق الانتقال إلى القابض، لفقد شرطه و هو الفقر، و لو توقف أداء الزكاة على الارتجاع من الآخذ وجب ذلك مقدمة هذا إذا كان الإعطاء بعنوان خصوص الزكاة الواجبة. و أما لو كان بعنوان مطلق التصدق فلا يصح الرجوع، لعدم جواز الرجوع في الصدقة بعد القبض مطلقا. و إن تردد الدافع في أنّه قصد خصوص الزكاة الواجبة حتى يصح له الرجوع أو الصدقة المندوبة حتى

ص: 187

زكاة، و إن كان جاهلا بحرمتها للغني (1) بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة فإنّه لا ضمان عليه (2)، و لو تعذر الارتجاع، أو تلفت بلا ضمان أو معه و لم يتمكن الدافع من أخذ العوض، كان ضامنا فعليه الزكاة مرّة أخرى (3).

نعم، لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه، لا ضمان عليه، و لا على المالك

______________________________

لا يصح، فمقتضى أصالة عدم الانتقال إلى القابض، و قاعدة اليد صحة الرجوع إلا إذا تحقق غرور في البين، فلا وجه لما نسب إلى المعتبر من القطع بعدم جواز الرجوع مطلقا معللا بأنّه صدقة مندوبة.

(1) أما جواز الرجوع، فلأصالة عدم الانتقال، و لقاعدة اليد، و أما عدم كون الجهل بالحرمة مانعا، فلأنّ الجهل بالحكم التكليفيّ لا يمنع عن الحكم الوضعيّ الذي هو الضمان. نعم، لا إثم عليه مع القصور.

(2) إن كان مغرورا يرجع إلى من غره، لقاعدة «أنّ المغرور يرجع إلى من غره» التي هي من القواعد النظامية المقررة نصّا، و إجماعا- كما سيأتي في كتاب البيع- و إلا يكون ضامنا، لقاعدة اليد.

(3) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة أنّ المشروط ينتفي بانتفاء الشرط بعد كون الفقر من الشرائط الواقعية، و لخبر ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا. قال (عليه السلام): لا يجزي عنه» (1).

و أما صحيح عبيد عن الصادق (عليه السلام): «قلت له: رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال (عليه السلام): نعم، قلت: فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنّها عليه فعلم بعد ذلك؟ فقال: يؤديها إلى أهلها لما مضى. قال: قلت له: فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل، قد كان طلب و اجتهد ثمَّ علم بعد ذلك سوء ما

ص: 188


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.

الدافع إليه (1).

مسألة 14: لو دفع الزكاة إلى غنيّ، جاهلا بحرمتها عليه، أو متعمّدا

(مسألة 14): لو دفع الزكاة إلى غنيّ، جاهلا بحرمتها عليه، أو متعمّدا، استرجعها مع البقاء، أو عوضها مع التلف و علم القابض (2). و مع

______________________________

صنع؟ قال (عليه السلام): ليس عليه أن يؤديها مرّة أخرى» (1).

و قريب منه صحيح زرارة (2). فلا ربط له بالمقام، لأنّه فيما إذا تفحص و اجتهد و علم بأنّ الآخذ ليس بأهل الزكاة فأداها إلى غير الأهل عن علم و عمد، فأسقط منه الإمام (عليه السلام) لمصلحة خاصة، فهي قضية في واقعة مخصوصة لا تجري في المقام الذي اعتقد الدافع أهلية الآخذ ثمَّ بان الخلاف، و لا وجه لدعوى الأولوية بأن يقال: بأنّه إذا كان في مورد العلم بعدم الأهلية مجزيا يكون في صورة اعتقاد الأهلية مجزيا بالأولى، و ذلك لأنّ حكمه (عليه السلام) بالإجزاء هنا قضية شخصية لعلة مخصوصة، فأسقط وليّ الزكاة عن الدافع دفعها ثانيا لأجل تلك العلة، و ليس حكما كليا حتى يثبت في جميع الموارد بالتساوي أو الأولوية، فهو كما إذا أسقط وليّ الزكاة زكاة شخص ابتداء لمصلحة تقتضيه، فلا بد و أن يقتصر على مورده فقط، لأنّه كالنص الخاص الذي يخصص و يقيد به كل عام و مطلق.

(1) أما عدم ضمان المالك، فلأنّه دفع المال إلى وليّ الفقراء، فكأنّه وقع في موقعه، و صرف في مصرفه. و أما الحاكم الشرعيّ، فلمنافاة الضمان لمنصب الحكومة و الولاية، لأنّه أمين و لا معنى لتضمين الأمين، مع أنّ خطأه في الموضوعات يكون في بيت المال و لا وجه لضمان مال الفقراء بما لهم، و تضمين الأموال المعدّة للمصالح العامة بنفس تلك الأموال هذا إذا لم يكن تقصير في البين، و إلا فيضمن المقصّر مطلقا في ماله لا من بيت المال، لقاعدة اليد من غير دليل على الخلاف.

(2) كل ذلك لقاعدة اليد إلا مع تحقق الغرور من الدافع، فلا يرجع إلى المغرور.

ص: 189


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

عدم الإمكان يكون عليه مرّة أخرى (1)، و لا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها (2)، و كذا في المسألة السابقة. و كذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة، أو ممن تجب نفقته عليه، أو هاشميّ إذا كان الدافع من غير قبيلة (3).

______________________________

(1) لما تقدم في المسألة السابقة من الأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(2) لقاعدة الاشتغال، و إطلاق أدلّة اعتبار الشرائط في مصرف الزكاة فتشمل تلك الإطلاقات المعزولة و غيرها. نعم، لو دل دليل على أنّ المعزولة كالمصروفة في المصرف الواقعي، و كإيصال الزكاة إلى أهلها من كل حيثية و جهة تفترق المعزولة عن غيرها حينئذ، و لكن لا دليل كذلك في البين و غاية ما يستفاد من تشريع العزل أنّ للمالك ولاية إفراز حق الفقراء و هذا أعمّ من كون العزل كالإيصال إلى المستجمع للشرائط واقعا كما هو واضح. و قد تقدم الضمان في المعزولة إن تلفت مع التعدّي و التفريط لا بدونه، و حينئذ فإن قامت حجة معتبرة على الفقر و دفع معتمدا عليها فلا يضمن مع عدم إمكان الارتجاع، لعدم التعدّي و التفريط و إلا فيضمن كما هو واضح.

(3) كل ذلك، لأنّ الشرائط المعتبرة في مصرف الزكاة واقعية، و معنى الشرطية الواقعية عدم الإجزاء عند انكشاف الخلاف كما ثبت في محله إلا أن يدل دليل آخر على الإجزاء و هو مفقود.

و لكن نسب إلى المشهور الإجزاء، لإجماع المختلف، و لقاعدة الإجزاء، و ما تقدم من صحيح عبيد (1)، و لأنّ الشرط الإحرازي الظاهري موضوع للحكم الواقعيّ.

و الكل مردود- أما الأول: فلعدم الاعتماد عليه، مع كثرة المخالف.

و أما الثاني: فقد ثبت في محله عدم الإجزاء مع تبين الخلاف.

ص: 190


1- تقدم في صفحة: 188 و ما بعدها.
مسألة 15: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا

(مسألة 15): إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا، أو باعتقاد أنّه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمرا أو نحو ذلك صح و أجزأ (1).

إذا لم يكن على وجه التقييد (2) بل كان من باب الاشتباه في التطبيق.

______________________________

و أما الثالث: فتقدم الإشكال فيه.

و أما الأخير: فقد ثبت في محله أنّ الأصل في الشروط مطلقا أن تكون واقعية و يكون العلم و الإحراز طريقا إليها، لا أن يكون لها موضوعية خاصة. فراجع ما كتبناه في (تهذيب الأصول).

فرع: مقتضى الإطلاقات- الدالة على اعتبار الفقر، و قاعدة الاشتغال- عدم الفرق في الضمان عند تبين الخلاف بين ما إذا تفحص المالك عن الفقر و قطع به و بين ما إذا لم يتفحص و حصل له الاعتقاد بالفقر.

و لكن نسب إلى المشهور عدم الضمان مع التفحص، لأنّ التضمين مناف لما دل على عدم ضمان الأمين، و لبناء الشريعة على السهولة.

(و فيه) أنّ سهولة الشريعة لا توجب تضييع حق الفقراء، و ليس ذلك من السهولة في شي ء. و عدم ضمان الأمين صحيح لا إشكال فيه إذا كان في البين إطلاق يدل على أمانته مطلقا و من كل جهة، و أما إن كانت أمانته و ولايته في الجملة، أو شك في مقدار أمانته و ولايته، فمقتضى القاعدة الضمان إلا فيما دل الدليل على عدمه.

(1) لوجود المقتضي و هو تحقق الشرط واقعا و عدم المانع، فلا بد من الإجزاء لا محالة. و اعتقاد وجود صفة خاصة فيه ثمَّ تبين الخلاف لا أثر له في تحقق الامتثال لأنّ المفروض أنّه لا دخل للصفة في الأمر و المأمور به أصلا، فيكون من قبيل تخلف الدّاعي الذي لا يضرّ بشي ء مطلقا.

(2) لا يضرّ قصد التقييد إذا حصل معه قصد إيتاء الزكاة متقربا إلى اللّه تعالى. نعم، لو كان قصد التقييد بحيث ينافي قصد إيتاء الزكاة لو التفت يضرّ حينئذ من حيث فقد قصد الامتثال لا من حيث التقييد فلا أثر للتقييد في نظائر المقام.

ص: 191

و لا يجوز استرجاعه حينئذ و إن كانت العين باقية (1). و أما إذا كان على وجه التقييد فيجوز (2). كما يجوز نيّتها مجدّدا، مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامنا، بأن كان عالما باشتباه الدافع و تقييده.

الثالث: العاملون عليها

الثالث: العاملون عليها (3)، و هم المنصوبون من قبل الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام (4)، لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها و إيصالها إليه أو إلى الفقراء، على حسب إذنه (5)، فإنّ العامل يستحق منها

______________________________

(1) لأنّه حينئذ من الصدقة الصحيحة و قد تملكها الآخذ بالقبض و لا يصح الرجوع في الصدقة بعد القبض كما يأتي.

(2) تقدم أنّ قصد التقييد لا يوجب الفساد إلا إذا رجع إلى عدم قصد الامتثال لو التفت، فيجوز الرجوع حينئذ مع بقاء العين، كما يجوز تجديد النية مع تحقق الشرائط، و مع التلف يضمن إلا مع الغرور و قد تقدم الوجه في ذلك كله.

(3) للكتاب المبين و المتواترة من نصوص المعصومين- كما يأتي- و إجماع المسلمين.

(4) الأول هو الذي جعله لخصوص جباية الزكاة- مثلا- و الثاني من جعله لمصالح المسلمين التي منها جباية الزكاة. و للخصوص و العموم مراتب كثيرة تدور مدار كيفية الجعل و سعة الولاية و ضيقها.

(5) العامل على شي ء من المعاني المبينة المتعارفة لدى الناس، فكل من صدق عليه عند العرف أنّه عامل على الزكاة يكون له سهما منها من غير اختصاص بعمل خاص و شأن مخصوص. و لعل ما في تفسير القمي من تفسير الْعامِلِينَ عَلَيْها: «هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها» (1) الظاهر في خروج المقسّم عن العاملين من باب الغالب في زمان قصور اليد، حيث إنّ المقسم كأحد من الفقراء و كان له من سهم الفقراء حينئذ، مع أنّ إرسال الخبر يمنع عن الاعتماد عليه في مقابل الإطلاقات المعتضدة بالفهم العرفي.

ص: 192


1- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 7.

سهما في مقابل عمله (1) و إن كان غنيا (2). و لا يلزم استيجاره من الأول، أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضا أن لا يعين له و يعطيه بعد

______________________________

(1) لأصالة احترام العمل التي هي من أهمّ الأصول النظامية العقلائية و لكن لا تخرج عن عنوان الزكاتية بذلك، و لذلك لا يجوز للهاشمي.

(2) على المشهور المعتضد بالارتكاز العرفي، و قد أرسل الفقهاء قولهم: «إنّ الإمام مخيّر بين أن يقدر لهم جعالة مقدرة، أو أجرة عن مدّة مقررة» إرسال المسلّمات حيث إنّ مثل هذه العبارة ظاهرة في عدم اعتبار الفقر في العامل و أنّ المناط كله حيثية العمل فقط فقيرا كان أم لا، مضافا إلى أصالة الاحترام في العمل.

و لكن قد أشكل في المقام بأنّ ظاهر الآية يقتضي كون الجعل لأجل الفقر، مع أنّ الأصل في تشريع الزكاة إنّما هو للفقراء و رفع حاجاتهم و سدّ خللهم.

و فيه: أنّ الأول من مجرد الدعوى، و الأخير من الحكمة التي لا يجب الاطراد فيها، مع أنّه يصح ما لم يكن دليل على الخلاف، و الإطلاق و ظهور الاتفاق دليل على الخلاف، و يشهد له أيضا إطلاق صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام):

«قلت له: ما يعطى المصدق قال (عليه السلام): ما يرى الإمام، و لا يقدر له شي ء» (1) و سياقه شاهد على أنّه لا يعطى لأجل الفقر. و على هذا لو تلف تمام الزكاة بحيث لا يبقى منها شي ء يلزم الإمام أن يعطي العامل حقه، بخلاف ما إذا كان الإعطاء لأجل الفقر، فلا حق له حينئذ. و يمكن منع هذه الثمرة بأنّ المقدار المجعول له مقيد بكونه من خصوص الزكاة لو حصلت، و لو تلفت فلا شي ء له كما في عامل المضاربة حيث إنّه لا شي ء له لو لم يحصل الربح و لم يكن شرط في البين فعامل الزكاة كعامل المضاربة بلا فرق بينهما.

و ما يظهر من صاحب الجواهر من أنّ عامل الزكاة من فروع ولاية الإمام التي لا ينالها الظالمين دعوى بلا دليل.

ص: 193


1- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

ذلك ما يراه (1) و يشترط فيهم التكليف: بالبلوغ و العقل، و الإيمان (2)، بل العدالة (3)، و الحرية (4) أيضا على الأحوط (5). نعم، لا بأس بالمكاتب (6) و يشترط أيضا معرفة المسائل المتعلقة بعملهم اجتهادا أو تقليدا (7) و أن لا

______________________________

(1) لعموم ولايته المقتضية لصحة ذلك بالنسبة إليه.

(2) لا دليل لهم على اعتبار الثلاثة إلا الإجماع. و يمكن فرض صدور جملة من الأعمال الصحيحة من الصبيّ و المجنون مع المراقبة لهما. و أما احتمال أنّ المقام نحو من الولاية و هما قاصران عنها فلا دليل عليه، و على فرض صحته فمن يراقبهما يتصدّى لهذه الولاية.

(3) لدعوى الإجماع على اعتبارها و لعلهم أرادوا مطلق الوثاقة لا العدالة الاصطلاحية، لأنّ المناط كله على الوثوق و الاطمئنان، و يشهد له قول عليّ (عليه السلام) لمصدقه: «فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا، غير معنف بشي ء منها» (1) و إلا فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار العدالة بمعنى الصفة الخاصة، و المتيقن من إجماعهم على فرض اعتباره هو مطلق الوثوق.

(4) نسب ذلك إلى الشيخ (رحمه اللّه)، لأنّ العبد لا يملك (و فيه)- أولا: أنّه يملك كما ثبت في محله. و ثانيا: عدم ابتناء المقام عليه، و لذا ذهب جمع إلى عدم الاعتبار.

(5) جمودا على ظاهر الإجماع في العدالة، و خروجا عن خلاف الشيخ (رحمه اللّه) في اعتبار الحرية.

(6) لتشبثه بالحرية، فيملك و يخرج عن مورد كلام الشيخ حسب ما استدل به و إن كان مخدوشا، كما مرّ.

(7) المناط كله إحراز صحة عمله و معرفة المسائل طريق إلى إحراز الصحة و وجوبها طريقي لا أن يكون موضوعيا و شرطا في صحة العمل كما في سائر الموارد

ص: 194


1- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

يكونوا من بني هاشم (1). نعم، يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره (2).

كما يجوز عملهم تبرعا (3). و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الإمام (عليه السلام) في بعض الأقطار (4). نعم، يسقط

______________________________

مع إحراز صحة عمله يجزه و لو كان تاركا للاجتهاد و التقليد، و مع عدمه لا يجزي و لو كان من أحد الصنفين.

(1) للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» (1)، و يشهد له إطلاقات أدلة حرمة الزكاة على بني هاشم الشاملة لهذا السهم أيضا، و أصالة عدم فراغ ذمة المالك.

إن قيل: قد مرّ أنّه من قبيل أجرة العمل و لذا تحلّ للغنيّ فليكن الهاشمي أيضا كذلك.

(يقال) هو زكاة تصرف في مصلحة الزكاة، و الفارق بين الغنيّ و الهاشميّ النص، فيصير هذا الإشكال من الاجتهاد في مقابل النص.

(2) لإطلاق أدلّة الإجارة الشامل لكل ما فيه غرض صحيح شرعي الشامل للمقام و غيره. و أما جوازها من بيت المال فلأنّها معدّة للمصالح النوعية و المقام من إحداها.

(3) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(4) لإطلاق الأدلة و عدم ما يصلح للتقييد بزمان الحضور إلا اشتمال بعض الأخبار على لفظ الإمام (2). (و فيه): أنّ ذكره لأجل الولاية لا التقييد، فيصح عن

ص: 195


1- الوسائل باب: 29 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- راجع الوسائل روايات باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة.

بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و إيصالها إلى نائب الإمام، أو إلى الفقراء بنفسه (1).

الرابع: الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

الرابع: الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (2) من الكفار، الذين يراد من إعطائهم ألفتهم (3) و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار

______________________________

كل من له الولاية على جمع الزكاة في دولة، أو بلد، أو قرية، أو محلة، لأنّ لبسط اليد مراتب متفاوتة جدّا كمية و كيفية، و شدّة و ضعفا، مباشرة و تسبيبا، بأن يأذن لثقات المؤمنين بجبايتها مع الوثوق و الاطمئنان بهم.

(1) لأصالة عدم فراغ ذمة المالك إلا بما هو المنساق من الأدلة، و المنساق منها غير المالك. نعم، لو عينه الإمام أو نائبه لذلك فالظاهر شمول الإطلاق له أيضا.

(2) بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب ما تقدم (1) و من السنة المستفيضة:

منها: ما ورد في تفسير القمي عن العالم «الفقراء هم الذين لا يسألون- إلى أن قال:- و الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» (2) و غيره من الأخبار و من الإجماع ما عن الإمامية بل المسلمين.

(3) للتأليف عرض عريض جدّا فتارة: يكون بالنسبة إلى الدعوة إلى أصل الإسلام، و أخرى: بالنسبة إلى مذهب الحق، و كل منهما تارة: بالنسبة إلى الحدوث و أخرى: بالنسبة إلى الإبقاء و كل من الأربعة تارة: بالنسبة إلى أصل العقيدة القلبية و أخرى: بالنسبة إلى العمل بالأحكام الفرعية فهذه ثمانية أقسام و بضميمة استمالة الكفار إلى الجهاد حدوثا و بقاء تصير عشرة كاملة. و يمكن إرادة الجميع من إطلاق الآية المباركة. و ما يأتي من النصوص. و ما يظهر منه الاختصاص بالأخيرين من باب الأهم الغالب لا التقييد، و لكن لا ثمرة لنزاع التعميم أو التخصيص إلا بناء على وجوب البسط على الأقسام الثمانية و لا دليل عليه كما يأتي، و بناء على عدم وجوبه-

ص: 196


1- تقدم في صفحة: 169.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 7.

أو الدفاع (1). و من الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ الضعفاء العقول من المسلمين، لتقوية اعتقادهم أو لإمالتهم إلى المعاونة في الجهاد (2) أو الدفاع (3).

______________________________

كما هو الحق- يجوز إعطاء جميع تلك الأقسام من سهم سبيل اللّه، لأنّها لكل قربة على ما يأتي.

(1) يظهر من المبسوط، و الخلاف الإجماع على اعتبار الكفر في الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و لكنه موهون بظهور كلمات جمع، و تصريح الآخرين بالتعميم- كما سيأتي- و على فرض اعتباره يمكن حمله على الأهمّ من مورده لا الانحصار به.

(2) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و للجهاد و المدافعة مراتب يشمل إطلاق الدليل جميعها.

(3) لجملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن قول اللّه عزّ و جل: وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ- قال (عليه السلام): هم قوم وحدوا اللّه عزّ و جل، و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه عزّ و جل، و شهدوا أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمدا (صلّى اللّه عليه و آله) رسول اللّه و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (صلّى اللّه عليه و آله) فأمر اللّه نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم، و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به. و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش- الحديث-» (1).

و صرّح بالتعميم صاحب الجواهر و قال: «إنّه الظاهر من أخبار الباب و كلمات الأصحاب، فلا وجه لدعوى الإجماع على الاختصاص بالكافر إلا أن يحمل على الأهمّ الغالب في الجملة». كما أنّ ذكر المسلم في هذه النصوص ليس من باب التقييد، بل من باب المثال فلا ينافي التعميم.

فروع- (الأول): يظهر من التذكرة دعوى الإجماع على بقاء هذا السهم في زمان الغيبة و تقتضيه الإطلاقات أيضا.

ص: 197


1- أصول الكافي ج: 2 صفحة: 41 ط طهران.

الخامس: الرقاب 1 و هم ثلاثة أصناف

اشارة

الخامس: الرقاب (1) و هم ثلاثة أصناف (2):

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة مطلقا كان أو مشروطا (3). و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم (4)، ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال، و يتخيّر بين الدفع إلى كل من المولى و العبد (5) لكن إن دفع إلى المولى و اتفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فرد إلى

______________________________

(الثاني): لو دار الأمر بين تأليف الكفار إلى الإسلام و إبقاء المسلم على إسلامه فلا بد من تقديم الأهمّ، فقد يكون الأهم الأول و قد يكون الأخير.

(الثالث): يعتبر أن يكون الإعطاء سببا للتأليف و لو بنحو الاقتضاء، فلا يعطي لمن يعلم أنّه لا يتحقق التأليف بالنسبة إليه إلا أن يعطي لدفع شرّه لا لجلب نفعه.

(الرابع): لو تحقق التأليف بغير إعطاء الزكاة كالمجاملات الأخلاقية و نحو ذلك، فالظاهر تقدمه على التأليف بالزكاة.

(1) كتابا، و سنة، و إجماعا ففي مرسل أبي إسحاق عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها قال (عليه السلام): يؤدي عنه من مال الصدقة، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه وَ فِي الرِّقابِ (1).

(2) هذا الحصر شرعيّ يأتي الدليل لكل واحد من الأصناف الثلاثة.

(3) نصّا، و إجماعا بقسميه.

(4) بدعوى: أنّ المنساق من الأدلة تحقق العجز و هو لا يتحقق إلا بعد الحلول، و لكنه خلاف الجمود على الإطلاقات و كثرة الاهتمام بفك الرقية و زوال المملوكية مهما أمكن ذلك و هو من أهمّ مقاصد الشرع، بل العقلاء.

(5) لظهور الإطلاق و الاتفاق في ذلك.

ص: 198


1- الوسائل باب: 44 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1 و باب: 43 من أبواب مستحقي الزكاة.

الرق، يسترجع منه (1) كما أنّه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فك رقبته لاستغنائه- بإبراء أو تبرع أجنبي- يسترجع منه. نعم، يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا (2) و لو ادعى العبد أنّه مكاتب، أو أنّه عاجز، فإن علم صدقه أو أقام بينة قبل قوله (3). و إلا ففي قبول قوله إشكال (4)، و الأحوط عدم القبول (5) سواء صدقه المولى أم كذبه (6). كما أنّ قبول قول المولى- مع عدم العلم و البينة- أيضا كذلك (7)، سواء صدقه العبد أم كذبه و يجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزا عن التكسب للأداء (8). و لا يشترط إذن المولى (9) في الدفع إلى المكاتب، سواء كان من باب الرقاب، أم من باب الفقر.

الثاني: العبد تحت الشدة

الثاني: العبد تحت الشدة (10) و المرجع في صدق الشدة العرف،

______________________________

(1) لعدم تحقق الصرف في المصرف، و كذا الكلام فيما بعده فلا وجه للتكرار.

(2) تقدم ما يتعلق به فراجع.

(3) لأنّ اعتبار العلم فطريّ لكل أحد.

(4) من أصالة عدم الحجية و مما نسب إلى المشهور من القبول إن صدقه السيد و لا يبعد حصول الوثوق حينئذ، فيقبل قوله على هذا بلا إشكال.

(5) لأصالة عدم فراغ الذمة إلا مع حصول الوثوق، و كذا الكلام فيما بعده.

(6) المشهور هو القبول في صورة التصديق، و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه في الحكم المخالف للأصل إلا إذا كان مرادهم صورة حصول الوثوق بالصدق.

(7) للأصل بعد عدم الدليل على الاعتبار إلا مع الوثوق.

(8) لإطلاق الدليل الشامل لجميع ذلك.

(9) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(10) لأنّه المتيقن من ظاهر الكتاب، و إجماع الأصحاب، و لصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة

ص: 199

فيشتري و يعتق. خصوصا إذا كان مؤمنا في يد غير المؤمن (1).

الثالث: مطلق عتق العبد

الثالث: مطلق عتق العبد (2) مع عدم وجود المستحق للزكاة (3). و نية الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى البائع (4) و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.

______________________________

و الستمائة، يشتري بها نسمة و يعتقها قال (عليه السلام): إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم. ثمَّ مكث مليّا ثمَّ قال: إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه» (1) و احتمال أن يكون ذلك من خصوص سهم سبيل اللّه خلاف الإطلاق.

(1) لأنّ ذلك هو المتيقن من الأدلة و المعلوم من مذاق الشريعة.

(2) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و في موثق عبيد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال (عليه السلام): نعم، لا بأس بذلك» (2)و احتمال أن يكون المراد سهم سبيل اللّه خلاف ظهور الإطلاق.

(3) لارتكاز ذلك في الأذهان، فيكون كالقرينة المتصلة بالكلام، و يقتضيه ظاهر صحيح أبي بصير المتقدم.

(4) بدعوى: أنّ دفع الثمن إلى البائع دفع للزكاة عرفا، فتجب النية حينئذ (و فيه): أنّه كذلك لو حصل العتق بذلك، و لكن لو احتاج حصوله إلى صيغة خاصة بعده كما هو ظاهر الأدلة، و المشهور بين فقهاء الملة، فلا وجه لوجوبها حينئذ، بل تجب حين الإعتاق، و لكن لا أثر لهذا النزاع بناء على كفاية مجرّد الداعي في النية، و عدم وجوب الإخطار كما هو الحق، كما لا وقع لأصل هذا البحث، لخروجه عن مورد الابتلاء رأسا، فأمثال هذه الفروض فرض في فرض.

ص: 200


1- الوسائل باب: 43 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

السادس: الغارمون

اشارة

السادس: الغارمون (1) و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها (2).

______________________________

(1) بالأدلة الثلاثة في الجملة أما الكتاب فقوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(1) و من السنة ما عن القمي في تفسيره عن العالم: «و الغارمين» قوم قد وقعت عليهم ديون- إلى أن قال- يجب على الإمام أن يقضي عنهم، و يفكهم من مال الصدقات» (2).

و كذا خبر ابن سليمان الوارد في تفسير قوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ قال (عليه السلام): نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من الدّين من سهم الغارمين- الحديث-» (3) و لإجماع الإمامية، بل المسلمين.

(2) خلاصة الكلام: أنّ من لا يكون واجدا لمؤنة السنة، و لا لما يؤدي دينه فلا إشكال في كونه من مصارف الزكاة، و لا ثمرة للبحث في أنّه للفقر، أو للغرم إلا بناء على وجوب البسط و هو غير واجب كما يأتي.

و أما من يكون واجدا لهما فلا إشكال في عدم كونه من مصارفها.

و أما من يكون واجدا للمؤنة و فاقدا لما يؤدي دينه، فالمشهور بل المجمع عليه كونه من مصارفها، و تدل عليه الإطلاقات، و جعله مقابلا للفقير و المسكين في الآية الشريفة، و خبر زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال (عليه السلام): إن كان أبوه أورثه مالا، ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته. و إن لم يكن أورثه مالا، لم يكن أحد أحق

ص: 201


1- سورة التوبة: 60.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الدّين حديث: 3.

و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم (1). و يشترط أن لا يكون الدّين مصروفا في المعصية (2)، و إلا لم يقض من هذا السهم و إن جاز إعطاؤه من

______________________________

بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه- على هذه الحال- أجزأت عنه» (1).

فيستفاد من الأدلة أنّ الاحتياج إلى وفاء الدّين و عدم التمكن منه له موضوعية خاصة لمصرفية الزكاة في مقابل الاحتياج إلى مئونة السنة، فكل منهما في حد نفسه من مصارفها فلا ارتباط لأحدهما بالآخر.

و منه يظهر حكم الصورة الرابعة: و هي ما إذا كان واجدا لما يؤدي دينه و فاقدا للمؤنة، فيؤدي الدّين و يأخذ من الزكاة لمؤنته، كما يجوز له أن يصرفه في المؤنة إن احتاج إليه و يأخذ دينه من الزكاة لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(1) لإطلاق الأدلة الشامل لهذا القسم أيضا و ظهور مقابلة الغارم للفقير و المسكين المقتضية لكونه غيرهما، بل يمكن جعله من أفراد الفقير أيضا، لأنّ له أفراد و مراتب و ليس مختصّا بخصوص من لم يقدر على مئونة السنة فقط، بل كل من احتاج إلى ضرورياته و لم يتمكن منها فهو فقير و لا يشمله قوله (عليه السلام): «إنّ الصدقة لا تحلّ لغنيّ» (2)، و تشمله الأدلة الدالة على اعتبار الفقر في أخذ الصدقة، لفرض أنّه فقير فعلا بالنسبة إلى أداء دينه و دعوى الإجماع على اعتبار الفقر بمعنى عدم وجدان مئونة السنة لا اعتبار به في مقابل ظاهر الكتاب و السنة، بل يمكن أن يعدّ أداء الدّين من المؤنة أيضا كما يأتي في كتاب الخمس.

(2) نصّا و إجماعا، و اعتبارا، ففي مرسل القمّي- كما تقدم- عن العالم (عليه السلام): «الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه تعالى من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكهم من مال الصدقات»(3).

ص: 202


1- الوسائل باب: 18 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 6.

سهم الفقراء (1) سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير و كونه مالكا لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدّين (2) الذي لا يكفي كسبه أو ما عنده به و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (3) و لو شك في أنّه صرفه في المعصية أم لا، فالأقوى جواز إعطائه من هذا

______________________________

و عن الرضا (عليه السلام): «المديون ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدّين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه تعالى فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء له على الإمام» (1).

و نحوهما غيرهما: و قصور السند منجبر بالشهرة، كما أنّ ما فيهما من اشتراط الصرف في طاعة اللّه إما محمول على أنّ المراد بالطاعة مطلق ما كانت في مقابل المعصية لا الطاعة الاصطلاحية كما هو ظاهر الخبر الأخير، أو مهجور بالإعراض فيشمل الصرف في المباحات أيضا.

(1) لإطلاق أدلة سهم الفقراء و عدم دليل على اعتبار العدالة في الفقير، و لا دليل على اعتبار أن لا يكون الصرف في المعصية بالنسبة إلى ما مضى. نعم، يعتبر أن لا يكون الدفع إلى الفقير إعانة على الإثم و إغراء بالقبح كما يأتي في الفصل التالي.

ثمَّ إنّه لو صرف الدّين في المعصية و تاب، فالظاهر عدم جواز الوفاء من سهم الغارمين أيضا، لأنّ المنساق من الأدلة أنّ مجرّد الصرف في المعصية مانع عنه تاب أو لا، و التوبة لا تغيّر الحكم الوضعي و إن سقط الإثم بها.

(2) لأنّه يكفي في الفقر الذي يكون مصرف الزكاة الفقر الجهتي و لا يعتبر الفقر من كل جهة، فالمناط مطلق الفقر لا الفقر المطلق و من تمام الجهات.

(3) لما يأتي من أنّه لكل قربة و هذا منها لو لم يكن من أفضلها.

ص: 203


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الدّين حديث: 3.

السهم (1). و إن كان الأحوط خلافه (2). نعم، لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية (3). و لو كان معذورا في الصرف في المعصية- لجهل، أو اضطرار، أو نسيان، أو نحو ذلك- لا بأس بإعطائه (4) و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون (5) و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم (6).

مسألة 16: لا فرق بين أقسام الدّين

(مسألة 16): لا فرق بين أقسام الدّين، من قرض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال، أو عوض صلح، أو نحو ذلك (7) كما لو كان من باب غرامة

______________________________

(1) لأصالة الصحة في فعل المسلم. نعم، لو اعتبر الصرف في الطاعة لا يعطى إلى المشكوك حاله، و لكن تقدم أنّه خلاف المشهور بين الإمامية، و خلاف سهولة الشريعة و تقدم ما يتعلق بالروايات الظاهرة في اعتباره (1).

(2) جمودا على ظاهر الروايات، و خروجا عن خلاف الشيخ (رحمه اللّه) حيث نسب إليه المنع عن ذلك.

(3) لأنّ المتفاهم من الأدلة أنّ مثل هذا الشرط معتبر في الإعطاء و الأخذ معا كسائر الشروط.

(4) لانصراف الأدلة عن مورد العذر، بل ظاهر في صورة تنجز النهي و فعليته، فلا معصية مع عدم تنجزه.

(5) لما تقدم في سابقة، بل هنا أولى كما لا يخفى.

(6) لعدم فعلية النهي في كل منهما إن لم يقم إجماع على أنّ الجاهل بالحكم كالعالم خصوصا مع التقصير و إلا فيكون كالعالم.

(7) كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق. نعم، يعتبر في الضمان أن يكون المضمون عنه ممتنعا عن الأداء و إلا فلا يعطي من هذا السهم، لانصراف الدليل عن مثله.

ص: 204


1- لاحظ صفحة:

إتلاف. فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا، و لم يتمكن من أداء العوض، جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان (1).

مسألة 17: إذا كان دينه مؤجلا، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلوله أجله

(مسألة 17): إذا كان دينه مؤجلا، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلوله أجله. و إن كان الأقوى الجواز (2).

مسألة 18: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج

(مسألة 18): لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج فإن كان الدّيان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم (3) و إن لم يكن مطالبا

______________________________

(1) لأنّ المستفاد من الأدلة أنّ الدّين الحاصل من المعصية لا يعطى من هذا السهم كقوله (عليه السلام): «أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه»(1).

و صحيح الحجاج «و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا، قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال (عليه السلام): هو الرجل يقول يا آل فلان فيقع بينهم القتل و الدماء فلا تؤدوا ذلك من سهم الغارمين» (2).

و ظهور مثل هذه الأخبار في اعتبار أن لا يكون التسبيب إلى حصول الدّين بالمعصية مما لا ينكر، و يشهد له الاعتبار أيضا.

(2) للإطلاقات، و العمومات، و عدم ما يصلح للتقييد و التخصيص. نعم إن كان في البين وثوق في الجملة بالتمكن من الأداء عند الحلول يصح دعوى انصراف الدليل عنه، و مع الشك فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم فراغ الذمة إلا بالفحص و اليأس و يأتي في [مسألة 23] ما يناسب المقام.

(3) لشمول إطلاق الأدلة له. هذا إذا لم يمكنه الاستقراض ثمَّ الوفاء بعد التمكن و إلا فيأتي منه (رحمه اللّه) في [مسألة 23] أنّ الأقوى عدم الجواز.

ص: 205


1- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

فالأحوط عدم إعطائه (1).

مسألة 19: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه

(مسألة 19): إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه، إلا إذا كان فقيرا، فإنّه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء، و كذا إذا تبيّن غير مديون و كذا إذا أبرأه الدّائن بعد الأخذ لوفاء الدّين (2).

مسألة 20: لو ادعى أنّه مديون

(مسألة 20): لو ادعى أنّه مديون، فإن أقام بيّنته قبل قوله، و إلا فالأحوط عدم تصديقه و إن صدّقه الغريم فضلا عمّا لو كذبه أو لم يصدقه (3).

مسألة 21: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدّين

(مسألة 21): إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدّين ثمَّ

______________________________

(1) للشك في فراغ الذمة حينئذ بعد الشك في شمول الأدلة لمثله، فيكون المرجع أصالة الاشتغال، و منشأ الجواز الجمود على الإطلاقات و العمومات.

(2) كل ذلك لعدم صيرورة المال ملكا للآخذ إما لعدم الشرط و هو كون الدّين في غير المعصية، أو لعدم الموضوع للدّين كما في الصورة الأخيرة. و أما صحة الاحتساب لأجل الفقر، فلوجود المقتضي و فقد المانع. نعم، بناء على اعتبار العدالة فيه يعتبر توبته إن كان الدّين في المعصية و يصح للمالك الرجوع مع التلف أيضا إن لم يكن منه غرور في البين و إلا فلا رجوع حينئذ. و تقدم ما يرتبط بالمقام في [مسألة 14] و ما بعدها.

(3) أما القبول في مورد قيام البينة، فلثبوت قوله بالحجة الشرعية. و أما عدمه في غيره فلأصالة اشتغال الذمة و عدم الفراغ إلا بثبوت الغرم بحجة معتبرة. و قد نسب إلى المشهور قبول دعوى الفقر و الغرم مطلقا و قد تقدم عدم وفاء ما استدلوا به للمدعي فراجع [مسألة 10] و يصح في المقام العمل بالحالة السابقة كما مرّ في دعوى الفقر.

و قال في الجواهر: «الغنى مانع لا أن يكون الفقر شرطا، و لو فرض كونه شرطا فهو لمحل تناول الزكاة لا لدفعها ممن وجبت عليه، لعدم الدليل، بل مقتضى الإطلاق خلافه. و على هذا يتجه ما ذكره الأصحاب من قبول دعوى الفقر و الكتابة و الغرم فتأمل جيّدا فإنّه دقيق نافع».

أقول: و هو قول حسن في بعض الأزمنة و بالنسبة إلى بعض الأشخاص لا فيما

ص: 206

صرفه في غيره ارتجع منه (1).

مسألة 22: المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة

(مسألة 22): المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم، و في العكس بالعكس (2).

مسألة 23: إذا لم يكن الغارم متمكنا من الأداء حالا و تمكن بعد حين

(مسألة 23): إذا لم يكن الغارم متمكنا من الأداء حالا و تمكن بعد حين، كان يكون له غلة لم يبلغ أوانها، أو دين مؤجل يحل أجله بعد مدّة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال، و إن كان الأقوى عدم الجواز (3) مع عدم المطالبة من الدّائن (4)، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محل آخر ثمَّ قضاؤه بعد التمكن (5).

مسألة 24: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة

(مسألة 24): لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة (6)، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدّين و يأخذها

______________________________

إذا استولى الفساد و الطمع على العباد كما هو واضح لا يخفى. و بذلك يمكن أن يجمع بين كلمات الفقهاء.

(1) لعدم ما يوجب ملكه له و عدم خروجه عن مورد ولاية المالك، نعم، إن انطبق عليه عنوان آخر من الفقر و سبيل اللّه و نحو ذلك صح الاحتساب لذلك العنوان.

(2) لأنّ المتفاهم من الأدلة المعصية الجارحية دون الجانحية، و وقوعها خارجا دون البناء عليها قلبا، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(3) لقاعدة الاشتغال بعد كون المتفاهم من الأدلة غير هذه الصور، و لا إطلاق في البين واردا في مقام البيان من هذه الجهات حتى يصح التمسك به.

(4) بل و مع المطالبة منه أيضا إن أمكن رضاؤه بالتأخير بنحو السهل اليسير.

(5) إن لم يقع بذلك في مشقة لا تتحمل عرفا، و إلا فيجوز الأخذ من سهم الغارمين حينئذ.

(6) نصوصا، و إجماعا ففي صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا الحسن الأول

ص: 207

مقاصة (1)

______________________________

(عليه السلام) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال (عليه السلام) نعم» (1).

و في خبر ابن خالد قال: «دخلت أنا و المعلى و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فلما رآنا قال: مرحبا بكم، وجوه تحبنا و نحبها جعلكم اللّه معنا في الدنيا و الآخرة فقال له عثمان: جعلت فداك قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): نعم مه؟ قال: إنّي رجل موسر فقال له: بارك اللّه في يسارك، قال: و يجي ء الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبان زكاتي فقال له أبو عبد اللّه: القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت تقول موسرا أعطيته، فإذا كان إبان زكاتك احتسب بها من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند اللّه عظيم» (2).

(1) أما الاحتساب فقد مرّ جوازه نصّا و فتوى. و أما المقاصة فلا موضوع لها بعد الاحتساب. نعم، يجوز المقاصة قبل الاحتساب، لموثق سماعة: «عن الرجل يكون له الدّين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال (عليه السلام) إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها. فإن لم يكن عند الفقير وفاء، و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا، فيعطيه من زكاته، و لا يقاصّه شي ء من الزكاة» (3).

و ظاهره كما ترى التخيير بين الاحتساب و التقاص في مورد خاص و هو كون الفقير واجدا لمستثنيات الدّين، و مقتضى إطلاقه عدم الاحتياج في التقاص إلى إذن

ص: 208


1- الوسائل باب: 46 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2 و في فروع الكافي ج: 2 ص: 34 باب القرض.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

و إن لم يقبضها المديون، و لم يوكل في قبضها (1). و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه، أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصة (2).

مسألة 25: لو كان الدّين لغير من عليه الزكاة، يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها

(مسألة 25): لو كان الدّين لغير من عليه الزكاة، يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها، و لو بدون اطلاع الغارم (3).

مسألة 26: لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه

(مسألة 26): لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه، أو الوفاء عنه (4) و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته (5).

مسألة 27: إذا كان ديان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم

(مسألة 27): إذا كان ديان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم (6) ثمَّ يحسب عليه (7)، بل يجوز له أن يحسب ما على الديان وفاء عما في ذمة الغارم (8) و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة (9).

______________________________

الفقير و قبضه أو الوكالة في القبض عنه.

(1) لما تقدم من إطلاق الخبر.

(2) للأصل، و ما تقدم من إطلاق دليل الاحتساب و المقاصة.

(3) لظهور الاتفاق، و الإطلاق، و يعضده الأصل أيضا.

(4) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و لموثق ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه:

عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال (عليه السلام): نعم، و من أحقّ من أبيه» (1) و يصح فيه الاحتساب و المقاصة أيضا.

(5) لما يأتي في الشرط الثالث من الفصل التالي.

(6) لعموم دليل الحوالة الشامل للمقام أيضا، فيحيل المديون من عليه الزكاة على الغارم مع تحقق شرائط الحوالة.

(7) لتحقق موضوع الاحتساب حينئذ، فيجوز بلا محذور فيه.

(8) بناء على أنّ الاحتساب مثل الأداء و الوفاء من كل جهة كما هو الظاهر عند العرب.

(9) جمودا على احتمال أنّ الاحتساب ليس مثل الأداء من جهة.

ص: 209


1- الوسائل باب: 18 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.
مسألة 28: لو كان الدّين للضمان عن الغير تبرعا

(مسألة 28): لو كان الدّين للضمان عن الغير تبرعا، لمصلحة مقتضية لذلك، مع عدم تمكنه من الأداء، و إن كان قادرا على قوت سنته، يجوز الإعطاء من هذا السهم (1)، و إن كان المضمون عنه غنيا.

مسألة 29: لو استدان لإصلاح ذات البين

(مسألة 29): لو استدان لإصلاح ذات البين، كما لو وجد قتيل لا يدري قاتله، و كاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل، فإن لم يتمكن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم، و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامة، و أما لو تمكن من الأداء فمشكل (2). نعم، لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه، و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضا (3) إلا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك (4).

______________________________

(1) لإطلاق الأدلة، و وجود المقتضي و فقد المانع، و عدم ظهور الخلاف، و كذا في المسألة الآتية.

(2) لما تقدم من اعتبار عدم التمكن من الأداء في سهم الغارمين. و لكن نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) و من تأخر عنه الجواز في خصوص ما تحمله من الدية، لإطلاق الأدلة، و لقوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلا لخمس: غاز في سبيل اللّه، أو عامل عليها، أو غارم- الحديث-» (1).

و لكن الإطلاق مقيّد بما مرّ، و الخبر ضعيف لم يوجد في أصولنا، فلا مدرك للحكم لو لا الإجماع و ثبوته مشكل.

(3) لما يأتي في سهم سبيل اللّه عند قوله (رحمه اللّه): «بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة مع عدم تمكن المدفوع إليه من فعلها بغيره الزكاة».

(4) لأنّه مع هذا البناء كأنّه يجعل نفسه غير متمكن من الأداء إلا من سهم سبيل اللّه.

ص: 210


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 7 ص: 17 و في كنز العمال ج: 3 ص: 285.

السابع: سبيل اللّه

السابع: سبيل اللّه (1)، و هو جميع سبل الخير (2) كبناء القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين و نحو ذلك من المصالح، كإصلاح ذات البين، و دفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين، و كذا إعانة الحجاج و الزائرين، و إكرام العلماء و المشتغلين، مع عدم تمكنهم من الحج و الزيارة و الاشتغال و نحوها من أموالهم، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة، مع عدم تمكن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة (3)، بل مع تمكنه أيضا لكن مع عدم إقدامه إلا بهذا الوجه (4).

______________________________

(1) للأدلة الثلاثة: أما الكتاب فإطلاق الآية كما تقدم، و أما السنة و الإجماع فكما يأتي.

(2) لإطلاق الأدلة، و إجماع الغنية، و خبر علي بن إبراهيم: «في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبل الخير على الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد» (1).

فيكون ذكر الحج و الجهاد فقط من باب المثال و الغالب في تلك الأزمنة. و قد ورد في تفسير سبيل اللّه جملة من الروايات الواردة في الوصية، كما عن الحسن بن عمر قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ رجلا أوصى إليّ بمال في السبيل، فقال لي: اصرفه في الحج، قلت: أوصى إليّ في السبيل، فقال: اصرفه في الحج، فإنّي لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج» (2).

و في خبر ابن راشد قال (عليه السلام): «سبيل اللّه شيعتنا» (3) و الظاهر اتحاد المعنى في الموردين.

(3) لأنّه المتيقن من تشريع هذا السهم.

(4) لشمول إطلاق الأدلة لهذه الصورة أيضا، و هو الذي تقتضيه كثرة اهتمام

ص: 211


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الوصية حديث: 1.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الوصية حديث: 2.

الثامن: ابن السبيل

اشارة

الثامن: ابن السبيل (1) و هو المسافر الذي نفذت نفقته، أو تلفت راحلته، بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيا في وطنه (2). بشرط

______________________________

الشارع بإقامة سبل الخير و إشاعتها بين الناس، و تحريضهم عليها و لا مقيد له إلا مثل قوله (عليه السلام): «لا تحل الصدقة لغنيّ» (1)، و أنّ الحكمة في تشريع الزكاة سدّ الخلة و رفع الحاجة، فلا تصرف في غير مورد الاحتياج. (و فيه): أنّ الأول ظاهر في سهم الفقراء. و الأخير من مجرد الحكمة التي لا يقيد بها الإطلاقات كما صرّح به في الشرائع.

فروع- (الأول): لو اشترى من سهم سبيل اللّه قرآنا، أو كتابا أو شيئا آخر يصير من سنخ التحرير و لا مالك له، و لكن يتعلق به حق اللّه تعالى.

(الثاني): مقتضى الإطلاقات جواز صرف سبيل اللّه فيما يتعلق بمصلحة المالك نفسه، كما إذا كان بينه و بين غيره نزاع فصرفه في الإصلاح.

(الثالث): لو أزيل عنوان سبيل اللّه لعروض عارض كما لو بنى جسرا، أو مستشفى في محل، فحدث حادث لا ينتفع بها أصلا لا يدخل في ملك أحد للأصل، و للحاكم الشرعي التدخل فيه بما يرى فيه المصلحة.

(الرابع): لو صرف شخص من أبناء العامة زكاته في سبيل اللّه ثمَّ استبصر لا تجب عليه الإعادة، لأنّه وضعها في موضعها.

(الخامس): لو صرف زكاته في مورد بزعم أنّه في سبيل اللّه، فبان الخلاف فمع بقاء العين يجوز له صرفه في مصرف آخر من سبل الخير و مع تلفه يعيد زكاته.

(السادس): يجوز بإذن الحاكم الشرعي المضاربة بسهم سبيل اللّه و توفير هذه الحصة، و صرف الأصل و الربح في سبيل اللّه.

(1) بالأدلة الثلاثة التي تطابق المسلمون على العمل بها.

(2) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و الصدق العرفي أيضا، و يقتضيه إطلاق

ص: 212


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

عدم تمكنه من الاستدانة، أو بيع ما يملكه، أو نحو ذلك (1). و يشترط أن لا يكون سفره في معصية (2) فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله، من الملبوس و المأكول و المركوب، أو ثمنها، أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده، بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما (3). و لو فضل مما أعطى شي ء- و لو بالتضييق على نفسه- أعاده على الأقوى (4) من غير فرق بين النقد و الدابة و الثياب و نحوها (5) فيدفعه إلى

______________________________

مرسل عليّ بن إبراهيم- في تفسير الآية المباركة- «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه تعالى، فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» (1)و إطلاق الأدلة يشمل مطلق السفر سواء كان عرفيا أم شرعيا.

(1) لأنّه المتفاهم من الأدلة و المرجع في غيره أصالة الاشتغال، لأنّ الشك في الموضوع يكفي في عدم جواز التمسك بالإطلاق.

(2) للإجماع، و لما تقدم في مرسل القميّ بعد حمله على المعصية، لظهور الإجماع على عدم اعتبار كونه في الطاعة.

(3) لأنّ مصرف ابن السبيل من المصارف الضرورية عادة فلا بد و أن يقتصر فيه على ما يدفع به الحاجة كما و كيفا، زمانا و مكانا.

(4) نسب ذلك إلى المشهور، لما مرّ من أنّه من المصارف الضرورية لدفع الضرورة و الحاجة فقط بلا فرق بين أن يكون ذلك من جهة الصرف فقط أو من التمليك، لأنّه على الأخير يكون تمليكا جهتيا لا مطلقا و من كل جهة، فدفع الضرورة مقوّم لهذا المصرف، و الضرورات تتقدر بقدرها فلا يملك ابن السبيل ما زاد عن مصرفه.

(5) لأصالة عدم حدوث حق له فيما زاد على ضرورياته بلا فرق في ذلك بين

ص: 213


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

الحاكم (1) و يعلمه بأنّه من الزكاة. و أما لو كان في وطنه، و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه، فليس من ابن السبيل (2).

نعم، لو تلبس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم (3) و إن لم يتجدد نفاد نفقته، بل كان أصل ماله قاصرا، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل. نعم، لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء (4).

مسألة 30: إذا علم استحقاق شخص للزكاة

(مسألة 30): إذا علم استحقاق شخص للزكاة، و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف (5). بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة (6).

______________________________

بقاء العين و بدله، إذ البدل لا يصير ملكا طلقا له بتمامه، بل يقدر رفع الحاجة و الضرورة كما كان حكم المبدل كذلك.

(1) مقتضى أصالة عدم خروج ما زاد على قدر الحاجة عن ولاية المالك جواز دفعه إلى المالك أو وكيله مع الإمكان، و مع عدمه فإلى الحاكم، و قد اختار ذلك الشهيد (رحمه اللّه)، و لكن لا يبعد انقطاع ولاية المالك عنه مطلقا بالإعطاء، لصدق أنّه إعطاء و دفع للزكاة عرفا و وجوب رد ابن السبيل ما زاد عن حوائجه تكليف حادث مستقل لا ربط له بالمالك، فيدفعه إلى الحاكم و يبيّن الحال، فيرى فيه الحاكم رأيه.

(2) لعدم صدقه عليه لغة، و عرفا، و شرعا، لظهور الأدلة فيمن تلبس بالسفر فعلا.

(3) لإطلاق الأدلة الشامل لقصور أصل النفقة حدوثا بعد صدق ابن السبيل عليه بالتلبس بالسفر فعلا.

(4) لوجود المقتضي للإعطاء حينئذ و فقد المانع عنه فيصح و يجزي.

(5) لأصالة البراءة عن اعتبار تعيينه، و إطلاق الأدلة.

(6) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن وجوب التعيين، و ظهور عدم الخلاف.

ص: 214

مسألة 31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا- لجهة راجحة أو مطلقا ينعقد نذره

(مسألة 31): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا- لجهة راجحة (1) أو مطلقا- (2) ينعقد نذره، فإن سها فأعطى فقيرا آخر أجزأ (3)، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية (4). بل لو كان ملتفتا إلى نذره و أعطى غيره متعمدا أجزأ أيضا (5)

______________________________

فرع: يمكن أن ينطبق على شخص واحد جهات من أصناف المستحقين فيصح أن يؤتي من الزكاة من جميع تلك الجهات من الأصناف.

(1) أما مع وجود الجهة الراجحة فلوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله الأدلة لا محالة، و كذا إن كان المنذور إعطاء أصل الزكاة من حيث هي و كان الفقير المعيّن من التقييد في موردها و ذلك لتحقق الرجحان في أصل إعطاء الزكاة و صحة نذر الواجب. و أما لو كان متعلقه أولا و بالذات نفس الإعطاء إلى الفقير المعيّن من حيث هو و لم يكن رجحان فيه، فلا وجه للصحة حينئذ، و لكن الغالب في نذر إعطاء الصدقات من الزكاة و غيرها هو وجود الجهة الراجحة في المنذور له.

(2) مع عدم الجهة الراجحة في المنذور له، و عدم رجوع نذره إلى نذر نفس الواجب يشكل انعقاد النذر.

(3) لانطباق المأتيّ به على المأمور به قهرا، فيجزي لا محالة.

(4) لأنّ الفقير قد ملك بالقبض، و لا يجوز انتزاع ملكه عنه بدون رضاه.

(5) لأنّ المتفاهم عرفا من مثل هذا النذر تعدد المطلوب، فأصل الإعطاء مطلوب، و كون المعطى إليه شخصا خاصا مطلوب آخر، و كذا في جميع موارد نذر الواجبات المنذورة بقيود خاصة.

نعم، لو كان النذر تقيديا من كل جهة بحيث لا تحصل النية و القصد بغير المنذور مع الالتفات إليه بطل حينئذ من حيث فقد النية، و كذا لو كان النذر موجبا لحدوث حق خاص للّه تعالى بالعمل بحيث تنقطع به سلطنة الناذر و اختياره بالنسبة إليه من كل جهة. و لكن إثبات كل منهما يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و مقتضى كون انطباق المأتيّ به على المأمور به قهريا هو الإجزاء مطلقا و إن أثم بمخالفة النذر.

ص: 215

و إن كان آثما في مخالفة النذر، و تجب عليه الكفارة (1). و لا يجوز استرداده أيضا، لأنّه قد ملك بالقبض.

مسألة 32: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمَّ تبيّن له عدم وجوبها عليه

(مسألة 32): إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمَّ تبيّن له عدم وجوبها عليه، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية (2) و أما إذا شك في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطا ثمَّ تبيّن له عدمه، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية (3).

______________________________

(1) أما الإثم، فلتحقق المخالفة العمدية. و أما الكفارة فلترتبها عليها نصّا و إجماعا- كما سيأتي في محله. و أما عدم جواز الاسترداد فلما ذكر في المتن.

(2) لأصالة بقاء ملكيته لها و عدم حصول ما يوجب تسلط الفقير عليها.

(3) إن قصد التصدق المطلق على فرض عدم وجوب الزكاة عليه، فإنّه حينئذ صدقة، و لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد قبض الفقير لها و لو مع بقاء العين. و أما مع عدم هذا القصد، فمقتضى أصالة عدم حدوث الملكية للفقير جواز الرجوع إلا أن يقال: بجريان حكم معلوم التصدق على مشكوكه و هو مشكل و إن كان موافقا للاحتياط بالنسبة إلى المالك و مخالفا له بالنسبة إلى الفقير.

ص: 216

فصل في أوصاف المستحقين

اشارة

(فصل في أوصاف المستحقين) و هي أمور:

الأول: الإيمان

اشارة

الأول: الإيمان (1) فلا يعطى للكافر- بجميع أقسامه- و لا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين- حتى المستضعفين منهم (2)- إلا من سهم المؤلفة قلوبهم، و سهم سبيل اللّه في الجملة (3). و مع عدم وجود المؤمن و المؤلفة

______________________________

(فصل في أوصاف المستحقين)

(1) بضرورة المذهب إن لم يكن من الدّين، بل الظاهر كونه من الفطريات في الجملة.

(2) نصوصا، و إجماعا:

منها: قول الصادقين (عليهما السلام) في صحيح الفضلاء (1)الوارد في وجوب إعادة الزكاة لمن استبصر، لأنّه وضعها في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية و في صحيح بريد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته، ثمَّ من اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه، إلا الزكاة فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير مواضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية» (2) و إطلاق مثل هذه الأخبار يشمل المستضعفين أيضا.

(3) قد تقدم في سهم المؤلفة قلوبهم ما ينفع المقام فراجع، و خصوصيات الإعطاء لهم من هذا السهم تتوقف على نظر الفقيه الجامع للشرائط.

ص: 217


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 21 و باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 21 و باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات.

و سبيل اللّه يحفظ (1) إلى حال التمكن (2).

مسألة 1: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين و مجانينهم

(مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين و مجانينهم

______________________________

(1) إجماعا، و نصوصا و هي دالة على أنّ الإيمان شرط واقعيّ لا يسقط بالتعذر، و عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في خبر الأوسي: «سمعت أبي (عليه السلام) يقول: كنت عند أبي (عليه السلام) يوما فأتاه رجل فقال لي: إنّي رجل من أهل الريّ، و لي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا. فقال: انتظر بها سنة. قال: فإن لم أصب لها أحدا؟ قال (عليه السلام):

انتظر بها سنتين- ثمَّ قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرّها صرارا، و أطرحها في البحر، فإنّ اللّه تعالى حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» (1).

و المراد بالعدوّ هنا: كل من أنكر الولاية و قدم غيرهم عليهم و أيّ معاداة أشدّ من ترجيح المرجوح على الراجح و إزالة الحق عن أهله و محله.

و أما خبر ابن شعيب عن الكاظم (عليه السلام) قال: «قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال (عليه السلام): يضعها في إخوانه و أهل ولايته. قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال (عليه السلام) يبعث بها إليهم، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال (عليه السلام): يدفعها إلى من لا ينصب قلت: فغيرهم؟ قال (عليه السلام) ما لغيرهم إلا الحجر».

فهو مخالف للنصوص الكثيرة غير القابلة للتقييد و مخالف للإجماع أيضا، فلا بد من طرحه أو حمله على بعض مراتب المستضعفين، أو سهم المؤلفة.

(2) لوجوب تحصيل مقدمة الواجب المطلق مهما أمكن.

ص: 218


1- الوسائل باب: 6 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى، و لا بين المميّز و غيره (1). إما بالتمليك بالدفع إلى وليهم و إما بالصرف عليهم مباشرة، أو بتوسط أمين إن لم يكن لهم وليّ شرعي (2)، من الأب و الجدّ و القيم.

مسألة 2: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا

(مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا و إن كان يحجر عليه بعد ذلك (3) كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه، بل من سهم الفقراء أيضا، على الأظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك و الصرف (4).

مسألة 3: الصبيّ المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن

(مسألة 3): الصبيّ المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن (5) خصوصا

______________________________

(1) كل ذلك لظهور الإجماع، و الإطلاق، و كفاية الإيمان التبعي على ما هو المتسالم بينهم في جميع موارد اعتبار الإيمان فيجزي التبعيّ منه مضافا إلى أخبار خاصة:

منها: صحيح أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال (عليه السلام): نعم، حتى ينشأوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم، فقلت: إنّهم لا يعرفون، قال (عليه السلام): يحفظ فيهم ميتهم، و يحبب إليهم دين أبيهم- الحديث-» (1).

(2) لإطلاق الأدلة، و أصالة عدم اعتبار كيفية خاصة زائدة على رفع الحاجة و سد الخلة بأيّ نحو تحقق، فالأصل و الإطلاق، و الاعتبار تدل على هذه المسألة.

(3) لأنّ الحجر لا يمنع عن التمليك و إنّما يمنع عن التصرف في الملك.

(4) لإطلاق الأدلة الظاهرة في أنّ المناط رفع الحاجة و سدّ الخلة، و أصالة البراءة عن كيفية خاصة في دفع الزكاة، و صحة انقسام التمليك إلى الشخصيّ و النوعيّ و الجهتيّ و الكل صحيح عند العقلاء.

(5) تبعية الولد لأشرف أبويه في الإسلام مسلّمة عند الفقهاء نصّا، و إجماعا

ص: 219


1- الوسائل باب: 6 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

إذا كان هو الأب (1). نعم، لو كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال، و الأحوط عدم الإعطاء (2).

مسألة 4: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين

(مسألة 4): لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين فضلا عن غيرهم- من هذا السهم (3).

مسألة 5: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمَّ استبصر

(مسألة 5): لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمَّ استبصر أعادها بخلاف الصلاة و الصوم (4) إذا جاء بهما على وفق مذهبه. بل و كذا الحج، و إن

______________________________

- و تقدم في كتاب الطهارة بعض الكلام (1) و يأتي بعضه الآخر في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى- و صرّح في المسالك و البيان بالتبعية في الإيمان أيضا و هو حسن لاقتضاء أهمية شرف الاعتقاد و ذلك لا ريب في أشرفية الاعتقاد الإيمانيّ عن الاعتقاد بأصل الإسلام فتكون التبعية فيه أولى.

(1) لصدق انه طفل مؤمن، فيشمله ما دل على جواز إعطاء أطفال المؤمنين من الزكاة كشموله لما إذا كان أبواه مؤمنين.

(2) لقاعدة الاشتغال بعد عدم دليل على الإجزاء إلا أن يقال: بصدق الولدية، فيشمله إطلاق دليل التبعية.

(3) على المشهور إذا كان صغيرا و ذلك لأنّه لا طريق للحكم بإيمانه إلا من جهة التبعية و هي منفية شرعا، و لكنه مبنيّ على شمول نفي التبعية لذلك أيضا و هو أول الدعوى، مع ابتنائه على أن يكون الإيمان شرطا لا أن يكون الكفر مانعا و إلا فيصح الإعطاء لمجهول الحال، و أما إن كان كبيرا و وصف الإيمان، فيعطى من الزكاة مع تحقق سائر الشرائط، لصحة إطلاق المؤمن عليه و لا دليل يصح الاعتماد عليه- لكفر ولد الزنا- من عقل أو شرع.

(4) نصوصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «كل

ص: 220


1- راجع المجلد الثاني صفحة: 113.

كان قد ترك منه ركنا عندنا على الأصح. نعم، لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمَّ استبصر أجزأ. و إن كان الأحوط الإعادة أيضا (1).

مسألة 6: النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ

(مسألة 6): النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف (2).

مسألة 7: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين

(مسألة 7): استشكل بعض العلماء (3) في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلا بهذا اللفظ، أو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أو الأئمة (عليهم السلام) كلا أو بعضا، أو شيئا من المعارف الخمس و استقرب عدم الإجزاء. بل ذكر بعض آخر (4) أنّه لا يكفي معرفة الأئمة (عليهم

______________________________

عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمَّ من اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية. و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء» (1) و قد مرّ في قضاء الصلاة ما ينفع المقام و يأتي في الحج بقية الكلام.

(1) أما الإجزاء، فلظاهر ما تقدم من التعليل في قول أبي عبد اللّه (عليه السلام)، و أما الاحتياط فللجمود على بعض الإطلاقات، و لكن لا وجه له لحكومة التعليل عليها.

(2) هذا التوقيت مبنيّ على كون النيّة عبارة عن الإخطار الفعليّ التفصيليّ لأنّها لا بد و أن تكون حين إيتاء الزكاة و هو إما بالدفع أو الصرف و إما بناء على كفاية مجرّد الداعي كما هو الحق فلا وقت لها لانبعاث العمل عن الداعي كيف ما تحقق و لو لم يكن ملتفتا إليه.

(3) هو صاحب الحدائق في كلام طويل.

(4) هو صاحب المستند و لا دليل لهما يصح الاستناد إليه، بل مقتضى الأصل

ص: 221


1- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

السلام) بأسمائهم، بل لا بد في كل واحد أن يعرف أنّه من هو، و ابن من فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفي الإقرار الإجمالي: بأنّي مسلم مؤمن إثنا عشريّ. و ما ذكره مشكل جدّا، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم أيضا، فضلا عن أسماء آبائهم و الترتيب في خلافتهم. لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنّه من المؤمنين الاثني عشريين. و أما إذا كان بمجرد الدعوى و لم يعلم صدقه و كذبه، فيجب الفحص عنه (1).

مسألة 8: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمَّ تبيّن خلافه

(مسألة 8): لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمَّ تبيّن خلافه فالأقوى عدم الإجزاء (2).

الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم

اشارة

الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح (3)، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصا إذا كان تركه

______________________________

و الإطلاق و السيرة- خصوصا في الأزمنة القديمة التي لم تكن التفصيلات معلومة لدى عوام الشيعة- كفاية مطلق الإضافة إلى المذهب الخاص و إن لم يعرفوا شيئا من الأسماء و الخواص. و قال في الجواهر: «يكفي في ثبوت وصف الإيمان ادعاؤه و كونه مندرجا في سلك أهله، و ساكنا، أو داخلا في أرضهم ما لم يعلم خلافه».

أقول: و هو كذلك في سائر الملل و النحل فيما يعطونه لأهل ملتهم و نحلهم فيكتفون بمجرد الإضافة و الانتساب الإجماليّ ما لم يعرف الخلاف.

(1) إن كان متهما في دعواه. و أما مع عدم الاتهام، فمقتضى السيرة قبول دعواه بلا فحص.

(2) لأنّ الإيمان شرط واقعيّ، و لا ريب في انتفاء المشروط بانتفاء شرطه إلا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل في المقام كذلك. و تقدم في [مسألة 13] في الفصل السابق نظير هذه المسألة فراجع و تأمل.

(3) للقطع بعدم رضا الشارع به، بل يستنكره المتشرعة أيضا.

ص: 222

ردعا له عنها و الأقوى عدم اشتراط العدالة، و لا عدم ارتكاب الكبائر، و لا عدم كونه شارب الخمر (1) فيجوز دفعها إلى الفساق، و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان، و إن كان الأحوط

______________________________

(1) كل ذلك للأصل، و الإطلاق، و سهولة الشريعة، و أنّ المناط كله في تشريع الزكاة رفع الحاجة و سدّ الخلّة و لو كان شي ء من ذلك شرطا لشاع و بان في هذه المسألة العامة البلوى.

و لكن نسب إلى المشهور بين القدماء اعتبار العدالة. و استدل عليه تارة:

بقاعدة الاشتغال (و فيه): أنّ وجود الإطلاقات يمنع عن التمسك بها، مع أنّ الشك في أصل التكليف و اعتبار أصل الشرطية لا أن يكون الشك في الفراغ بعد كون التكليف مبيّنا من كل جهة حتى يكون المرجع قاعدة الاشتغال.

و أخرى: بقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي خديجة: «فليقسمها في قوم ليس بهم بأس، إعفاء عن المسألة، لا يسألون أحدا شيئا (1) (و فيه): مضافا إلى قصور سنده أنّه محمول على مطلق الرجحان إذ لم يقل أحد باشتراط تمام مفاده و مضمونه.

و ثالثة: بخبر الصرمي: «سألته عن شارب الخمر، يعطى من الزكاة شيئا؟ قال (عليه السلام): لا» (2) (و فيه): مضافا إلى ضعف السند أنّه متوقف على القول بعدم الفصل بين شرب الخمر و سائر الكبائر و هو غير ثابت.

و رابعة: باستفادة ذلك مما دل على أنّه يعتبر أن لا يكون سفر ابن السبيل في معصية، و كذا دين الغارم كما تقدم (و فيه): أنّه أشبه بالقياس بل نفسه كما لا يخفى.

و خامسة: بأنّه من الإعانة على الإثم (و فيه): أنّها أعمّ منه كما هو واضح.

و سادسة: بما ورد عن الرضا (عليه السلام) في خبر محمد بن سنان في حكمة

ص: 223


1- الوسائل باب: 14 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

اشتراطها (1) بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر (2). نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط (3) و لا يشترط في المؤلفة قلوبهم، بل

______________________________

تشريع الزكاة قال (عليه السلام): «مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف، و العطف على أهل المسكنة، و الحث لهم على المواساة، و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدّين- الحديث-» (1) و لا يكون ذلك بالنسبة إلى الفساق.

و فيه: ما ثبت في محله من أنّ الحكمة لا تطرد، مع أنّه معارض بغيره، كقول أبي الحسن (عليه السلام): «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثمَّ قال: أو عشرة آلاف و يعطي الفاجر بقدر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه، و الفاجر ينفقها في معصية اللّه» (2) و لا وجه للحمل على التقية، و في صحيح الحلبي: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام)- و سأله إنسان- فقال: إنّي كنت أنيل البهيمية من زكاة مالي حتى سمعتك تقول فيهم: فأعطيهم أم أكف؟ قال: بل أعطهم، فإنّ اللّه حرّم أهل هذا الأمر على النار» (3) و البهيمية: الهمج الرعاء من الشيعة الذين لا يبالون بشي ء، و إطلاق مثل قولهم (عليهم السلام): إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا (4) يشمل الفاسق و الفاجر أيضا. نعم، من هتك الحجاب و ألقى جلباب الحياء في ارتكاب المعاصي يشكل إعطاؤه منها.

(1) خروجا عن خلاف المشهور بين القدماء حيث اعتبروا العدالة و قد تقدّمت أدلّتهم و المناقشة فيها.

(2) تقدم ذلك في خبر الصرمي.

(3) تقدم أنّه لا دليل على اعتبارها فيهم أيضا. نعم، لا ريب في اعتبار الوثوق العرفي، و لعل المراد بالعدالة ذلك فلا نزاع في البين.

ص: 224


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 16.
4- تقدم في صفحة: 218.

و لا في سهم سبيل اللّه بل و لا في الرقاب (1) و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء (2).

مسألة 9: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل

(مسألة 9): الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالأحوج (3). و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهمّ فالأهمّ، المختلف في ذلك بحسب المقامات (4).

الثالث: أن لا يكون من تجب نفقته على المزكي

اشارة

الثالث: أن لا يكون من تجب نفقته على المزكي (5)، كالأبوين و إن

______________________________

(1) للأصل، و الإطلاق، و عدم ما يصلح للتقييد في جميع ذلك.

(2) و قد تقدم عدم اعتبارها فيه أيضا.

(3) نصّا، و إجماعا قال أبو جعفر (عليه السلام): «أعطهم على الهجرة في الدّين، و الفقه، و العقل» (1)، و في صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا الحسن (عليه السلام): عن الزكاة، يفضل بعض من يعطي ممن لا يسأل على غيره؟ فقال (عليه السلام): نعم، يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل» (2) و ما ذكر فيهما من باب المثال لمطلق المرجحات الشرعية.

(4) لأنّ تقديم الأهمّ على المهم من الفطريات التي تطابقت عليها آراء العقلاء، و إجماع الفقهاء و ذلك قد يكون على نحو اللزوم، و قد يكون على نحو مطلق الرجحان.

(5) نصوصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب، و الأم، و الولد، و المملوك، و المرأة و ذلك أنّهم عياله لازمون له» (3) و في بعض الأخبار التعليل: «بأنه يجبر على النفقة عليهم» (4) و في خبر

ص: 225


1- الوسائل باب: 25 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

علوا، و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الإناث، و الزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره (1) من الأسباب الشرعية (2) و المملوك، سواء كان آبقا أو مطيعا. فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للإنفاق، بل و لا للتوسعة على الأحوط و إن كان لا يبعد جوازه (3) إذا لم يكن عنده ما يوسع

______________________________

ابن عمار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): «قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ قال (عليه السلام): أبوك و أمك قلت:

أبي و أمي؟ قال (عليه السلام) الولدان و الولد» (1) و غيرها من الأخبار.

و أما مكاتبة القمّي: «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): إنّ لي ولدا، رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب (عليه السلام): إنّ ذلك جائز لك» (2)، و المرسل: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): ادفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال (عليه السلام): نعم، لا بأس» (3) فقاصر سندا، و مخالف للإجماع، و يمكن حمل الأول على الزكاة المندوبة، كما أنّ الأخير أعمّ من الزكاة الواجبة أيضا.

(1) الظاهر صحة شرط سقوط نفقة الزوجة، لعموم أدلة الشروط، و بعد صحة الشرط لا تكون ممن يجب نفقتها، فيصح إعطاء الزوج زكاته لها مع تحقق سائر الشرائط.

(2) كالنشوز على ما يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

(3) للأصل، و الإطلاق، و العموم، فالمقتضي للإعطاء و هو الفقر موجود و المانع عنه مفقود فتشمله الأدلة لا محالة، و لا يصلح للمنع إلا توهم عدم صدق

ص: 226


1- الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

.....

______________________________

القوت أخذ الزكاة قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال (عليه السلام): بلى قلت: كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقي منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس»(1).

و لا ريب في أنّ سياق مثل هذه الأخبار سياق الرأفة، و الامتنان، و التوسعة على الأمة من وليّ الزكاة، و سياق الجواب آب عن التقييد بالزكاة المندوبة و إن كان مورد سؤال ذلك، لأنّ المورد لا يكون مخصّصا لإطلاق الجواب مع أنّ مقتضى إطلاق الأدلة وحدة الحكم في طبيعيّ الزكاة واجبة كانت أو مندوبة إلا ما دل عليه دليل بالخصوص على الخلاف. كما أنّ احتمال أن يكون المراد بها تقديم التوسعة على العيال على زكاة مال التجارة خلاف الظاهر منها و كل ذلك من قبيل الشبهة فيما هو واضح من مذاق الشرع خصوصا إذا كان العيال من ذوي العفة و النجابة الذين يتحملون المشقات في حفظ شؤونهم و حيثياتهم الدّينية و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بعدم الجواز أي: فيما إذا أمكن التوسعة بطريق شرعيّ آخر كما هو الغالب على أهل الزمان. و من يقول: بالجواز: أي فيما إذ لا يمكن ذلك إلا بالزكاة.

هذا إذا لم تكن التوسعة واجبة كما هو مقتضى أصالة البراءة. و أما مع وجوبها فتكون من النفقة الواجبة، فلا يجوز حينئذ مع احتمال الجواز أيضا حتى في هذه الصورة، تمسكا بإطلاق مثل هذه الأخبار الواردة مورد الامتنان. هذا و لكن للتوسعة مراتب متفاوتة. و ما هو الجائز منها بالنسبة إلى صرف الزكاة المرتبة الأولى من غير إسراف دون سائر المراتب فتأمل. فإنّ مثل هذه الإطلاقات الامتنانية غير قابلة للتقييد إلا إذا انطبق عليها عنوان الإسراف أو التبذير المحرّم.

ص: 227


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

.....

______________________________

الفقير و المسكين بالنسبة إلى التوسعة، و أنّ مما يدل على عدم جواز الإعطاء لواجب النفقة يشمل التوسعة أيضا.

و كلاهما مردودان- أما الأول: فلأنّ للفقر مراتب شتّى شرعا و عرفا و قد تقدم بعض النصوص في بيان الصنف الأول من أصناف المستحقين.

و أما الثاني: فلما ثبت في محله أنّ المخصص إذا كان منفصلا و تردد بين الأقلّ و الأكثر يكون العام هو المرجع في غير المتيقن دخوله تحت الخاص، و يؤيد ذلك موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله- الذي يكسب بماله- كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعه لأدمهم و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة، قال (عليه السلام): فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم» (1).

و عن ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل له ثمانمائة درهم و لابن له مائتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا، و ليس له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمَّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة؟ قال (عليه السلام): نعم» (2) و نحوهما غيرهما.

و أصرح من الكل خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير أ له أن يأخذ من الزكاة؟ فقال (عليه السلام): يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم قال (عليه السلام): كم يفضل؟ قال: لا أدري، قال (عليه السلام): إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف

ص: 228


1- الوسائل باب: 14 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

به عليهم. نعم، يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه، كالزوجة للوالد، أو الولد و المملوك لهما مثلا (1).

مسألة 10: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء

(مسألة 10): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر (2) و أما من غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلفة قلوبهم أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه (3).

مسألة 11: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادرا على إنفاقه أو كان قادرا و لكن لم يكن باذلا (4).

______________________________

(1) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(2) لأنه المتفاهم من الأدلة و مورد كلمات الأجلة.

(3) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، مضافا إلى ما ورد من جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين (1)، و جواز اشتراء الأب من سهم الرقاب و أنّه اشترى خير رقبة (2)، و لكن لا بد من تقييد سهم ابن السبيل بما إذا كان زائدا على نفقة حضره كما لا يخفى.

فروع- (الأول): لو مات من وجبت عليه الزكاة و كان فيمن وجبت عليه نفقته فقيرا يجوز إعطاء زكاته إليه، لوجود المقتضي و هو الفقر و فقد المانع و هو وجوب النفقة لسقوط الوجوب بالموت.

(الثاني): لو أوصى بصدقاته الواجبة و كان من وجبت نفقته عليه فقيرا يجوز إعطاؤها إليه، لما مرّ في الفرع الأول.

(الثالث): تجوز الوصية بإعطاء زكاته إلى من وجبت نفقته عليه لأنّ المناط في صحة الوصية صحتها حين إنفاذها و العمل بها، لا حين الإنشاء و الإيصاء.

(4) للإطلاق، و الاتفاق، و لأنّ نفس وجوب النفقة من حيث هو ليس مانعا عن أخذ الزكاة، و إنّما المانع الاستغناء بالإنفاق عن أخذها.

ص: 229


1- الوسائل باب: 18 و 19 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1 و غيره.
2- الوسائل باب: 18 و 19 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1 و غيره.

و أما إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه (1) و إن كان فقيرا كأبناء الأغنياء إذا لم

______________________________

(1) يمكن تقرير هذه المسألة هكذا: هل يكون من وجبت نفقته على غيره إن كان فقيرا مخيّرا بين أخذ الزكاة و بين إمرار معاشه بإنفاق المنفق، أو يتعيّن عليه الأخير؟

قولان يكفي للأول منهما الأصل و إطلاقات الأدلة، و سهولة الشريعة و الملة.

و استدل للأخير تارة: بما تقدم من الأدلة الدالة على أنّه يشترط في الأخذ للزكاة أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي و أنّهم لازمون له و عياله.

و فيه: أنّ الجمود عليها يقتضي اختصاصها بخصوص أخذ الزكاة من المنفق إن كان مزكيا فلا تشمل غيره.

و ثانيا: المنساق منها عرفا صورة فعلية الإنفاق بالنسبة إلى المنفق و المنفق عليه فلا يشمل ما إذا اختار المنفق عليه إمرار معاشه من الزكاة، كما لا يشمل ما إذا لم يبذل المنفق ما وجب عليه من النفقة، و الشك في الشمول يكفي في عدم صحة التمسك بها لأنّه حينئذ تمسك بالدليل في موضوع مشكوك.

و أخرى: بأنّ من وجبت نفقته على غيره يكون غنيا، فيخرج عن موضوع أخذ الزكاة تخصصا.

و فيه: أنّه كذلك مع فعلية الإنفاق و أخذه للنفقة فعلا. و أما مع عدم الفعلية فيصح للمزكي إعطاء الزكاة له، لكونه فقيرا، فتشمله الأدلة. و بعبارة أخرى: يصح لكل واحد من المزكي و المنفق سدّ خلّة المنفق عليه و رفع حاجته و تعين كل واحد منهما لذلك يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل مقتضى أصالة البراءة عدم التعين هذا إذا لم يمكن ترجيح عقلائي في البين لأحد الطرفين و إلا فهو المتبع.

و منه يظهر وجه ما اختاره جمع منهم الشهيد و العلامة و المحقق الثاني من الجواز و ربما يشهد له صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال:

«سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال (عليه السلام) لا بأس» (1) بدعوى: الملازمة بين جواز أخذها للتوسعة، و بين أخذها لرفع الحاجة (و فيه): ما لا

ص: 230


1- الوسائل باب: 11 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

يكن عندهم شي ء، بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (1). بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعا عنه (2). بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا (3).

مسألة 12: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها

(مسألة 12): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق، أو للتوسعة. و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة، مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه (4).

نعم، لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج- من جهة الشرط أو نحوه- لا

______________________________

يخفى و لكن الظاهر أنّ مقتضى المرتكزات عدم جوازه لرفع الحاجة، بل ربما يستنكر المتشرعة ذلك.

(1) لظهور الاتفاق، و كونها بمنزلة ذي الحرفة الذي لا يجوز دفع الزكاة إليه نصّا (1) و فتوى.

(2) لأنّ التمكن من السبب تمكن من المسبب، كما لو ألقى أحد ماله في البحر، و هو قادر على إخراجه، فيصدق أنّها فعلا واجدة للنفقة و لو بالتسبيب.

(3) لما تقدم من استنكار المتشرعة لذلك. و لعل وجه التردد عدم وجوب التوسعة على المنفق مع كون المنفق عليه محتاجا إليها، فتشملها إطلاق إعطاء الزكاة للفقير.

و فيه: أنّ دعوى انصراف الفقير عن مثل الفرض لا بأس به، و تقدم استنكار المتشرعة لذلك أيضا. هذا إذا لم تجب التوسعة على المنفق و إلا فالكلام فيها عين الكلام في أصل الإنفاق.

(4) لشمول الإطلاقات، و العمومات الدالة على جواز الإعطاء لمن لا تجب نفقتها سواء كان ذلك بالأصل كالمتمتع بها، أم بالشرط كالدّائمة بعد صحة الشرط كما هو المفروض.

ص: 231


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2، 8.

يجوز الدفع إليها، مع يسار الزوج (1).

مسألة 13: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدّائمة

(مسألة 13): يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدّائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز، لتمكنها من تحصيلها بتركه (2).

مسألة 14: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج

(مسألة 14): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج و إن أنفقها عليها.

و كذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية (3).

مسألة 15: إذا عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له

(مسألة 15): إذا عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له فضلا عن غيره للإنفاق أو التوسعة. من غير فرق بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه- كالأخ، و أولاده، و العم، و الخال و أولادهم- و بين الأجنبيّ، و من غير فرق بين كونه وارثا له- لعدم الولد مثلا- و عدمه (4).

مسألة 16: يستحب إعطاء الزكاة للأقارب

(مسألة 16): يستحب إعطاء الزكاة للأقارب (5)، مع حاجتهم

______________________________

(1) مع بذله، أو إمكان جبره مع امتناعه كما مرّ.

(2) لما تقدم من أنّ التمكن من السبب تمكن من المسبب، فيصدق وجدان النفقة بالنسبة إليها مضافا إلى أنّه يظهر من المعتبر الإجماع على المنع.

(3) على المشهور، لإطلاقات الأدلة الشاملة للزوج و المنفق، و لأنّهما يملكان ما أخذاه بالقبض، فتصير كسائر أملاكه التي ينفق منها على الزوجة و القرابة، فما نسب إلى بعض القدماء من المنع لا وجه له.

(4) كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر إسحاق: «قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان زكاتي أ فأعطيهم منها؟ قال (عليه السلام): مستحقون لها؟ قلت: نعم قال (عليه السلام): هم أفضل من غيرهم، أعطهم» (1). و أما رواية أبي خديجة: «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول»(2) فمحمول على واجب النفقة.

(5) نصّا، و اتفاقا، و اعتبارا من المتشرعة بل العقلاء، و الكاشح المذكور- في

ص: 232


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 6.

و فقرهم، و عدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه ففي الخبر أيّ الصدقة أفضل؟

قال (عليه السلام): «على ذي الرحم الكاشح» و في آخر: «لا صدقة و ذو رحم محتاج».

مسألة 17: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج.

(مسألة 17): يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج. و كذا العكس (1).

مسألة 18: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء

(مسألة 18): يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء (2). كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل اللّه (3).

مسألة 19: لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا

(مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا (4) كما لا فرق بين أن يكون ذلك من

______________________________

الحديث المرويّ عن الصادق (عليه السلام): «سئل رسول اللّه أيّ الصدقة أفضل؟

قال (صلّى اللّه عليه و آله): على ذي الرّحم الكاشح» (1). العدوّ الذي يعرض عن الإنسان وجهه- و تخصيصه بالذكر لأنّه يحصل فيه- زيادة على ثواب الزكاة- ثواب الائتلاف و الاستعطاف أيضا.

(1) لإطلاق الأدلة و عدم كون مئونة التزويج من النفقة الواجبة، و لا فرق فيها بين كونها للاحتياج إليها أو للتوسعة بناء على جواز صرف الزكاة فيها.

(2) لعدم كون زوجة الولد و خادمه ممن تجب نفقته على الولد. نعم، ولد الولد ممن تجب نفقته على الوالد كما يأتي تفصيله في أحكام النفقات.

(3) لأنّه لكل قربة، و الكتب العلمية منها بشرط أن لا تكون للأغراض الفاسدة، بل يجوز ذلك من سهم الفقراء أيضا إن لم تكن تلك الكتب من النفقة الواجبة وعدت من التوسعة في الإنفاق و تقدم جوازها من سهم الفقراء.

(4) لإطلاق ما دل على أنّه لا يصح إعطاء الزكاة لمن تجب نفقته على المزكي

ص: 233


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة حديث: 1.

سهم الفقراء أو من سائر السهام (1)، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا و إن كان يجوز لغير الإنفاق. و كذا لا فرق- على الظاهر الأحوط- بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه، و إن حكي عن جماعة. أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه، جاز له إعطاء البقية، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة، بدعوى شمولها للتتمة، لأنّها أيضا نوع من التوسعة. لكنه مشكل فلا يترك الاحتياط (2) بترك الإعطاء.

______________________________

الشامل لصورة العجز عن الإنفاق أيضا.

و فيه: أنّ المتيقن من الإجماع صورة القدرة على الإنفاق و فعليته، فلا يشمل صورة العجز عنه كما أنّ المتفاهم من الأدلة اللفظية ذلك أيضا و المنساق من قوله (عليه السلام): «لأنّهم عياله لازمون له» (1) فعلية العيلولة و اللزوم في رفع الحوائج العرفية لا مجرّد الانتساب و الإضافة التكوينية و التشريعية. و حينئذ فمقتضى الإطلاقات و العمومات الدالة على أنّ الزكاة حق الفقراء جواز الإعطاء و طريق الاحتياط واضح.

(1) أي: لخصوص الإنفاق الواجب دون سائر العناوين المنطبقة، فإنّها تجوز كما تقدم في المسألة العاشرة.

(2) قد تقدم جواز إعطاء التمام بعد العجز، فكيف بالإتمام، فلا بأس بترك هذا الاحتياط. و قد اعترف في المستند بعدم وجدان الخلاف في جواز إعطاء البقية مع العجز و استدل له بما تقدم من خبر أبي بصير، و موثق سماعة، و ابن عمار (2) و الإشكال عليها: بأنّها وردت في التوسعة و في الزكاة المندوبة (مدفوع) بأنّه إذا جاز للتوسعة جاز التتميم بالفحوى مع أنّ التتميم من مراتب التوسعة و إطلاقها يشمل الزكاة الواجبة أيضا فراجع ما تقدم و لا وجه للتكرار.

ص: 234


1- الوسائل باب: 13 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.
2- لاحظ صفحه: 173 و ما بعدها.
مسألة 20: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته

(مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته، إما لفقره، أو لغيره سواء كان العبد آبقا أو مطيعا (1).

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره (2)، مع عدم

______________________________

فروع- (الأول): بناء على عدم جواز الإعطاء للتوسعة، أو للإتمام لو دفعها إلى الحاكم الشرعي ثمَّ دفعها الحاكم إلى عيال المالك لها و رأى المصلحة في ذلك يصح و لا بأس به، إذ لا ملازمة بين عدم جواز دفع المالك و عدم جواز دفع الحاكم الشرعي بنحو الكلية و لو ثبتت في الجملة، و كذا الكلام في سائر الحقوق.

(الثاني): يجوز صرف الزكاة في ضيافة الفقراء مباشرة أو وكالة.

(الثالث): لو عال أحد لشخص تبرعا يجوز له صرف زكاته عليه مع فقره.

(1) أما أصل جواز صرف الزكاة على مملوك الغير بعد فقره و عدم النفقة له فللإطلاقات و العمومات، لأنّ المملوكية من حيث هي ليست مانعة عن أخذ الزكاة و صرفها عليه و إنّما المانع إنفاق المالك، و كونه لازما له، و من عياله و هذه العناوين ظاهرة في فعلية الإنفاق كما تقدم، و لا فرق بين كون الإعطاء بنحو الصرف أو التمليك بناء على أنّه يملك كما هو الحق، و أما عدم الفرق بين كونه آبقا و مطيعا فهو حسن إن لم يكن ترك الإنفاق لأجل الإباق و إلا فهو مثل النشوز. فمع تمكنه من الإطاعة متمكن من النفقة فلا تحل له الزكاة. و يمكن ابتناؤه على اعتبار العدالة في الفقير و عدمه. فعلى الأول لا يجوز، و على الأخير يجوز. و قد تقدم عدم اعتبارها في [مسألة 8].

(2) للنصوص المتواترة، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «لا تحل الصدقة لولد العباس، و لا لنظرائهم من بني هاشم» (1) و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح الفضلاء: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): إنّ

ص: 235


1- الوسائل باب: 29 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

.....

______________________________

الصدقة أوساخ أيدي الناس، و إنّ اللّه تعالى قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب» (1).

و في خبر الهاشميّ «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ قال (عليه السلام): هي الزكاة، قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال (عليه السلام): نعم» (2).

و أما خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنّها تحلّ لهم و إنّما تحرم على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و على الإمام الذي بعده، و على الأئمة (عليهم السلام)» (3) فمخالف للإجماع، و النصوص المتواترة، فلا بد من حمله أو طرحه.

تنبيه: تكرّر في أحاديث الفريقين إطلاق الوسخ على الصدقة، و يشهد له المتواترة الدالة على أنّ الزكاة تطهير للمال (4). و في التعبير بالوسخ عناية خاصة من جهتين- الأولى: التحريض للملاك على أن يزيلوا هذه الوساخة عن أموالهم كما يهتمون بإزالة الوساخة عن أبدانهم و ثيابهم. الثانية: أن لا يتصرف الفقراء فيها بأكثر من مقدار حوائجهم، إذ لا يستعمل العاقل الوسخ إلا بقدر الضرورة.

إن قيل: إذا كانت الصدقة وسخا فما معنى قوله تعالى أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ (5)، و معنى المستفيضة بين الفريقين: إنّ الصدقة تقع في يد الرب قبل أن تقع في يد الفقير (6).

يقال: إنّ سنخ هذه التعبيرات ورد أيضا ترغيبا للملاك و استيناسا للفقراء و جبرا لفقرهم. و يمكن أن يكون للتعبير بالوسخية مصلحة نفسية، إذ الجود و الإعطاء خير محض و المال كذلك ففي أيّ شي ء تلحظ الوسخية المنفرة، و يمكن أن

ص: 236


1- الوسائل باب: 29 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: و 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: و 5.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.
4- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1 و غيره.
5- سورة التوبة: 104.
6- الوسائل باب: 29 من أبواب الصدقة.

الاضطرار (1). و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام، حتى سهم العاملين و سبيل اللّه (2). نعم، لا بأس بتصرفه في الخانات و المدارس و سائر

______________________________

يراد بها الشبهات الكثيرة الحاصلة في الأموال غالبا و أنّ الصدقات تطهرها من باب أنّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ بالسيئات، و بالوقوع في يد اللّه جلّ جلاله تذهب جميع تلك الأقذار و الأوساخ.

(1) أما معه فيحلّ حينئذ بقدر رفع الضرورة، لأنّه: (ما من شي ء حرّمه اللّه تعالى إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (1)، و يأتي النص الخاص الدال عليه أيضا.

(2) للإطلاق، و العموم الشامل للجميع، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح العيص: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه عزّ و جل للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم، و لكنّي قد وعدت الشفاعة، ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «و اللّه لقد وعدها فما ظنّكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم» (2).

و قد تأمل كاشف الغطاء في حرمة سهم سبيل اللّه، للسيرة على تصرفهم فيه كالمدارس التي تبنى منه، و المياه التي تسبّل، و الكتب الموقوفة منه و نحو ذلك، و كذا سهم المؤلفة و الرقاب، لأنّ التعليل بأنّها من الأوساخ لا يجري فيها، لأنّ سهم المؤلفة للكفار و ليسوا قابلين للتكريم، وَ فِي الرِّقابِ لا يصرف فيهم بل في فكهم و هو إحسان إليهم. و فيه: أنّ تصرفهم في مثل المدارس لا يكون من إعطاء الزكاة لهم كما يأتي.

و ما ذكره في الْمُؤَلَّفَةِ و الرِّقابِ مجرّد استحسان لا يعارض النصوص الظاهرة في حرمة مطلق الزكاة، و ذكر الأوساخ من الحكمة المناسبة لا العلة المنحصرة.

ص: 237


1- الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلي.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

الأوقاف المتخذة من سهم سبيل اللّه (1). أما زكاة الهاشميّ فلا بأس بأخذها له (2)، من غير فرق بين السهام أيضا، حتى سهم العاملين فيجوز استعمال الهاشميّ على جباية صدقات بني هاشم (3). و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشميّ له مع الاضطرار إليها و عدم كفاية الخمس و سائر الوجوه (4). و لكن

______________________________

(1) لأنّ ذلك انتفاع بالزكاة التي صرفت في مصرفها، لا أن يكون من إعطاء الزكاة إلى بني هاشم أولا و بالذات فهو كما إذا أخذ فقير الزكاة و صنع بها طعاما و أضاف هاشميا إليه، فإنّه يجوز بلا إشكال- كما في الجواهر- فأخذ الزكاة عينا أو منفعة شي ء و الانتفاع بها شي ء آخر، و لا ربط لأحد الموضوعين بالآخر.

(2) للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الشحام: «و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض» (1) و قد تقدم في خبر الهاشميّ (2) أيضا فراجع.

(3) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(4) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق زرارة: «لو كان العدل ما احتاج هاشميّ و لا مطّلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم- ثمَّ قال:- إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا و يكون ممن يحل له الميتة» (3).

و لا بد من حمل ذيله على صدره، فإنّ مقتضى الصدر أنّ المناط حلية الصدقة لهم مع عدم وصول الخمس إليهم بقدر كفايتهم و هذا هو معقد إجماع الفقهاء كما لا يخفى على من راجع كلماتهم و قد عبّر (عليه السلام) في ذيل الحديث بهذا التضييق إرشادا للذرية الطيبة إلى أن لا يجعلوا كل ضرورة وسيلة لتناول أوساخ الناس و يتنزهوا عن ذلك تنزههم عن كل وسخ و قذر و ميتة.

ص: 238


1- الوسائل باب: 32 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.
2- تقدم في صفحة: 236.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

الأحوط حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما مع الإمكان (1).

مسألة 21: المحرم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة

(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة (2)

______________________________

(1) جمودا على ما تقدم من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) من تنزيلها منزلة الميتة.

(2) لأنّ المنساق من الزكاة كتابا و سنة، بل و في استعمالات المتشرعة إنّما هو الزكاة الواجبة، مضافا إلى التصريح بها في النصوص كخبر الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم مما هي؟ فقال (عليه السلام): هي الزكاة، قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال (عليه السلام): نعم» (1).

و خبر الهاشمي عنه (عليه السلام) أيضا: «قلت له أ تحل الصدقة لبني هاشم؟

فقال (عليه السلام): أما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة هذه المياه عامتها صدقة» (2).

و عن جمع منهم: الشيخ و السيد، و المحقق، و العلامة حرمة مطلق الصدقات الواجبة عليهم، للإطلاق، و الاتفاق، و ما تقدم من إطلاق خبر الهاشمي.

و فيه: أنّ المنساق من الإطلاق خصوص المفروضة كما مر، و المتيقن من الاتفاق ذلك أيضا، مع أنّه لا وجه لدعواه لذهاب جمع كثير إلى الاختصاص بخصوص الزكاة المفروضة، و المنساق من خبر الهاشمي الزكاة الواجبة أيضا مع تأييد ذلك كلّه بما تقدّم من التعليل بأنّها أوساخ الناس، إذ لا ينطبق ذلك إلا على الزكاة التي تكون مطهّرة للمال و هي مختصة بالواجبة، و المسألة بحسب الأصل العمليّ من موارد الأقلّ

ص: 239


1- الوسائل باب: 32 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

و زكاة الفطرة (1) و أما الزكاة المندوبة- و لو زكاة مال التجارة- و سائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه (2)، بل لا تحرم الصدقات الواجبة- ما عدا الزكاتين (3)- عليه أيضا، كالصدقات المنذورة و الموصى بها للفقراء، و الكفارات و نحوها، كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين. و أما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميا. فلا إشكال أصلا (4) و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه (5) و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة (6)، خصوصا مثل زكاة مال

______________________________

- أي: خصوص الزكاة المفروضة- و الأكثر أي: مطلق الصدقات الواجبة، و لا ريب في عدم جواز الأول إعطاء و أخذا، و مقتضى أصالة الإباحة جواز الأخير كذلك.

(1) لدعوى الإجماع على اعتبار اتحاد مصرف زكاة المال و زكاة الفطرة كما صرّح به في الجواهر و قال: «لو لا ذلك لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة اقتصارا على المنساق من النصوص في زكاة المال خصوصا ما ذكر فيه صفة التطهير للمال الشاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضا».

(2) للأصل، و النص، و الإجماع و قد تقدم خبر الهاشميّ فراجع.

(3) لأصالة الإباحة أخذا و إعطاء، و إطلاق أدلتها الخاصة، و قصور أدلة تحريم الزكاة عليهم عن إثبات التعميم كما مرّ.

(4) لإطلاق ما دل على حلية صدقات بعضهم على بعض.

(5) جمودا على ما تقدم من خبر الهاشميّ.

(6) لموثق زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟ فقال (عليه السلام): نعم، إنّ صدقة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) تحلّ لجميع الناس من بني هاشم، و غيرهم و صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم و لا تحلّ صدقات إنسان غريب» (1) بعد حمله على مطلق المرجوحية جمعا بينه و بين غيره.

ص: 240


1- الوسائل باب: 22 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

التجارة (1).

مسألة 22: يثبت كونه هاشميا بالبينة، و الشياع

(مسألة 22): يثبت كونه هاشميا بالبينة، و الشياع (2). و لا يكفي مجرّد دعواه (3)، و إن حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره (4). و لو ادعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم عند الشك في كونه منهم أم لا، و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط (5).

______________________________

(1) جمودا على إطلاق خبر الهاشميّ قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام):

عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال (عليه السلام): هي الزكاة قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال (عليه السلام): نعم» (1) فإنّ إطلاقه يشمل المندوبة أيضا، و لا بد من حمله على مطلق المرجوحية جمعا.

(2) لاعتبار كل منهما شرعا، فيعتبران في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و ما دلّ على عدم الاعتماد على غير العلم يراد به غير الاطمينانات المعتبرة في الشريعة لأنّ المراد بالعلم في الكتاب و السنة الاطمئنان العادي لا العلم المنطقي. و يأتي في كتاب القضاء تفصيل الكلام إن شاء اللّه تعالى.

(3) لأصالتي عدم الاعتبار و الاشتغال.

(4) و لأصالة الاشتغال الجارية بالنسبة إلى المالك.

(5) لأصالة عدم الانتساب المعمول بها عند الأصحاب في جميع أبواب الفقه من الإرث، و النكاح، و الوصية، و بيع المملوك، و الوقف و الديات و الحيض و غيرها و الظاهر كونها من الأصول العقلائية المعتبرة عند الكل و هي أعرف في المرتكزات من أن يكون مدركها أصالة عدم الانتساب بالعدم الأزلي حتى يبتني على اعتباره و عدمه فلو عدت أصلا نظاميا مستقلا لم يكن به بأس، فهي أصل مستقل بنفسه لا أن يكون مدركه الاستصحاب أزليا كان أو نعتيا.

ص: 241


1- الوسائل باب: 32 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.
مسألة 23: يشكل إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولد من الهاشميّ بالزنا

(مسألة 23): يشكل إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولد من الهاشميّ بالزنا (1)، فالأحوط عدم إعطائه و كذا الخمس، فيقتصر فيه على زكاة الهاشميّ.

______________________________

(1) لا ريب في تحقق الولدية التكوينية بالنسبة إلى ولد الزنا، و صحة إطلاق الولد عليه عرفا، و لغة و حينئذ فمقتضى الإطلاقات الواردة في الأبواب المختلفة ترتب جميع أحكام الولد عليه إلا ما خرج بالدليل، و قد خرج الإرث بالدليل و بقي الباقي تحت العمومات و الإطلاقات، و لا دليل على الخلاف في المقام إلا دعوى الانصراف إلى الولد الشرعي و يساعده مرتكزات المتشرعة أيضا.

فروع- (الأول): لو تردد المالك بين كونه هاشميا أم لا، فمقتضى أصالة عدم انتسابه إلى هاشم عدم جواز إعطائها لهاشمي و عدم جواز أخذه من قسمة الخمس.

(الثاني): يجوز للهاشمي التصرف فيما تملكه الفقير بعنوان الزكاة أخذا و أكلا و لبسا و سائر التصرفات، كما يجوز للفقير الهدية مما تملكه من الزكاة إلى الهاشميّ و ضيافته و نحو ذلك، و كذا يجوز أخذ أجرة عمله منه مما تملكه من الزكاة.

(الثالث): يعتبر في الصدقات المندوبة أن لا يكون إعطاؤها إعانة على الحرام و إلا فيحرم الإعطاء، و كذا يعتبر في أخذها الفقر، و الأحوط اعتبار الإيمان و عدم كون الآخذ واجب النفقة إن كان الإعطاء بعنوان الصدقة، و أما إن كان بعنوان مجرّد الإحسان، فلا يعتبر الإيمان و لا عدم كونه واجب النفقة، لإطلاق قوله تعالى:

وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (1).

(الرابع): يجوز للمالك أن يجعل جميع زكاته من سهم سبيل اللّه و يجعله في سبيل الخير كيف ما شاء مع ملاحظة الأهم و المهم.

ص: 242


1- سورة البقرة: 195.

فصل في بقية أحكام الزكاة

اشارة

(فصل في بقية أحكام الزكاة) و فيه مسائل:

الأولى الأفضل- بل الأحوط- نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة

الأولى الأفضل- بل الأحوط- نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، لا سيّما إذا طلبها- لأنّه أعرف بمواقعها، لكن الأقوى عدم وجوبه (1)

______________________________

(فصل في بقية أحكام الزكاة)

(1) على المشهور، للنصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرقة، و أصالة البراءة، و إطلاقات الأدلة، و السيرة القطعية. و في الجواهر: «أنّه من الضروريات بين العلماء».

و عن جمع وجوب الدفع إلى الفقيه الجامع للشرائط، لإجماع الخلاف و لأنّه أبصر بمواقعها، و لقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها (1) فيكون في زمن الغيبة للفقيه الجامع للشرائط و لكن الأول مردود بذهاب المشهور إلى الخلاف. و الثاني لا كلية له. و الأخير في مقام أصل التشريع فقط، فلا إطلاق له يشمل جميع أحكام الحكم المشروع مع أنّه في مورد بسط اليد فلا يشمل غيره و يشهد له خبر جابر: «أقبل رجل إلى الباقر (عليه السلام) و أنا حاضر فقال: رحمك اللّه اقبض منّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنّها زكاة مالي، فقال (عليه السلام): بل خذها أنت فضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين، و في إخوانك من المسلمين. إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا (عليه السلام)، فإنّه يقسم بالسوية، و يعدل في خلق الرّحمن، البرّ و الفاجر» (2).

ص: 243


1- سورة التوبة: 103.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

.....

______________________________

و لا بأس بالإشارة الإجمالية إلى ولاية الفقيه الجامع للشرائط و إن أشرنا إليها في كتاب البيع- عند بيان ولاية الأب و الجد- و في كتاب القضاء و سائر الموارد المناسبة. فنقول:

لا ريب عند جميع المسلمين في أنّ له الولاية على الإفتاء و القضاء، بل جميع المسلمين يعتقدون في زعمائهم الدينيين ذلك فهي بالنسبة إليهم من الفطريات لا من النظريات التي تحتاج إلى الإثبات. إنّما البحث في ولايته العامة بالنسبة إلى كل ما كانت ولايته للنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و خلفائه المعصومين، فالفقيه الجامع للشرائط بمنزلتهم- إلا ما اختصوا به من خواص النبوة، و الإمامة.

و الولاية العامة كجباية الصدقات و صرفها، و التصرف فيما يتعلق بالقصر، و نصب الأئمة للجمعة و الجماعة، و إقامة الحدود، و تجنيد الجنود، و الدعوة إلى الإسلام، و تنظيم أمور البلاد و الأنام إلى غير ذلك مما لا يحصى.

و يمكن الاستدلال على هذا التعميم بالأدلة الأربعة: فمن الكتاب قوله تعالى يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (1) فيستفاد من ذيلها أنّ المناط في الخلافة الحكم بالحق و ترك متابعة الهوى، و بعد ثبوت نصبه من قبل المعصوم تشمله الآية الكريمة قطعا، و كذا قوله تعالى أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2) لأنّه بعد نصبه للفتوى و القضاء يصير من أولي الأمر، فيشمله إطلاق الآية، و لا معنى للولاية إلا هذا النحو من الإطلاق. و توهم: أنّها حينئذ تختص بخصوص الفتوى و الحكم تخصيص في إطلاق الآية من غير مخصص.

و من العقل أنّ ما ثبت للإمام من حيث رئاسته الكبرى، و زعامته البشرية من الأمور التي يرجع فيها المرؤوسون إلى رئيسهم بالفطرة في كل مذهب و ملة حفظا للنظام و تحفظا على النفوس، و الأعراض إما أن تعطل بعده، أو تكون لشخص

ص: 244


1- سورة ص: 26.
2- سورة النساء: 59.

.....

______________________________

خاص غير الفقيه الجامع لشرائط، أو يكون جميع الناس فيه شرع سواء، أو يكون لخصوص الفقيه الجامع للشرائط.

و الكل باطل غير الأخير، إذ الأول: تعطيل لأحكام كثيرة من غير وجه، و هو قبيح. و الثاني: يحتاج إلى دليل على التعيين، و هو مفقود بل شددوا النكير على الرجوع إلى غيرهم. و الثالث: هرج و مرج و هو أقبح من الأول، فيتعيّن الأخير.

و توهم: أنّ الولاية العامة على جميع الأمور تتوقف على الخبروية في جملة كثير من الموضوعات، و الإمام (عليه السلام) ليس من أهلها فضلا عن الفقيه. (ساقط):

لأنّ الولاية التدبيرية و التنظيمية لأمور الخلق و شؤونهم الدنيوية و الأخروية التي سنبحث عنها أعمّ من المباشرة و التسبيب بأهل الخبرة من كل شي ء، كما كان ذلك عادة نبينا الأعظم، و خلفائه و سائر أنبياء اللّه تعالى، و الولاية الشخصية التدبيرية المنزلية متقوّمة بالأعمّ من المباشرة و التسبيب، فكيف بالولاية التدبيرية العامة، و يشهد لما قلناه الوجدان فنرى أنّ جميع أهل الأديان السماوية يتبادر في أذهانهم عند تنظيم المهمات النوعية و الشخصية- جزئيّة و كليّة- أن يستندوا فيه إلى الوحي السماويّ، لأنّه المعتمد عليه في الإتقان و الاستحكام و ليس النظر في ذلك محصورا على خصوص بيان الأحكام و فصل الخصومات فقط، بل كل ما له دخل في نظم الجامعة البشرية نظما فرديا و نوعيا. نعم، حيث غلب الجور على الزمان و أهله يركنون إلى الظالمين بطبيعتهم الثانوية لا بفطرتهم الأولية فإنّها مقتضية للتوجه إلى اللّه تعالى و وسائط فيضه التكويني و التشريعي ما لم تمنعه الموانع التي لا تحصى، إذ الفطرة محفوفة بالموانع بحيث كادت أن تذهب بأصل اقتضاء المقتضي عنها.

و تفصيل هذا البحث يحتاج إلى بسط الكلام في جهات لا مجال للتعرض لها.

و يشهد به الاعتبار أيضا، لأنّه بعد ما وجب أن يسدّ باب الظلم و الجور، و يستأصل الظالمين و الجائرين، و الأمة في نهاية الاحتياج إلى من يدبر شؤونهم المالية و النفسية و العرضية، و ينظم بلادهم و يجمع شتاتهم في كل ما يتعلق بهم تدبيرا و نظما إلهيّا بما سنه و قننه النبيّ الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) فعلى من يجب أن يتصدّى لذلك، أ فهل يتوهم أن يكون هذا المنصب لغير الفقيه الجامع للشرائط المخالف لهواه و المطيع لأمر

ص: 245

.....

______________________________

مولاه؟!! و الظاهر أنّ التشكيك في ذلك من التشكيك في البديهات.

و أما الأخبار فهي متواترة المضمون إجمالا:

منها: قوله (عليه السلام) في مقبولة ابن حنظلة- في حديث-: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا رد، و الراد علينا الراد على اللّه» (1) و ذكر الحكم من باب المناسبة لمورد السؤال لا الخصوصية.

و المنساق من الحديث تنزيل من نظر في حلالهم و حرامهم منزلة أنفسهم (عليهم السلام) إلا ما خرج بالدليل.

و منها: قوله (عليه السلام): «اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» (2) و إطلاق جعل القضاوة يشمل جميع لوازمها و ملزوماتها العرفية كالولاية و شؤونها.

و منها: التوقيع الشريف: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا، فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه- الحديث-» (3).

و إطلاق الحجية يقتضي التنزيل من كل جهة، كما أنّ إطلاق الحوادث يشمل جميع الحوادث التي تحتاج إليها الأمة في شؤونهم الدينية و الدنيوية التي يرجع فيها المرؤوس إلى الرئيس.

و منها: قوله (عليه السلام) في شأن محمد بن عثمان العمري: «فإنّه ثقتي و كتابه كتابي» (4).

فإطلاق التنزيل يشمل الجميع بعد حمل الكتاب على مجرّد المثال و قصور الظروف عن ذكر غيره، مع أنّ إطلاق الكتاب يشمل جميع ما كتب من شؤون الولاية التدبيرية.

و منها: قوله (عليه السلام) في صحيح جميل بن دراج: «أمناء اللّه على حلاله و حرامه لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست» (5).

ص: 246


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 6.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 14.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث:.

.....

______________________________

و من أهمّ آثار النبوة- و الأمانة على الحلال و الحرام- الولاية التدبيرية في أمور العباد و البلاد و ليس المراد مجرّد نقل الحديث، فإنّه يصح عن كل عاميّ ثقة- رجلا كان أو امرأة، و لا يحتاج إلى هذه التجليلات الكثيرة. نعم، نقل الحديث أيضا داخل في العموم، بل كان الأهم في تلك العصور التي كانت أيدي العدل مقبوضة من كل جهة، و يشهد له قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لو لا زرارة و نظراؤه لظننت أنّ أحاديث أبي (عليه السلام) ستذهب» (1).

و منها: قوله (عليه السلام): «هؤلاء حفاظ الدّين و أمناء أبي (عليه السلام) على حلال اللّه و حرامه» (2).

و لا ريب في أنّ حفظ الدّين بالعمل به مقصود الأنبياء و المرسلين خصوصا خاتم النبيين، و حفظ الدّين بالعمل بالنسبة إلى الفقيه الجامع للشرائط عبارة أخرى عن إعمال ولايته.

و منها: قوله (عليه السلام): «بهم يكشف اللّه كل بدعة، ينفون عن هذا الدّين انتحال المبطلين و تأويل الغالين، ثمَّ بكى، فقلت: من هم؟ فقال (عليه السلام): من عليهم صلوات اللّه و عليهم رحمته أحياء و أمواتا: بريد العجلي، و أبو بصير، و زرارة، و محمد بن مسلم» (3).

و يستفاد من إطلاقه ثبوت الولاية، فإذا كان مثل هذه الأخبار دالا على الاستيمان في الأحكام تدل على الاستيمان في موضوعاتها بالأولى، و لا معنى للولاية إلا ذلك.

و منها: قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «يحمل هذا الدّين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين، و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين» (4).

و هو ظاهر في التنزيل أي: تنزيل الفقيه الجامع للشرائط منزلة الإمام و لا معنى للولاية إلا ذلك.

ص: 247


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 16.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 21.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 25.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 43.

.....

______________________________

و منها: قوله (عليه السلام): «قال اللّه تعالى وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً- فنحن و اللّه القرى التي بارك فيها، و أنتم القرى الظاهرة» (1).

فإنّه ظاهر في عموم التنزيل.

و منها: قوله (عليه السلام): «فاصمدا في دينكما على كل من في حبنا، و كل كثير القدم في أمرنا، فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى» (2).

و الجملتان الأخيرتان لا موضوعية لهما، بل كناية عن الإحاطة بحلالهم و حرامهم و النظر فيهما و هذه الرواية أيضا شاهد للتنزيل.

و منها: قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «اللهم ارحم خلفائي- ثلاثا- قيل: يا رسول اللّه و من خلفاؤك؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله): الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي» (3).

فإطلاق الخلافة يشمل الولاية، و ذكر رواية الحديث من باب الغالب لا التخصيص، و إلا فالرواية المعتبرة تصدر عن كل أمين- رجلا كان أو امرأة- و لا يحتاج ذلك إلى إطلاق الخلافة.

و احتمال: أنّ المراد بالخلافة، و قوله: «أمناء اللّه على حلاله و حرامه» خصوص المعصومين (باطل) بالنسبة إلى سياق هذه الأخبار، لأنّ الصادق (عليه السلام) أطلق أمناء اللّه على حلاله و حرامه بالنسبة إلى أصحابه فيما مرّ من الحديث.

و قال في الجواهر في كتاب الزكاة- و ما أحسن ما قال رضوان اللّه تعالى عليه-:

«إطلاق أدلة حكومته خصوصا رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر (عليه السلام) يصيّره من أولي الأمر الذين أوجب اللّه علينا طاعتهم. نعم، من المعلوم اختصاصه في كل مما له في الشرع مدخلية حكما أو موضوعا، و دعوى اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية يدفعها معلومية توليه كثيرا من الأمور التي لا ترجع

ص: 248


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 46.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 45.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 7.

فيجوز للمالك مباشرة- أو بالاستنابة و التوكيل (1)-

______________________________

للأحكام، كحفظه لمال الأطفال و المجانين و الغائبين و غير ذلك مما هو محرّر في محله و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء، فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى إطلاق الذي ذكرناه المؤيد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشدّ من مسيسها في الأحكام الشرعية» و قال (رحمه اللّه) في كتاب الخمس ما يقرب من ذلك. و قد تعرّضنا في كتاب البيع، و كتاب القضاء و الحدود لما يناسب المقام.

و من الإجماع إجماع المسلمين في الجملة و إن وقع الخلاف في بعض الخصوصيات و الجهات، و لكنه لا يضرّ بأصل الإجماع كما لا يخفى على من راجع كتب الفريقين و لكن مع ذلك كله الأمر خطير جدّا. و قد نسب بعض مشايخنا (1) إلى شيخنا البهائي، و المحقق الثاني أنّهما قالا: «إنّ التلبس بالزعامة العامة قد يلازم سقوط مخالفة الهوى، فيلزم من فرض ثبوت هذه الولاية عدمها» و لعل السرّ في سكوت قدماء الفقهاء عن تفصيل الكلام كان لأجل التفاتهم إلى جملة من الأمور مع إمكان المناقشة في بعض ما استدللنا به.

(1) لأصالة جواز الوكالة، و الاستنابة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و قد صرّح به في الجواهر في كتاب الوكالة، و أرسله المحقق- (رحمه اللّه) في كتاب وكالة الشرائع- إرسال المسلّمات، و تقتضيه السيرة في الجملة، و مقتضى المرتكزات اعتبار الوثوق و الاطمئنان في الوكيل، و يظهر ذلك من جملة من النصوص:

كموثق سعيد: «الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟

قال (عليه السلام): نعم» (2).

و يظهر من موثق ابن يقطين: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها» (3).

ص: 249


1- هو المرحوم آية اللّه العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الغروي الأصبهاني.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها. نعم، لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب- بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعا، و كان مقلّدا له- يجب عليه الدفع إليه، من حيث إنّه تكليفه الشرعي (1)، لا لمجرد طلبه، و إن كان أحوط كما ذكرنا (2)

______________________________

و تدل عليه النصوص المشتملة على لفظ أداء الزكاة و هي كثيرة سواء اشتملت على هذا اللفظ، أو المشتقات منه و هي ظاهرة في الأعمّ من المباشرة و التسبيب كما في أداء الدّين.

(1) طلب الحاكم الشرعي للصدقات على أقسام:

الأول: يطلبها لأن تكون في يده لمصلحة مقتضية لذلك.

الثاني: لأن يصرفها في مصرف خاص بالمباشرة.

الثالث: يطلبها لأن يصرفها في مصرف خاص أعمّ من المباشرة أو التسبيب.

و كل منها تارة على وجه الفتوى، و أخرى: على وجه الحكم، و لا يجب الإيصال إليه في صورتي الطلب، لأن يصرفها في مصرف خاص أعمّ من المباشرة سواء كان على وجه الحكم أم لا، للأصل، فيجوز للمالك صرفها بنفسه في ذلك المصرف لفرض أنّ الطلب كان للصرف في مصرف خاص من دون المباشرة، و الحكم و الفتوى طريق محض للصرف فيه، و لكن الظاهر تحقق الإثم في مخالفة الحكم و إن برئت ذمة المالك مع الصرف في المصرف الخاص و يجب الإيصال إليه في بقية الصور، إلا أنّه إذا كان على وجه الحكم يعم الجميع، و إن كان على وجه الفتوى يختص بمقلديه.

(2) و جزم به في الجواهر، لعموم ما دلّ على حكومته، و ولايته، و خبر النصب (1) الوارد عن وليّ الأمر (عليه السلام) المستفاد منه أنّه كنفس الإمام (عليه السلام).

و أشكل عليه: بأنّ المنساق مما دل على حكومته و ولايته و نصبه عنه (عليه

ص: 250


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

..........

______________________________

السلام) إنّما هو المنازعات و الخصومات، و ما يرجع فيه النوع إلى رئيسهم بالفطرة و الشك في ذلك يكفي في عدم سقوط ولاية المالك و عدم الولاية عليه.

(و فيه)- أولا: أنّ حكم الصدقات الواجبة و مصرفها أيضا مما يرجع فيه الناس بفطرتهم إلى رؤساء مذهبهم، فيشملها جميع تلك الأدلة.

و ثانيا: أنّ الاهتمام بأموال الفقراء و جمعها من الأغنياء و صرفها في مصارفها من أهمّ الأمور لا بد و أن يهتم بها الشرع، و يصح دعوى أنّ ذلك هو المتيقن من مجموع الأدلة.

و ثالثا: لنا أن نقول: إنّ الأدلة ظاهرة في العموم إلا ما خرج بالدليل و إلا يلزم الإلقاء في الحيرة في هذا الأمر العام البلوى للأمة في الشريعة الأبدية.

و أما ما عن الأصبهاني في شرحه على اللمعة من عدم الظفر بالقول بوجوب الدفع مع الطلب، فلا اعتبار به، لأنّه ليس من الإجماع على الخلاف حتى يقيد به ما قلناه، فكم من قول لم يظفر على القائل به من السلف و شاع بين المحققين الخلف و كذا العكس.

و خلاصة الكلام: إنّ الطلب إما من الإمام (عليه السلام)، أو من الحاكم الشرعي في زمن الغيبة، أو من الفقير بنفسه. و يجب الدفع في الأول و كذا في الثاني يجب إنفاذ حكمه إن كان بنحو الحكم، و يجب على مقلديه إن كان بنحو الفتوى و لا يجب شي ء في غير ذلك، للأصل، و عموم ما دلّ على ولاية المالك.

فروع- (الأول): لو حكم حاكم شرعيّ بوجوب الدفع إليه، و حكم حاكم شرعيّ آخر بوجوب الدفع إليه يتخيّر المالك مع تساويهما من جميع الجهات.

(الثاني): لو حكم حاكم بوجوب الدفع إليه و أفتى آخر بوجوب الدفع إليه يقدم احكم حتى للمقلد و الآخر لما يأتي في كتاب القضاء من أنّ الحكم ينقض الفتوى.

(الثالث): لو علم المالك أنّ الحاكم الشرعيّ يصرف الزكاة فيما لا فائدة فيه و يعلم الحاكم بالفائدة، فهل يجوز للمالك إعطاؤه الزكاة أو لا؟ وجهان.

(الرابع): لو اختل بعض الشرائط في الحاكم و ما أخذه من الزكاة كان موجودا عنده تسقط ولايته عليه و يرجع إليه المالك.

ص: 251

بخلاف ما إذا طلبها الإمام عليه السلام في زمان الحضور، فإنّه يجب الدافع إليه بمجرّد طلبه، من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر (1).

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية (2) بل يجوز التخصيص ببعضها، كما لا يجب في كل صنف البسط على أفراده إن تعددت- و لا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد (3). لكن يستحب البسط (4) على الأصناف مع سعتها و وجودهم بل

______________________________

(الخامس): لو مات الحاكم الشرعي و الزكاة أو سائر الحقوق في يده لا يرثها ورثته، لأنّها لا تصير ملك الحاكم بالقبض، بل له ولاية الصرف فقط و قد سقطت ولايته بموته.

(1) بالأدلة الثلاثة، بل الأربعة في الجملة كما هو واضح.

(2) للأصل، و الاتفاق بعد كون الأصناف من مجرّد المصرف، و للسيرة القطعية، و النصوص الكثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الهاشمي: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّمها بينهم بالسوية و إنّما يقسّمها على قدر ما يحصرها منهم و ما يرى و ليس عليه في ذلك شي ء مؤقت موظف، و إنّما يصنع ذلك ما يرى على قدر من يحضرها منهم» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا- في تفسير آية الصدقات-: «إن جعلتها فيهم جميعا، و إن جعلتها لواحد أجزأك» (2) إلى غير ذلك من الروايات.

(3) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(4) أرسل ذلك إرسال المسلّمات، و يقتضيه محبوبية تعميم الفائدة مهما أمكن.

ص: 252


1- الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

يستحب مراعاة الجماعة- التي أقلّها ثلاثة- في كل صنف منهم، حتى ابن السبيل و سبيل اللّه (1) لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص (2).

الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله

الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله (3). كما أنّه يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب (4) و أهل الفقه و العقل على غيرهم (5)، و من لا يسأل من الفقراء على أهل

______________________________

(1) جمودا على العبارات المشتملة على لفظ الجمع كعبارة الشرائع في غير ابن السبيل، و سبيل اللّه، و لما ورد في تفسير القمي فيهما، فعبّر عن ابن السبيل بأبناء الطريق، و عن سبيل اللّه بقوم يخرجون إلى الجهاد (1) بناء على كفاية مثل ذلك في الاستحباب من باب المسامحة فيه، مع أنّ تفريق الخير خير.

(2) لأنّ الأهمية تزاحم الوجوب فكيف بالمندوب.

(3) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن عجلان: «إنّي ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ قال (عليه السلام): أعطهم على الهجرة في الدّين، و الفقه، و العقل» (2) و يقتضيه المرتكزات أيضا.

(4) كما في خبر ابن عمار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): «قلت له:

لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال (عليه السلام) مستحقون لها؟ قلت: نعم، قال (عليه السلام): هم أفضل من غيرهم، أعطهم» (3)، و النبويّ «أي الصدقة أفضل؟ فقال (عليه السلام): على ذي الرّحم الكاشح» (4)، و لأنّه يشتمل على فضل صلة الرحم أيضا.

(5) تقدم ما يتعلق به في قول أبي عبد اللّه (عليه السلام).

ص: 253


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
4- تقدم في صفحة: 233.

السؤال (1). و يستحب صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمل من الفقراء (2). لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها و قد يعارضها- أو يزاحمها- مرجحات أخرى فينبغي حينئذ ملاحظة الأهمّ و الأرجح (3).

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به بخلاف الصدقات المندوبة، فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّا (4).

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي» أو «لم يتعلق بمالي شي ء»

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي» أو «لم يتعلق بمالي شي ء» قبل قوله، بلا بيّنة، و لا يمين (5)

______________________________

(1) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل» (1).

(2) لقول الصادق (عليه السلام): «إنّ صدقة الخف و الظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين، و أما صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز مما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين» (2).

(3) لأنّ تقديم الأهم و الأرجح على غيرهما من الفطريات و هي كالقرينة المحفوفة بالمطلقات و يمكن الاختلاف بحسب الأزمنة و الأمكنة، و الأشخاص و سائر الخصوصيات.

(4) لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كل ما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من أسراره، و كل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه. و لو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا» (3).

(5) للنص، و الإجماع قال عليّ (عليه السلام) لمصدقه: «إذا أتيت على ربّ

ص: 254


1- الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

ما لم يعلم كذبه (1)، و مع التهمة لا بأس بالتفحص و التفتيش عنه (2).

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص (3) و إن كان من غير الجنس الذي تعلقت به (4) من غير فرق بين وجود المستحق و عدمه على الأصح (5)

______________________________

المال فقل تصدّق- رحمك اللّه- مما أعطاك اللّه، فإن ولى عنك، فلا تراجعه» (1) و نحوه غيره، و يقتضيه دليل ولاية المالك أيضا الظاهر في أمانته.

(1) فيرى فيه الحاكم الشرعيّ رأيه حينئذ، فقد يمكنه جبره و قد لا يمكن ذلك.

(2) لأصالة الإباحة و اهتماما بحق الفقراء، و لا ينافيه ما تقدم من الأخبار لظهورها في غير هذه الصورة.

(3) لاقتضاء ولاية المالك و أمانته الشرعية، لذلك قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الموثق: «إذا حال الحول، فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي ء ثمَّ أعطها كيف شئت»(2). و قد تقدم في [مسألة 34] من (فصل زكاة الغلات) فراجع.

(4) لإطلاق ما دل على جواز دفع البدل الشامل للعزل أيضا، و قد أفتى به جمع منهم الشهيدان.

(5) لإطلاق أدلة العزل الشامل لهذه الصورة أيضا، و لأنّه نحو إرفاق بالمالك، و قد جرت عادة الشارع على الإرفاق به مهما أمكنه، و في صحيح ابن سنان:

«الرجل يخرج زكاته، فيقسم بعضها و يبقي بعضا يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر قال (عليه السلام): لا بأس» (3).

و في موثق يونس: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) زكاتي تحلّ عليّ في شهر

ص: 255


1- الوسائل باب: 55 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية (1). و حينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلا بالتعدّي أو التفريط (2) و لا يجوز تبديلها

______________________________

أ يصلح لي أن أحبس شيئا منها مخافة أن يجيئني من يسألني، فقال (عليه السلام): إذا حال عليها الحول فأخرجها من مالك» (1).

و قال في الجواهر: «لا ينكر ظهور هذه النصوص في مشروعية العزل و حصول فائدته مع وجود المستحق و لو من جهة الإطلاق، بل كاد يكون صريح بعضها.

نعم، الغالب أنّه مع وجود المستحق يدفع إليه و لا يعزل و لا يصلح ذلك لتقييد المطلقات، فيكون تعيين الزكاة تارة بقبض الحاكم الشرعي. و أخرى بقبض المستحق. و ثالثة: بالعزل. فما عن جمع من الاختصاص بالأولين كأنّه اجتهاد في مقابل النص».

(1) لما قاله في الجواهر: «لاستفاضة عبارات الأصحاب على اعتبار عدم المستحق خاصة في العزل، و في الضمان و في النقل و غيره لكن الإنصاف عدم خلوّه عن البحث و النظر».

(2) للنص، و الإجماع من كل من قال بالعزل، فعن ابن جعفر: «سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤديها قال (عليه السلام): اعزلها فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشتغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح و لا وضيعة عليها» (2) ثمَّ إن العزل من فروع ولاية المالك فهو مطابق للقاعدة مع أنّه قد ورد فيه النص في زكاة المال و زكاة الفطرة كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و أما إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برأ منها» (3)، و إطلاق قول أبي جعفر (عليه السلام): «إذا أخرج

ص: 256


1- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

بعد العزل (1).

السابعة: إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة

السابعة: إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير (2) بالنسبة و الخسارة عليه (3) و كذا لو اتجر بما عزله و عينه للزكاة (4).

الثامنة: تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله

الثامنة: تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله

______________________________

الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سماها لقوم فضاعت أو أرسل إليهم فضاعت فلا شي ء عليه» (1)، فلا بد و أن يقيد بالمستفيضة الدالة على الضمان بالتأخير مع وجود المستحق و يجب تقييد إطلاق المتن به أيضا، و تقدم منه الفتوى بذلك في [مسألة 34] من آخر زكاة الغلات، و لعل مراده هنا بالتفريط ما يشمل ذلك أيضا.

(1) لأنّه وقع بإذن وليّ الفقراء، فيجري عليه حكم المقبوض لهم، فلا وجه لما عن شارح الروضة من منع الخروج عن ملك المالك بالعزل. ثمَّ إنّه يجوز للحاكم الشرعيّ الإذن في التبديل إن رأى المصلحة في ذلك.

(2) هذا الفرع من فروع كيفية تعلق الزكاة بالعين، و تقدم البحث عنه في [مسألة 31 و 33] من مسائل زكاة الأنعام فراجع. و ما مرّ آنفا من خبر ابن جعفر و إن كان ظاهرا في كون الربح للفقير، و لكن قصور سنده يمنع عن الاعتماد عليه.

(3) بلا إشكال فيه، لأنّ مجرد تعلق حق الفقير بالمال لا يوجب كون الخسارة عليه، مع كون الملك للمالك، و الربح و الخسارة تابع له عرفا و لا يدور مدار الحق المتعلق به كما في حق الرهانة و نحوه.

(4) لما تقدم من أنّ المعزول يصير ملكا للفقير، فيصير تصرف المالك فيه فضوليا، فيجري عليه جميع أحكامه من كون الربح للمالك مع الإجازة و الخسارة على الفضولي، و الظاهر أنّه ليس للحاكم الشرعي إجازة البيع مع الخسارة، لكونها ضررا على الفقراء إلا مع وجود مصلحة أهمّ منه، و كذا ليس للفقير إجازته مطلقا، لعدم ولايته على الفقراء، و إنّما له حق أخذ الزكاة مع اجتماع الشرائط.

ص: 257


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة (1) و لو كان الوارث مستحقا جاز احتسابه عليه (2)، و لكن يستحب دفع شي ء منه إلى غيره (3).

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (4) خصوصا مع المرجحات، و إن كانوا مطالبين (5). نعم، الأفضل حينئذ الدفع

______________________________

(1) لسيرة المتشرعة، و إجماع الإمامية، بل الضرورة الفقهية، و تقتضيه قاعدة المقدمية، و ما ورد في المال الذي مات صاحبه و لم يعلم له وارث من قوله (عليه السلام): «ثمَّ توصي بها، فإن جاء طالبها .. و إلا فهي كسبيل مالك» (1)، و نحوه مما ورد في اللقطة (2)، و تقدم في أحكام الأموات بعض الكلام، و يأتي في كتاب الوصية ما ينفع المقام.

(2) للنص، و الإجماع، فعن عليّ بن يقطين: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): رجل مات و عليه زكاة، و أوصى أن يقضي عنه الزكاة، و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا، فقال (عليه السلام): يخرجونها، فيعودوا بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم» (3)، و تقتضيه الإطلاقات و العمومات أيضا إن كان من الأداء من وليّ أمر الميت.

(3) لما تقدم في خبر ابن يقطين.

(4) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ليس عليه في ذلك شي ء موقت موظف» (4)، و يدل عليه الأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(5) للأصل، و الإطلاق، و ما دل على ولاية المالك على الإخراج، و إطلاق ما تقدم من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) و لا دليل على التعيين بطلب بعض الفقراء بل مقتضى الأصل، و الإطلاق عدمه.

ص: 258


1- الوسائل باب: 4 من أبواب إرث من لا وارث له حديث: 7.
2- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة حديث: 10 و 12 و غيرهما.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن إلا إذا زاحمه ما هو أرجح.

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره، مع عدم وجود المستحق فيه (1). بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك، و لم يتمكن من الصرف في سائر المصارف (2). و مئونة النقل حينئذ من الزكاة (3)

______________________________

(1) لجملة من النصوص:

منها: صحيح ضريس: «سأل المدائني أبا جعفر (عليه السلام) فقال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال (عليه السلام): في أهل ولايتك فقلت: إنّي في بلاد ليس فيه أحد من أوليائك فقال (عليه السلام): ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غدا إلى أمر لم يجيبوك، و كان و اللّه الذبح» (1)، و يدل عليه الأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(2) لظاهر ما تقدم من صحيح ضريس، و خبر الحداد عن العبد الصالح (عليه السلام): «قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال (عليه السلام): يضعها في إخوانه و أهل ولايته. فقلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد قال (عليه السلام): يبعث بها إليهم» (2).

و ظهور الاتفاق على عدم جواز تعطيل الحقوق مطلقا إلا لعذر شرعيّ و لدوران الأمر حينئذ بين التعطيل و الصرف، و مقتضى المرتكزات تقدم الثاني.

و احتمال أن يكون صحيح ضريس، و خبر ابن الحداد في مقام بيان المنع عن الإعطاء لغير الشيعة و لا يستفاد منه غير ذلك، أو في مقام توهم الحظر، أو في مقام الإرشاد، كلها خلاف الظاهر.

(3) لأصالة البراءة عن كونها على المالك، و لأنّ النقل إنّما هو لمصلحة الفقراء فلا بد و أن تكون المؤنة عليهم.

ص: 259


1- الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

و أما مع كونه مرجوّ الوجود فيتخيّر بين النقل و الحفظ (1) إلى أن يوجد. و إذا تلفت بالنقل لم يضمن (2) مع عدم الرجاء، و عدم التمكن من الصرف في سائر المصارف. و أما معها فالأحوط الضمان (3) و لا فرق في النقل بين أن يكون إلى

______________________________

(1) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و عدم دليل على تعين أحدهما حينئذ.

(2) للنص، و الإجماع، ففي صحيح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (عليه السلام): إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده» (1).

و في صحيح زرارة: «قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟

فقال (عليه السلام): لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت، فهو لها ضامن حتى يخرجها» (2)، و تقتضيه كثرة إرفاق الشارع بالملاك أيضا، و ثبوت أمانته و ولايته.

(3) لاحتمال شمول النصوص الدالة على الضمان لصورة التمكن من الصرف في سائر المصارف، و صورة رجاء وجود الفقير أيضا، فيثبت الضمان حينئذ. و لعل وجه تردده (قدّس سرّه) احتمال اختصاص الضمان بصورة إمكان الصرف فعلا و مع ذلك نقل و لم يصرف جمودا على قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «إذ وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن» و قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن».

و فيه: أنّ الوجدان و المعرفة تطلقان تارة على الفعليّ منهما من كل جهة و أخرى: على المعرضية العرفية لهما، و المنساق منهما في المقام هو الأخير لبناء المتشرعة على التأمل و التثبت في الجملة في إعطاء صدقاتهم الواجبة حتى يصيبوا المصرف

ص: 260


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1
2- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2

البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة (1). و إن كان الأولى

______________________________

الواقعيّ، فصورة الرجاء أيضا داخلة في عدم جواز النقل إن كان رجاء متعارفا.

نعم، هنا بحث آخر و هو أنّ التمكن و عدمه هل يلحظ بالنسبة إلى خصوص الأداء إلى الفقير فقط، أو تلحظان بالنسبة إلى جميع المصارف فهو في عرض واحد بالنسبة إليهما، قد يقال بالأول، لأنّه الأصل بالنسبة إلى مصرف الزكاة، و لأنّه المنساق من صحيحي ابن مسلم و زرارة و حينئذ فلو لم يتمكن من الدفع إلى الفقير و تمكن من الصرف في سائر المصارف و نقلها و تلفت لم يضمن.

و فيه: أنّ مقتضى إطلاق الأدلة- خصوصا الآية المباركة- كون الجميع في عرض واحد، و الأصل في الصدقات رفع الحاجة شخصية كانت أو نوعية، و الصحيحان لا ظهور لهما في التمكن من الأداء إلى الفقير، لاشتمال الأول على قوله (عليه السلام):

«فإن وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن»، و الثاني على قوله (عليه السلام): «فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ فقال (عليه السلام): لا» و لا ريب في شمول الأول لجميع المصارف، لصدق الموضع عليها كما يصدق الأهل أيضا. و على هذا فلو لم يتمكن من الأداء إلى الفقير و تمكن من الصرف في سائر المصارف و نقلها و تلفت يضمن.

ثمَّ إنّه تارة: لا يتمكن من الأداء و لا من الصرف في سائر المصارف و ليس له رجاء ذلك أيضا فلا إشكال في عدم الضمان لو تلف بالنقل، و أخرى: يكون بعكس ذلك و لا إشكال في الضمان لو تلف بالنقل. و ثالثة: لا يتمكن من الأداء و لا من الصرف في سائر المصارف، و لكن يكون له رجاء ذلك، و الظاهر الضمان حينئذ لو تلف بالنقل، و رابعة: لا يتمكن من الأداء و ليس له رجاء ذلك، و لكن يتمكن من الصرف في سائر المصارف، و مقتضى الجمود على الأدلة عدم الضمان لو تلف بالنقل، و لكن الأحوط الضمان كما في المتن.

(1) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

ص: 261

التفريق في القريب ما لم يكن مرجح للبعيد (1).

الحادية عشر: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد

الحادية عشر: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد (2). و إن كان الأحوط عدمه كما أفتى به جماعة (3) و لكن

______________________________

(1) أما أولوية التفريق في التقريب، فلأنّ الجوار و القرب من المرجحات عرفا في عامة الصدقات مع قلة مئونة النّقل في النقل إلى القريب فتزداد حصة الفقراء في الجملة. و أما النقل إلى البعيد مع وجود المرجح فيه، فدليله واضح لا يحتاج إلى البيان.

(2) نسب ذلك إلى أكثر المتأخرين، لإطلاق جملة من الأخبار منها صحيح هشام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): في الرجل يعطي الزكاة يقسّمها أ له أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال (عليه السلام): لا بأس» (1)، و قريب منه صحيح أحمد بن حمزة: «سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام): عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال (عليه السلام): نعم» (2)، و تقتضيه الإطلاقات و العمومات، و إطلاق ولاية المالك.

(3) نسبه في الحدائق إلى المشهور. و استدل له تارة: بالإجماع المحكي عن التذكرة. (و فيه): أنّه موهون جدّا لمخالفة حاكيه له في جملة من كتبه.

و أخرى: بأنّه مناف للفورية. (و فيه): منعها صغرى و كبرى. و ثالثة: بأنّ النقل معرض للخطر. (و فيه): أنّه ممنوع، مع أنّه متدارك بالضمان و لا وجه لتوهم الخطر في هذه العصور في الحوالات الرائجة في الأمصار و المصارف الدائرة بين الناس.

و رابعة: بما اشتمل من الأخبار على أنّه لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و بالعكس، و أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «كان يقسم صدقة أهل البوادي

ص: 262


1- الوسائل باب: 37 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

ظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا (1). و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و ابن السبيل (2) و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن. كما أنّ مئونة النقل عليه (3) لا من الزكاة و لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن (4). و إن كان مع وجود المستحق في البلد، و كذا- بل و أولى منه- لو وكله في قبضها عنه بالولاية العامة، ثمَّ أذن له في نقلها.

______________________________

فيهم، و صدقة أهل الحضر فيهم» (1) (و فيه): أنّه محمول على الندب، بما مرّ من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) من نفي التوقيت و التوظيف (2)، و لنصب العمال و الجباة في الأطراف، مع أنّ جميع ما ذكر على فرض التمامية معارض بما مرّ مما يدل على الجواز كصحيح هشام و غيره.

(1) للإجماع، و تحقق الامتثال الموجب للإجزاء، و يظهر من قوله (عليه السلام) فيما تقدم- في صحيح ابن مسلم: «فهو لها ضامن حتى يدفعها»- أنّ الضمان ما داميّ لا أن يكون دائميا، فلو حصل الدفع إلى المستحق، فلا وجه للضمان حينئذ.

(2) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و القطع بأنّه ليس المراد بعدم جواز النقل وجوب إعطاء الزكاة لمن تولد في محلّ الزكاة، بل المراد صرفها في محلّها سواء كان الآخذ منها أم من غيرها، و تشهد لذلك السيرة المستمرة على إعطائها لأهل العلم المجتمعين في الأماكن المقدّسة من المحال البعيدة عن محلّ الزكاة.

(3) أما الضمان، فللنص، و الإجماع، و أما كون المؤنة عليه، فلعدم كون النقل من مصالح الزكاة، فلا موجب لكونها على الزكاة.

(4) لكون النقل حينئذ من مصالح الزكاة، فلا وجه للضمان كما لو أذن الإمام

ص: 263


1- الوسائل باب: 38 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

الثانية عشر: لو كان له مال في بلد الزكاة

الثانية عشر: لو كان له مال في بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده و لو مع وجود المستحق فيه.

و كذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة و ليس شي ء من هذه من النقل الذي هو محل الخلاف في جوازه و عدمه فلا إشكال في شي ء منها (1).

الثالثة عشر: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده، جاز له نقلها إليه مع الضمان

الثالثة عشر: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده، جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف (2) و لكن الأفضل صرفها في بلد المال (3).

الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة

الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت ذمة

______________________________

(عليه السلام) في ذلك. و منه يعلم حكم ما لو وكله في القبض و وجه الأولوية تحقق القبض من وليّ الفقراء و فراغ ذمة المالك، فلا أثر للنقل بالنسبة إلى المالك حينئذ بالمرة.

فرع: يجري جميع ما تقدم فيما يصرف- في الحوالة و نحوها- من طرق النقل و الإيصال.

(1) أما عدم كون ذلك كلّه من النقل، فلحكم العرف بذلك، لأنّ النقل أمر عرفيّ، و المراد به لدى المتعارف نقل العين من محلّ إلى محلّ آخر، و مثله الحوالة في المصارف المتعارفة، فإنّها من نقل العين عرفا أيضا.

و أما الموارد المذكورة في هذه المسألة فلا أقلّ من الشك في كون ذلك من النقل فلا تشمله الأدلة المانعة عنه على فرض تماميتها، لأنّه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و أما عدم الإشكال في شي ء منها، فللأصل، و الإطلاق بعد الشك في شمول الأدلة المانعة لها.

(2) تقدم في المسألة الحادية عشر ما ينفع المقام فراجع.

(3) عند العلماء كافة كما في المدارك و الظاهر كفاية ذلك في الاستحباب بناء على المسامحة فيه.

ص: 264

المالك (1)، و إن تلفت عنده- بتفريط (2) أو بدونه- أو أعطى لغير المستحق اشتباها (3).

الخامسة عشر: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن

الخامسة عشر: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيال و الوزان على المالك لا من الزكاة (4).

السادسة عشر: إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيرا و عاملا و غارما- مثلا- جاز أن يعطى بكل سبب نصيبا (5).

السابعة عشر: المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له

السابعة عشر: المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له

______________________________

(1) لأنّ قبضه من باب الولاية على الفقراء كالوصول إليهم، فلا وجه للضمان حينئذ و قد تقدم التفصيل في [مسألة 13] من (فصل أصناف المستحقين).

(2) هذا إذا لم يعلم به المالك، فيكون الضمان مع التفريط على الفقيه حينئذ مع براءة ذمة المالك. و أما إن علم به فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم براءة ذمته و صحة رجوعه إلى الفقيه، و الظاهر سقوط ولايته بالتفريط.

(3) مع عدم التقصير في المقدمات و إلا فيضمن الفقيه، و مع علم المالك به لا تبرأ ذمته.

(4) لكونها من مقدمات تسليم الحق إلى أهله الواجب على المالك كما في كل حق يتوقف تسليمه إلى أهله على بذل مال في المعاوضات و غيرها كأجرة كيل المبيع مثلا، فما نسب إلى المبسوط من أنّها على الزكاة، لأصالة براءة ذمة المالك عنها لا وجه له مع أنّه (رحمه اللّه) لا يقول به في أجرة كيل المبيع و وزنه و الظاهر اتفاقهم على أنّها على البائع مع اتحادها للمقام في كون كل منهما من مقدمات التسليم الواجب.

و دعوى: أنّ الواجب في المقام عدم الحبس فقط لا التسليم (فاسدة) جدّا كما لا يخفى على من راجع ظواهر الأدلة و تأمل فيها.

(5) لظهور الإطلاق الشامل لحالتي الانفراد و الاجتماع. و دعوى تبادر الأولى من الأدلة كما عن صاحب الحدائق بلا شاهد، بل لا يصغى إليه كما في الجواهر.

ص: 265

ورثه أرباب الزكاة، دون الإمام (عليه السلام) (1) و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط (2).

الثامنة عشر: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة

الثامنة عشر: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطي دفعة، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا في المحترف الذي لا تكفيه حرفته. نعم، لو أعطي تدريجا فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق (3). و الأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلة أيضا، من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما (4) و لكن الأحوط عدم النقصان عما في النصاب

______________________________

(1) على المشهور المدعى عليه الإجماع قال أبو الحسن (عليه السلام) في الصحيح: «ميراثه لأهل الزكاة، لأنّه اشترى بسهمهم» (1)، و في موثق عبيد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع إليه، فنظر إلى مملوك يباع بثمن فيمن يزيد، فاشتراه بتلك الألف دراهم التي أخرجها من زكاته- فأعتقه-، هل يجوز ذلك؟ قال: نعم، لا بأس بتلك قلت: فإنّه لما أن أعتق و صار حرّا اتجر و احترف فأصاب مالا كثيرا، ثمَّ مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال (عليه السلام): يرث الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة، لأنّه إنّما اشترى بمالهم» (2).

فما عن جماعة أنّه للإمام من الاجتهاد في مقابل النص.

(2) لأنّهم الأصل في تشريع الزكاة، و لظاهر ما تقدم من الصحيح و الموثق و إن أمكن حمله على الغالب.

(3) تقدم ما يتعلق بهذه الفروع في أول (فصل أصناف المستحقين) فراجع.

(4) كما عن جمع كثير من الفقهاء- منهم السيد، و الشهيدان، و الحلي-

ص: 266


1- الوسائل باب: 43 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

الأول من الفضة في الفضة و هو خمس دراهم (1)، و عما في النصاب الأول من الذهب في الذهب، و هو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك من غير النقدين أيضا و أحوط من ذلك (2) مراعاة ما في أول النصاب من كل جنس ففي الغنم و الإبل لا يكون أقلّ من شاة، و في البقر لا يكون أقلّ من تبيع

______________________________

للأصل، و الإطلاق، و ما ورد من أنّه ليس في الزكاة: «شي ء موقت موظف» (1).

و صحيح محمد بن عبد الجبار: «إنّ بعض أصحابنا كتب- على يدي أحمد بن إسحاق- إلى عليّ بن محمد العسكري (عليه السلام): أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟ فكتب: افعل إن شاء اللّه تعالى» (2).

(1) نسب وجوب ذلك إلى جمع- منهم الصدوقان، و الشيخ، و المحقق (رحمه اللّه)- لصحيح أبي ولاد: «لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم، و هو أقل ما فرض اللّه عزّ و جل من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا» (3)، و في خبر ابن بكير: «لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ من الزكاة» (4). و لكن حملهما على الكراهة جمعا بينهما و بين ما تقدم من أقرب طرق الجمع لو فرض ظهورهما في الحكم التعبدي الشرعي لا الإرشاد إلى التأدب العرفي.

ثمَّ إنّ المذكور فيهما خمسة دراهم، و مقتضى الجمود في الحكم المخالف للأصل، و الإطلاق الاقتصار عليها و لا يبعد التعدّي إلى أول نصاب الذهب لتساويهما غالبا في الأزمنة القديمة. و أما التعدّي إلى أول سائر النصب، فيحتاج إلى دليل و هو مفقود. إلا أن يقال: إنّ ذكر خمسة دراهم من باب المثال لكل ما يجب في أول كل نصاب و فيه ما لا يخفى.

(2) ظهر مما مرّ وجه الاحتياط، و أنّه لا دليل عليه.

ص: 267


1- تقدم في صفحة: 252.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

و هكذا في الغلات يعطى ما يجب في أول حدّ النصاب.

التاسعة عشر: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك

التاسعة عشر: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، بل هو الأحوط (1) بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامة (2).

العشرون: يكره لربّ المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة

العشرون: يكره لربّ المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة (3). نعم، لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد- كان

______________________________

(1) خروجا عن خلاف من أوجبه.

(2) يشهد لاستحباب الدعاء مطلقا ما ورد من الترغيب إليه خصوصا بالنسبة إلى الإخوان (1) و سيّما إن أوجب التأليف و كان جزاء للإحسان، و تعضده الآية الكريمة خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ (2) و أما ما قد يقال: بوجوبه بالنسبة إلى الفقيه، فلا دليل عليه و إن استدل عليه تارة: بالتأسي (و فيه): أنّه أعمّ من الوجوب.

و أخرى: بأصالة الاشتراك بين النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و نوابه في الأحكام (و فيه): أنّه لا أصل لهذا الأصل في المقام يصح الاعتماد عليه.

و ثالثة: بأنّه لطف و هو واجب (و فيه): أنّه لا دليل على كلية الكبرى من عقل أو نقل، فدعوى الوجوب بلا شاهد، بل الأصل ينفيه.

(3) للنص، و الإجماع، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها، و لا يستوهبها، و لا يستردها إلا في ميراث» (3).

و قريب منه غيره (4) المحمول على الكراهة جمعا، و إجماعا و قال (عليه السلام) أيضا: «إذا أخرجها- يعني الشاة- فليقسّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن

ص: 268


1- راجع ج: 7 صفحة: 140- 158.
2- سورة التوبة: 103.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 5.

المالك أحقّ به من غيره، و لا كراهة (1) و كذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك. أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير، فإنّه تزول الكراهة حينئذ أيضا (2) كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه من المملكات القهرية (3).

______________________________

أرادها صاحبها، فهو أحق بها» (1).

(1) لما تقدم من قوله (عليه السلام): «فهو أحقّ بها» الظاهر في نفي الكراهة أصلا.

(2) إجماعا- كما في المنتهى- و لصحة دعوى انصراف النصوص الدالة على الكراهة عنها كما لا يخفى.

(3) إجماعا- كما في المعتبر- و لصحة دعوى انصراف النصوص عن المملكات القهرية، و إمكان حمل قوله (عليه السلام): «إلا في ميراث» على المثال لمطلق المملكات القهرية و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 269


1- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة

اشارة

(فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة) قد عرفت سابقا: أنّ وقت تعلق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول- حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، و أنّه يستقر الوجوب بذلك، و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأول، لا الثاني (1) و في الغلات: التسمية، و أنّ وقت وجوب الإخراج- في الأول- هو وقت التعلق، و في الثاني هو الخرص و الصرم في النخل، و الكرم و التصفية في الحنطة و الشعير (2) و هل الوجوب بعد تحققه فوري أو لا؟ أقوال ثالثها: أنّ وجوب الإخراج (3)- و لو بالعزل-

______________________________

(فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة)

(1) راجع الشرط الرابع من زكاة الأنعام، و الثالث من زكاة النقدين.

(2) تقدم في [مسألة 1 و 6] من (فصل زكاة الغلات).

(3) رابعها: بناء على الفورية جواز التأخير، لانتظار الأفضل أو التعميم كما عن الدروس. خامسها: انتظار الأحوج و معتاد الطلب بما لا يؤدي إلى الإهمال كما عن البيان. سادسها: جواز التأخير للتعميم خاصة بشرط دفع نصيب الموجودين فورا كما عن العلامة (رحمه اللّه) هذا كله بناء على الفورية.

و أما بناء على عدمها فهل التأخير يكون مطلقا و لو اقتراحا، أو إلى شهر أو إلى شهرين خصوصا مع طلب المزية كما نسب إلى الشيخين، و ثاني الشهيدين هذه كلها هي الأقوال. و لكن المتبع هو الدليل.

و خلاصة الكلام: أنّ مستند الفورية تارة: الأدلة العامة من الإطلاقات و العمومات المشتملة على الأمر بإيتاء الزكاة- كما تقدم. و يرد عليه: ما ثبت في محله من عدم دلالة الأمر على الفورية خصوصا ما ورد في مقام أصل تشريع الحكم.

ص: 270

.....

______________________________

و أخرى: أنّ الزكاة بعد وجوبها تكون من الأمانات الشرعية و يجب رد الأمانات فورا إلى أهلها و لو مع عدم الطلب (و فيه): أنّ ما دل على ولاية المالك حاكم عليه مع أنّ كونها كالأمانات الشرعية من كل جهة أول الدعوى.

و ثالثة: بالأخبار الخاصة- التي هي العمدة في المقام- و هي أربعة أقسام:

الأول: ما يظهر منها جواز التأخير مطلقا بلا فرق بين العزل و عدمه لكن مع ضبطها و إثباتها حتى لا يضيع حق الفقراء كموثق يونس: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام) زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدة؟ فقال (عليه السلام): إذا حال الحول فأخرجها من مالك- لا تخلطها بشي ء- ثمَّ أعطها كيف شئت قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟

قال (عليه السلام): نعم، لا يضرّك» (1).

فيستفاد من ذيله أنّ المناط كله التحفظ على ضبطها و إثباتها حتى لا يضيع الحق، و لا يستفاد منه فورية الأداء حين الحلول، و ما ورد في العزل أيضا طريق إلى التحفظ و الضبط، و يقتضيه الاعتبارات المرتكزة في الأذهان، لأنّ الدّواعي للتأخير كثيرة جدّا خصوصا عند المحتاطين سيّما مع تهاجم الناس على أخذ الصدقات، مع ما ورد من كثرة تسهيلات الشارع على الملاك- كما مرّ- و لا ينافي ذلك المتواترة الدالة على تحريم حبس الحقوق الواجبة و أنّه من الكبائر- كما تقدم- إذ المراد بها الحبس في مقابل أصل الأداء لا الحبس في الجملة لأغراض صحيحة.

الثاني: ما ظاهره الفورية كصحيح سعد عن الرضا (عليه السلام): «الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال (عليه السلام): متى حلت أخرجها» (2)، و كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلّها» (3).

و فيه: أنّ الأول محمول على الندب، و الأخير على الكراهة جمعا بينهما و بين

ص: 271


1- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

فوري (1)

______________________________

غيرهما. و أما الحمل على العزل، فهو خلاف الظاهر كما لا يخفى.

الثالث: ما هو نصّ في جواز التأخير شهرين كصحيح حماد: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن عمار: «الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان، فيؤخرها إلى المحرّم قال (عليه السلام): لا بأس، قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلا في المحرم فيجعلها في شهر رمضان قال (عليه السلام): لا بأس» (2).

و حمل الشهرين على مجرد المثال ممكن، فيجوز التأخير أكثر منهما أيضا كما في صحيح ابن عمار، بل يمكن أن يجعل صحيح ابن عمار قسما آخر من أقسام الأخبار فيدل على جواز التأخير ثلاثة أشهر كما هو واضح. و أما حملها على العزل، فخلاف الظاهر منهما كما لا يخفى.

الرابع: ما استدل به على جواز التأخير مع العزل كصحيح ابن سنان: «في الرجل يخرج زكاته، فيقسم بعضها و يبقي بعضا يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر، قال (عليه السلام): لا بأس» (3).

بناء على أنّ المراد بقوله (عليه السلام) يخرج زكاته أي: يعزل (و فيه): أنّه خلاف الظاهر إذ المراد بالإخراج ظاهره و هو الإخراج الفعلي بالنسبة إلى البعض و إبقاء البعض الآخر، أو المراد إرادة الإخراج لا وقوعه في الخارج.

و المتحصل من مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض: استحباب المبادرة خصوصا بعد الشهرين و الثلاثة و كراهة التأخير بعد ذلك. هذا مع كونه بانيا على الأداء و كان التأخير لأغراض صحيحة و أمور راجحة. و أما مع البناء على عدم الأداء و التضييع فلا يجوز ذلك بلا إشكال.

(1) مدركه الجمع بين ما مرّ من صحيح سعد، و صحيح ابن سنان بناء على

ص: 272


1- الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

و أما الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير (1)، و الأحوط عدم تأخير الدفع، مع وجود المستحق و إمكان الإخراج (2) إلا لغرض، كانتظار مستحق معيّن، أو الأفضل، فيجوز حينئذ- و لو مع عدم العزل- الشهرين و الثلاثة بل الأزيد و إن كان الأحوط حينئذ العزل (3) ثمَّ الانتظار المذكور، و لكن لو تلفت بالتأخير- مع إمكان الدفع- يضمن (4).

مسألة 1: الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي

(مسألة 1): الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي (5)، فلو أخر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من غير تفريط فلا ضمان، و إن أمكنه الإيصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضرا عنده، و أما مع حضوره فمشكل، خصوصا إذا كان مطالبا (6).

______________________________

أنّ المراد بقوله: «يخرج زكاته» أي: يعزل و قد تقدم ما فيه.

(1) لما تقدم من موثق يونس، و صحيح حماد، و إطلاقهما يشمل صورة العزل و عدمه، فلا وجه لتخصيصهما بصورة العزل.

(2) لما يظهر من صاحب الجواهر في بعض الموارد من أصالة الفورية في الحقوق المالية إلا ما خرج بالدليل، و لكن في مدرك اعتبار هذا الأصل تأمل، و يمكن في المقام دعوى: أنّ ما يستفاد منه جواز التأخير إنّما هو في مورد ثبوت العذر عن الفورية مطلقا، و مقتضى سيرة المهتمين بوظائفهم الدينية من المؤمنين الفورية أيضا و لكن كون ذلك كلّه بنحو أصل الرجحان مسلم. و أما الوجوب، فيشكل استفادته منها.

(3) خروجا عن خلاف من أوجبه حينئذ و اهتماما بما اجتمع فيه حق اللّه و حق الناس معا، و تأسيا بالمتّقين و الصالحين.

(4) للنص، و الإجماع كما مرّ في الفصل السابق فراجع.

(5) لأنّه المنساق مما يستفاد منه الفورية على فرض التمامية لا الفورية الدقية العقلية، لعدم ابتناء مسائل الفقه عليها في جميع أبوابه.

(6) للأصل بعد عدم دليل عليه.

ص: 273

مسألة 2: يشترط في الضّمان مع التأخير العلم بوجود المستحق

(مسألة 2): يشترط في الضّمان مع التأخير العلم بوجود المستحق، فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان (1) لأنّه معذور حينئذ في التأخير (2).

مسألة 3: لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب- متلف

(مسألة 3): لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب- متلف فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط (3)، و إن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك و الأجنبيّ ضامن (4) و للفقيه أو العامل الرجوع على أيّهما شاء (5)، و إن رجع على المالك رجع هو على المتلف (6) و يجوز له الدفع من ماله ثمَّ الرجوع على المتلف (7).

______________________________

(1) لإمكان دعوى انصراف ما دل على جواز التأخير عن هذه الصورة، فإنّ تأخير الأداء شي ء، و تأخير إجابة المطالب للحق شي ء آخر، و إن كان مقتضى الأصل و ولاية المالك عدم وجوبه أيضا.

(2) مع تحقق الفحص منه بالقدر المتعارف و إلا فلا وجه لعذرة.

(3) أما كون الضمان عليه، فلقاعدة اليد. و أما عدمه بالنسبة إلى المالك فلعدم حصول موجب للضمان بالنسبة إليه و لو بنحو التسبيب لفرض عدم تفريط منه فيرجع إلى أصالة البراءة في الضمان عن المالك.

(4) أما المالك، فللتفريط، و أما الأجنبيّ فللإتلاف.

(5) لجريان يد كل منهما على مال الفقير، فيجري عليهما حكم الأيادي المتعاقبة على مال الغير و حقه.

(6) لأنّ قرار الضمان يكون بالنسبة إليه و هذا حكم الأيادي المتعاقبة من صحة الرجوع إلى كل من جرت يده على المال ثمَّ يكون قرار الضمان بالنسبة إلى المتلف و يأتي التفصيل في كتاب البيع إن شاء اللّه تعالى.

(7) لما تقدم من عدم وجوب الإخراج من العين مع بقائها فكيف بما إذا تلفت، و حينئذ فيعطي الزكاة من مال آخر لوجوبها عليه، و يرجع إلى المتلف لقاعدة اليد.

ص: 274

مسألة 4: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصح

(مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصح (1) فلو قدّمها كان المال باقيا على ملكه مع بقاء عينه، و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال و للمالك احتسابه جديدا مع بقائه، أو احتساب عوضه مع ضمانه و بقاء فقر القابض، و له العدول عنه إلى غيره (2).

مسألة 5: إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجي ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا

(مسألة 5): إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجي ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب و لا يجب

______________________________

(1) لصحيح ابن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) الرجل يكون عنده المال أ يزكيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال (عليه السلام): لا: و لكن حتى يحول عليه الحول و يحل عليه. إنّه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها، و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء، و كل فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (1).

و في صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال (عليه السلام): لا يصلّي الأولى قبل الزوال» (2) و هما من محكمات الأخبار سندا و دلالة و عمل بهما المشهور. و ما يستفاد منه الجواز مثل ما مرّ من صحيح حماد لا بد من حمله على التقية، أو على التقديم بعنوان القرض ثمَّ الاحتساب من الزكاة مع بقاء الشرائط، و يشهد له صحيح الأحول: «رجل عجل زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطى قبل رأس السنة قال (عليه السلام): يعيد المعطي الزكاة» (3).

(2) أما البقاء على الملك، فلأصالة بقاء الملكية. و أما الضمان مع العلم بالحال، فلقاعدة اليد، و أما عدمه مع عدمه، فلقاعدة الغرور. و أما صحة الاحتساب مع اجتماع الشرائط فللنص و الإجماع. و أما جواز العدول عنه إلى غيره فلأصالة بقاء ولاية المالك، و أصالة الإباحة، فالكل صحيح موافق للأدلة المعتبرة.

ص: 275


1- الوسائل باب: 51 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

عليه ذلك، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه و الدفع إلى غيره و إن كان الأحوط الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه (1).

مسألة 6: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة فالزيادة له

(مسألة 6): لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة فالزيادة له، لا للمالك، كما أنّه لو نقص كان النقص عليه، فإن خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره يسترد عوضه لا عينه، كما هو مقتضى حكم القرض، بل مع عدم الزيادة أيضا ليس عليه إلا رد المثل أو القيمة (2).

مسألة 7: لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول

(مسألة 7): لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب، و خرج الباقي عن حدّه، سقط الوجوب

______________________________

(1) أما جواز الإعطاء قرضا، فللأصل، و قاعدة السلطنة. و أما صحة الاحتساب مع اجتماع الشرائط، فللنص (1) و الإجماع. و أما عدم وجوبه عليه و جواز الأخذ منه، فلأصالتي البراءة، و الولاية. و أما أنّ الأحوط عدم الأخذ منه، فلأنّه المتيقن من نصوص التعجيل، مع أنّه مما يقتضيه العرف و الإنصاف لو لم يكن مرجح في البين.

(2) كل ذلك لأنّ المقترض يملك ما اقترضه بالقبض بناء على المشهور المنصور، فيكون النّماء له، لأنّه تابع للملك، و يكون النقص عليه، لأنّه وقع في ملكه و ليس للمقرض أخذ عين ما أقرضه إلا برضاه، لقاعدة السلطنة، و يجب على المقترض رد المثل أو القيمة عند حلول الأجل، لأنّ القرض ليس إلا الضمان بالعوض و لو مع وجود العين، لفرض أنّه ملكه بالقبض، و كذا بناء على ما نسب إلى المبسوط من توقف الملكية في القرض على التصرف إن كان ذلك كله بعد التصرف لا قبله.

أو يقال: إنّ ما أقرضه المالك كالموجود لديه باعتبار ضمان المقترض للمثل أو القيمة فلا اختلال للنصاب حينئذ أصلا، و لكن كلاهما ضعيفان و مخالفان للمشهور، بل للعرف أيضا.

ص: 276


1- الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

على الأصح (1)، لعدم بقائه في ملكه طول الحول سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة، فلا محلّ للاحتساب. نعم، لو أعطاه بعض النصاب أمانة- بالقصد المذكور- لم يسقط الوجوب (2)، مع بقاء عينه عند الفقير، فله الاحتساب حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق.

مسألة 8: لو استغنى الفقير- الذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال ثمَّ حال الحول

(مسألة 8): لو استغنى الفقير- الذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال ثمَّ حال الحول، يجوز الاحتساب عليه لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدّين (3)، و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا (4). و أما لو استغنى بنماء هذا المال، أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميا، و قلنا إنّ المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء، لم يجز الاحتساب عليه (5).

______________________________

و أما إذا كان قبله فبناء على مبنى الشيخ (رحمه اللّه) يكون النّماء للمقترض، لعدم خروج المال عن ملكه بعد و لكن هذا المبنى ضعيف، لأنّ القرض عرفا هو التملك بالضمان و هذا يحصل و لو مع عدم التصرف و يأتي التفصيل في كتاب القرض إن شاء اللّه تعالى.

(1) للإطلاق، و الاتفاق.

(2) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع.

(3) لأنّه فقير فعلا بملاحظة أداء الدّين و إن كان غنيا مع قطع النظر عنه.

(4) لإطلاق دليله الشامل لهذه الصورة أيضا و لعله الأقرب إلى الاحتياط.

(5) لأنّه حينئذ غنيّ حتى بملاحظة أداء هذا الدّين، و أما إن كان المناط قيمة يوم الأداء فهو فقير فعلا بملاحظة أداء هذا الدّين.

ص: 277

فصل الزكاة من العبادات

اشارة

(فصل) الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة (1)، و التعيين مع تعدد ما عليه (2)، بأن يكون عليه خمس و زكاة- و هو هاشميّ- فأعطى هاشميا، فإنّه يجب عليه أن يعيّن أنّه من أيّهما، و كذا لو كان عليه زكاة و كفارة، فإنّه يجب التعيين، بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فإنّه يجب التعيين على

______________________________

(فصل)

(1) أما كونها من العبادات، فيدل عليه الإجماع بقسميه و نسبه المحقق و العلامة إلى مذهب العلماء.

و أما تقوّم العبادة بالقربة، فهو من الفطريات بين جميع الملل و الأديان التي لها عبادة. و يمكن أن يقال: إنّ عبادية الصدقات نفسية ذاتية، فيكفي قصد نفسها- كالسجدة، و قراءة القرآن، و الدعاء- و لا يعتبر فيها قصد القربة زائدا على قصد ذات العمل، لفرض تقوّم الذات بالإضافة إلى اللّه تعالى لو لم يكن مانع في البين من رياء أو نحوه، و إنّما يضرّ قصد الخلاف من رياء و نحوه، و حيث إنّ بذل المال يمكن أن يقع لجملة من الأغراض الفاسدة و لا بد و أن تنزه عنها عامة الصدقات حتى تترب عليها آثارها المعنوية و لا يذهب مال المالك هدرا و باطلا، فيكون قد ذهب ماله من يده و لم يصل إليه بدله اعتبر فيه الإضافة إلى اللّه تعالى إجمالا.

(2) لتوقف العبادية على قصد ما يتعبد به، و القصد لا يتعلق إلا بما هو متعيّن، لأنّ المردد لا وجود له لا خارجا و لا ذهنا. نعم، لو كان المتعبد به متعينا خارجا، فيجري قصد نفسه و لو لم يعيّن، لكفاية تعينه الخارجي عن تعينه القصدي.

ص: 278

الأحوط (1) بخلاف ما إذا اتحد الحق الذي عليه، فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمة و إن جهل نوعه (2). بل مع التعدد أيضا يكفيه التعيين الإجمالي (3) بأن ينوي ما وجب عليه أولا أو ما وجب ثانيا مثلا، و لا يعتبر نية الوجوب و الندب و كذا لا يعتبر أيضا نية الجنس الذي تخرج منه الزكاة، أنّه من الأنعام أو الغلات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحدا أو متعدّدا، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق متحدا أو متعدّدا، كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فإنّ الحق في كل منهما شاة، أو كان عنده من أحد النقدين و من الأنعام، فلا يجب تعيين شي ء من ذلك (4) سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أم لا، فيكفي مجرد قصد كونه

______________________________

(1) وجه التردد أنّ اشتراكهما في إطلاق الزكاة عليهما شرعا يقتضي كونهما حقيقة واحدة فلا يجب التعيين حينئذ، و مقتضى اختلافهما في الآثار كونهما حقيقتين مختلفتين، فيجب التعيين. (و فيه): أنّ مجرد الاختلاف في الأثر أعمّ شرعا من الاختلاف في الحقيقة كما في زكاة الغلات و الأنعام- مثلا- فيصير مثل الفرع التالي.

(2) لأنّه مع الاتحاد يجزي تعينه الذاتي عن قصد تعيينه، فيكفي قصد ذاته بعد عدم الدليل على اعتبار قصد ما زاد عليه من سائر الخصوصيات، بل مقتضى الإطلاق و الأصل عدم الاعتبار، لعدم كونها من مقوّمات الامتثال.

(3) لأصالة البراءة عن اعتبار أزيد من ذلك، و تقتضيه الإطلاقات أيضا.

(4) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و صدق إيتاء الزكاة و إعطائها في جميع ذلك و لو لم يقصد هذه الخصوصيات في جميع ذلك، يتحقق الامتثال لا محالة فتكون الزكاة من هذه الجهة كأداء الدّين، فتفرغ الذمة بمقدار الأداء و تشتغل بقدر ما بقي، و يشهد لما قلناه عدم الإشارة في النصوص سؤالا و جوابا إلى شي ء من ذلك مع كثرة الابتلاء في كل عصر و زمان بهذه المسائل.

ص: 279

زكاة (1) بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان أو مختلفان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه (2) و له التعيين بعد ذلك (3)، و لو نوى الزكاة عنهما وزعت، بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة (4).

مسألة 1: لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة

(مسألة 1): لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير (5) و في الأول ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك (6)، و الأحوط تولي المالك للنية أيضا حين الدفع إلى

______________________________

(1) لتعلق التكليف بإيتاء الزكاة، فيكفي قصد الزكاة من حيث هي و الانطباق يكون قهريا. نعم، لو كان المدفوع من جنس واحد مما عليه لا يبعد انصرافه إلى جنسه عرفا ما لم يقصد الخلاف.

(2) لتحقق قصد أصل الزكاة و تقدم أنّه يجزي.

(3) كما جزم به العلامة في التذكرة، لأنّ ما دفعه بعنوان أصل الزكاة و إن كان متعينا من حيث أصل الزكاتية و كافية من هذه الجهة لكنه قابل للتعيين من حيث النوع فهو قابل للتعيين في الجملة، و ما يقال: من أنّه لا وجه لتعين الأفعال بعد وقوعها إنّما هو فيما إذا صار الفعل متعينا من كل جهة حين حدوثه، لا فيما إذا كان مجملا و لو من جهة ما، فيصح بالنسبة إلى تلك الجهة.

(4) هذا التوزيع عرفيّ قهريّ لا أن يكون قصديا بخلاف التوزيع فيما لو نوى الزكاة عنهما، فإنّه يصح أن يكون قصديا، لفرض أنّه قصد الزكاة عنهما.

فرع: لو علم إجمالا باستحقاق شخص للزكاة و لم يعلم أنّه من جهة الفقر أو الغرم، أو سبيل اللّه، أو المؤلفة، أو غير ذلك يصح إعطاؤه بالعنوان الواقعيّ و لا يجب التعيين كما تقدم في [مسألة 30] من (فصل أصناف المستحقين).

(5) للسيرة، و أصالة جريان الوكالة في كلّ شي ء إلا ما خرج بالدليل و تقدم في (فصل بقية أحكام الزكاة) ما يرتبط بالمقام.

(6) لفرض أنّ الوكيل، وكيل في الأداء، فلا بد من أن ينوي الأداء عنه.

ص: 280

الوكيل (1)، و في الثاني لا بدّ من تولي المالك للنية (2) حين الدفع إلى الوكيل.

و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير (3).

مسألة 2: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير

(مسألة 2): إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير، و إن تأخرت عن الدفع بزمان بشرط بقاء العين في يده أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون، و أما مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنية (4).

______________________________

(1) من حيث إنّ الوكيل يدفع إلى المستحق و إلا فالدفع إلى الوكيل لا موضوعية له، و وجه الاحتياط احتمال أنّه مع إمكان مباشرة الموكل من النية لا تصل النوبة إلى نية الوكيل لكنه لا وجه له بعد فرض كونه وكيلا مطلقا في الأداء و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

(2) لفرض أنّ الإعطاء إلى الوكيل إعطاء للزكاة و هو واسطة في الإيصال فقط كالإعطاء إلى وكيل الفقير.

(3) لاحتمال عدم كفاية النية إلا حين الدفع إلى الفقير.

ثمَّ إنّ هذه الفروع كلها مبنية على أنّ النية عبارة عن الإخطار و قد ثبت بطلانه في هذه العصور و تقدم عند البحث عن نية الوضوء. و أما بناء على أنّها عبارة عن مجرد الداعي الذي هو ثابت من حين إرادة إعطاء الزكاة- مباشرة أو تسبيبا- إلى حين تلف المال عند الفقير فلا وجه لها، لأنّ مقتضى إيمان المؤمن الذي هو في مقام إعطاء الزكاة وجود مثل هذا الداعي في قلبه مطلقا.

ثمَّ إنّ الدفع إلى الوكيل تارة: يلحظ بعنوان الآلية المحضة بالنسبة إلى الفقير فتصح نية الزكاة حين الدفع إلى الوكيل حتى بناء على كونها من الأخطار. و أخرى:

يلحظ بنفسه و ذاته، فلا وجه لكفاية النية حينئذ بناء على الإخطار، و حيث إنّ الغالب في الدفع إلى الوكيل هو الأول، فتجزئ نية المالك و لو بناء على الإخطار حين الدفع إلى الوكيل. هذا و لكن الكلمات مشوشة في المقام، مع أنّه لا محصّل لبعضها.

(4) أما مع وجود العين أو اشتغال الذمة بها، فتصح النية لتعلقها بما هو

ص: 281

مسألة 3: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء

(مسألة 3): يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال، و يجوز بعنوان أنّه وليّ عام على الفقراء (1) ففي الأول (2) يتولى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير و الأحوط تولي المالك أيضا حين الدفع إلى الحاكم، و في الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه، و إبقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير. و في الثالث أيضا ينوي المالك حين الدفع إليه، لأنّ يده حينئذ يد الفقير المولّى عليه.

مسألة 4: إذا أدى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما

(مسألة 4): إذا أدى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولي للنية (3).

______________________________

موجود خارجا، أو في الذمة، فيصدق إيتاء الزكاة و إعطاؤها مع النية. و أما مع التلف و عدم الضمان فلا موضوع لها كما في المتن و غيره إن لوحظ متعلق النية باعتبار الزمان الفعليّ. و أما إن لوحظ باعتبار الآن الذي كان قبل التلف فلا يبعد صحته لبقاء المال على ملك المالك حينئذ، فله أن يجعله زكاة. و هذه كلها من الاعتباريات التي تقوم بصحة الاعتبار و عدم امتناعه.

(1) أما في الأولين، فلما مرّ من عموم النيابة و الوكالة في كلّ شي ء إلا ما خرج بالدليل. و أما الأخير فلعموم ولايته لمثل المقام كما صرّح به في الجواهر، و يقتضيه الإطلاق و الاعتبار كما أشرنا إليه سابقا.

(2) هذه التفصيلات مبنية على أنّ النية من الإخطار. و أما بناء على كونها من مجرّد الدّاعي فلا وجه لها لثبوته في نفس المالك و الحاكم الشرعيّ إلى حين تلف المال في يد الفقير و لو بنحو الإجمال و الارتكاز، و حيث إنّ المتعيّن أنّها من مجرّد الدّاعي، فلا وجه للتفصيل.

(3) أما بناء على أنّ التكليف بإخراج زكاة المولى عليه متوجه إلى الوليّ كما يأتي في المسألة الأولى من الختام فلا ريب في أنّ المدار على نيته. و أما إن كان تكليفه بعنوان النيابة عن المولى عليه فكذا أيضا لفرض أنّ العمل قائم بالنائب. نعم، يتجه صحة

ص: 282

مسألة 5: إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه

(مسألة 5): إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه. و إذا أخذها من الكافر يتولاها أيضا، عند أخذ منه، أو عند الدفع إلى الفقير عن نفسه، لا عن الكافر (1).

مسألة 6: لو كان له مال غائب مثلا

(مسألة 6): لو كان له مال غائب مثلا، فنوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبة صح (2)، بخلاف ما لو ردد في نيته و لم يعين هذا المقدار أيضا فنوى أنّ هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة، فإنّه لا يجزي (3).

______________________________

نية الصبيّ أيضا إن لم نقل بسلب اعتبارها، لصباوته، و يأتي في المسألة التالية بعض ما ينفع المقام.

(1) أرسل ذلك إرسال المسلّمات، فإن كان المراد أنّه لا يتحقق أصل النية من الكافر، فهو باطل. و إن كان المراد عدم حصول التقرب بالنسبة إليه فهو أول الدعوى، لأنّ لقربه تعالى مراتب غير متناهية و ليس منحصرا في مرتبة من دخول الجنة أو نحوه حتى يقال: إنّ الكافر لا يدخلها، و يمكن أن يكون تقرب الكافر لتخفيف العذاب في البرزخ، و الحشر، و النار إذ لا يضيع مثقال ذرة من خير عنده تعالى، مع أنّه مبنيّ على أن يكون القرب المعتبر في الصدقات قربا فاعليا، و يصح أن تكون ذاتها من حيث هي محبوبة لدى اللّه تعالى و لو لم يقصد الفاعل التقرّب بها، لأنّ إعانة أرباب الحوائج و قضاء الحاجات، و إقامة الخيرات مما تكون لها أهمية كبرى لدى اللّه تعالى، و الحق أنّ هذه الفروع غير منقحة في كلماتهم الشريفة، مع أنّها مورد الابتلاء في موارد كثيرة و يأتي في الوقف ما ينفع المقام.

(2) لعدم اعتبار الجزم بالنية و لا قصد الوجوب و لا الندب، للأصل و الإطلاق، بل المعتبر إنّما هو إتيان ذات العمل مع القربة و قد حصل و ذلك لا ينافي التردد في بعض خصوصيات الفعل.

(3) لأنّ القصد لا يتعلق بالمردد من حيث هو، و الجامع بينهما و إن صح تعلق

ص: 283

مسألة 7: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمَّ بان كونه تالفا

(مسألة 7): لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمَّ بان كونه تالفا، فإن كان ما أعطاه باقيا له أن يسترده، و إن كان تالفا استرد عوضه، إذا كان القابض عالما بالحال و إلا فلا (1).

______________________________

القصد به و لكنه غير مقصود بالفرض، مع أنّه من الأمور الذهنية ليس لها حقيقة خارجية إلا إذا لوحظ من حيث الطريقية إلى ما هو المكلف به عند اللّه تعالى فيحصل التعيين الواقعي و قلنا بكفايته.

(1) أما صحة استرداد العين مع البقاء و العوض مع التلف، فلقاعدة السلطنة، و اليد، و أما عدم جواز أخذ شي ء مع الجهل و التلف، فلقاعدة الغرور.

ص: 284

ختام فيه مسائل متفرقة

اشارة

(ختام فيه مسائل متفرقة)

الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ

الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ (1) و ليس من باب النيابة عن الصبيّ و المجنون، فالمناط فيه اجتهاد الوليّ أو تقليده (2) فلو كان من مذهبه- اجتهادا أو تقليدا- وجوب

______________________________

(ختام فيه مسائل متفرقة)

(1) لأنّه المتفاهم من الأدلة عرفا، و لخبر الخياط: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): مال اليتيم يكون عندي، فأتجر به فقال (عليه السلام): إذا حركته فعليك زكاته، قلت: فإنّي أحركه ثمانية أشهر و أدعه أربعة أشهر قال (عليه السلام): عليك زكاته» (1).

و هو قرينة على المراد من الإطلاق الدال على أنّ في مال اليتيم زكاة، أو قوله (عليه السلام): «ليس على مال اليتيم زكاة» (2). فيكون التكليف على من له ولاية التصرف في مال اليتيم، و لا ينافي ذلك عود المصلحة إلى اليتيم، لعدم اختصاصها به، بل تعمّ الوليّ أيضا، كما في تعليمه للآداب و السنن الشرعية، و المكارم الأخلاقية.

(2) ليس هذا ثمرة بين القولين، لأنّ المدار على تكليف الوليّ سواء كان ذلك من باب النيابة أم الاستقلال كما مرّ في [مسألة 16] من صلاة الاستيجار. نعم حيث إنّه (رحمه اللّه) اختار في النائب لزوم إتيانه بالعمل على طبق تكليف المنوب عنه و لم يمكنه الالتزام به في المقام، لظاهر ما تقدم من خبر الخياط صرّح بذلك.

ص: 285


1- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 8.

إخراجها أو استحبابه ليس للصبيّ- بعد بلوغه- معارضته (1)، و إن قلد من يقول بعدم الجواز كما أنّ الحال كذلك في سائر تصرفات الوليّ في مال الصبيّ أو نفسه، من تزويج و نحوه فلو باع ماله بالعقد الفارسي، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسيّ أو نحو ذلك من المسائل- الخلافية، و كان مذهبه الجواز، ليس للصبيّ بعد بلوغه إفساده (2) بتقليد من لا يرى الصحة. نعم، لو شك الوليّ- بحسب الاجتهاد أو التقليد- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما و أراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال (3)، لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرف مال الصبيّ. نعم، لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيا و كذا الحال في غير الزكاة- كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ- حيث إنّه محلّ للخلاف. و كذا في سائر التصرفات في ماله.

و المسألة محل إشكال (4) مع أنّها سيالة.

______________________________

(1) بناء على مبناه و قد تقدّم في مسائل الاجتهاد و التقليد أنّ المناط تكليف من يأتي بالعمل وليّا كان أو نائبا إلا مع وجود دليل على الخلاف فراجع.

(2) هذا صحيح إذا كان لتكليف الوليّ موضوعية خاصة بالنسبة إلى المولّى عليه. و أما إن كان طريقا محضا إلى الواقع كسائر الطرق المعتبرة فينقض بقيام طريق معتبر آخر على الخلاف كما في سائر الموارد، فعلى هذا إذا كان تكليفه بعد البلوغ اجتهادا أو تقليدا على خلاف تكليف الوليّ يصح نقضه به فيكون كعمل الوكيل و المأذون بالنسبة إلى الموكل و الإذن بعد العزل و رفع الإذن، بل الظاهر جواز المخالفة قبل البلوغ إذا كان تكليفه اجتهادا أو تقليدا على خلاف تكليف الوليّ. و قد مرّ في مسائل الاجتهاد و التقليد بعض ما ينفع المقام.

(3) لا يجوز في الاحتياط الاستحبابي. و أما الوجوبي، فلا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ، فيحكم بالترجيح مع وجوده، أو احتماله و إلا فالتخيير كما في جميع موارد الدوران بين المحذورين، و كذا في نظائر المقام مما هو كثير.

(4) لا إشكال في عدم جواز الاحتياط الاستحبابي، لأنّه لا وجه للاستحباب

ص: 286

الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله، و شك في أنّه أخرجها أم لا

الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله، و شك في أنّه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج للاستصحاب، إلا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين الماضية فإنّ الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت، أو بعد تجاوز المحل (1). هذا و لو شك في أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحب إخراجها- كمال التجارة له- بعد العلم بتعلقها به، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب، لأنّه دليل شرعيّ و المفروض أنّ المناط فيه شكه و يقينه، لأنّه المكلف لا شك الصبيّ و يقينه و بعبارة أخرى ليس نائبا عنه (2).

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى يكون الزكاة عليه، أو قبله حتى يكون على المشتري، ليس عليه شي ء (3) إلا إذا كان زمان التعلق معلوما و زمان البيع مجهولا، فإنّ الأحوط

______________________________

مع احتمال الحرمة. و أما الوجوبيّ، فهو من صغريات دوران الأمر بين المحذورين فيرجع في حكمه إلى الحاكم الشرعيّ كما مرّ.

(1) الظاهر اختصاص قاعدة عدم اعتبار الشك بعد الوقت بالموقتات و ليست الزكاة كذلك، كما أنّ قاعدة التجاوز تختص بما إذا كان بين المشكوك و غيره ترتب شرعي، و ليس كذلك أيضا، فلا مجرى لهما في المقام. نعم، لو تلفت العين الزكوي بلا ضمان و شك في أنّه أخرجها أم لا، فمقتضى أصالة البراءة عدم اشتغال الذمة بالمثل أو القيمة إن لم يكن خطاب الزكاة ذميا و إلا فمقتضى القاعدة بقاء اشتغال الذمة.

(2) بل الحكم كذلك و لو كان نائبا لتعلق الحكم في الأدلة بمن حصل له الشك و هو النائب دون المنوب عنه. و تقدم في [مسألة 14] من (فصل صلاة الاستيجار) ما ينفع المقام فراجع.

(3) لأصالة البراءة بعد عدم أصل موضوعيّ صحيح يثبت به الوجوب.

ص: 287

حينئذ إخراجه على إشكال في وجوبه (1)، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شك في ذلك، فإنّ لا يجب عليه شي ء (2) إلا إذا علم زمان البيع و شك في تقدم التعلق و تأخره، فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه (3)

______________________________

(1) مقتضى استصحاب بقاء الملك إلى زمان التعلق ثبوت الوجوب، و منشأ الإشكال إن كان معارضة هذا الاستصحاب باستصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع، فيرجع بعد المعارضة إلى أصالة البراءة (ففيه): أنّ الأصل لا يجري في معلوم التاريخ، لأنّ الاستصحاب إسراء المتيقن بماله من الحكم إلى زمان الشك، و مع العلم بتاريخ الحدوث كيف يسري العدم السابق إلى زمان الشك الحاصل في تقدم تاريخ حدوثه بالنسبة إلى الحادث الآخر فراجع ما فصّلناه في كتابنا- تهذيب الأصول.

و إن كان منشأه أنّ أصالة بقاء الملك لا تثبت كون الزكاة في العين الخارجية (ففيه): أنّ المطلوب وجوب إيتاء الزكاة و إعطائها و هو مترتب على الأصل المذكور بلا وساطة شي ء، فلا يكون الاستصحاب مثبتا.

(2) لأصالة البراءة بالنسبة إليه ظاهرا لكن لا يبطل حق الفقراء، للعلم بتعلقه بهذا المال إما عند البائع أو عند المشتري، فلوليّ الزكاة أن يتبع العين و يأخذ الزكاة منها، و ليس للمشتري الرجوع إلى البائع، لعدم طريق معتبر لإثبات أنّ تعلق الزكاة كان في ملكه و لا بد لهما من التراضي.

(3) لأصالة عدم التعلق إلى زمان البيع، فيكون التعلق في ملكه و يجب عليه إيتاء الزكاة حينئذ.

(و فيه): أنّه مثبت، لأنّ عدم التعلق إلى زمان البيع ليس موضوع الحكم في الأدلة، و إنّما الموضوع كون التعلق بعد البيع، فيكون الأصل المذكور مثبتا حينئذ و لكن حيث يعلم بتعلق الزكاة بالعين في الجملة يكون لوليّ الزكاة أن يتبع العين و يأخذها منه، و ليس للمشتري الرجوع إلى البائع، لما مرّ و الأحوط لهما التصالح و التراضي.

ص: 288

على إشكال في وجوبه (1).

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة. و إذا لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته، و لا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب (2) إلا مع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان الموت، فإنّ الأحوط حينئذ الإخراج (3) على الإشكال المتقدم (4) و أما إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب- أو نصيب بعضهم- فيجب على من بلغ نصيبه منهم، للعلم الإجمالي (5) بالتعلق به، إما بتكليف الميت في حياته، أو بتكليفه هو بعد موت مورثه. بشرط أن يكون بالغا عاقلا، و إلا فلا يجب عليه، لعدم العلم الإجمالي بالتعلق حينئذ.

______________________________

(1) منشأ الاحتياط أصالة عدم الزكاة إلا بعد البيع، فيجب على المشتري و منشأ الإشكال أنّ هذا الأصل مثبت فلا اعتبار به، و لكن لا يبطل حق الفقراء كما تقدم آنفا.

(2) أما وجوب الإخراج في الصورة الأولى، فلعمومات الأدلة، و إطلاقاتها و كذا في الصورة الثانية مع بلوغ حصة كل واحد من الورثة، فيجب على كل واحد منهم، لوجود المقتضي و فقد المانع و إن بلغ سهم بعضهم النصاب، فيجب عليه فقط، لتحقق المقتضي بالنسبة إليه دون غيره. و أما عدم وجوبه في الصورة الثالثة فلعدم إحراز كون التعلق في زمان حياة الميت و عدم تحقق النصاب بالنسبة إلى الورثة فلا موضوع للوجوب أصلا.

(3) لأصالة بقاء الحياة، و أصالة عدم خروج المال عن ملكه إلى زمان التعلق.

(4) و قد تقدم عدم وروده. و يمكن أن يكون المقام من الموضوعات المركبة من الأصل و الوجدان، فإنّ زمان التعلق معلوم وجدانا. و الحياة، و بقاء الملكية تحرزان بالأصل.

(5) بل للعلم التفصيليّ الفعليّ. نعم، منشأ حصوله العلم الإجمالي.

ص: 289

الخامسة: إذا علم أنّ مورثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة و شك في أنّه أداها أم لا

الخامسة: إذا علم أنّ مورثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة و شك في أنّه أداها أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته- لاستصحاب بقاء تكليفه- أو عدم وجوبه- للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميت أو عدم وجوبه لا ينفع في تكليف الوارث- وجهان، أوجههما الثاني، لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت (1) حتى يتعلق الحق بتركته، و ثبوته فرع شك الميت و إجرائه الاستصحاب لا شك الوارث. و حال

______________________________

(1) نعم، تكليف الوارث فرع تكليف الميت، لكن الشك و اليقين و سائر العناوين المأخوذة في الأدلة إنّما هي بالنسبة إلى الوارث لتوجه الخطاب إليه لا الميت لانقطاع الخطاب عنه بالموت، فلا يلحظ اليقين و الشك بالنسبة إليه، و لا ملازمة بين ترتب تكليف آخر، و لحاظ اليقين و الشك بالنسبة إلى الآخر أيضا. و قد التزم الماتن (رحمه اللّه) بما قلناه في [مسألة 105] من كتاب الحج، [و مسألة 1] من (فصل الوصية بالحج).

و على هذا فإن علم الوارث بتعلق الزكاة بالميت ثمَّ شك في أنّه فرّغ ذمته و مات أم لا، فمقتضى الاستصحاب وجوب الأداء على الوارث.

هذا إذا كانت العين باقية أو تلفت على وجه الضمان و لو كان التلف لا على وجه الضمان، فلا وجه للاستصحاب لعدم اليقين السابق فالأقسام ثلاثة: فإنّه تارة تكون العين موجودة، و أخرى: تكون تالفة على وجه الضمان، و ثالثة: لا على وجه الضمان.

و في الأوليين يجري الاستصحاب بخلاف الأخير، بل مقتضى أصالة عدم اشتغال الذمة بالمثل أو القيمة عدم الوجوب.

و أما الإتلاف فإن كان من الأجنبي فالظاهر أنّ حكمه حكم التلف، و إن كان من المالك فتجري فيه أصالة الصحة فلا يجب شي ء على الوارث، و إن لم يكن كذلك فيمكن إدخاله في الموضوعات المركبة من الوجدان و الأصل، فإنّ الإتلاف معلوم وجدانا و تجري أصالة عدم الإخراج، فتجب على الوارث.

ص: 290

الميت غير معلوم أنّه متيقن بأحد الطرفين أو شاك. و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقا- و هو نائم- و نشك في أنّه طهرها أم لا، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة- مع أنّ حال النائم غير معلوم أنّه شاك أو متيقن- إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال: إنّ يده كانت نجسة و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها بخلاف المقام، حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت و اشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو.

نعم، لو كان المال الذي تعلق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال: الأصل بقاء الزكاة فيه (1)، ففرق بين صورة الشك في تعلق الزكاة بذمته و عدمه و الشك في أنّ هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا، هذا كله إذا كان الشك في مورد لو كان حيّا و كان شاكا وجب عليه الإخراج، و أما إذا كان الشك بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها- مما يجري فيه قاعدة التجاوز و المضيّ، و حمل فعله على الصحة (2)- فلا إشكال، و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك (3).

السادسة: إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه

السادسة: إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه

______________________________

(1) بل هو المتعيّن لما قلناه.

(2) تقدم عدم جريان قاعدة التجاوز و المضيّ. نعم، تجري قاعدة الصحة إن صدر منه فعل من إتلاف أو نحوه، فيحمل فعله على الصحة، و كذا لو لم يحصل منه فعل و قلنا باعتبار ظهور حال المسلم في الشك في إتيان ما وجب عليه.

(3) فمع اليقين باشتغال ذمة الميت بها و الشك في التفريغ وجب الأداء على الورثة، إلا إذا وجدت قرينة معتبرة دالة على أنّ الميت فرّغ ذمته فلا شي ء عليهم حينئذ.

ص: 291

إخراجهما (1) إلا إذا كان هاشميا، فإنّه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمة (2). و إن اختلف مقدارهما قلة و كثرة أخذ بالأقل (3)، و الأحوط الأكثر (4).

السابعة: إذا علم إجمالا أنّ حنطته بلغت النصاب أو شعيرة و لم يتمكن من التعيين، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما (5) إلا إذا أخرج بالقيمة فإنّه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما قيمة، على إشكال. لأنّ الواجب أولا هو العين

______________________________

(1) لتنجز العلم الإجمالي المردد بين المتباينين، و لكن ادعى الماتن (رحمه اللّه) الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات المرددة بين المتباينين مؤيدا ذلك بقاعدة نفي الضرر مع إمكان دفع مقدار أحدهما إلى الحاكم الشرعي، أو وكيل الطائفتين.

و على كل تقدير لو أخرجها المالك ليس لكل واحد ممن أخذ منه التصرف فيه إلا برضاه، لعدم علمه بأنّه حقه.

(2) لما تقدم من حلية زكاة الهاشمي لمثله، فتبرأ ذمة المعطي و يصح للآخذ أخذه على كل تقدير، لأنّه حقّه قطعا كما أنّه تبرأ ذمته إن أعطاه للحاكم الشرعيّ، أو وكيل الطائفتين، ثمَّ هو يرى رأيه من القرعة أو التخيير.

(3) لأصالة البراءة عن وجوب الأكثر و الشبهة من حيث أصل المالية و اشتغال الذمة بين الأقلّ و الأكثر و إن كانت من حيث خصوص الزكاتية و الخمسية من المتباينين و لكن لا أثر للمتباينين بعد صحة قصد ما في الذمة و حصول الفراغ بذلك. هذا مع أنّ الماتن ادعى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات المرددة بين المتباينين فراجع حاشيته على المكاسب.

(4) خروجا عن خلاف من أوجب الأكثر في الشبهات المرددة بينه و بين الأقلّ و إن كان لا دليل له كما ثبت في محلّه

(5) لو لا دعوى الإجماع من الماتن على عدم وجوب الاحتياط في المتباينين من الماليات مع معارضة الاحتياط بقاعدة الضرر، مضافا إلى إمكان مراجعة الحاكم الشرعي و مراضاة الطرفين كما مرّ.

ص: 292

و مردد بينهما إذا كانا موجودين (1)، بل في صورة التلف أيضا، لأنّهما مثليان (2) و إذا علم أنّ عليه إما زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة و إذا علم أنّ عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة، وجب الاحتياط (3) إلا مع التلف، فإنّه يكفيه قيمة شاة و كذا الكلام في نظائر المذكورات.

الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال (4).

______________________________

(1) مع صحة الإخراج من القيمة حتى مع وجود العين لا وجه للإشكال، كما مرّ سابقا من التعلق بأصل المالية و هي مرددة بين الأقلّ و الأكثر هذا مضافا إلى ما مرّ من عدم وجوب الاحتياط في المتباينين من الماليات.

(2) لا أثر لكونهما مثلين بعد جواز دفع القيمة من غير الجنسين حتى مع وجود العين فكيف بالتلف، و مقتضى تسامح الشارع مع المالك، و إطلاق ولايته عدم لزوم مراعاة المثلية، مع أنّه مبنيّ على تنجز العلم الإجمالي في المتباينين من الماليات و مرّ ما فيه، و مبنيّ أيضا على شمول أدلة التعلق لصورة التردد أيضا و هو مشكل، لإمكان دعوى انصرافها إلى صورة معلومية العين تفصيلا، فينتقل الحق إلى الذمة مع الإجمال.

(3) يجزي إخراج الأكثر قيمة مع بقاء العين، أو مع التلف، و كذا في نظائر المقام من المتباينين في الماليات و جواز تفريغ الذمة بالقيمة.

(4) منشأه استصحاب المنع الثابت في حال الحياة. (و فيه): أنّه لا وجه له مع إطلاق الأدلة و عمومها بعد صدق الفقير و المسكين عليه و عدم صدق التعليل الوارد في النصوص من أنّهم: «لازمون له» (1) بعد موته، فيكون كالزوجة الفقيرة بعد طلاقها، فيجوز للزوج إعطاء زكاته إليها بلا إشكال.

ص: 293


1- الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز (1). إلا إذا قصد كون الزكاة عليه، لا أن يكون نائبا عنه، فإنّه مشكل (2).

العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعا من ماله جاز و أجزأ عنه، و لا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه (3). و أما إن طلب و لم يذكر التبرع

______________________________

(1) الظاهر هو الجواز بلا إشكال لتعلق الزكاة بالعين التي انتقلت إلى المشتري، و مع هذا الشرط ليس له الرجوع إلى البائع بعد دفع الزكاة و لو لم يدفعها يكون للبائع الخيار، و لا فرق فيه بين شرط الفعل أو النتيجة بناء على صحته.

(2) الظاهر الصحة في هذه الصورة أيضا، لما مرّ من تعلقها بالعين، فيصح إخراجها من العين مباشرة أو تسبيبا و الشرط نحو تسبب من المالك لذلك. نعم ليس للمشتري الرجوع إلى البائع لإقدامه على هذا الشرط باختياره، و لعل وجه الإشكال أنّ شرط إعطاء المشتري الزكاة بلا نيابة عن المالك تشريع، فيكون أصل الشرط باطلا.

(و فيه): أنّه صحيح لو لم يكن ذلك مضافا إلى المالك الذي هو وليّ على الإخراج بأيّ نحو شاء و المفروض تحقق الإضافة إليه بالشرط، فكيف يكون ذلك تشريعا، فإنّ مفاد الشرط إعطاء زكاة المالك. نعم، لو كان مفاده نقل أصل خطاب الزكاة و تشريعها إلى المشتري بلا إضافتهما إلى المالك يكون ذلك باطلا و لكنه مع ذلك يصح لوليّ الزكاة الرجوع إلى المشتري و أخذ الزكاة منه سواء صح الشرط أم فسد و مع إقدام المشتري على الإعطاء بلا عوض ليس له الرجوع إلى البائع إلا إذا كان إقدامه مقيدا بصحة الشرط شرعا، فيجوز الرجوع مع تبيّن الخلاف.

(3) أما الجواز، فلأصالة البراءة. و أما الإجزاء فلإطلاقات الأدلة، و أما عدم جواز الرجوع للمتبرع، فلأنّه أقدم على التبرع مجانا و بلا عوض فلا موضوع للرجوع حينئذ.

ص: 294

فأداها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه، لقاعدة احترام المال (1) إلا إذا علم كونه متبرعا.

الحادية عشرة: إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمته بمجرد ذلك

الحادية عشرة: إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمته بمجرد ذلك، أو يجب العلم بأنّه أدّاها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرّد الدفع إليه (2).

______________________________

(1) و يشهد له ظاهر الطلب أيضا، فإنّه تسبيب لاستيفاء مال الغير، لغرض صحيح و ذلك موجب للضمان مطلقا، فكما أنّ أصالة احترام المال من الأصول النظامية العقلائية المقرّرة في الشرائع الإلهية كذلك استيفاء مال الغير و عمله- مباشرة أو تسبيبا مع قوة السبب على المباشر- موجب للضمان عند العقلاء و قرره الشارع بل هو فروع أصالة احترام المال و العمل التي هي من أهم الأصول النظامية.

(2) مقتضى قاعدة الاشتغال، و ظاهر جملة من الأخبار عدم الإجزاء إلا مع الاطمئنان بالوصول إلى الفقير، ففي صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام): فيمن يلي صدقة العشر فقال (عليه السلام): إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها» (1).

و في خبر شهاب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها، فأدفعها إلى من أثق به يقسّمها قال (عليه السلام): نعم، لا بأس بذلك.

أما إنّه أحد المعطين» (2).

و المستفاد منهما أنّ المناط كله حصول الوثوق للأداء، و الظاهر أنّ نظر الماتن (رحمه اللّه) إلى ذلك أيضا و لا أثر للدفع، و لا الإخبار، للأصل إلا إذا كان المخبر عدلا و قلنا بحجية خبر العدل الواحد و هو خلاف المشهور. و يمكن القول بأنّ الدفع إلى الوكيل عزل فيترتب عليه أحكامه و المسألة- مورد الابتلاء- جارية في موارد شتى

ص: 295


1- الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

الثانية عشرة: إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة

الثانية عشرة: إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة، فأعطى شيئا للفقير و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلا فإن كان عليه مظالم كان منها و إلا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلا فمظالم له إن لم يكن على أبيه شي ء فلجده إن كان عليه و هكذا فالظاهر الصحة (1).

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أولا فأولا، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة و زكاة الحاضرة، جاز تقديم الحاضرة بالنية و لو أعطى من غير نية التعيين، فالظاهر التوزيع (2).

الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر (3) و في الصحيحة منها عليهما (4) إذا بلغ نصيب كل منهما. و إن بلغ

______________________________

كجملة العبادات الاستيجارية، و الحقوق التي تعطى لو كلاء المرجع الديني و النفقات التي يؤتى بها لتصرف في واجب النفقة إلى غير ذلك من الموارد.

(1) لأنّ الترديد في المنويّ دون أصل النية، فمقتضى الأصل و الإطلاق الصحة، لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها.

(2) أما عدم وجوب الترتيب في الأداء، فللأصل، و الإطلاق. و أما التوزيع فإن كان من الأمور الانطباقية القهرية فلا بأس به، و لكن الظاهر أنّه ليس كذلك بل هو قصديّ فلا موضوع له إلا مع قصده و المفروض عدم القصد إليه. و حينئذ فإن كان ما عليه متحدا يسقط بمقدار ما أداه و يبقى الباقي، و إن كان مختلفا يقع عن جنس ما عليه و هذه المسألة سيالة في جميع موارد اشتغال الذمة بالمتعدد. و يأتي نظيرها في كتاب الضمان أيضا.

(3) لأنّ النماء تابع للأصل، فمن يكون له الأصل تكون الزكاة عليه، و ليس للعامل إلا أجرة مثل عمله إن لم يقصد المجانيّة و إلا ذهب عمله هدرا.

(4) لوجود المقتضي- من كون الزرع ملكا لهما، و بلوغ النصاب في حصة كل منهما- و فقد المانع بالفرض، فيشملهما الإطلاقات و العمومات، فيجب على كل واحد منهما الزكاة.

ص: 296

نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما و إن بلغ المجموع النصاب (1).

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة (2) و يصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلا بصرف مال، و لم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطر لا يمكن إعانته و رفع اضطراره إلا بذلك، أو ابن السبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره، فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف و بعد حصولها يؤدي الدّين منها.

______________________________

(1) للأصل بعد ظهور أدلة اشتراط النصاب في كونه في ملك مالك واحد و يأتي- إن شاء اللّه تعالى- في [مسألة 21] من كتاب المزارعة ما يناسب المقام.

(2) أرسل ذلك إرسال المسلّمات في قسم سهم الغارمين، و في مسألة تعجيل الزكاة، و الوجه فيه صحة اعتبار الذمة لنفس أموال الزكاة عند العقلاء، فإنّها تعتبر في كل ما يصح أن يقوم به الاعتبار، و لا ريب في صحة قيام هذا الاعتبار بالمال، بل هو أصل اعتبار الذمة للشخص لأنّ اعتبارها إنّما هو لأجل المال، فلو قطع الناس بأنه لا مال له لا يعتبرون له ذمة، بل يعتبرون مقدار اعتبار الذمة على كمية المال و قدرته عليه فعلا أو تحصيلا، فمن كان ماله منحصرا في ألف دينار- مثلا- لا يعتبرون له ذمة عشرة آلاف دينار إلا مع العلم بأنّه يقدر عليها بأيّ وجه أمكنه من قرض أو نحوه. فالمال هو أصل الاعتبار و أساسه.

كما يصح اعتبار الذمة بالنسبة إلى وليّ الزكاة أيضا كالحاكم الشرعي، فإنّ له ذمة شخصية و ذمة نوعية، و الثانية عبارة عن جهة استيلائه على الحقوق الشرعية و صرفها في مصارفها كرجال الدولة المستولين على أموالها أخذا و صرفا في مصالحها و لا يستنكر أحد قرضهم على مال الدولة أو على ذمتهم و هو واقع شائع.

و ما يقال: من أنّ الزكاة ملك الفقراء، أو حق لهم، فلا وجه لاعتبار الذمة لها، مع أنّ القرض عليها يوجب كون المقروض ملكا لها و لا وجه لذلك أيضا.

ص: 297

و إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه، و صار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه، إذ المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمة الفقير بخلاف المقام، فإنّ الدّين على الزكاة و لا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمة تشتغل، لأنّ هذه الأمور اعتبارية و العقلاء يصححون هذا الاعتبار و نظيره استدانة متوليّ الوقف لتعميره ثمَّ الأداء بعد ذلك من نمائه (1) مع أنّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمة أرباب الزكاة (2) من الفقراء، و الغارمين، و أبناء السبيل- من حيث هم مصارفها لا من حيث هم هم. و ذلك مثل ملكيتهم للزكاة

______________________________

(مدفوع): بأنّ اعتبار الذمة خفيف المؤنة، فكل ما لا يستنكر عند المتعارف يصح اعتبارها فيه و لا ريب في عدم الاستنكار، بل الوقوع خارجا، كما في قروض الدول، و أما كون المقروض ملكا للزكاة فلا بأس به، إذ المراد بالملكية هنا جهة الاختصاص، فإن قصد المقترض اختصاص المقروض بالزكاتية يكون زكاة، و إن قصد اختصاصه بصرفه في مصالح الزكاة يكون كذلك، و في مراجعة القروض الدولية الشائعة غنى و كفاية عن التعرض لسائر الخصوصيات، و من يتولّى الأمور النوعية يجد صحة هذه الفروع بالوجدان من غير أن يحتاج إلى إقامة البرهان، و كانت عادة بعض أعاظم مشايخنا الاستقراض على الحقوق و يصرفه في قضاء حوائج الناس ثمَّ الأداء منها و كان يصرّح: «بأنّ لي ذمة شخصية لا يعتبرها أحد، و ذمة من حيث الأموال الواصلة إلىّ يعتبرها كل أحد».

(1) هذا من قبيل القرض لمصالح الزكاة. نعم، لو كان نماء الوقف وقفا لأشخاص خاصة و كانت هناك مصلحة ملزمة في تقديم الصرف عليهم قبل حصول النماء، و اقترض المتولّي للصرف عليهم يكون ذلك نظير المقام.

(2) خلاصة الكلام: أنّ اعتبار الذمة تارة: بالنسبة إلى نفس الزكاة من حيث هي. و اخرى: بالنسبة إلى مصارفها من الفقراء و غيرهم. و ثالثة: بالنسبة إلى وليّ أمرها من الحاكم الشرعيّ من حيث ولايته على جباية الزكاة و رابعة: بالنسبة إليه

ص: 298

فإنّها ملك لنوع المستحقين فالدّين أيضا على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم. و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين، بقصد الأداء من مالهم و لكن في الحقيقة هذا أيضا يرجع إلى الوجه الأول و هل يجوز لآحاد المالكين اقتراض الزكاة قبل أوان وجوبها، أو

______________________________

أيضا من حيث ولايته على صرفها. و خامسة: بالنسبة إلى ولاية المالك في الجملة.

و في الكل يصح اعتبار الذمة بحسب العرف، و لا مانع منه شرعا أو عقلا و كذا الكلام في سائر الحقوق من الخمس و المظالم و نحوهما. و كما أنّ الذمة الحقيقية معتبرة تكون الذمة الاعتبارية أيضا معتبرة، و عمومات أدلة القرض و الاقتراض شاملة لذلك كله.

إن قلت: كل ذلك مبنيّ على ثبوت الولاية للحاكم الشرعيّ على مثل ذلك و هو محل البحث.

قلت: إطلاق أدلة حكومته- خصوصا رواية النصب (1) التي وردت عن صاحب الأمر (روحي له الفداء) يصيّره من أولي الأمر الذي أوجب اللّه علينا طاعته.

نعم، من المعلوم اختصاصه في كل ماله في الشرع مدخلية حكما و موضوعا.

و دعوى: اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية يدفعها معلومية تولية كثير من الأمور التي لا ترجع إلى الأحكام- كحفظ مال الأيتام، و المجانين و غير ذلك مما هو محرّر في محله- و يمكن تحصيل الإجماع عليه فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه.

ثمَّ إنّه لا وجه لفرض تعدد الذمم، إذ المال واحد و الإضافات متعدّدة، فذمة الفقراء منطوية في ذمة الحاكم الشرعي، لفرض ولايته عليهم نحو انطواء الحصص في الكلّي فهي بالتالي ترجع إلى ذمته و هو المسؤول فلا معنى لقوله (رحمه اللّه): «راجع الى اشتغال ذمة أرباب الزكاة» بل الأمر بالعكس من حيث ولاية الحاكم، فتكون له

ص: 299


1- تقدم في صفحة: 244 و ما بعدها.

الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان (1) و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما.

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعيّ أخذ الزكاة من المالك ثمَّ الرد عليه

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعيّ أخذ الزكاة من المالك ثمَّ الرد عليه، المسمّى بالفارسية (دستگردان) أو المصالحة معه بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك (2)، فإنّ كل هذه حيل في تفويت حق الفقراء (3)، و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم و نحوهما. نعم

______________________________

ذمة شخصية تتعلق بنفسه فقط، و ذمة نوعية تتعلق بها مصالح الأمة، و وثيقة هذه الذمة إنّما هي بيت المال التي تصرف في مصالح الأمة و تفرغ منها الذمة النوعية.

(1) الشك في ثبوت ولايته عليه يكفي في عدم الولاية عليه. نعم، يجوز ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(2) كل ذلك لقاعدة الاشتغال بعد عدم دليل على صحة شي ء مما ذكر في المقام، و في الخمس، و المظالم من الأموال النوعية.

(3) قد تعرّض صاحب الجواهر لإجمال هذه الحيلة في كتاب الطلاق عند قول المحقق (رحمه اللّه): «المقصد الرابع في جواز استعمال الحيل فراجع». ثمَّ إنّ إعطاء الزكاة و أخذها يتصوّر على أقسام:

الأول: أن لا يكون الإعطاء و الأخذ مقيدا بشي ء أبدا، بل كان المالك قاصدا لمجرد الإعطاء قربة إلى اللّه فقط، و الآخذ قاصدا للأخذ فقط، و لا ريب في جوازه سواء أمسكه الآخذ بعد الأخذ و لم يرده إلى المالك، أم رده إليه بطيب نفسه بعنوان الهدية مثلا، و لكن لا بد و أن تكون بحيث تليق بشأن الآخذ، فلو كان كثيرا لا يجوز، و إن أخذه المالك لا تبرأ ذمته إن علم بالحال.

الثاني: أن يكون الإعطاء قربة إلى اللّه تعالى مقرونا ببعض الدّواعي الصحيحة غير المنافية القربة و لا إشكال في الجواز أيضا، و حكم أخذ الفقير و رده عين ما تقدم في القسم الأول.

الثالث: أن يكون الدفع قربة له تعالى بشرط أن يهدي الآخذ له شيئا من ماله

ص: 300

لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير، و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّه تعالى، لا بأس بتفريغ ذمته بأحد الوجوه المذكورة (1) و مع ذلك- إذا كان مرجوّ التمكن بعد ذلك- الأولى أن يشترط

______________________________

بطيب نفسه و رضاه، و لا إشكال في صحة الإعطاء و الأخذ، و الظاهر لغوية الشرط لأصالة عدم ولاية المالك على مثل هذا، فإن شاء الآخذ وفى بالشرط، و إن شاء تركه، و إن كان الأولى الوفاء بالشرط.

الرابع: أن يكون الدفع قربة إلى اللّه و مع داعي أن يرد الآخذ تمامه أو بعضه عليه بحيث لا يضرّ الدّاعي بقصد القربة، و الظاهر الصحة أيضا إن لم يكن شرط منهما، أو تبان عليه، للعمومات و الإطلاقات، و يصح للآخذ أن يرد إليه و أن لا يفعل ذلك.

الخامس: أن يكون الإعطاء بشرط أن يرد الآخذ تمامه، أو بعضه أو يكون ذلك مع تبان منهما عليه و لو لم يشترط، لا أثر لمثل هذا الشرط و التباني، كما تقدم في القسم الثالث.

ثمَّ إنّ الرد إن كان من الحاكم الشرعيّ، فلا يجوز ذلك إلا لما يراه من المصلحة، و إن كان من الفقير و كان بطيب نفسه فلا بد و أن يكون بقدر ما يليق به من عطاياه و هداياه، و أما المصالحة بشي ء يسير، أو قبول شي ء بأزيد ممن قيمته، فلا يجوز ذلك في نفسه إلا من الحاكم مع وجود المصلحة في البين، و لا ولاية للفقير على ذلك.

(1) قد مرّ عدم تماميتها. نعم، لو وقعت من الحاكم الشرعيّ و كانت صحيحة بنظره فلا بأس به، و لا ريب في صحة أخذ تمامها منه ثمَّ إقراضه ثانيا بشرط أن يدفع متدرجا عند التمكن، و ربما تصح كيفية أخرى تابعة لمقتضيات الحال يراها الحاكم الشرعي العالم بها.

فروع- (الأول): لو دار الأمر بين ذهاب تمام حق الفقراء أو بعضه يقدم الأخير مع إرشاد المالك إلى أنّه لا تبرأ ذمته إلا بقدر ما أعطاه سواء كان الإرشاد حين الأخذ أم بعده و لو بمدّة.

ص: 301

عليه أداؤها بتمامها عنده.

السابعة عشر: اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم و أما فيما لا يعتبر فيه- كالغلات- ففيه خلاف و إشكال (1).

______________________________

(الثاني): لو شرط المالك شرطا على الآخذ حين الإعطاء، فالظاهر عدم لزوم الوفاء، لعدم ثبوت ولايته على الشرط، و مقتضى الأصل عدمها و يأتي في [مسألة 38] من كتاب الحج ما ينفع المقام فراجع.

(الثالث): لا يجوز للفقير أن يأخذ من الصدقات و يصرفها في الخيرات و يفقر نفسه ثمَّ يأخذ من الصدقات. نعم، يصح خيراته منها بقدر يناسب شأنه، و في غيره يراجع الحاكم الشرعي.

(الرابع): يجوز للفقير أن يأخذ الزكاة من المالك، أو الحاكم الشرعي ثمَّ يهدي له منها بقدر ما يناسب شأن الفقير من عطيته أو سوقات [هدية المسافر] أو نحوهما.

(الخامس): لو كان شخص في محل معروفا بالفقر و الصلاح بحيث يعطي من الصدقات كل ما شاء و أراد، و كان شخص آخر فقيرا عفيفا لا يعرفه أحد يجوز للأول أن يأخذ الصدقات و يعطيها للآخر إن لم تكن خصوصية للأول في البين و كان إعطاء المالك له لمحض تفريغ ذمته مطلقا.

(السادس): لو كان شخص مديونا من الزكاة أو غيرها من الحقوق و لا يقدر على الأداء يجوز للحاكم الشرعي تفريغ ذمته من سهم الغارمين.

(السابع): من كان عليه من الحقوق ما لا يقدر على الأداء و كان كسوبا و لم يكن له رأس مال يكتسب به يصح للحاكم الشرعي أن يعطي له رأس المال من سهم سبيل اللّه و يشترط عليه أداء الحقوق تدريجا ثمَّ يسترجع منه رأس المال مع الإمكان.

(1) مقتضى إطلاق معاقد الإجماعات، و إطلاق مثل قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع

ص: 302

الثامنة عشر: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة إلا بعد العثور، و مضيّ الحول من حينه. و أما إذا كان في صندوقه مثلا لكنه غافل عنه بالمرّة، فلا يتمكن من التصرف فيه من جهة غفلته، و إلا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه يجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول و يجب التكرار إذا حال عليه أحوال، فليس هذا من عدم التمكن (1)، الذي هو قادح في وجوب الزكاة.

التاسعة عشر: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين

التاسعة عشر: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين،

______________________________

في يدك» (1) هو الاعتبار فيه أيضا، و هو مقتضى إطلاق ما تقدم منه (رحمه اللّه) في الشرط الخامس من الشرائط العامة لوجوب الزكاة، و يشهد له سهولة الشريعة، و كثرة امتنان الشارع على المالك، و لا وجه للتمسك بإطلاق أدلة الزكاة في الغلات بعد إطلاق معاقد الإجماعات، و تعليلات النصوص على اعتبار التمكن من التصرف للزوم تقييد إطلاق أدلة وجوب الزكاة بهذه الأدلة. نعم، ذكر ذلك في نصوص ما يعتبر فيه الحول (2) و الظاهر كونه من باب المثال لا التقييد.

ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) استشكل في المقام، و في آخر مسائل الختام جعل عدم الاعتبار هو الأظهر، و جعله في آخر المساقاة الأقوى و لكن الأحوط عدم الاعتبار خروجا عن خلاف من خالف. كما أنّ الأحوط الاسترضاء المطلق من المالك.

(1) أما عدم الوجوب في الأول، فلصدق عدم التمكن من التصرف عرفا.

و أما الوجوب في الأخير فلصدق التمكن من التصرف عند المتعارف إذ المراد بعدم التمكن من التصرف ما إذا كان المنع من الجهات الخارجة عما يتعلق بنفس المالك.

لا ما إذا كان من طرف المالك، و إلا لما وجب على النائم و المغمى عليه، و المحجور لسفه، أو فلس، و المحبوس و نحوهم.

ص: 303


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.
2- تقدم في صفحة: 33.

أو أكرهه مكره على عدم التصرف، أو كان مشروطا عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة، و كونه من عدم التمكن من التصرف الذي هو موضوع الحكم إشكال (1) لأنّ القدر المتيقن ما إذا لم يكن المال حاضرا عنده أو كان بحكم الغائب عرفا.

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا، أو قرآنا، أو دعاء و يوقفه

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا، أو قرآنا، أو دعاء و يوقفه، و يجعل التولية بيده أو يد أولاده، و لو أوقفه على أولاده و غيرهم- ممن يجب نفقته عليه- فلا بأس به أيضا. نعم، لو اشترى خانا أو بستانا و وقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم فيه إشكال (2).

الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة، لا يجوز للفقير المقاصة من ماله

الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة، لا يجوز للفقير المقاصة من ماله إلا بإذن الحاكم الشرعيّ في كل مورد (3).

______________________________

(1) لا إشكال في صدق عدم التمكن من التصرف عند المتشرعة لأنّ المنع الشرعيّ كالعقليّ و قد مرّ قوله في أول الكتاب: «إنّ المدار في التمكن على العرف» و هو ينافي قوله (رحمه اللّه) في المقام فراجع و تأمل.

(2) أما جواز جعل التولية لواجب النفقة، فللأصل، و الإطلاق، و عدم كونه من صرف الزكاة في النفقة الواجبة لمن تجب نفقته على المالك.

و أما الإشكال في صرف النماء، فإن كان ذلك للصرف في النفقة الواجبة فمنشأه احتمال انصراف ما دل على عدم جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة عن مثل الفرض، هذا كله إذا كان للنفقة الواجبة في زمان حياته. و أما إن كان بغيرها و لو في زمان حياته أو لها بعد موته فلا إشكال فيه كما تقدم راجع [مسألة 17] و بعدها من (فصل أوصاف المستحقين) و [مسألة 8] من هذا الفصل.

(3) لأصالة عدم جوازها، و عدم ولاية الفقير عليها، و للحاكم الشرعي الولاية عليها، لأنّ إحقاق حقوق الفقراء من الأغنياء من أهمّ الأمور الحسبية التي تكون الولاية عليها، و يأتي في كتاب القضاء بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.

ص: 304

الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج

الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القرب (1)، و يجوز من سهم سبيل اللّه.

______________________________

(1) مقتضى الإطلاقات الجواز بعد كونه فقيرا فعلا، و كانت الزيارة و الحج من حوائجه المتعارفة خصوصا مع شدة اشتياقه إليها بحيث يصعب عليه تركها، لأنّ تشريع الصدقات لسدّ الخلة و الحاجات المتعارفة بلا فرق بين حاجة دون أخرى مع كثرة اهتمام الشارع بشأن الفقراء و مراعاة حقوقهم و شؤونهم من كل وجه، و يشهد لذلك إطلاق صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): «يكون عندي المال من الزكاة فأحج به مواليّ و أقاربي؟ قال (عليه السلام): نعم، لا بأس» (1).

و قريب منه صحيح ابن مسلم (2). نعم، لو كان في البين مهم و أهم لا بد من الصرف في الأهم هذا مع عدم الشرط. و أما معه فقد يقال بعدم صحة الشرط، لعدم ولاية المالك عليه و لا يجوز التصرف في المال المأخوذ إن كان الشرط بنحو وحدة المطلوب، و أما إن كان بنحو تعدد المطلوب فالظاهر الجواز لتحقق إعطاء أصل المال برضا المالك فيصح الأخذ و إن بطل الشرط. و يمكن القول بصحة الشرط بدعوى:

كونه من فروع ولايته على أصل الإعطاء، فتشمله أدلة ولايته و يأتي من الماتن في [مسألة 38] من الحج التصريح بصحة الشرط، و التصريح بالجواز، و يأتي في تلك المسألة و [مسألة 57] من كتاب الحج ما ينفع المقام.

فرعان- (الأول): لا يعتبر قصد الصنف الخاص في إعطاء الزكاة و يكفي قصد مطلق الزكاة قربة إلى اللّه تعالى، للأصل و الإطلاق، فلو كان شخص موردا للزكاة في الجملة يجزي في تفريغ ذمة المالك قصد مطلق الزكاة ثمَّ هو يصرفها في أيّ من المصارف المنطبقة عليه. و على هذا لو دفع الزكاة إلى شخص بداعي الفقر مثلا و صرفها في الحج أو الزيارة تفرغ ذمة المالك، لفرض أنّ زكاته صرفت في مصرفها

ص: 305


1- الوسائل باب: 42 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كل قربة

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كل قربة حتى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه (1) إذا لم يمكن دفع شره إلا بهذا.

الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمر نخلة أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص

الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمر نخلة أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص

______________________________

الواقعيّ و هو سبيل اللّه. و منه يظهر أنّ هذه المسألة مبنية على البسط بالنسبة إلى الأصناف و اعتبار قصد الصنف. و أما بناء على عدم اعتبار ذلك كله و كفاية قصد مطلق الزكاة فلا ثمرة لها.

(الثاني): يجوز للمالك أن يشترط شيئا على الفقير من كيفية الصرف و المصرف و نحو ذلك، لإطلاق دليل ولايته، و كذا يجوز ذلك للحاكم الشرعيّ، بل هو أولى.

إن قيل: إنّ الفقير يملك بالقبض. فلا وجه لتحديد الملك بالنسبة إليه فإنّه خلاف قاعدة السلطنة (يقال): إن حصل الملك فلا يجوز تحديده بدون رضاه، و أما إن كان حصول الملك من الأول محدودا، فلا محذور فيه.

إن قيل: إنّ الشرط خلاف سيرة المتشرعة (يقال): قيام السيرة على عدم الشرط بنحو اعتبار العدم ممنوع. نعم، لا يشترطون غالبا و هو أعمّ من اعتبار العدم، فلا بأس بالشرط خصوصا إن كان الآخذ غير مبال بالصرف و المصرف.

إن قيل: هل يجب على الآخذ الوفاء بهذا الشرط كالشروط المذكورة في ضمن العقود اللازمة أو لا؟. يقال: نعم، لفرض أنّ التمليك جهتيّ لا من كل جهة فيكون كما إذا قدم أحد طعاما إلى شخص و قال: هذا لنفسك و لا تعط إلى غيرك فلا يجوز له إعطاؤه إلى الغير. لفرض أنّ الإباحة جهتية لا من كل جهة. نعم، الشروط التي يرجع نفعها إلى المالك و تتعاوض بالمال عرفا الظاهر عدم صحتها إلا برضا الطرفين. و بذلك يمكن أن يجمع بين القول بالجواز و القول بالعدم، و لهذه المسألة فروع كثيرة.

(1) قد تقدم ما يتعلق بسهم سبيل اللّه، و تخليص المؤمنين من شر الأشرار من أهم موارد سبيل اللّه.

ص: 306

بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضا لأنّه مالك (1) له حين تعلق الوجوب. و أما لو كان بعنوان نذر الفعل، فلا تجب (2) على ذلك الشخص. و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال (3).

الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصا يقبض له الزكاة من أيّ شخص

الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصا يقبض له الزكاة من أيّ شخص، و في أيّ مكان كان، و يجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال، و تبرأ ذمته، و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير. و لا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلا على ذلك (4).

السادسة و العشرون: لا تجزي الفضولية في دفع الزكاة

السادسة و العشرون: لا تجزي الفضولية في دفع الزكاة، فلو أعطى فضوليّ زكاة شخص من ماله من غير إذنه، فأجاز بعد ذلك لم يصح (5).

______________________________

(1) بناء على صحة نذر النتيجة.

(2) لعدم حصول الملكية إلا بعد الوفاء بالنذر.

(3) تقدم التفصيل في [مسألة 12] من أول كتاب الزكاة.

(4) أما جواز التوكيل للفقير، فلأصالة جواز الوكالة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام. و أما جواز إعطاء المالك زكاته للوكيل فلفرض وكالته. و أما براءة ذمته لو تلفت في يد الوكيل، فلأنّ يد الوكيل يد الموكل فكأنّها تلفت في يد الموكل. و أما صحة الجعل للوكالة، فلأصالة احترام العمل الذي هو من أهمّ الأصول النظامية.

(5) استدل على عدم جريانه في دفع الزكاة بالأصل، و الإجماع، و أنّه لا يحصل منه قصد القربة، لكون التصرف حراما مع انطباق عنوان التجرّي عليه فكيف يكون مقرّبا.

و الكل مخدوش: إذ الأصل محكوم بالعمومات، و الإجماع غير متحصّل، بل هو اجتهاديّ، و عدم حصول القربة لا يختص بالمقام مع أنّ المفروض في صورة إمكان تحققه و حصوله كما في مورد الغفلة، و الجهل، و نحوهما و قد ثبت في محله أنّ الفضولية

ص: 307

نعم، لو كان المال باقيا في يد الفقير أو تالفا مع ضمانه- بأن يكون عالما بالحال- يجوز له الاحتساب (1) إذا كان باقيا على فقره.

السابعة و العشرون: إذا وكّل المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله

السابعة و العشرون: إذا وكّل المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله أو أعطاه له و قال: ادفعه إلى الفقراء، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيرا مع علمه بأنّ الإيصال إلى الفقراء، و أما إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز (2).

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو

______________________________

مطابقة للقاعدة، و مقتضاها جريانها في المقام أيضا لو لا خوف مخالفة شبهة الإجماع.

ثمَّ إنّ الفضولية في المقام تكون على وجوه:

الأول- أن يأخذ الأجنبيّ مال المالك و يصرفه في مصرف الزكاة ثمَّ أجاز المالك.

الثاني: أن يدفع الأجنبيّ من ماله زكاة من تعلقت الزكاة بماله مترقبا للإجازة.

الثالث: أن يتصرّف الفقير في مال من تعلقت الزكاة بماله مترقبا لإجازته فأجاز. و الأخير صحيح على كل حال، لأنّه من موارد الاحتساب و إن أثم الفقير في التصرف فيما لا يصح له التصرف فيه، بل و الأولان يكونان من موارد الاحتساب أيضا إذا أجاز المالك.

(1) بل يجوز الاحتساب ما لم يكن مغرورا و إن كان جاهلا، و أما إن كان مغرورا، فيرجع إلى من غرّه، فيأخذ البدل منه و يصح الاحتساب حينئذ أيضا.

(2) لا ريب في أنّ للمالك ولاية إعطاء زكاة ماله لبعض الفقراء و منعها عن بعض، لظواهر الأدلة، و إجماع الأجلّة و المناط كله إحراز رضاه، فإن أحرز ذلك بوجه معتبر يجوز و إلا فلا يجوز، لأنّها ما لم تصل إلى المصرف الواقعي فهي باقية على ملك المالك. و لو فرض أنّ التوكيل في إخراج الزكاة يجري عليه حكم العزل و لا يسقط بذلك ولاية الإعطاء أيضا و على ذلك نزل اختلاف الأخبار، ففي صحيح ابن يسار:

«في الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال (عليه السلام):

ص: 308

تدريجا، و بقيت عنده سنة، وجب عليه إخراج زكاتها و هكذا في سائر الأنعام و النقدين (1).

التاسعة و العشرون: لو كان مال زكويّ مشتركا بين اثنين مثلا

التاسعة و العشرون: لو كان مال زكويّ مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب، فأعطى أحدهما زكاة حصته من مال آخر، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمَّ اقتسماه، فإن احتمل المزكي أنّ شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال، و إن علم أنّه لا يؤدي، ففيه إشكال (2) من حيث تعلق الزكاة بالعين فيكون مقدار منها في حصته.

الثلاثون: قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا تصح منه

الثلاثون: قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا تصح منه، و إن كان لو أسلم سقطت عنه و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له، أو أخذها من ماله قهرا عليه و يكون هو المتولي للنية. و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا

______________________________

نعم» (1) و في صحيح ابن الحجاج: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه» (2)، فالأول محمول على مورد إحراز الرضا، و الأخير على عدم الإحراز سواء علم عدم الرضا أم شك فيه.

ثمَّ إنّ مقدار الأخذ أيضا يدور مدار إحراز الرضا به. و ما في صحيح ابن عثمان: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» (3) محمول على الغالب من الرضا به.

(1) للعمومات، و الإطلاقات الشاملة للفقير أيضا، و ظهور الأدلة في عدم الفرق في منشأ النّصاب.

(2) لا وجه للإشكال بعد ولاية المالك على إفراز حصته، لقاعدة السلطنة فيميّز المزكى حينئذ عن غيره بإفراز المالك سواء كانت الزكاة من الإشاعة أم الكلّي في المعيّن. نعم، مع عدم ولاية المالك على ذلك أو الشك فيها يشكل التصرف حينئذ.

ص: 309


1- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

جاز الأخذ من تركته، و إن كان وارثه مسلما وجب عليه. كما أنّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليا، و حكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة و قد مرّ سابقا (1).

الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال- الذي تعلق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما، و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع (2) بالنسبة بخلاف ما إذا كانا في ذمته و لم يكن عنده ما يفي بهما، فإنّه مخيّر بين التوزيع و تقديم أحدهما (3). و أما إذا كان عليه خمس أو زكاة، و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع، فإن كانت العين- التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة- وجب تقديمهما على البقية (4) و إن لم تكن موجودة فهو مخيّر بين تقديم أيّها شاء (5)، و لا يجب التوزيع، و إن كان

______________________________

(1) تقدم في [مسألة 16] و ما بعدها من أول الكتاب، و [مسألة 11] من زكاة الأنعام ما ينفع المقام.

(2) لأنّه جمع بين الحقين الموجودين في الخارج بعد عدم الترجيح في البين.

و يمكن أن يستفاد ذلك من النصوص الواردة في الأبواب المتفرّقة بعد إلقاء الخصوصية.

و توهم التخيير، لكون كل جزء من المال مورد الحقين و حيث لا يمكن الجمع فلا بد من التخيير (مدفوع): بأنّ التخيير يتوقف على عدم ترجيح في الجملة في البين و الجمع بين الحقين و لو في الجملة جمع بينهما و هو أولى من طرح أحدهما رأسا.

(3) لعدم موضوع للحق في الخارج، فليس إلا التكليف الذمّي فقط، فيكون من موارد التزاحم، و مع عدم الترجيح يكون الحكم هو التخيير كما هو كذلك في جميع موارد التزاحم.

(4) لتعلقها بالعين الخارجي و ذلك يوجب الترجيح على ما هو ذمّي محض.

(5) لعدم وجود المرجح، فيتخيّر لا محالة.

ص: 310

أولى (1).

نعم، إذا مات و كان عليه هذه الأمور و ضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة، كما في غرماء المفلّس (2) و إذا كان عليه حج واجب أيضا كان في عرضها (3).

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه (4)، و كذا في الفطرة، و من منع من ذلك- كالمجلسي في زاد المعاد في باب

______________________________

(1) أما عدم وجوب التوزيع، فللأصل بعد كون مورده الوارد في النصوص تردد العين الخارجية بين شخصين أو أشخاص- على ما سيأتي. و أما كونه أولى فلأنّه جمع بين الحقين مهما أمكن و أقرب إلى نصوص التوزيع و إن كان موردها العين الخارجية.

(2) لأنّ المقام حينئذ من موارد غرماء المفلس إذ لا فرق في دين المفلس الذي له أحكام خاصة بين كونه من الحقوق المالية المجعولة عليه شرعا أو من ديون الناس أولا و بالذات. هذا إذا كانت الحقوق في الذمة فقط، و أما لو مات عن عين تعلق بها الخمس و الزكاة و كان عليه دين غيرهما وجب صرفها أولا في خصوصها، و إن زاد شي ء يصرف في الدّين لتقدم تعلقها بالعين في حال الحياة و حق الغرماء يتعلق بالتركة بعد الموت إن لم تكن متعلقة لحق الغير في زمان الحياة، و مورد الخمس و الزكاة صار متعلق حق السادة و الفقراء في الرتبة السابقة و في زمان الحياة، فيتقدم لا محالة على حق الغرماء.

(3) على المشهور راجع [مسألة 82] من كتاب الحج.

(4) للعمومات، و الإطلاقات بعد كونه فقيرا، و مسكينا، و خصوص بعض الأخبار، كصحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في بيان الفرق بين الفقير و المسكين-: «و المسكين- الذي هو أجهد منه- الذي يسأل» (1) و نحوه غيره:

ص: 311


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

زكاة الفطرة- لعل نظره إلى حرمة السؤال، و اشتراط العدالة في الفقير (1) و إلا فلا دليل عليه بالخصوص، بل قال المحقق القميّ (رحمه اللّه): «لم أر من استثناه- فيما رأيته من كلمات العلماء- سوى المجلسي في زاد المعاد قال: و لعله سهو منه، و كأنّه كان يريد الاحتياط فسها و ذكره بعنوان الفتوى».

الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضا

الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضا، لكن ذكر المحقق القميّ أنّه مختص بالإعطاء بمعنى: أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل و أما الآخذ فليس مكلّفا بعدم الأخذ (2).

الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة

الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء أنّها شرط في الإجزاء، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز و لو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه (3) و محلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصدا

______________________________

و أما خبر ابن يعفور: «فنعطي السؤال منها شيئا؟ قال (عليه السلام): لا و اللّه إلا التراب إلا أن ترحمه، فإن رحمته فأعط كسرة» (1)، فلا بد من حمله على من كانت عقيدته فاسدة بقرينة غيره من سائر الأخبار (2) مع عدم معروفية سؤال أحد من الشيعة من الناس في تلك الأزمنة.

(1) أو يكون نظره إلى من جعل السؤال حرفة له فيخرج عن موضوع الفقير حينئذ، لصدق أنّه ذو حرفة، و يأتي في كتاب الشهادات عند بيان ما ينافي العدالة ما يتعلق بالسائل بالكف فراجع.

(2) و هو وجيه، لأنّه المتيقن من دليل اعتبار العدالة على فرض تماميتها فيكون اعتبار العدالة في المقام كاعتبارها في إمام الجماعة راجع [مسألة 16] من (فصل شرائط إمام الجماعة).

(3) بدعوى: أنّ الزكاة و نحوها ليست إلا كالديون الخلقية، و الحقوق

ص: 312


1- الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

للقربة في العزل و بعد ذلك نوى الرياء- مثلا حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير- فإنّ الظاهر إجزاؤه (1) و إن قلنا باعتبار القربة إذ المفروض تحققها حين الإخراج و العزل.

الخامسة و الثلاثون: إذا وكّل شخصا في إخراج زكاته و كان الموكل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء

الخامسة و الثلاثون: إذا وكّل شخصا في إخراج زكاته و كان الموكل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء، ففي الإجزاء إشكال (2)، و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا (3).

______________________________

المجعولة الدولية يكفي نفس الإعطاء في تفريغ الذمة. نعم، يتوقف الثواب على قصد القربة بناء على المشهور من عدم حصوله إلا بذلك و لكنه مخدوش أيضا، إذ من الممكن أن يكون إعطاء نفس الصدقات، و قضاء الحاجات قربيّا و يترتب عليه الثواب ما لم تبطل برياء، أو نحوه كما مرّ سابقا.

(1) لأنّ المتيقن من الإجماع على فرض اعتبار خلو أصل الزكاة عن قصد القربة مطلقا، فلا يشمل ما إذا تحققت القربة في العزل الذي هو إخراج لها عن ملك المالك و استيلائه و من أهمّ مقدمات الإيتاء و الإعطاء، فتكون مانعية الرياء حين الدفع منفية بالأصل، فيجري على ما بعد العزل حكم ما بعد القبض من هذه الجهة.

(2) الظاهر الإجزاء و عدم الإشكال، لتحقق قصد القربة ممن توجه إليه التكليف و الخطاب، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك و هو موجود في نفس الموكل إلى حين تلف المال عند الفقير، و هذا سهل بناء على الدّاعي كما تقدم، و لا دليل على اعتبار قصد الوكيل، و مقتضى الأصل عدمه، فيكون المقام نظير ما إذا كان واقف المسجد قاصدا للقربة و لم يقصدها البناء و العمال، و لا فرق فيما ذكر بين كون الوكيل وكيلا في مجرّد الإيصال أو الدفع، أو الشك في أنّه من أيّهما. نعم، لو كان وكيلا مفوّضا من كل حيثية و جهة- بحيث يكون الموكل غافلا بالمرّة حتى بالنسبة إلى الدّاعي أيضا يعتبر حينئذ قصده و نيته.

(3) لقاعدة اليد بعد فرض اعتبار قصده و نيته، بل تشمله قاعدة الإتلاف أيضا.

ص: 313

السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعيّ ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة، فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء، كما مرّ (1) و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم- و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء- فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة، و أما إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل (2) بل

______________________________

(1) الظاهر عدم الإشكال في الإجزاء سواء كان بعنوان الوكالة في الإيصال أو الولاية في الصرف في مصارفها، أو الشك في أنّه من أيّهما لعدم اعتبار قصد القربة في الأوليين، و أصالة البراءة في الأخير، و كذا إن كان بعنوان الإيتاء و إعطاء الزكاة بعد قصد المالك القربة في الدفع إليه لما تقدم في المسألة السابقة. و لو شك في أنّ المالك قصد القربة أم لا؟ فمقتضى ظاهر حال المسلم في الصدقات تحقق قصد القربة منهم. نعم، لو علم الحاكم الشرعي أنّ المالك لم يقصد القربة وجب عليه قصدها و لكنه خلاف مرتكزات المؤمنين بل المسلمين في تصدقاتهم.

(2) لا وجه للإشكال، لأنّ ما أخذه الحاكم بعنوان الولاية قد تعيّن للزكاة و فرغت ذمة المالك عنها، و بعد ذلك لا موضوع لاعتبار قصد القربة حتى يضرّها قصد الخلاف و قد صرّح (رحمه اللّه) في [المسألة 34] أنّه لو قصد القربة حين العزل و نوى الرياء حين الدفع يجزي و لا يضرّ و المقام أولى بالإجزاء، لأنّ يد الحاكم يد الفقراء، مع أنّ قصد القربة و قصد تحصيل الرئاسة إذا كانا طوليين فلا تمانع في البين على ما صرّح (رحمه الهّد) به في [مسألة 2] من صلاة الاستيجار، مضافا إلى أنّ قصد القربة في إيصال الحقوق إلى أهلها و الطلب منه تعالى أن يجعل ذلك وسيلة للرئاسة الحقة ليس منافيا للتقرب إليه تعالى كما في سائر التقربات لنيل الحاجات و الطلبات منه تعالى.

فروع- (الأول): الظاهر عدم تقوم صرف الزكاة في مصرفها بالقصد، فلو عزلها في مال خاص و أخذه الحاكم الشرعي و صرفها بلا التفات المالك حين الأخذ

ص: 314

الظاهر ضمانه حينئذ، و إن كان الآخذ فقيرا (1).

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنية

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنية، و ظاهر كلماتهم الإجزاء، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي ء و إنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه، لكنه لا يخلو عن إشكال (2)- بناء

______________________________

و الصرف تبرأ ذمته، للإطلاقات، و العمومات و أصالة البراءة عن اعتبار الالتفات.

نعم، ليس ذلك للفقير، لأصالة عدم ولايته على الأخذ و الصرف، لأنّ الحق ليس منحصرا فيه.

(الثاني): لو أعطى زكاته إلى الحاكم الشرعي بعنوان ولايته على الفقراء ليس له استردادها منه إلا برضاه، لأنّ يده كيد الفقراء، و لولايته على الأخذ و الصرف.

نعم، لو أعطاه بعنوان الوكالة عن المالك في الصرف يجوز له الاسترجاع.

(الثالث): لو أرسل زكاته بواسطة شخص إلى حاكم شرعيّ خاص و أعطاها الواسطة إلى حاكم شرعيّ آخر يشكل جواز الاسترجاع إن كان التخصيص من المالك بعنوان الولاية لا الوكالة.

(1) قد ظهر مما تقدم عد ضمان الحاكم، و لو كان الإعطاء لتحصيل الرئاسة الشرعية. نعم، لو كان لتحصيل الرئاسة المحرّمة يضمن لسقوط ولايته حينئذ.

(2) أما الإجزاء الذي هو الظاهر من الكلمات، فلتحقق إيتاء الزكاة مقرونا بقصد القربة سواء كانت القربة شرطا لنفس الإيتاء من حيث هو، مع قطع النظر عن الإضافة إلى المالك، أم كان من حيث الإضافة إليه، فإنّ الحاكم وليّ الممتنع فتكون نيته كنيته. و أما أنّه لا شي ء عليه بعد ذلك فلفراغ ذمته بإعطاء الحاكم، و لا وجه للامتثال بعد الامتثال إن كان بقصد الأمر كما ثبت في محله. و أما أنّ عليه الإثم فهو إثم ما داميّ أي: ما دام عدم الأداء فإذا أداها الحاكم الشرعيّ فلا موضوع للإثم من هذه الجهة كان آثما من حيث بقاؤه على الكفر، و أما أنّه لا يخلو عن إشكال فلا وجه له، لأنّه بعد كون قصد الحاكم كقصد الممتنع، لمكان ولايته عليه، فلا ريب في أنّه ينفعه قصده، فلا إشكال في البين.

ص: 315

على اعتبار قصد القربة- إذ قصد الحاكم لا ينفعه (1) فيما هو عبادة واجبة عليه.

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم مما يستحب تحصيله و إلا فمشكل (2).

التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعا قاصدا للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة

التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعا قاصدا للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة، و أما إذا كان قاصدا للرياء أو الرئاسة المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال من حيث كونه إعانة على الحرام (3).

______________________________

(1) كيف لا ينفعه مع أنّ الحاكم وليه و أفرغ ذمته من هذه الجهة، فلا ريب في أنّه ينفعه من هذه الجهة.

(2) تقدم ما يتعلق به في [مسألة 8] من (فصل أصناف المستحقين) فراجع و لا وجه للتكرار.

(3) لا وجه لكونه من الإعانة على الحرام أما أولا: فلتقوّم الإعانة على الحرام بقصد الإعانة عليه و ترتب الحرام خارجا و مع فقد أحدهما لا يكون من الإعانة عليه و على فرض كونها قهريا انطباقا، فما لم يترتب الحرام لا يكون منها.

و أما ثانيا: فلأنّه لا دليل على حرمة الرياء في غير العباديات المتقوّمة بقصد القربة- كالصلاة، و الصيام، و الحج، و نحوها- و العلوم الشرعية توصلية محضة لا أن تكون بقصد القربة و إن كان ذلك من شروط كمالها و ترتب الآثار الخاصة عليها.

و أما ثالثا: فإنّ مقدمة الحرام ليست بحرام كما ثبت في محله إلا إذا كانت علة تامة منحصرة، و من أين يعلم طالبوا العلوم الشرعية أنّ طلبهم للعلم يكون علة تامة منحصرة للحرام، و قد أرسل المحقق القميّ (رحمه اللّه) في جامع الشتات الحديث المعروف: «اطلبوا العلم و لو لغير اللّه تعالى، فإنّه يجرّكم إلى اللّه تعالى» إرسال المسلّمات. و نقل بعض أعاظم مشايخنا (رحمه اللّه) عن شيخه عن الشيخ الأنصاري أنّه (رحمه اللّه) كثيرا ما كان يقول لأهل العلم: إن حصل لكم قصد القربة في إمامة

ص: 316

الأربعون: حكي عن جماعة 1 عدم صحة دفع الزكاة في المكان المغصوب

الأربعون: حكي عن جماعة (1) عدم صحة دفع الزكاة في المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام، و لعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا يكون تصرّفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ، حيث إنّهما فعلان خارجيان و لكنه أيضا مشكل من حيث إنّ الإعطاء الخارجيّ مقدمة للواجب و هو الإيصال- الذي هو أمر انتزاعيّ معنويّ (2) فلا يبعد الإجزاء.

الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول

الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- كما مرّ سابقا، و أما ما لا يعتبر فيه الحول- كالغلات- فلا يعتبر التمكن من التصرف فيها قبل حال تعلق الوجوب بلا إشكال و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكن بعده إذا حدث التمكن بعد ذلك، و إنّما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلق الوجوب و الأظهر عدم اعتباره (3)، فلو غصب زرعه غاصب و بقي مغصوبا إلى وقت التعلق، ثمَّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته.

الثانية و الأربعون: لو اعتقد المالك بفقر شخص و دفع إليه الزكاة

الثانية و الأربعون (1): لو اعتقد المالك بفقر شخص و دفع إليه الزكاة و لكن الآخذ كان غنيا و أخذ الزكاة و دفعها إلى فقير جامع للشرائط فالظاهر

______________________________

الجماعة فتعرّضوا لها و لا تقدموا عليها إلا مع حصول قصد القربة لكم، و في القضاوة لا تعرضوا لها حصل لكم قصد القربة أم لا، و في تحصيل العلوم الشرعية و تدريسها تعرّضوا لها سواء حصل لكم قصد القربة أم لا.

(1) ذكر ذلك في صلاة الجواهر في بحث المكان المغصوب فراجع.

(2) يعني: من الاعتبارات، لأنّ تمليك الفقير و تملّكه للزكاة من الاعتباريات كما في سائر موارد التمليك و التملكات.

(3) مقتضى إطلاق معاقد الإجماعات اعتباره و تقدم في [مسألة 17] من أول كتاب الزكاة فراجع.

ص: 317


1- من إضافات سيدنا الوالد- دام ظله العالي- إلى ما قبل زكاة الفطرة.

الإجزاء (1).

الثالثة و الأربعون: أوصاف المستحقين تعتبر حدوثا و بقاء

الثالثة و الأربعون: أوصاف المستحقين تعتبر حدوثا و بقاء ما دامت العين موجودة، فلو كان الآخذ فقيرا حين الأخذ ثمَّ صار غنيّا و العين موجودة في يده، وجب إرجاعها إلى المالك و لا تبرأ ذمة المالك إلا بإعطاء الزكاة ثانيا (2).

الرابعة و الأربعون: مرّ أنّه يعتبر في آخذ الزكاة أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي

الرابعة و الأربعون: مرّ أنّه يعتبر في آخذ الزكاة أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي و إن كان عاجزا عن الإنفاق، و لكن لو أعطى المزكي زكاته إلى الحاكم الشرعي ثمَّ أعطاها الحاكم إلى من تجب نفقته على المزكي العاجز عن الإنفاق يصح ذلك (3).

الخامسة و الأربعون: لا يتعيّن في الزكاة المعزولة صرفها في خصوص الفقير

الخامسة و الأربعون: لا يتعيّن في الزكاة المعزولة صرفها في خصوص الفقير، بل يصح صرفها في أيّ مصرف من مصارف الزكاة (4).

السادسة و الأربعون: لو انتقل إلى الشخص شي ء- بالنقل الاختياريّ أو القهريّ

السادسة و الأربعون: لو انتقل إلى الشخص شي ء- بالنقل الاختياريّ أو القهريّ و كان المنقول متعلقا للزكاة عند المنقول إليه اجتهادا أو تقليدا و لم

______________________________

(1) للعمومات، و الإطلاقات، و يدل عليه خبر إسماعيل بن جابر: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أ يحلّ للرجل أن يأخذ الزكاة و هو لا يحتاج إليها فيتصدّق بها قال (عليه السلام): نعم» (1) هذا إذا لم يعلم تخصيص المالك بخصوصه و إلا فلا يصح.

(2) لأنّ ذلك هو مقتضى الإطلاقات، و العمومات، و ظواهر الكلمات و المنساق من الشروط في الفقه هو المستقر منها لا مجرد صرف الوجود إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود.

(3) لعدم ثبوت الملازمة بين عدم جواز إعطاء المالك، و عدم جواز إعطاء الحاكم أو غيره كما مرّ.

(4) للعمومات و الإطلاقات.

ص: 318


1- الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

يكن كذلك عند من انتقل عنه وجبت على المنقول إليه الزكاة (1).

السابعة و الأربعون: لو وضع الزكاة، و الأخماس، و نحوهما من الصدقات في صندوق مثلا

السابعة و الأربعون: لو وضع الزكاة، و الأخماس، و نحوهما من الصدقات في صندوق مثلا- و صرفها في مصارفها تدريجا مع العلم إجمالا بصرف كل واحد منها في مصرفه الواقعيّ يجزي و لو لم يعلم بذلك تفصيلا (2).

الثامنة و الأربعون: لو كان فقير لا يقدر على أصل قوته- مثلا- و آخر يقدر عليه و لا يقدر على أدامه

الثامنة و الأربعون: لو كان فقير لا يقدر على أصل قوته- مثلا- و آخر يقدر عليه و لا يقدر على أدامه، فالأحوط الأولى تقديم الأول، و كذا في نظائر المقام (3).

التاسعة و الأربعون: لو أعطى خمسا و زكاة ثمَّ علم إجمالا بأنّ أحدهما لم يكن واجدا لشرائط الصحة

التاسعة و الأربعون: لو أعطى خمسا و زكاة ثمَّ علم إجمالا بأنّ أحدهما لم يكن واجدا لشرائط الصحة، فمع بقاء المالين عند الآخذ، له أن يسترجعهما و كذا إن تلفا مع الضمان. و أما إن تلفا بدون الضمان، فإن تساويا من حيث المقدار يعطي بقدر أحدهما إلى الحاكم الشرعيّ و يبيّن له الحال، و مع التفاوت يجزي إعطاء الأقلّ إلى الحاكم الشرعيّ مع بيان الحال و الأحوط الأكثر (4).

الخمسون: لو علم اشتغال ذمته إما بالزكاة أو بالربا

الخمسون: لو علم اشتغال ذمته إما بالزكاة أو بالربا فإن لم يعلم المالك و لو في عدد محصور يكون من التردد بين الزكاة و رد المظالم، فيعطي المقدار المعلوم إلى الفقير بإذن الحاكم الشرعي و تبرأ ذمته، و إن لم يعلم المقدار و تردد بين الأقلّ و الأكثر يجزي الأقلّ و الأحوط الأكثر. و إن علم المالك و لو في عدد محصور يرجع إلى الحاكم الشرعيّ و يرى فيه رأيه (5).

______________________________

(1) للعمومات، و الإطلاقات الشاملة له بحسب تكليفه الفعليّ.

(2) للإطلاقات، و العمومات، و أصالة عدم اعتبار الأزيد من ذلك.

(3) لأنّ ذلك من المرجحات، مضافا إلى السيرة.

(4) لما تقدم الوجه في ذلك كله في المسائل السابقة.

(5) لما سبق في السادسة من مسائل الختام و يأتي في الخامس من أقسام موارد وجوب الخمس ما ينفع المقام.

ص: 319

الحادية و الخمسون: لو علم إجمالا باشتغال ذمته إما بزكاة المال أو بزكاة الفطرة

الحادية و الخمسون: لو علم إجمالا باشتغال ذمته إما بزكاة المال أو بزكاة الفطرة، فمع العلم بالمقدار يعطيه بقصد ما في الذمة، و مع تردده بين الأقلّ و الأكثر يجزي إعطاء الأقلّ بقصد ما في الذمة و الأحوط الأكثر (1).

الثانية و الخمسون: لو انتقل الى المسلم من الكافر ما يعلم بتعلق الزكاة به لا يجوز التصرف فيه الا بعد مراجعة الحاكم الشرعي (2). نعم لو كان العلم بتعلقها من العلم الإجمالي غير المنجز- بأن كان بعض الأطراف خارجا عن مورد الابتلاء- يجوز التصرف فيه و لا شي ء عليه بناء على انها حق متعلق بالعين و من الكلي في المعين (3).

الثالثة و الخمسون: لو كان عنده النصّاب و كان مورد الفائدة و الربح أيضا

الثالثة و الخمسون: لو كان عنده النصّاب و كان مورد الفائدة و الربح أيضا و لكن لو أعطى الخمس لخرج النصاب عن حدّه فلم يبق موضوع للزكاة (4).

______________________________

(1) لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر و الحق فيه وجوب الأقلّ كما ثبت في محله.

(2) لقاعدة ان الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول و لا دليل على الخلاف في المقام و ان ورد الإباحة عن الأئمة (عليهم السلام) بالنسبة إلى الخمس كما يأتي.

(3) لأصالة البراءة بعد سقوط العلم الإجمالي عن التنجز، و قد مرّ في [المسألة 18] من أول الكتاب و [المسألة 30] من الختام ما ينفع المقام، فيجوز للمسلمين في الغلات و الأنعام المجلوبة من بلاد الكفر و ان علموا بتعلق الزكاة ببعضها عند أربابها، لأن بعض أطراف هذا العلم الإجمالي خارج عن مورد الابتلاء لمن وصل اليه المال كما لا يخفى.

(4) الأقسام ثلاثة: الأوّل: ما إذا كان وجوب الخمس و الزكاة فعليا فإنّها يجبان عليه. الثاني: ما إذا لم يكن وجوب الزكاة فعليا فيجب عليه الخمس حينئذ و يجوز إخراجه من العين حتى لا يبقى موضوع للنصاب إذ لا بأس بتفويت النصاب قبل فعلية الوجوب كما يجوز له إخراج الخمس عن القيمة حتى يبقى النصاب بحالة فيتعلق به الزكاة، كما أنّه يجوز له تضمين الخمس ضمانا شرعيا.

الثالث: ما إذا لم يكونا فعليين فلا إشكال في انّه لا يجب عليه شي ء.

ص: 320

فصل في زكاة الفطرة

اشارة

(فصل في زكاة الفطرة) و هي: واجبة إجماعا من المسلمين (1) و من فوائدها: أنّها تدفع الموت في

______________________________

(فصل في زكاة الفطرة) الفطرة:- هذه المادة- تستعمل بمعنى الخلق، و الدّين. و من الأول قوله تعالى فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1) أي: خالقهما و مبدعهما، و قوله تعالى:

فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها (2) أي: الخلقة التي خلقهم عليها. و من الثاني قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «نحن نجزّ الشوارب و نعفي اللحى و هي الفطرة» (3)، و قوله (عليه السلام): «إنّ اللّه أعطى محمدا الفطرة الحنيفة السهلة» (4) و قول أبي الحسن في نهج البلاغة: «و كلمة الإخلاص فإنّها الفطرة» (5)، و عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «خمس من الفطرة» (6) إلى غير ذلك مما هو كثير في السنة.

و يأتي وجه التسمية على كل منها في المتن. ثمَّ إنّ تقسيم الزكاة بين المسلمين إلى المالية و البدنية من ضروريات فقههم، بل دينهم كما فصّل ذلك في كتبهم الفقهية.

(1) و نصوصا مستفيضة من الفريقين منها: قول عليّ (عليه السلام): «أدوا فطرتكم فإنّها سنة نبيكم و فريضة واجبة من ربكم» (7)، و قول الصادق (عليه السلام): «صدقة الفطرة على كل رأس» (8) إلى غير ذلك من الأخبار، و يدل عليه

ص: 321


1- سورة فاطر: 1.
2- سورة الروم: 30.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
4- نهج البلاغة خطبة رقم: 110.
5- نهج البلاغة خطبة رقم: 110.
6- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الحمام حديث: 8.
7- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.
8- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.

تلك السنة عمن أديت عنه.

و منها: أنّها توجب قبول الصوم، و عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال لوكيله: «اذهب فأعط من عيالنا الفطرة أجمعهم، و لا تدع منهم أحدا فإنّك إن تركت منهم أحدا تخوّفت عليه الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال (عليه السلام): الموت». و عنه (عليه السلام): «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة.

كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) من تمام الصلاة، لأنّه من صام و لم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ اللّه تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة و قال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى و المراد بالزكاة في هذا الخبر: هو زكاة الفطرة كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية (1) و الفطرة إما بمعنى الخلقة، فزكاة الفطرة أي: زكاة البدن، من حيث أنّها تحفظه من الموت، أو

______________________________

الكتاب المبين أيضا كما يأتي.

(1) كخبر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): في قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى قال (عليه السلام): «يروح إلى الجبانة فيصلّي» (1) بل يشملها مطلق الزكاة الواردة في آيات كثيرة مقرونة بالصلاة- كما تقدم- شمول الكليّ الطبيعيّ لبعض أفراده، و يدل عليه جملة من الأخبار:

منها: خبر ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ قال: هي الفطرة التي افترض اللّه على المؤمنين» (2)، و في صحيح هشام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنّما كانت الفطرة» (3).

ص: 322


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 11.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

تطهّره عن الأوساخ. و أما بمعنى الدّين أي زكاة الإسلام و الدّين، و إما بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر (1) و الكلام في شرائط وجوبها، و من تجب عليه و في من تجب عنه و في جنسها، و في قدرها، و في وقتها، و في مصرفها فهنا فصول:

______________________________

(1) و كل ذلك صحيح في الاستعمالات المحاورية العرفية.

ص: 323

فصل في شرائط وجوبها

اشارة

(فصل في شرائط وجوبها) و هي أمور:

الأول: التكليف

الأول: التكليف، فلا تجب على الصبيّ و المجنون (1) و لا على وليّهما (2) أن يؤدي عنهما من مالهما بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضا.

الثاني: عدم الإغماء

الثاني: عدم الإغماء (3)، فلا تجب على من أهلّ شوال عليه و هو مغمى

______________________________

(فصل في شرائط وجوبها)

(1) لحديث الرفع (1)، و الإجماع، و الأصل، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة» (2) المنساق منه كونها دائرة مدار ثبوت زكاة المال على الشخص وضعا و تكليفا.

(2) لصحيح ابن الفضيل أنّه: «كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن الوصيّ يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال، فكتب (عليه السلام) لا زكاة على يتيم» و لا فرق بينه و بين المجنون، لظهور الإجماع على عدم الفرق، مضافا إلى الأصل فيها.

(3) لإطلاق قوله (عليه السلام): «كل ما غلب اللّه على عباده فاللّه أولى بالعذر» (3)، مضافا إلى الأصل و ظهور الإجماع.

ص: 324


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة القضاء حديث: 3.

عليه (1).

الثالث: الحرية

الثالث: الحرية، فلا تجب على المملوك و إن قلنا إنّه يملك (2) سواء كان قنّا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا و لم يؤد شيئا (3)، فتجب فطرتهم على المولى (4). نعم، لو تحرّر من المملوك شي ء وجبت عليه و على المولى بالنسبة، مع حصول الشرائط (5).

الرابع: الغني
اشارة

الرابع: الغني (6)، و هو أن يملك قوت سنة- له و لعياله- زائدا على ما

______________________________

(1) للأصل، و لظهور الإجماع.

(2) لإجماعهم عليه، و أنّه مقطوع به في كلماتهم، و يشهد له ما مر في عدم وجوب الزكاة على المملوك.

(3) لإطلاق الدليل الشامل للجميع، و نسب إلى الصدوق أنّ فطرة المكاتب على نفسه، لصحيح ابن جعفر: عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه و تجوز شهادته؟ قال (عليه السلام): الفطرة عليه، و لا تجوز شهادته» (1)، و لكنه موهون بالإعراض، فلا يصح للاستناد.

(4) بشرط صدق العيلولة كما يأتي في الفصل التالي.

(5) لإطلاق الأدلة الشاملة لهما، و أصالة البراءة عن وجوب الكل بالنسبة إليهما، و عدم دليل على ترجيح الحرية حتّى بالنسبة إلى هذه الجهة. نعم، بناء على قول الصدوق (رحمه اللّه) يتعيّن كونها على نفسه بالأولوية.

(6) نصّا و إجماعا بقسميه، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة أ عليه صدقة الفطرة؟ قال (عليه السلام): لا» (2).

و أما صحيح زرارة: «قلت: الفقير الذي يتصدّق عليه، هل عليه صدقة

ص: 325


1- الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1 و 5.

يقابل الدّين و مستثنياته، فعلا أو قوّة (1) بأن يكون له كسب يفي بذلك. فلا تجب على الفقير- و هو من لا يملك ذلك- و إن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكا لقوت السنة، و إن كان عليه دين، بمعنى: أنّ الدّين لا يمنع من وجوب الإخراج، و يكفي ملك قوت السنة (2). بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكا عين أحد النصب الزكوية أو قيمتها (3) و إن لم يكفه لقوت سنته بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مئونة يومه و ليلته صاع (4).

______________________________

الفطرة؟ قال (عليه السلام): نعم، يعطى مما يتصدّق به عليه» (1) و مثله غيره فمحمول على الندب جمعا، مع إعراض الأصحاب عن ظاهره. فما عن ابن الجنيد من وجوبها على من فضل عن مئونته و مئونة عياله صاع، و عن الخلاف نسبته إلى الأكثر لا دليل عليه.

(1) لأنّ ذلك هو المراد بالغنى- الوارد في الروايات، و معاقد الإجماعات- و قد تقدم في أصناف المستحقين من زكاة المال ما ينفع المقام، و المراد بالدّين، الدّين الحال عليه في هذه السنة لا مطلق الدّين.

(2) جمودا على إطلاقات الكلمات المشتملة على أنّ الفقير من لا يملك قوت السنة بدعوى: أنّ الدّين خارج عن قوت السنة و قد مرّ ضعفه في قسم الغارمين من زكاة المال فراجع.

(3) خروجا عن مخالفة الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف في باب الفطرة حيث قال: «تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب و به قال أبو حنيفة» و لكن لا دليل عليه من نصّ، أو إجماع راجع بحث أصناف المستحقين من زكاة المال من الجواهر.

(4) خروجا عن مخالفة مثل ابن الجنيد، لما مرّ من خبر زرارة، و تقدم حمله على النّدب، فلا يبقى مدرك للوجوب.

ص: 326


1- الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
مسألة 1: لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة

(مسألة 1): لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة، فتجب و إن لم يكن له الزيادة على الأقوى و الأحوط (1).

مسألة 2: لا يشترط في وجوبها الإسلام

(مسألة 2): لا يشترط في وجوبها الإسلام، فتجب على الكافر، لكن لا يصح أداؤها منه، و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه. و أما المخالف إذا

______________________________

(1) لإطلاق النص، و الفتوى، و عن جمع منهم: الفاضلان، و الشهيد و المحقق الثانيان (رحمهم اللّه) اعتبار الزيادة في وجوبها، و استدلوا عليه تارة: بأنّ عدم اعتبار زيادة الصاع يوجب صيرورته فقيرا، فيلزم من اعتبار وجدان مئونة السنة عدمه.

و فيه: أنّ وجدان المؤنة شرط للوجوب، و عدم الوجدان يحصل بالامتثال فتختلف المرتبة و لا محذور فيه.

و أخرى: بأنّه لو وجبت عليه لحلّ له أخذها، لتحقق الفقر حينئذ. و قد ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّ: «من حلّت له لم تحل عليه، و من حلّت عليه لم تحل له» (1).

و فيه: أنّه لا منافاة بين الوجوب عليه و صحة أخذه لها. و معنى الحديث الشريف: أنّ من حلت الفطرة عليه لا تحل له أخذها من حيث الوجوب، لا أنّه لا يحل له أخذها مطلقا و لو صار فقيرا بالأداء.

و ثالثة: بأنّ حدوث الفقر مانع عن وجوبها كأصل ثبوته.

(و فيه) أنّ حدوث الفقر معلول وجوب الفطرة فلا يعقل أن يكون علة لعدم الوجوب و إلا يكون معلول الشي ء مانعا عن وجوده و هو فاسد.

و عن الدروس، و المبسوط الفرق بين الغنى فعلا و الغني قوّة، فلا يجب على الأخير.

و فيه: أنّه مخالف لإطلاق الأدلة، مع أنّهما لا يقولان بذلك في الزكاة المالية.

ص: 327


1- الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 9.

استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه (1).

مسألة 3: يعتبر فيها نية القربة كما في زكاة المال

(مسألة 3): يعتبر فيها نية القربة كما في زكاة المال (2)، فهي من العبادات، و لذا لا تصح من الكافر.

مسألة 4: يستحب للفقير إخراجها أيضا

(مسألة 4): يستحب للفقير إخراجها أيضا (3) و إن لم يكن عنده إلّا صاع، يتصدّق به على عياله، ثمَّ يتصدّق به على الأجنبيّ بعد أن ينتهي الدّور (4).

______________________________

(1) أما الوجوب على الكافر، فلإطلاق الأدلة و عمومها الشامل له أيضا كسائر التكاليف بناء على تكليف الكفار بالفروع كتكليفهم بالأصول- كما أثبتناه مرارا في الكتاب (1)- و أما عدم الصحة منه ما دام كافرا، فلاعتبار القربة فيها و لا تحصل من الكافر على المشهور. و فيه بحث.

و أما السقوط بعد الإسلام، فلحديث الجبّ (2)، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في: «اليهوديّ، و النصراني يسلم ليلة الفطر قال: ليس عليهم فطرة و ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» و مثله غيره (3).

و فائدة الوجوب ولاية الحاكم على الإخراج كما تقدم في زكاة المال، و أما عدم السقوط عن المستبصر، فلأصالة البقاء بعد عدم دليل عليه، بل لو أداها إلى أهل نحلته وجبت عليه الإعادة، لأنّه وضعها في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية و قد تقدم في زكاة المال ما يظهر منه الحال و يأتي في الفصل الأخير بعض المقال.

(2) أرسل ذلك إرسال المسلّمات، و يظهر منهم الإجماع عليه.

(3) للإجماع بقسميه، و النصوص المحمولة عليه و قد تقدّم بعضها فراجع.

(4) يدل على أصل صحة الدور، موثق ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه وحدها أ يعطيه

ص: 328


1- راجع صفحة: 46.
2- راجع صفحة: 46.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

و يجوز أن يتصدّق به على واحد منهم أيضا (1)، و إن كان الأولى و الأحوط الأجنبيّ (2) و إن كان فيهم صغير أو مجنون يتولى الوليّ له الأخذ له و الإعطاء عنه (3). و إن كان الأولى و الأحوط أن يتملك الوليّ لنفسه، ثمَّ يؤدي عنهما (4).

مسألة 5: يكره تملك ما دفعه زكاة وجوبا أو ندبا

(مسألة 5): يكره تملك ما دفعه زكاة وجوبا أو ندبا سواء تملكه صدقة أو غيرها على ما مرّ في زكاة المال (5).

______________________________

غريبا أو يأكل هو و عياله؟ قال (عليه السلام): يعطي بعض عياله ثمَّ يعطي الآخر عن نفسه يترددونها، فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة» (1)، و تقتضيه التسهيلات الشرعية أيضا. و هذا نحو حيلة في درك الثواب.

(1) لأنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) فيما تقدم من موثق ابن عمار:

«يرددونها» عدم خروج المال من بين من ردد فيهم سواء حصل ذلك لأحدهم أو رجع إلى أول من خرج من عنده.

(2) لأنّه نحو إيثار للغير على الأهل و هو مرغوب، بل من أجلّ المقامات لأولياء اللّه. و أما كونه أحوط، فللجمود على عنوان الفطرة و الصدقة، فإنّ المنساق منهما عند المتشرعة إخراج المال عن النفس و الأهل.

(3) لإطلاق دليل ولايته الشامل للأخذ عنه مطلقا. و أما الإعطاء عنه فمقتضى أصالة عدم الولاية فيه عدم جوازه إلا أن يقال: إنّ مقتضى مرتكزات المتشرعة جواز التصدق- من أموال القصر- بالنسبة إلى أوليائهم- خصوصا الفطرة التي تكون حافظا لهم عن الموت- فيكون هذا من مصالحهم.

(4) لعدم جريان شبهة عدم الولاية على الإعطاء حينئذ كما هو معلوم.

(5) راجع [مسألة 20] من (فصل بقية أحكام الزكاة) و ظاهر الفقهاء اتحاد حكم زكاة المال و زكاة الفطرة إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام.

ص: 329


1- الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.
مسألة 6: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط

(مسألة 6): المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط (1)، فلو جنّ أو أغمي عليه، أو صار فقيرا قبل الغروب- و لو بلحظة بل أو مقارنا للغروب- لم تجب عليه (2). كما أنّه لو اجتمعت الشرائط- بعد فقدها قبله أو مقارنا له- وجبت (3) كما لو بلغ الصبيّ، أو زال جنونه و لو الأدواري، أو أفاق من الإغماء، أو ملك ما يصير به غنيّا أو تحرّر و صار غنيّا، أو أسلم الكافر، فإنّها تجب عليهم و لو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام مثلا بعد الغروب لم تجب. نعم، يستحب إخراجها إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد (4).

______________________________

(1) للنص، و الإجماع، ففي صحيح معاوية: «المولود يولد ليلة الفطر و اليهوديّ و النصرانيّ يسلم ليلة الفطر قال (عليه السلام): «ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» (1) و المنساق منه الإدراك جامعا للشرائط. فمن فقد منه بعض الشرائط مقارنا لا يصدق أنّه أدرك الشهر جامعا للشرائط.

(2) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(3) لصدق إدراك الشهر جامعا للشرائط حتى في صورة المقارنة، فيشملها إطلاق الأدلة.

(4) لقول أبي جعفر (عليه السلام): «تصدّق عن جميع من تعول- من حرّ أو عبد، صغيرا أو كبيرا- من أدرك منهم الصلاة» (2). و المرسل: «إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك: «من أسلم قبل الزوال»(3) المحمول على الندب جمعا و إجماعا.

ص: 330


1- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

فصل في من تجب عنه

اشارة

(فصل في من تجب عنه) يجب إخراجها- بعد تحقق شرائطها- عن نفسه، و عن كلّ من يعوله (1)

______________________________

(فصل في من تجب عنه)

(1) للنصوص الكثيرة، و إجماع الإمامية قال أبو عبد اللّه (عليه السلام):

«الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير، أو كبير، حر أو مملوك» (1).

و قال (عليه السلام) أيضا: «كل من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه» (2).

و قال (عليه السلام): «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك» (3).

و قال (عليه السلام) أيضا: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبته و رقيق امرأته و عبده النصراني، و المجوسي، و ما أغلق بابه» (4).

و عنه أيضا عن أبيه (عليه السلام): «أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فرض صدقة الفطرة على الصغير، و الكبير، و الحر، و العبد، و الذكر، و الأنثى ممن تمونون» (5).

و المتفاهم عرفا من جميع هذه الأخبار معنى واحد و هو صدق العيلولة و إن كان أعمّ الأخبار قوله (عليه السلام): «ما أغلق عليه بابه» لشموله للحيوان و الضيف.

ثمَّ قوله (عليه السلام): «ممن تمونون» لشموله لجنود السلطان، و عمال المصانع

ص: 331


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 13.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 15

حين دخول ليلة الفطر (1). من غير فرق بين واجب النفقة عليه و غيره، و الصغير و الكبير، و الحرّ، و المملوك، و المسلم، و الكافر و الأرحام و غيرهم، حتّى المحبوس عنده و لو على وجه محرّم (2). و كذا تجب عن الضيف بشرط، صدق كونه عيالا له (3)، و إن نزل عليه في آخر يوم من.

______________________________

و الشركات، لكن ذكر الأهل، و العيال في بعض الأخبار- كما تقدم- يوجب الاختصاص، و مع الشك فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، فإنّ الوجوب بالنسبة إلى من صدق عليه الأهل و العيال معلوم، و بالنسبة إلى من لا يصدق عليه هذا العنوان مشكوك، و المرجع البراءة، و كذا بالنسبة إلى «ما أغلق عليه الباب» و «ممن تمونون» فإنّ لهما مراتب، و صدقهما على مثل العيال معلوم، و بالنسبة إلى الغير مشكوك، فيرجع فيه إلى البراءة.

ثمَّ إنّ المراد بالأهل و العيال الشأني منهما لا الفعلي من كل جهة، لصدق العنوانين على الشأني كصدقهما على الفعلي.

(1) لما يأتي في (فصل وقت وجوبها) فراجع.

(2) كل ذلك لصدق العيلولة على ذلك كله لغة و عرفا.

(3) إذ لا موضوعية للضيف من حيث هو ضيف، لأنّه مع صدق كونه عيالا تجب فطرته نصّا، و إجماعا، و مع عدم الصدق يشك في وجوبها، و المرجع فيه البراءة فضلا عن صدق العدم.

و في صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ قال (عليه السلام: نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول» (1)، فإنّ تعبيره (عليه السلام): «كلّ من يعول» و إعراضه عن ذكر الضيف كالصريح في أنّه لا موضوعية للضيف من حيث هو و إنّما المناط كلّه صدق العيلولة.

ص: 332


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

رمضان، بل و إن لم يأكل عنده شيئا (1). لكن بالشرط المذكور، و هو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر، بأن يكون بانيا على البقاء عنده (2) مدّة و مع عدم الصدق تجب على نفسه (3)، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضا (4) حيث إنّ بعض العلماء اكتفى- في الوجوب عليه- مجرّد صدق اسم الضيف (5)، و بعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر، و بعضهم العشر

______________________________

و كذا مرسل الخلاف: «روى أصحابنا أنّ من أضاف إنسانا طول شهر رمضان و تكفّل بعيلولته لزمته فطرته» (1).

(1) لأنّ المناط صدق العيلولة و لو شأنا أكل منه شيئا أو لا، و سواء كان عدم الأكل لعدم المقتضي أم لوجود المانع.

(2) الظاهر أنّ صدق العيلولة أعمّ من البناء على البقاء، لأنّ للعيلولة مراتب متفاوتة، و يكفي صدق أول مرتبة منها في الوجوب على المعيل، لصدق الإطلاقات بالنسبة إليه. و احتمال الانصراف إلى المرتبة الكاملة، بدويّ لا يعتنى به، كما أنّ البناء على البقاء له مراتب أيضا متفاوتة، و بينه و بين العيلولة عموم من وجه كما هو معلوم.

(3) للعمومات، و الإطلاقات، و كذا لو كان بحيث شك المضيف في الوجوب، فمقتضى الأصل عدم الوجوب عليه أيضا. و لو نوقش في العمومات، و الإطلاقات بأنّ التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فمقتضى العلم الإجمالي وجوبها عليهما، و لكن لو أعطاها أحدهما بالعنوان الواقعيّ و لم يكن الترديد في النية، بل كان في المنويّ لصح و كفى، و كذا لو وكل أحدهما الآخر بالإخراج كذلك.

(4) يجزي في الاحتياط توكيل أحدهما للآخر في الإخراج بالعنوان الواقعي.

(5) نسب ذلك إلى جمع- منهم الشهيد الثاني- و تقدم أنّه لا موضوعية

ص: 333


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 17.

الأواخر، و بعضهم الليلتين الأخيرتين (1) فمراعاة الاحتياط أولى. و أما الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه و إن كان مدعوّا قبل ذلك (2).

______________________________

للضيف، و قد فسّر فيما تقدم من الخبرين بانطباق عنوان العيلولة عليه، فلا وجه لهذا القول.

(1) نسب الأول: إلى السيد و الشيخ (رحمهما اللّه) و لا دليل عليه إلا ما تقدم من مرسل الخلاف و لا وجه للاعتماد عليه، لقصور سنده، و عدم عامل به غيرهما.

و أما الثاني: فنسبة في المنتهى إلى جمع من علمائنا و ليس هذا دليلا يصح الاعتماد عليه كما هو واضح. و نسب الأخير إلى الحلي، و عن العلامة الاجتزاء بالليلة الأخيرة. و عن ابن حمزة الاجتزاء بمسمّى الإفطار و ليس لهم دليل يصح الاعتماد عليه من نص، أو إجماع، و الظاهر أنّ أنظارهم الشريفة إلى الصدق العرفي.

و لا ريب في أنّ مفهوم الضيف و العيلولة من المفاهيم المشككة، فبعضهم أخذ بأول مرتبة صدق المفهوم، و بعضهم أخذ بالقدر المتيقن، و القدر المتيقن أيضا من الأمور الإضافية كما لا يخفى على من له أنس بالمحاورات العرفية، و مع صدق العيلولة يجب، و مع الشك فيه لا يجب فضلا عن صدق العدم.

(2) للأصل بعد عدم صدق الضيف و العيلولة بمجرّد الدعوة، و لو شك في ذلك فالمرجع الأصل أيضا.

فروع- (الأول): لو جاء شخص إلى بيت عالم- مثلا- قبل الغروب لسؤال مسألة، أو طلب حاجة و بقي عنده إلى بعد الهلال لا تجب فطرته على العالم، لعدم صدق العيلولة، بل و عدم صدق الضيف أيضا، و كذا بالنسبة إلى مجي ء المريض إلى الطبيب.

(الثاني): لو كان لأحد ضيف طول شهر رمضان، فسافر قبل الغروب من ليلة الفطر لا تجب فطرته إلا إذا كان بقصد العود.

(الثالث): لو نزل شخص على أحد قبل الغروب و وضع رحله عنده و خرج

ص: 334

مسألة 1: إذا ولد له ولد أو ملك مملوكا، أو تزوج بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر

(مسألة 1): إذا ولد له ولد أو ملك مملوكا، أو تزوج بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر أو مقارنا- له وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالا له.

و كذا غير المذكورين ممن يكون عيالا، و إن كان بعده لم تجب. نعم، يستحب الإخراج عنه إذا كان ذلك بعده و قبل الزّوال من يوم الفطر (1).

______________________________

من عنده قبل الغروب ثمَّ رجع في ليلة العيد لا تجب فطرته على من نزل عنده.

(الرابع): لا فرق في وجوب فطرة الضيف بعد صدق العيلولة بين إباحة المكان و عدمه، فلو غصب شخص مكانا و ورد عليه ضيف قبل الغروب وجبت فطرته عليه و إن فعل حراما بالتصرف في المغصوب.

(الخامس): لو صدقت العيلولة و الضيافة في السيارة، و الطيارة و السفينة يجري عليها الحكم.

(السادس): الضيف و المضيف إما راضيان بالضيافة، أو كارهان لها، أو يكون الأول راضيا و الأخير كارها، أو بالعكس لا إشكال في وجوب الفطرة في الأول و كذا فيما إذا كان المضيّف راضيا سواء كان الضيف راضيا أم كارها لو لم نقل بانصراف الأدلة عن صورة كراهة الضيف. و أما إذا كان المضيّف كارها، فيأتي حكمه في [مسألة 17] فراجع:

(السابع): لو كان الضيف بانيا على إعطاء الأجرة للضيافة، يشكل وجوب فطرته على المضيّف، للشك في صدق العيلولة، فالمرجع أصالة البراءة.

(الثامن): الظاهر جريان الحكم في الضيافة المحرّمة بعد صدق العيلولة.

(التاسع): لا فرق في الضيافة بين الواجبة و المباحة، كما لا فرق فيها بين السفر و الحضر، للإطلاق.

(العاشر): لا فرق بين كون الضيف و المضيّف صائمين، أو مفطرين أو مختلفين، لما تقدم من الإطلاق.

(1) تقدم حكم ما ذكر في هذه المسألة في [مسألة 6] في الفصل السابق و لا وجه للتكرار.

ص: 335

مسألة 2: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه

(مسألة 2): كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه (1) و إن كان غنيّا و كانت واجبة عليه لو انفرد، و كذا لو كان عيالا لشخص ثمَّ صار وقت الخطاب عيالا لغيره (2)، و لا فرق في السقوط عن نفسه بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصيانا أو نسيانا (3)، لكن الأحوط الإخراج عن

______________________________

(1) لأنّه لا تجب في الشريعة على كل أحد إلا فطرة واحدة، و مع توجه الخطاب إلى المعيل لا خطاب بالنسبة إلى العيال، فلا مورد للامتثال، مع أنّ الحكم مقطوع به عند الأصحاب.

(2) فيجب فطرته على الغير، لتبدل الموضوع، فيتبدل الحكم قهرا.

(3) لما مرّ من توجه الخطاب في الأدلة إلى المعيل، و عدم تعلق تكليف بغيره و عصيان المعيل، أو نسيانه لا يوجب حدوث تكليف آخر للعيال إلا بدليل معتبر و هو مفقود، فالمقام من سنخ الإنفاق الذي لا بد من قيام المعيل به، لتوجه التكليف إليه بالخصوص.

إن قلت: يمكن أن يكون المقام نظير الواجب الكفائي، و الحكم الوضعي في تعاقب الأيادي بالنسبة إلى المعيل و العيال، فكل من بادر إلى الامتثال سقط التكليف مطلقا، و إن خالف أحدهما قصورا أو تقصيرا بقي بالنسبة إلى الأخير.

(قلت): نعم، هذا الاحتمال حسن ثبوتا، لكن لم يقم عليه دليل إثباتا، إذ الأدلة إما المطلقات الواردة في مقام أصل تشريع الفطرة- أو مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «الفطرة واجبة على كل من يعول» (1)، و قول أبي جعفر (عليه السلام):

«تصدق عن جميع من تعول» (2) و نحوهما و بعد حمل المطلقات عليهما. يختص الحكم بخصوص المعيل كما هو واضح، فتكون الفطرة كالإنفاق على العيال من شؤون من يقوم بحفظهم و رعايتهم، و بعد ظهور الأخبار في الاختصاص بالمعيل لا وجه

ص: 336


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

نفسه حينئذ (1). نعم، لو كان المعيل فقيرا و العيال غنيّا فالأقوى وجوبها على نفسه (2)، و لو تكلّف المعيل الفقير بالإخراج على الأقوى و إن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه (3).

مسألة 3: تجب الفطرة عن الزوجة

(مسألة 3): تجب الفطرة عن الزوجة سواء كانت دائمة أو متعة- مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا، لنشوز أو نحوه.

و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته عليه (4)، و أما مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه و إن كانوا من واجبي النفقة عليه (5).

______________________________

لاحتمال الوجوب الكفائي أو الوضعي المردد بينهما كما في تعاقب الأيادي. و ما قلناه هو المشهور بين الفقهاء (رحمهم اللّه).

(1) لإمكان أن يقال: إنّ يستفاد من حكمة تشريع الفطرة، و أنّها لدفع الحوادث عمّن تجب عنه و النفع يرجع إليه، فيكون توجه الخطاب إلى المعيل من باب تعدد المطلوب، فمع امتثاله يسقط عن العيال، و مع عدمه يثبت بالنسبة إليه و يكون المقام نظير دفع الشرّ و معالجة المرض، فالخطاب بالمدافعة و المعالجة يتوجه أولا إلى المعيل، و مع عدم امتثاله يتوجه إلى نفس المريض و من توجه الشرّ إليه. و هذا الاحتمال حسن ثبوتا و يصلح للاحتياط لكنه خلاف الجمود على ظواهر الأدلة.

(2) قد ظهر مما مرّ اختصاص الوجوب بخصوص المعيل و مع فقره فلا تكليف أصلا بالفطرة في البين و لو تكلفها العيال. و ما ذكرناه من الاحتمال يحصل للاحتياط و أما الاستناد إليه للفتوى فهو مشكل. و منه تظهر الخدشة في كونه أقوى.

(3) وجيه مطابق لظواهر الأدلّة، أما بالنسبة إلى المعيل فللفقر. و أما العيال فلعدم التكليف عليه رأسا.

(4) كل ذلك لصدق العيلولة، فتشملها الأدلة لا محالة.

(5) للأصل بعد عدم صدق العيلولة. و نسب إلى الحليّ وجوب الفطرة مع وجوب النفقة، لإطلاق الأدلّة مثل قوله (عليه السلام) في موثق إسحاق: «الواجب

ص: 337

و إن كان الأحوط الإخراج، خصوصا مع وجوب نفقتهم عليه (1).

و حينئذ فطرة الزوجة على نفسها (2)، إذا كانت غنية و لم يعلها الزوج و لا غير الزوج أيضا. و أما إن عالها أو عال المملوك غير الزوج و المولى فالفطرة عليه

______________________________

عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمك، و ولدك، و امرأتك، و خادمك» (1) و لأنّها تابعة لوجوب النفقة لا لفعلية الإنفاق.

و يرد الأول بلزوم تقييده بما يدل على اعتبار صدق العيلولة. و الأخير بأنّه عين المدعى، مع أنّه لا دليل عليه بعد ما ورد مما يدل على اعتبار صدق العيلولة.

و أما صحيح الحجاج: «عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنّه يتكلف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال (عليه السلام): لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. و قال (عليه السلام): العيال: الولد، و المملوك و الزوجة و أم الولد» (2)، فلا يراد به العيال التعبديّ الشرعيّ بل المراد العيلولة العرفية فلا تنافي بينه و بين غيره من الأخبار المذكور فيها مادة العيال. و أما ما مرّ من موثق إسحاق، فإنّه أيضا في مقام بيان أنّ من ذكر فيه من موارد العيلولة غالبا، لا أن يكون لهم موضوعية و لو لم يكونوا عيالا، فما نسب إلى الحليّ من الوجوب مطلقا مدعيا عليه الإجماع لا وجه له مع ما نقل عن المعتبر: «ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي، بل ليس يجب فطرة إلا عمن تجب مئونته أو تبرع بها عليه».

أقول: إطلاق الذيل بقرينة الصدر محمول على فعلية الإنفاق.

(1) خروجا عن مخالفة ما نسب إلى المشهور في واجب النفقة. و عن مخالفة الحليّ في غيره و إن لم يكن لهما دليل يصح الاعتماد عليه.

(2) هذا تفريع على قوله (رحمه اللّه): في المسألة السابقة فالأقوى وجوبها على

ص: 338


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

مع غناه.

مسألة 4: لو أنفق الوليّ على الصغير، أو المجنون من مالهما

(مسألة 4): لو أنفق الوليّ على الصغير، أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما (1).

مسألة 5: يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل 2 و يتولّى الوكيل النية

(مسألة 5): يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل (2) و يتولّى الوكيل النية، و الأحوط نية الموكل أيضا على حسب ما مرّ في زكاة المال (3) و يجوز توكيله في الإيصال، و يكون المتولّي حينئذ هو نفسه (4).

و يجوز الإذن في الدفع عنه أيضا- لا بعنوان الوكالة- (5) و حكمه حكمهما (6)، بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله، بقصد الرجوع عليه

______________________________

نفسه و تقدم أنّه لا وجه لكونه أقوى و إن كان أحوط.

(1) أما الأول، فلعدم صدق العيلولة بالنسبة إليه. و أما عنهما، فلعدم التكليف لهما.

(2) للإطلاقات، و العمومات، و لأصالة جواز الوكالة و النيابة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج في المقام، و يأتي التفصيل في كتاب الوكالة و يستفاد ذلك من النصوص المتفرقة الواردة في زكاة المال و تقدم بعضها في زكاة المال أيضا (1).

(3) راجع [مسألة 1] من (فصل أنّ الزكاة من العبادات)، فإنّ زكاة الفطرة مشتركة مع زكاة المال في الأحكام إلا ما خرج بالدليل.

(4) لأنّ الوكيل من مجرّد الآلة، و المعطي للزكاة هو المالك، فلا بد له من النية.

(5) لأنّ ذلك كلّه من فروع ولاية المالك على الإعطاء مباشرة أو تسبيبا.

(6) لاشتراك الوكالة مع الإذن في جامع الإذن و الرضا، فيشتركان في الأحكام إلا ما خرج بالدليل.

ص: 339


1- تقدم في صفحة: 249 و ما بعدها.

بالمثل أو القيمة (1) كما يجوز التبرع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه (2) و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا و سابقة (3).

مسألة 6: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه

(مسألة 6): من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه، سواء كان غنيّا، أم فقيرا و تكلف بالإخراج بل لا تكون حينئذ فطرة حيث إنّه غير مكلف بها (4). نعم، لو قصد التبرع بها عنه أجزأه على الأقوى (5) و إن كان الأحوط العدم.

مسألة 7: تحرم فطرة غير الهاشميّ على الهاشميّ

(مسألة 7): تحرم فطرة غير الهاشميّ على الهاشميّ كما في زكاة المال (6)، و تحلّ فطرة الهاشميّ على الصنفين (7). و المدار على المعيل لا

______________________________

(1) لأصالة الإباحة، و إطلاق ولايته على الإخراج الشامل لذلك كله.

(2) أما مع الإذن، فللأصل، و الإطلاقات إعطاء الفطرة الشاملة للمباشرة و مطلق التسبيب. و أما مع عدم الإذن، فيشكل الاجتزاء به، لقاعدة الاشتغال و إن أذن بعد ذلك يصير من صغريات الفضولي و قد تقدم في [مسألة 11] من أول كتاب الزكاة، و [مسألة 1] من (فصل أنّ الزكاة من العبادات)، و المسألة العاشرة، و [مسألة 26] من مسائل الختام ما ينفع المقام.

(3) أما في صورة عدم الإذن، فلقاعدة الاشتغال من غير حاكم عليها. و أما في الصورة الأولى، فلاحتمال عدم صحة التبرع في الزكاة، و لكنه ضعيف.

(4) لما تقدم في المسألة الثانية من هذا الفصل.

(5) تقدم التفصيل في المسألة السابقة فراجع فإنّ هذه المسألة مكرّرة بفروعها.

(6) للإجماع، و أصالة المساواة بين زكاة الفطرة و زكاة المال، و يدل عليه إطلاقات الروايات الدالة على أنّ الفطرة زكاة، بل هي الأصل في الزكاة.

(7) بإجماع الفريقين، و أصالة المساواة بين الزكاتين إلا إذا كان دليل على الخلاف في البين و لا دليل كذلك في المقام، و يدل عليه إطلاق ما دل على حرمة الصدقة الواجبة على بني هاشم خرج ما خرج و بقي الباقي. و أما ما دل على أنّ الزكاة

ص: 340

العيال (1)، فلو كان العيال هاشميا دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشميّ، و في العكس يجوز.

مسألة 8: لا فرق في العيال بين أن يكون حاضرا عنده و في منزله أو منزل آخر غائبا عنه

(مسألة 8): لا فرق في العيال بين أن يكون حاضرا عنده و في منزله أو منزل آخر غائبا عنه، فلو كان له مملوك في بلد آخر، لكنه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته. و كذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك كما أنّه إذا سافر عن عياله و ترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم يجب عليه زكاتهم (2).

نعم، لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه، سواء كان الغير موسرا و مؤديا أم لا (3)، و إن كان الأحوط- في الزوجة و المملوك- إخراجه عنهما، مع فقر

______________________________

أوساخ الناس و أنّها مطهّرة للمال (1)، فلا يوجب الاختصاص بخصوص زكاة المال لأنّ اختصاص بعض الحكم ببعض أصناف النوع لا يوجب تخصيص أصل ذلك النوع.

(1) لما تقدم من توجه التكليف بالنسبة إليه، و اعتبار الشرائط فيه فيكون هذا الشرط أيضا كاعتبار سائر الشرائط. نعم، لو قلنا بأنّ التكليف بها من الواجب الكفائي، و الذمم المتعدّدة يصح أن يكون المدار على كليهما، و لكن تقدمت الخدشة فيه. فما عن صاحب الحدائق من أنّ المدار على العيال، لصحة إضافة الصدقة إليه (مخدوش): إذ ليس المناط مجرد صحة الإضافة بل المناط توجه الخطاب و التكليف و المفروض توجهها إلى خصوص المعيل.

(2) لصدق العيلولة في جميع ذلك، فتشملها إطلاقات الأدلة الظاهرة في عدم الفرق بين الحضور و الغيبة، مضافا إلى صحيح جميل: «لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله و هم غيّب عنه، و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم» (2).

(3) لفرض أنّه في نفقة الغير، فيكون التكليف متوجها إلى ذلك الغير.

ص: 341


1- تقدم الكلام في أوائل هذا الجزء.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

العائل، أو عدم أدائه (1).

و كذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله و لا في عيال غيره (2)، و لكن الأحوط في المملوك و الزوجة ما ذكرنا من الإخراج عنهما حينئذ أيضا (3).

مسألة 9: الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم

(مسألة 9): الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب إلا إذا وكّلهم أن يخرجوا من ماله الذي تركه عندهم، أو أذن لهم في التبرع عنه (4).

مسألة 10: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة

(مسألة 10): المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة إذا كان في عيالهما معا، و كانا موسرين (5)، و مع إعسار أحدهما تسقط و تبقى حصة

______________________________

(1) خروجا عن خلاف من جعل المناط وجوب النفقة لا فعلية الإنفاق و تقدم سابقا في [مسألة 3].

(2) لفرض عدم العيلولة بالنسبة إليه، فلا موضوع للوجوب عليه.

(3) لما تقدم وجهه آنفا.

(4) أما وجوب الإخراج. فلمكان العيلولة. و أما التوكيل، فلأصالة جوازه.

و أما الإذن في التبرع، فلما تقدم في [مسألة 5].

(5) لإطلاق الأدلة الشامل لصورة وحدة المعيل و تعدده، لو لم نقل بالانصراف إلى صورة وحدة المعيل. و أما التمسك بخبر محمد بن القاسم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى و في يده مال لمولاه و تحضر الفطرة أ يزكى عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟

قال: نعم» (1).

فإن حمل على كون موت الوليّ بعد الهلال فلا ربط له بالمقام، و إن أخذ بإطلاقه، فلم يعمل به أحد من الأعلام.

إن قيل: نعم، مقتضى الإطلاقات هو التشريك، لكن في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة قال: إذا كان لكل

ص: 342


1- الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

الآخر (1)، و مع إعسارهما تسقط عنهما (2). و إن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره، و تسقط عنه و عن الآخر مع إعساره، و إن كان الآخر موسرا (3) لكن الأحوط إخراج حصته (4) و إن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما (5) و لكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما عرفت مرارا (6) و لا فرق في كونها عليهما- مع العيلولة لهما- بين صورة المهاياة و غيرها، و إن كان

______________________________

إنسان رأس، فعليه أن يؤدي عنه فطرته، و إذا كان عدّة العبيد و عدّة الموالي سواء و كانوا جميعا فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته، و إن كان لكل إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليهم» (1).

يقال: إنّه ضعيف السند، و معرض عنه عند الأصحاب، إذ لم ينسب العمل به إلا إلى الصدوق، و يظهر من عنوان صاحب الوسائل للباب ذلك أيضا، فكيف يعتمد عليه في الحكم المخالف للإطلاقات.

(1) لظهور الإطلاق بعد أن قلنا إنّه يشمل صورة التبعيض في العيلولة أيضا.

نعم، لو قيل بانصرافه إلى صورة وحدة المعيل، فلا يجب عليه حينئذ.

(2) لانتفاء العيلولة عنهما، فينتفي المشروط بانتفاء الشرط.

(3) أما الوجوب على المعيل، فلوجود المقتضي- و هو العيلولة- و فقد المانع عنه. و أما السقوط عنه، و عن الآخر، فلما مرّ في [مسألة 2] من هذا الفصل.

(4) لاحتمال كون مجرّد الملكية موجبا لوجوب الفطرة، و لكنّه احتمال ضعيف.

(5) لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(6) تقدم أنّ منشأ هذا الاحتمال كون مجرّد الملكية موجبا لوجوب الفطرة جمودا على ما مرّ من خبر إسحاق (2)، و لكنه جمود بارد.

ص: 343


1- الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما، فإنّ المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض (1) و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير و الآخر من حنطة (2) لكن الأولى بل الأحوط الاتفاق (3).

مسألة 11: إذا كان شخص في عيال اثنين

(مسألة 11): إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معا- فالحال كما مرّ في المملوك بين الشريكين (4)، إلا في مسألة الاحتياط المذكور فيه (5).

______________________________

(1) إذا اشتركا في العيلولة وقت الهلال، و لكن لو كانت العيلولة في ذلك الوقت في نوبة أحدهما فقط، فتجب الفطرة عليه فقط.

(2) إذا كان ذلك بعنوان الأعمّ من الواجب و القيمة، فلا إشكال فيه لما يأتي في [مسألة 4] من الفصل التالي. و أما إن كان ذلك بعنوان نفس الواجب، فقد يشكل أنّه من التلفيق و هو غير مجز كما يأتي في تلك المسألة، و يمكن دفع الإشكال بأنّ التلفيق غير المجزي إنّما هو فيما إذا كان المعيل واحدا. و أما مع التعدد كما في المقام فمقتضى إطلاق الأدلة صحة ما اختار كل واحد منهما و إن كان مخالفا لما اختاره الآخر. و لكنه مخالف لإطلاق مثل قولهم (عليهم السلام): «صاع من زبيب، أو صاع من حنطة» (1) و نحوهما من الأخبار.

(3) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

(4) لصدق العيلولة بالنسبة إليهما، فتشملهما الإطلاقات و العمومات.

(5) المراد بالاحتياط قوله: «لكن الأحوط إخراج حصته» و وجه عدم جريانه في المقام أنّه لا موضوع له، لفرض كون الشخص في عيال اثنين و هما يعولانه، فلا موضوع للاحتياط في إخراج حصته و إن لم يعله إلا أحدهما فقط، فالفطرة على المعيل فقط، و لا موضوع للاحتياط حينئذ أيضا.

ص: 344


1- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 18 و غيره.

نعم، الاحتياط بالاتفاق في جنس المخرج جار هنا أيضا (1) و ربما يقال بالسقوط عنهما و قد يقال بالوجوب عليهما كفاية و الأظهر ما ذكرنا (2).

مسألة 12: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه

(مسألة 12): لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته، سواء كانت أما له أو أجنبية (3)، و إن كان المنفق غيره فعليه (4) و إن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد (5)، و أما الجنين فلا فطرة له (6)، إلا إذا تولد قبل الغروب (7). نعم، يستحب إخراجها عنه إذا

______________________________

(1) يأتي منه (رحمه اللّه) الفتوى بعدم جواز التلفيق في [مسألة 4] من الفصل التالي إلا أن يقال: إنّه فيما إذا كان المعيل واحدا و في المقام متعدّد، و لكنّه خلاف إطلاق قولهم (عليهم السلام): «صاع من زبيب أو صاع من حنطة، أو صاع من شعير» (1).

(2) أما السقوط عنهما، فلا دليل له إلا دعوى: اعتبار وحدة المعيل. و يرده ظهور الإطلاق في الأعمّ منه، مع مناسبة عدم السقوط للحكمة المذكورة فيها.

و أما الوجوب عليهما، فلا دليل له إلا إمكان كون الحكم كفائيا من حيث التكليف و الوضع، و هو احتمال حسن ثبوتا و لا دليل عليه إثباتا، بل هو خلاف الأدلة الظاهرة في الوجوب العينيّ و التعييني بالنسبة إلى المعيل.

(3) لظهور الإطلاق، و الإجماع، و شمول الأهل و الولد، و ما أغلق عليه الباب و غير ذلك مما ورد في الأدلة و في جملة من الأخبار ذكر لفظ الصغير (2)أيضا فراجع.

(4) لصدق العيلولة بالنسبة إليه، فيجب عليه.

(5) أما عدم كونها على نفسه، فلاشتراط التكليف في الوجوب نصّا و إجماعا. و أما عدم كونها على غيره، فلعدم العيلولة.

(6) للنصوص الدالة على عدم وجوب الفطرة عمن ولد ليلة الفطرة، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(7) نصّا، و إجماعا، ففي موثق ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في

ص: 345


1- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة: حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة: حديث. 1 و 4.

تولد بعده إلى ما قبل الزوال، كما مرّ (1).

مسألة 13: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال

(مسألة 13): الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال، فلو أنفق على عياله من المال الحرام- من غصب أو نحوه- وجب عليه زكاتهم (2).

مسألة 14: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقته أو قيمته بعد صدق العيلولة

(مسألة 14): الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقته أو قيمته بعد صدق العيلولة، فلو أعطى زوجته نفقتها و صرفت غيرها في مصارفها وجبت عليه زكاتها، و كذا في غيرها (3).

مسألة 15: لو ملّك شخصا مالا- هبة أو صلحا أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته

(مسألة 15): لو ملّك شخصا مالا- هبة أو صلحا أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته، لأنّه لا يصير عيالا له بمجرّد ذلك. نعم، لو كان من عياله عرفا و وهبه مثلا لينفقه على نفسه، فالظاهر الوجوب (4).

مسألة 16: لو استأجر شخصا، و اشترط في ضمن العقد أن تكون نفقته عليه

(مسألة 16): لو استأجر شخصا، و اشترط في ضمن العقد أن تكون نفقته عليه، لا يبعد وجوب إخراج فطرته. نعم، لو اشترط عليه مقدار نفقته فيعطيه دراهم مثلا ينفق بها على نفسه لم تجب عليه، و المناط الصدق العرفي في

______________________________

المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر قال (عليه السلام):

ليس عليهم فطرة، و ليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر» (1).

(1) راجع [مسألة 1 و 6] من الفصل التالي.

(2) لتحقق العيلولة عرفا فتشملها إطلاقات الأدلة قهرا. و دعوى الانصراف إلى الحلال لا شاهد عليه من عقل أو نقل.

(3) لصدق العيلولة، فيشملها الإطلاق. نعم، لو لم تصدق العيلولة كما في الموظفين من الطلبة، و مستخدمي الدولة من الجنود و غيرهم، فلا تجب حينئذ، لعدم صدق العيلولة بالنسبة إليهم، فتأمين المصارف شي ء، و صدق العيلولة شي ء آخر و الثاني أخص من الأول.

(4) مع صدق العيلولة عرفا. و أما مع عدم الصدق أو الشك فيه فلا تجب عليه

ص: 346


1- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة.

عدّه من عياله و عدمه (1).

مسألة 17: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه

(مسألة 17): إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدّة، هل يجب عليه فطرته أو لا؟ إشكال. و كذا لو عال شخصا بالإكراه (2) و الجبر من غيره. نعم، في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه فينزل عنده مدّة ظلما و هو مجبور في طعامه و شرابه، فالظاهر عدم الوجوب لعدم صدق العيال و لا الضيف عليه (3).

مسألة 18: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء

(مسألة 18): إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء، و إن مات بعده وجب الإخراج من تركته عنه و عن عياله. و إن كان عليه دين و ضاقت التركة قسمت عليهما بالنسبة (4).

______________________________

(1) و يختلف ذلك بحسب اختلاف الموارد، و كيفية الاشتراط، فيكون النزاع في وجوب الفطرة و عدمه، صغرويا، للاتفاق على وجوبها مع صدق العيلولة، و على عدمه مع عدم الصدق، و المورد إما تصدق عليه العيلولة عرفا أو لا تصدق أو يشك في الصدق و عدمه، و تجب في الأول دون الأخيرين.

(2) من إطلاق الأدلة الشامل، لصورة الإكراه أيضا و من احتمال الانصراف إلى صورة الاختيار، و يعضده حديث الرفع (1)، و طريق الاحتياط أن يأذن أحدهما للآخر أن يخرجها بالعنوان الواقعي الأعمّ من أن يكون عن نفسه أو عن غيره، أو يشتركا في الإخراج من حيث القيمة.

(3) لأنّ المنساق منهما عرفا من لم يكن المعيل و المضيف مدافعا عنه بأيّ وجه أمكنه، و مع الشك في صدقها عليه لا يجب أيضا، للأصل بعد عدم صحة التمسك بالأدلة، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

(4) أما عدم الوجوب في الأول، فلعدم إدراكه الشهر حتى يجب عليه شي ء.

ص: 347


1- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد النفس.
مسألة 19: المطلقة رجعيا فطرتها على زوجها دون البائن

(مسألة (19): المطلقة رجعيا فطرتها على زوجها دون البائن، إلا إذا كانت حاملا ينفق عليها (1).

مسألة 20: إذا كان غائبا عن عياله

(مسألة 20): إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شك في حياتهم فالظاهر وجوب فطرتهم، مع إحراز العيلولة على فرض الحياة (2).

______________________________

نعم، تجب على الورثة عن أنفسهم مع اجتماع الشرائط.

و أما الوجوب في الثاني، فلوجود المقتضي و فقد المانع كما هو المفروض. و أما التوزيع، فلأنّه حكم مطلق الدّين الذي تقصر عنه التركة.

(1) قد تقدم مرارا أنّ المناط على العيلولة، و قد لا تكون الرجعية من العيال و قد تكون البائن منه، فلا كلية لما ذكره.

(2) الاحتياج إلى إحراز العيلولة بغير الاستصحاب إنّما هو فيما إذا كان المستصحب نفس الحياة فقط. و حيث لا تثبت العيلولة به، لأنّه من الأصل المثبت لا بد في إحرازها من طريق آخر. و أما إن كان المستصحب العيال الحيّ، فيثبت الموضوع بنفس الاستصحاب من دون احتياج إلى إثبات العيلولة بطريق آخر، و له نظائر كثيرة في الفقه.

ص: 348

فصل في جنسها و قدرها

اشارة

(فصل في جنسها و قدرها) و الضابط في الجنس: القوت الغالب الناس (1) و هو الحنطة، و الشعير و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الأقط، و اللبن، و الذرة، و غيرها. و الأحوط

______________________________

(فصل في جنسها و قدرها)

(1) للإجماع، و النص على ما يأتي تفصيله و هو الذي تقتضيه التسهيلات الشرعية في هذه الصدقة الواجبة على جميع الأمة خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة- التي قلّت الأموال و النقود لديهم- ففرض الشارع عليهم التصدق بشي ء من فضل أقواتهم، ليحرزوا بها سلامة نفوسهم، و حياتهم. و الأخبار الواردة على أقسام ثلاثة:

الأول: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالهم من لبن، أو زبيب، أو غيره» (1)، و قوله (عليه السلام): «الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت» (2)، و عن العسكري (عليه السلام): «إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك» (3).

و المراد بالغذاء و القوت في هذه الأخبار ليس الغذاء و القوت الفعلي، بل الأعمّ منه و مما يكون بالقوة- كالحنطة، و الشعير، و الأرز، و نحوها- مما صرح بها في الأخبار كما أنّ المراد بهما الغالب، لغالب الناس، لأنّ ذلك هو المنساق من مثل هذه الروايات.

الثاني: الأخبار الكثيرة المشتملة على ذكر المصاديق، ففي خبر الأشعري عن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام): «في الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة

ص: 349


1- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

.....

______________________________

و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ قال (عليه السلام): صاع بصاع النبيّ» (1).

و في خبر ابن المغيرة عن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) أيضا: «تعطي من الحنطة صاع، و من الشعير صاع، و من الأقط صاع» (2).

و في خبر ابن مسلم: «قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير يجزي عنه القمح و العدس، و السلت و الذرة» (3).

و لكن الظاهر بقرينة غيره أنّه العلس كما يأتي في خبر إبراهيم بن محمد، و في خبر ابن مسلم عنهما (عليهما السلام) ذكر الدقيق، و السويق (4)، و في خبر إبراهيم بن محمد عن الصادق (عليه السلام): «من لم يجد الحنطة و الشعير يجزي عنه القمح و السلت و العلس و الذرة» (5).

و لا ريب في أنّ هذه كلها من مصاديق الغذاء و القوت، فلا تنافي بين هذه الأخبار و القسم الأول منها، كما أنّ اقتصار بعضها على ذكر بعض من مصاديقها و عدم التعرض للبعض الآخر لا يوجب التنافي بينها، لأنّ الاقتصار من باب المثال لا الحصر الحقيقي.

الثالث: خبر الهمداني (6) عن العسكري (عليه السلام): «الفطرة صاع من قوت بلدك على مكة و اليمن و الطائف، و أطراف الشام، و اليمامة، و البحرين و العراقين، و فارس، و الأهواز، و كرمان تمر، و على أهل أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة، و الموصل، و الجبال كلها بر، أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البر إلا أهل مرو و الري، فعليهم الزبيب، و على أهل مصر البر. و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط و الفطرة عليك و على الناس كلهم».

و هذا التفصيل في هذا الحديث ليس لموضوعية خاصة في تلك البلاد، أو للتعبد المحض، بل لأجل أنّ الغالب في تلك العصور- في البلاد المذكورة كان ما

ص: 350


1- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 13.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 17.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

الاقتصار على الأربعة الأولى (1)، و إن كان الأقوى ما ذكرنا. بل يكفي الدّقيق، و الخبز، و الماش، و العدس (2)، و الأفضل إخراج التمر، ثمَّ

______________________________

ذكر في الحديث- قوتهم فلا تنافي بين ما ذكر فيه و بين سائر الأخبار، فاتفقت الأقسام الثلاثة من الأخبار، على أنّ المدار على القوت الغالب و المراد به ما كان غالبا لنوع الناس دون شخصهم. و يظهر من ذكر الزيت و اللبن فيها أنّه أعمّ مما يتوقف عليه بقاء الحياة- كالحنطة، و الشعير- أو ما يتوقف به لأجل الإدام، أو التفكه و التلذذ كالزيت و اللبن، و الأقط هذا.

و أما الأقوال فعمدتها قولان:

أحدهما: كل ما كان قوتا غالبا و لو لم يكن مما ذكر في الأخبار جمودا على القسم الأول منها، و حمل القسمين الأخيرين على مجرّد المثال، أو على الندب بقرينة كثرة الاختلاف فيها. و يظهر ذلك عن جمع منهم صاحب الجواهر بل هو المعروف بين الفقهاء.

ثانيهما: الاقتصار على خصوص ما ذكر في القسمين الأخيرين من الأخبار تقييدا للقسم الأول بهما. و يظهر ذلك عن جمع منهم الشيخ (رحمه اللّه) مدعيا عليه الإجماع و لكن الإجماع موهون، و حمل ما في القسمين الأخيرين من الأخبار على المثال أو الندب ممكن، فيصح القول الأول، و لو لا وحشة الانفراد لقلنا بكفاية اللحم في مثل هذه العصور، لصيرورته قوتا غالبا لعامة الناس.

(1) خروجا عن خلاف مثل الصدوقين حيث اقتصروا عليها- و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه مع التصريح في النصوص بالتعميم- و دعوى الشيخ الإجماع عليه.

(2) للعمومات، و الإطلاقات التي تقدمت في القسم الأول من الأخبار و نسب الاجتزاء بالخبز و الدقيق إلى المشهور أيضا، و قد ورد الدقيق في خبر ابن يزيد- كما تقدم- و ورد الدقيق و السويق في خبر حماد و تقدم ذكر العدس في خبر ابن مسلم. و أما الخبز و الماش، فلم أظفر عاجلا على نصّ بالخصوص فيهما، و لا يبعد

ص: 351

الزبيب (1)، ثمَّ القوت الغالب. هذا إذا لم يكن هناك مرجح، من كون غيرها أصلح بحال الفقير و أنفع له لكن الأولى و الأحوط حينئذ دفعها بعنوان القيمة (2).

مسألة 1: يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحا فلا يجزئ المعيب و يعتبر خلوصه

(مسألة 1): يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحا فلا يجزئ المعيب و يعتبر خلوصه، فلا يكفي الممتزج بغيره من آخر أو تراب أو نحوه (3). إلا إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع أو كان قليلا يتسامح به (4).

مسألة 2: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات

(مسألة 2): الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات من الدراهم

______________________________

استفادتهما من إطلاق الحنطة و الشعير لإمكان استفادة مطلق الحبوب منهما.

(1) أما أفضلية التمر، فلنصوص كثيرة منها قول أبي الحسن (عليه السلام):

«التمر أفضل» (1)، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «التمر أحب إليّ فإنّ لك بكل تمرة نخلة في الجنة» (2).

و أما أفضلية الزبيب بعده، فلجريان علة أفضلية التمر فيه أيضا: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «التمر في الفطرة أفضل من غيره، لأنّه أسرع منفعة، و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» (3).

و أما أفضلية القوت الغالب بعده، فهو المشهور و ينطبق عليه عنوان المواساة و الاتحاد مع الفقراء، و هو محبوب و مرغوب إليه عند العقلاء.

(2) أما تقديم الأصلح و الأنفع، فهو من المسلّمات عند الفقهاء، و تقتضيه مرتكزات العقلاء أيضا. و أما الاحتياط في دفعه بعنوان القيمة حينئذ، فلاحتمال أن تكون ملاحظة الأصلحية لحال الفقير مخرجا للعين عن الواجب بالذات و موجبا لانطباق عنوان القيمة عليه.

(3) لأنّ ذلك هو المنساق من الأدلة و المتفق عليه بين أعلام الملة.

(4) لأنّ الأدلة منزلة على العرفيات و المفروض تسامح العرف بذلك في صدقاتهم، و هداياهم، و معاملاتهم.

ص: 352


1- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.

و الدنانير (1)، و غيرهما من الأجناس الأخر (2) و على هذا فيجزي المعيب و الممزوج و نحوهما بعنوان القيمة، و كذا كل جنس شك في كفايته فإنّه يجزئ

______________________________

(1) للإجماع بقسميه، و نصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا بأس بالقيمة في الفطرة» (1).

و في خبر ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الفطرة نجمعها و نعطي قيمتها ورقا و نعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال (عليه السلام): لا بأس به» (2).

و عن ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟ قال: نعم، إنّ ذلك أنفع له يشتري ما يريد» (3).

و تدل عليه نصوص جواز إخراج القيمة في زكاة المال، إذ الظاهر اتحاد الزكاتين في الأحكام إلا ما خرج بالدليل و لا ريب في أنّ من المتيقن من القيمة النقدين.

(2) لإطلاق أدلة القيمة الشامل لها أيضا، و ليس في البين ما يصلح للتقييد إلا دعوى الانصراف إلى الدرهم و الدينار و لكنه بدويّ لا يعتنى به ما لم يوجب ظهور اللفظ في المنصرف إليه. و يمكن أن يستظهر إطلاق الجواز من صحيح ابن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) نعطي الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال (عليه السلام): لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق» (4) بناء على أنّ إعطاء الدقيق كان بعنوان القيمة لا الفريضة، و يمكن أن يستفاد- مما مرّ من التعليل في قوله (عليه السلام): «لأنّه أسرع منفعة»، أو قوله (عليه السلام): «إنّ ذلك أنفع له يشتري ما يريد» (5)- إجزاء كل ما هو أنفع و أسرع منفعة من عين الفريضة إن كان بعنوان القيمة، و كذا حكم إجزاء المعيب و الممزوج و كل جنس شك في كفايته فيصح إن كان الإعطاء بعنوان القيمة، للإطلاق، و العموم المقتضي لذلك.

ص: 353


1- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

بعنوان القيمة.

مسألة 3: لا يجزئ نصف الصاع مثلا من الحنطة الأعلى

(مسألة 3): لا يجزئ نصف الصاع (1) مثلا من الحنطة الأعلى، و إن كان يسوى صاعا من الأدون، أو الشعير مثلا إلا إذا كان بعنوان القيمة.

مسألة 4: لا يجزي الصاع الملفق من جنسين

(مسألة 4): لا يجزي الصاع الملفق من جنسين (2) بأن يخرج نصف صاع من الحنطة و نصفا من الشعير مثلا- إلا بعنوان القيمة.

مسألة 5: المدار قيمة وقت الإخراج

(مسألة 5): المدار قيمة وقت الإخراج (3)، لا وقت الوجوب. و المعتبر

______________________________

(1) لظهور الأدلة في اعتبار الكمية الخاصة، فلا يجري غيرها. و أما الإجزاء بعنوان القيمة، فلإطلاق أدلة إعطاء القيمة الشامل لهذه الصورة أيضا و لا مانع في البين إلا دعوى الانصراف و قد تقدم ما فيه.

(2) لظهور الأدلة في الصاع الخالص، من جنس واحد كقول أبي عبد اللّه عن أبيه (عليه السلام): «زكاة الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من أقط عن كل إنسان حرّ أو عبد صغير أو كبير» (1)، و يأتي جملة من الأخبار بعد ذلك، و تقتضيه قاعدة الاشتغال أيضا. و أما الإجزاء بعنوان القيمة، فلما مرّ مرارا أنّه لإطلاق الأدلة.

(3) لبقاء العين في الذمة إلى حين تفريغها الذي هو وقت الإخراج سواء كان ذلك بالعزل أم الأداء.

هذا إذا كان ناويا لإخراج جنس بالخصوص قبل حلول الشهر. و أما مع عدم قصده لذلك، فربما يشكل في تصوير اشتغال الذمة بأنّه مع تخييره بين الأجناس تكون الفطرة مرددة بينها و لا وجود للمردد من حيث هو لا ذهنا و لا خارجا، فلا موضوع حتى تشتغل به الذمة. و لكنه مردود بأنّه و إن لم يكن للمردد من حيث هو وجود ذهنيّ و لا خارجيّ و لكن له نحو اعتبار عرفيّ كما في الواجب التخييري و يكفي هذا النحو

ص: 354


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 11.

قيمة بلد الإخراج (1)، و لا وطنه و لا بلد آخر، فلو كان له مال في بلد آخر غيره بلده و أراد الإخراج منه، كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده الذي هو فيه.

مسألة 6: لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله

(مسألة 6): لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله و لا اتحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة و عن عياله الشعير أو بالاختلاف بينهم، أو يدفع عن نفسه- أو عن بعضهم- من أحد الأجناس و عن آخر منهم القيمة، أو العكس (2).

مسألة 7: الواجب في القدر: الصاع عن كلّ رأس

(مسألة 7): الواجب في القدر: الصاع عن كلّ رأس من جميع

______________________________

من الاعتبار في اشتغال الذمة عند العرف، مع أنّ لنا أن نقول في هذه الصورة أنّ الذمة مشغولة بأصل المالية، فإن تساوت الأجناس في القيمة فلا إشكال منه، و مع الاختلاف يكون من الدوران بين الأقلّ و الأكثر، فتشتغل الذمة بالأول.

(1) لأنّه المتفاهم من الأدلة عرفا، مضافا إلى خبر المروزي: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة و الصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (1).

ثمَّ إنّه ليس في البين تحديد شرعيّ لقيمة الفطرة إلا روايات ضعيفة السند مع إمكان حملها على قيمة تلك الأزمنة، كمرسل المقنعة: «سئل الصادق (عليه السلام): «عن مقدار القيمة فقال درهم في الغلاء و الرخص» (2) و المرسل الآخر:

«و روي أنّ أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم» (3).

و هما ساقطان عن الاعتبار، لقصور السند و عدم قائل معروف، و يمكن الحمل على الأزمنة القديمة التي كانت القيمة هكذا.

(2) كل ذلك، لإطلاق الأدلة، و إجماع فقهاء الملة، فيصح الاتحاد و الاختلاف بأيّ نحو شاء و أراد.

ص: 355


1- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 14.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 14.

الأجناس (1)

______________________________

(1) أما بالنسبة إلى غير اللبن، فللإجماع، و السيرة، و نصوص معتبرة مستفيضة، بل متواترة و المعمول بها عند الأصحاب، ففي صحيح صفوان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صاع من حنطة، أو صاع من تمر، أو صاع من زبيب» (1).

و عن عليّ (عليه السلام) في خطبته يوم الفطر: «أدوا فطرتكم- إلى أن قال- كل إنسان منهم صاعا من تمر، أو صاعا من بر، أو صاعا من شعير» (2).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن ميمون: «زكاة الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير» (3).

و مثله خبر ابن سنان، و كذا في خبر ابن مغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «الفطرة: تعطي من الحنطة صاع، و من الشعير صاع، و من الأقط صاع» (4).

و قريب منه خبر الأشعري إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتفرقة في الأبواب المختلفة و بإزاء هذه الأخبار جملة من الأخبار التي تنافيها:

منها: صحيح الفضلاء عنهما (عليهما السلام): فإن أعطى تمرا، فصاع لكل رأس، و إن لم يعط تمرا، فنصف صاع لكل رأس من حنطة أو شعير» (5) و مثله غيره مما هو كثير.

و لكن أسقطها عن الاعتبار موافقتها للعامة، و مخالفتها لما اتفقت عليه الإمامية مع وجود قرائن داخلية فيها دالة على أنّها صدرت للتقية، منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «في الفطرة جرت السنة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلما كان زمان عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس، فقال نصف صاع من بر بصاع من شعير» (6)، و نسب (عليه السلام) في صحيح الحذاء (7)

ص: 356


1- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 11.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 14.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.
7- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.

- حتى اللبن- على الأصح (1)، و إن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال (2)

______________________________

ذلك إلى معاوية.

أقول: و لا فرق في ذلك لكون ما ابتدعه عثمان أجراه معاوية، لكونهما من شجرة واحدة، و في المعتبر عن عليّ (عليه السلام): «أنّه سئل عن الفطرة فقال (عليه السلام): صاع من طعام، فقيل: أو نصف صاع؟ فقال بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ (1) فلا وجه لتوهم المعارضة بين مثل هذه الأخبار، و المتواترة السابقة لمن كان له أنس بمذاق الأئمة (عليهم السلام)، و له أدنى مذاق الفقاهة.

(1) لإطلاق الأخبار المعتبرة المشتملة على الصاع الشاملة لللّبن أيضا خصوصا ما يأتي من خبر ابن مهزيار.

(2) نسب ذلك إلى الشيخ، و الحلي، و ابن حمزة، و العلامة، بل نسب إلى كثير من الأصحاب، لمرفوع ابن هاشم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة قال (عليه السلام): يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» (2) و مكاتبة الريان إلى الرجل (عليه السلام): «أسأله عن الفطرة و زكاتها، كم تؤدى؟

فكتب أربعة أرطال بالمدني» (3).

و فيه- أولا: أنّ الأول قاصر سندا، بل و دلالة أيضا، لأنّه مع عدم تمكنه من الفطرة لا بد و أن يحمل على الندب إلا أن يراد عدم تمكنه من أداء الحبوب في الفطرة لكونه في البادية.

و ثانيا: أنّه إذا كانت الفطرة في الأقط الذي هو لبن جاف بقدر صاع، فكيف تكون في اللبن بقدر أربعة أرطال.

و ثالثا: معارضته بالمستفيضة المشتملة على لفظ الصاع مثل قول عليّ بن محمد

ص: 357


1- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 21.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

و الصاع أربعة أمداد (1)، و هي تسعة أرطال بالعراقي، فهو ستمائة و أربعة عشر مثقالا بالمثقال الصيرفي فيكون بحسب حقه النجف- التي هي تسعمائة مثقال، و ثلاثة و ثلاثون مثقالا و ثلث مثقال نصف حقه، و نصف وقية، واحد و ثلاثون و مثقالا- إلا مقدار حمصتين. و بحسب حقة الاسلامبول- و هي مائتان و ثمانون مثقالا- حقتان، و ثلاثة أرباع الوقية و مثقال. و بحسب المن الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا- نصف منّ، إلا خمسة و عشرون مثقالا، و ثلاثة أرباع المثقال.

______________________________

(عليه السلام) لعليّ بن مهزيار: «أنّه يخرج من كل شي ء التمر و البر و غيره صاع و ليس عندنا بعد جوابه علينا في ذلك اختلاف» (1)، فنفي الاختلاف مطلقا.

و يظهر منه أنّ الأحاديث المختلفة إما مفتعلة، أو صدرت تقية، مع معارضة مكاتبة الريان بخبر الهمداني عن العسكري (عليه السلام): «الفطرة عليك و على الناس كلهم- إلى أن قال- تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة» (2)، مضافا أنّه يبعد اختلاف حكم اللبن مع غيره من الأجناس في هذا الأمر العام البلوى، و عدم شيوعه في طبقات الرواة في زمن الصادقين (عليهما السلام) و الرضا (عليه السلام) الذين شاعت أحكام الشيعة من زمانهم.

(1) فيكون كل صاع ثلاث كيلوات إلا خمسة و عشرين مثقالا و ثلاثة أرباع المثقال، لأنّ الكيلو 213 مثقال الصيرفي و 8 حمصة و لا وجه للتفصيلات المذكورة في المتن و في غيره من الكتب الفقهية، لأنّها حضارات سادت ثمَّ بادت.

ص: 358


1- الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

فصل في وقت وجوبها

اشارة

(فصل في وقت وجوبها) و هو دخول ليلة العيد (1)

______________________________

(فصل في وقت وجوبها)

(1) كما عن جمع من المتقدمين، و المشهور بين المتأخرين و استدل عليه بالأخبار الدالة على اعتبار الشرائط عند إهلال الهلال، لأنّ المتفاهم منها عرفا كونها من الشروط المقارنة لا المتقدمة على المشروط كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: «ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» (1)، و في صحيحه الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «سألته عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال (عليه السلام) لا، قد خرج الشهر، و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال (عليه السلام) لا» (2).

و قوله (عليه السلام) قد خرج الشهر، أي: قد خرج إهلال هلال الشهر.

و أما صحيح العيص عنه (عليه السلام) أيضا: «عن الفطرة متى هي؟ فقال (عليه السلام) قبل الصلاة يوم الفطر، قلت: فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة؟ قال:

لا بأس، و نحن نعطي عيالنا منه ثمَّ يبقى فنقسمه» (3).

فالمراد نعطي عن عيالنا، أو المراد نعطي عيالنا منه بعنوان العزل، و على أيّ تقدير فالمراد منه وقت الإخراج لا وقت الوجوب، و لا ملازمة بينهما لا شرعا و لا عقلا.

نعم، مقتضى الأصل عدم حدوث الوجوب إلا في المتيقن و هو قبل طلوع الفجر من ليلة العيد لو لا ظهور ما تقدم من الأخبار في حدوث الوجوب بإهلال الهلال.

ص: 359


1- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

جامعا للشرائط (1)، و يستمر إلى الزوال (2)

______________________________

(1) للإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

(2) لاستصحاب بقاء الوجوب ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك- كما يأتي- و على هذا فيصح إعطاؤها في الليل أيضا.

فروع- (الأول): مقتضى الأصل عدم التوقيت في الفطرة و لا يستفاد من الأدلة ذلك أيضا، لأنّها إما المطلقات فهي ليست في مقام بيان هذه الجهات حتى يتمسك بها لثبوت التوقيت و عدمه، و قد ثبت ذلك في الأصول.

و أما مثل قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة» (1) فلا دلالة فيه على التوقيت لو لم نقل بدلالتها على عدمه. و أما ما تقدم من صحيح العيص فلا ريب في استفادة الرجحان مما اشتمل على مثل هذه التعبيرات من الروايات، و أما التوقيت فلا يستفاد منها. نعم خبر الإقبال: «إن أخرجتها قبل الظهر، فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة و لا يجزيك» (2) يدل على التوقيت إن كان المراد بعدم الإجزاء معناه الحقيقيّ لا نفي بعض مراتب الكمال، لكنه قاصر سندا بل و دلالة، فلا يصح للاستناد إليه فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم التوقيت في مثل هذه الصدقة التي تحفظ بقاء النفوس عن خطر الموت.

نعم، لا ريب في رجحان الإعطاء قبل الصلاة. و لكن عن العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على الإثم مع التأخير عن الصلاة، و هو أيضا أعمّ من التوقيت، لأنّ الإثم يجامع لترك الفورية الواجبة أيضا و لا يلازم التوقيت، مضافا إلى عدم معهودية التوقيت في الصدقات من حيث المنتهى مطلقا و إن وجبت الفورية فيها.

هذا خلاصة الكلام في البحث عن أصل التوقيت و لا وجه للتطويل بأكثر من ذلك، لأنّه من التطويل بلا طائل.

ص: 360


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 16.

.....

______________________________

(الثاني): بناء على التوقيت هل هو موقت بفعل الصلاة، أو بالغروب من يوم الفطر؟ ذهب إلى كل قائل، و مقتضى الأصل بقاء الوجوب إلا أن يدل دليل على التحديد بما ذكر.

استدل للأول بأمور كلها مخدوشة: مثل ما تقدم من صحيح العيص (1) و كخبر الحضرمي في قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال (عليه السلام): من أخرج الفطرة. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى قال: يروح إلى الجبانة فيصلي» (2).

و خبر المروزي: «فإن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» (3).

و خبر الإقبال: «ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبانة» (4).

(و فيه): أنّ حملها على الأفضلية من أحسن طريق الجمع بينها و بين صحيح الفضلاء، «يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل» (5) مضافا إلى قرائن داخلية ظاهرة في الندب في بعضها و قصور السند في بعضها الآخر، فلا يستفاد منها أصل وجوب الفورية، فكيف بالتوقيت.

و أما دعوى العلامة الإجماع على أنّه لو أخرها عن صلاة العيد اختيارا أثم.

فهو على فرض كونه إجماعا معتبرا أعمّ من التوقيت، لأنّ الإثم يناسب الفورية أيضا كما مرّ، مع أنّ في اعتبار مثل هذه الإجماعات بحث مذكور في محله هذا كله بالنسبة إلى التوقيت إلى ما قبل الصلاة.

و أما بالنسبة إلى الزوال، فاستدل عليه تارة: بامتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال، فهو الوقت في الحقيقة. و أخرى: بما دل على استحباب الفطرة عمن يولد أو يسلم قبل الزوال. و ثالثة بخبر الإقبال الذي تقدم: «إن أخرجها قبل الظهر فهي فطرة و إن أخرجها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك».

و الكل مخدوش:

ص: 361


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

.....

______________________________

أما الأول: فهو مبنيّ على ثبوت التوقيت بالنسبة إلى أصل الصلاة حتى يمتد الوقت بامتداد وقت الصلاة، و تقدم عدم دليل معتبر عليه.

و أما الثاني: ففيه أنّه لا تدل على التوقيت و إنّما هو حكم ندبيّ دل عليه دليل مخصوص. و أما الأخير: ففيه- مضافا إلى قصور سنده، و ابتنائه على أن يكون المراد بالظهر الزوال لا صلاة الظهر- أنّه يمكن حمله على الأفضلية.

و أما الثالث: فاستدل عليه بصحيحي العيص، و ابن سنان، و استصحاب بقاء الوجوب. و أشكل في صحيح العيص بأنّه في الزكاة المعزولة فلا يشمل غيرها.

(و فيه): أنّه من مجرد الاحتمال لا ينافي ظهور الإطلاق و مع إجماله ففي الاستصحاب غنى و كفاية.

فتلخص أنّ المستفاد من مجموع الأدلة أفضلية التقديم على صلاة العيد ثمَّ إلى الزوال، و مقتضى إجماع العلامة (قدّس سرّه) وجوب الفورية، إما التوقيت فلا يستفاد منها أبدا.

(الثالث): بناء على ثبوت التوقيت هل هو من باب وحدة المطلوب بحيث لا تكليف بالفطرة بعد الوقت، أو أنّه من باب تعدد المطلوب؟ مقتضى المرتكزات في الصدقات- خصوصا هذه الصدقة التي هي نحو تأمين للموت نعم، لا ريب في أنّ للعيد أهمية خاصة جلبا لقلوب الفقراء في العيد، و عطفا عليهم بالعناية و المواساة فالتوقيت على فرض ثبوته بالنسبة إلى بعض مراتب المطلوبية لا تمامها.

(الرابع): بناء على ثبوت التوقيت بالصلاة هل التوقيت بالنسبة إلى نفس الصلاة من حيث هي بحيث يكون لإتيانها موضوعية خاصة في التوقيت، فلا توقيت بالنسبة إلى من لم يصلّ عصيانا أو عذرا، أو أنّه بلحاظ وقتها و إنّما ذكر الصلاة طريقا إلى الوقت؟ وجهان الظاهر هو الأخير كما لا يخفى على الخبير، و التحديد بالنسبة إلى الصلاة يمكن أن يكون بلحاظ وقتها الفضلي، و أن يكون بلحاظ وقتها الإجزائي.

ص: 362

لمن لم يصلّ صلاة العيد (1).

و الأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاها (2) فيقدمها عليها و إن صلّى في أول وقتها. و إن خرج وقتها و لم يخرجها، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحق بعنوان الزكاة (3)، و إن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها (4) بل يؤديها بقصد القربة، من غير تعرض للأداء و القضاء (5).

مسألة 1: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط

(مسألة 1): لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط (6). كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر

______________________________

(1) لأنّه آخر وقت إجزائها، فيحمل ما دل على التحديد بالزوال بالنسبة إلى من يصلّها و ما دل على التحديد بالصلاة بالنسبة إلى من صلّى.

(2) خروجا عن خلاف من قال بالتوقيت بفعل الصلاة و تقدم ما يتعلق به و إطلاقها يشمل ما إذا صلّى في أول الوقت أيضا.

(3) لتعينها بالعزل حينئذ كما يأتي، فيجزي الإتيان بهذا العنوان، لتعنونه به و تعينه فيه.

(4) لاستصحاب الوجوب، و أنّ التوقيت على فرض تمامية الدليل عليه من باب تعدد المطلوب كما مرّ تفصيل القول فيه.

(5) مقتضى الأصل عدم اعتبار قصد الأداء و لا القضاء حتى بناء على التوقيت، لأنّ إتيان العمل في الوقت أداء، قصد ذلك أم لا، و في خارجه قضاء كذلك و لا يضرّ قصد الأداء في مقام القضاء، و لا العكس مع عدم اشتغال الذمة بالقضاء. و تقدم بعض الكلام في نية الصلاة، و كذا الصوم فراجع.

(6) نسب ذلك إلى المشهور. و استدل عليه تارة بأنّه أداء لما لم يجب.

(و فيه): أنّه لا يعتبر في الأداء قصد الوجوب و يكفي مجرّد احتمال المطلوبية فإنّه نحو من الانقياد. نعم، لو ثبت التوقيت من الأدلة من حيث المبدإ و المنتهى لا يجوز حينئذ و قد مرّ الخدشة فيه.

ص: 363

رمضان (1).

نعم، إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضا، ثمَّ يحسب عند دخول وقتها (2).

مسألة 2: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها

(مسألة 2): يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها

______________________________

و أخرى: بأنّه لا ريب في تحقق الوجوب بإهلال الهلال، فيكون الأداء أيضا كذلك.

(و فيه): أنّه لا ملازمة بينهما بوجه، فيكون الوجوب حاصلا بالإهلال و يصح الأداء قبله، بل يستحب لعموم ما دلّ على رجحان التصدق مطلقا.

و ثالثة: بما مرّ في زكاة المال من أنّ الأداء قبل تعلق الوجوب، كالصلاة قبل الوقت.

(و فيه): أنّه مع الفارق لثبوت التوقيت بالنسبة إلى المبدإ في أصل تعلق الزكاة في زكاة المال دون المقام. و لذا ذهب جمع من القدماء إلى الجواز. و نسبه في الدروس إلى المشهور، لصحيح الفضلاء عنهما (عليهما السلام): «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ، و عبد، و صغير، و كبير يعطي يوم الفطر (قبل الصلاة) فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره» (1).

و هو في مقام التوسعة و الامتنان. و حمله على القرض بعيد عن سياقه، فيكون استقرار الوجوب منوطا بإهلال هلال شوال جامعا للشرائط، كما أنّه يجوز إخراج الخمس بظهور الربح و استقراره يكون باستجماع الشرائط عند الحول. و منه يظهر ما ذكره من الاحتياط.

(1) لظهور الإجماع عليه، و أرسلوه إرسال المسلّمات الفقهية.

(2) لما تقدم في [مسألة 4] من (فصل وقت وجوب إخراج الزكاة) فراجع فإنّ ظاهر الفقهاء مساواة الزكاتين في الأحكام إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام.

ص: 364


1- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

بقيمتها (1)، و ينوي حين العزل (2) و إن كان الأحوط تجديدها حين الدفع أيضا (3) و يجوز عزل أقلّ من مقدارها أيضا (4)، فيلحقه الحكم و تبقى البقية غير معزولة على حكمها (5). و في جواز عزلها في الأزيد، بحيث يكون المعزول مشتركا بينه و بين الزكاة وجه، لكن لا يخلو عن إشكال (6)، و كذا لو

______________________________

(1) أما أصل جواز العزل، فللإجماع، و ما دلّ على ولاية المالك، و نصوص كثيرة منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة» (1).

و أما جواز العزل من القيمة، فللإجماع، و الإطلاق الشامل للعزل من الجنس و من قيمته. و تقدم في زكاة المال ما ينفع المقام، و تقدم مرارا أصالة المساواة بين زكاة الأموال و الأبدان إلا مع الدليل على الخلاف.

(2) لأنّ العزل من العناوين القصدية، مع أنّه نحو من الإخراج، فلا بد من القصد عنده، و تقدم أنّه لا وجه لهذا التفصيل بناء على أنّ النية من مجرّد الدّاعي كما هو الحق.

(3) لدعوى: أنّه هو الأداء الحقيقيّ، و العزل أداء تنزيلي. (و فيه) ما لا يخفى بعد خروج المال عن ضمان المالك بالعزل كالدفع.

(4) لولاية المالك، و إطلاق أدلة العزل ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك.

(5) للإطلاق، و الأصل، و الإجماع.

(6) أما الجواز، فلإطلاق أدلة العزل بعد صدقه عرفا بذلك أيضا. و أما الإشكال، فلأنّ المنصرف من العزل التعيني الشخصي الخارجي و في العزل في الأزيد لا يصدق ذلك. و مع الشك تجري أصالة عدم ترتب الأثر. نعم، لو كانت الزيادة قليلة جدّا لضعف الإشكال بعد الصدق العرفيّ للعزل.

ص: 365


1- الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

عزلها (1) في مال مشترك بينه و بين غيره مشاعا، و إن كان ماله بقدرها.

مسألة 3: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحق

(مسألة 3): إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحق، فإن كان لعدم تمكنه من الدفع لم يضمن لو تلف، و إن كان مع التمكن منه ضمن (2).

مسألة 4: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر

(مسألة 4): الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر و لو مع وجود المستحق (3) في بلده، و إن كان يضمن حينئذ مع التلف (4) و الأحوط عدم النقل، إلا مع عدم وجود المستحق (5).

______________________________

(1) لا فرق بينه و بين سابقة جوازا و إشكالا.

(2) أما عدم الضمان مع التلف إن لم يتمكن من الدفع، فلأنّه لا ثمرة للعزل إلا ذلك، مضافا إلى صحيح زرارة: «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ» (1)، فإنّه في مورد العزل فراجع، و تقتضيه أصالة البراءة أيضا. و أما الضمان مع التمكن من الدفع، فلظهور الإجماع، و قد تقدم في زكاة المال ما ينفع المقام فراجع، فإنّ الزكاتين متحدتان من هذه الجهة بل من كل جهة إلا ما خرج بالدليل.

(3) لإطلاق دليل جواز النقل الشامل لهذه الصورة أيضا.

(4) لظهور الإجماع، و ما مرّ في زكاة المال. و أما الاحتياط، فللجمود على المتيقن من الأدلة.

(5) خروجا عن خلاف من ذهب إلى عدم جواز النقل، و جمودا على قوله (عليه السلام) في موثق فضيل: «و لا تنقل من أرض إلى أرض» (2)، و قوله (عليه السلام) في خبر ابن بلال: «و لا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى» (3)، و لكنه لا بد من حملهما على استحباب الصرف في بلد التكليف، كما يأتي و قد تقدم في زكاة المال أيضا.

ص: 366


1- الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
مسألة 5: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها

(مسألة 5): الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها (1) و إن كان ماله- بل و وطنه- في بلد آخر، و لو كان له مال في بلد آخر، و عينها فيه، ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر، مع وجود المستحق فيه.

مسألة 6: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها

(مسألة 6): إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك (2).

______________________________

(1) لما تقدم من خبري الفضيل، و ابن بلال. و تبيّن حكم بقية المسألة مما مرّ.

(2) لتعين حق الفقير فيه، و أصالة عدم ولاية المالك على التغيير بعد ذلك.

ص: 367

فصل في مصرفها

اشارة

(فصل في مصرفها) و هو مصرف زكاة المال (1) لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من أهل الخلاف، عند عدم وجود المؤمنين (2)

______________________________

(فصل في مصرفها)

(1) للأدلة الثلاثة:

فمن الكتاب قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ ..(1).

و من السنة: المستفيضة الدالة على إطلاق الزكاة على الفطرة خصوصا صحيح هشام عن الصادق (عليه السلام): «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنّما كانت الفطرة» (2).

و أما صحيح الحلبي: «إنّ زكاة الفطرة للفقراء و المساكين» (3)، و خبر الفضيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): لمن تحل الفطرة؟ قال (عليه السلام): لمن لا يجد» (4) ففي مقام بيان بعض المصاديق و أهمّها لا التخصيص.

و من الإجماع: إجماع الإمامية- كما عن جمع- فما نسب إلى الصدوق (رحمه اللّه) من التخصيص لا وجه له له إن تمت النسبة، و كذا نسب إلى المعتبر، و المنتهي من الاختصاص بمن عدى العاملين و المؤلفة قلوبهم.

(2) لموثق الفضيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان جدّي (عليه السلام) يعطي فطرته الضعفة و من لا يجد و من لا يتولى، و قال (عليه السلام): هي

ص: 368


1- سورة التوبة: 60.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

و إن لم نقل به هناك (1). و الأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين و مساكينهم (2) و يجوز صرفها على أطفال المؤمنين أو تمليكها لهم بدفعها إلى أوليائهم (3).

______________________________

لأهلها إلا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب، و لا تنقل من أرض إلى أرض، و قال (عليه السلام): الإمام- أعلم- يضعها حيث يشاء و يصنع فيها ما رأى» (1).

و عن ابن يقطين أنّه: «سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن زكاة الفطرة أ يصلح أن تعطى الجيران و الظؤرة ممن لا يعرف و لا ينصب فقال (عليه السلام): لا بأس بذلك إذا كان محتاجا» (2)، و عن أبي جعفر (عليه السلام): «فإن لم تجد مسلما فمستضعفا، و أعط ذا قرابتك منها إن شئت» (3).

و نسب إلى المشهور عدم الجواز، لإجماع الغنية، و إطلاق ما دلّ على أنّ الزكاة لأهل الولاية- كما تقدم- و خبر سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سألت عن الزكاة، هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال (عليه السلام): لا و لا زكاة الفطرة» (4).

(و فيه): أنّ الأول مخدوش بمخالفة جمع منهم الشيخ. و الثاني مقيد بما مرّ.

و الأخير محمول على ما إذا وجد المؤمن جمعا.

(1) و هذا مما أخرج عن أصالة المساواة بين الزكاتين، لأجل دليل خاص بالفطرة على ما تقدم.

(2) لأنّهم الأصل في تشريع الزكاة، و للخروج عن خلاف من أوجب الاختصاص بهم.

(3) تقدم وجهه في [مسألة 1] من (فصل أوصاف المستحقين) من زكاة المال.

ص: 369


1- هكذا أورده في الوافي و في الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3 بدون كلمة «أعلم».
2- الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
مسألة 1: لا يشترط عدالة من يدفع إليه

(مسألة 1): لا يشترط عدالة (1) من يدفع إليه، فيجوز دفعها إلى فسّاق المؤمنين. نعم، الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر، و المتجاهر بالمعصية، بل الأحوط العدالة أيضا، و لا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية (2).

مسألة 2: يجوز للمالك أن يتولّى دفعها مباشرة أو توكيلا

(مسألة 2): يجوز للمالك أن يتولّى دفعها مباشرة أو توكيلا (3) و الأفضل- بل الأحوط أيضا- دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط (4) خصوصا مع طلبه

______________________________

(1) للأصل، و الإطلاق، و تقدم التفصيل في زكاة المال.

(2) راجع [مسألة 8] من (فصل أوصاف المستحقين) من زكاة المال و ظاهرهم الاتفاق على تساوي الزكاتين في الأحكام إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف في المقام.

(3) أما المباشرة، فلظواهر الأخبار، و إطلاقاتها، و السيرة المستمرة. و أما التوكيل، فلأصالة جريانه في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و أصالة البراءة عن اعتبار المباشرة.

(4) خروجا عن خلاف المفيد القائل بوجوبه، لخبر ابن راشد: «عن الفطرة لمن هي؟ قال (عليه السلام): للإمام، قلت: فأخبر أصحابي قال (عليه السلام):

نعم، من أردت أن تطهّره منهم، و قال (عليه السلام): لا بأس أن تعطي و تحمل ثمن ذلك ورقا» (1).

(و فيه)- أولا: إنّه يحتمل أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) «للإمام» أنّ بيان حكمها و خصوصياتها له لا أنّها تختص بالإمام. و ثانيا: أنّه معارض بالمستفيضة الظاهرة في جواز تولي المالك بنفسه لذلك (2)، و بالإجماع المدعى في المنتهى، فلا بد من حمله على الندب، و ثالثا: يظهر من ذيله التخيير للمالك بين إعطاء العين بنفسه و حمل القيمة إلى الإمام و هو ينافي الاختصاص.

ص: 370


1- الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
2- تقدم ما يدل على ذلك.

لها (1).

مسألة 3: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقلّ من صاع

(مسألة 3): الأحوط أن لا يدفع للفقير أقلّ من صاع (2) إلا إذا اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك (3).

مسألة 4: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع

(مسألة 4): يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع بل إلى حدّ

______________________________

(1) راجع ما تقدم في [مسألة 1] من (فصل بقية أحكام الزكاة).

(2) نسب المنع إلى المشهور تارة، و إلى الفقهاء أخرى. و لا دليل لهم يصح الاستناد إليه إلا قول الصادق (عليه السلام) في المرسل: «لا تعط أحدا أقلّ من رأس» (1)، و مرسل الصدوق: «لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين»(2).

و لكن قصور سندهما يمنع عن الاعتماد عليهما، بل في الحدائق: «أنّ الأخير من كلام الصدوق نفسه لا الرواية»، مضافا إلى معارضتهما بخبر صفوان: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفطرة، يعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟ قال (عليه السلام) يفرّقها أحبّ إليّ، قلت: أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع؟ قال (عليه السلام): نعم» (3)، فإنّ إطلاق التفريق يشمل ما إذا أعطى أقلّ من صاع لكل واحد.

ثمَّ إنّ الظاهر من عدم جواز إعطاء الأقلّ من الصاع إنّما هو بالنسبة إلى النقيصة من أصل الصاع، و أما بالنسبة إلى الزيادة عليه كما لو أعطاه صاعا و ربع مثلا فلا إشكال فيه، فلا بأس بإعطاء عشرة أصوع إلى ثمانية أشخاص مثلا و لو كان أقلّ من الصاع و تممه من عنده تبرعا، أو تممه من سائر الصدقات، فهل يرتفع المحذور حينئذ أو لا؟ وجهان:

(3) علل ذلك بأنّ التعميم في النفع حينئذ يقتضي جواز إعطاء الأقلّ (و فيه):

أنّه على فرض اعتبار دليل المنع إطلاقه يشمل هذه الصورة أيضا، و التعليل عليل لأنّ زيادة النفع كتعميمه أيضا.

ص: 371


1- الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

الغنى (1).

مسألة 5: يستحب تقديم الأرحام على غيرهم

(مسألة 5): يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثمَّ الجيران، ثمَّ أهل العلم و الفضل و المشتغلين. و مع التعارض تلاحظ المرجحات و الأهمية (2).

مسألة 6: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه

(مسألة 6): إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه فالحال كما في زكاة المال (3).

مسألة 7: لا يكفي ادعاء الفقر إلا مع سبقه

(مسألة 7): لا يكفي ادعاء الفقر إلا مع سبقه، أو الظن بصدق المدعي (4).

______________________________

(1) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و أخبار خاصّة واردة في زكاة المال فراجع [مسألة 1] من (فصل أصناف المستحقين)، و قد مرّ مرارا تساوي الزكاتين في الأحكام.

(2) أما تقديم الأرحام، فلأنّه من أفضل الصدقة- كما تقدم في زكاة المال- و أما الجيران، فكثرة ما ورد في التوصية بهم حتى قال (صلّى اللّه عليه و آله): «ما آمن بي من بات شبعانا و جاره جائع» (1)، و قوله (عليه السلام) في صدقة الفطرة: «الجيران أحق بها» (2). و أما أهل العلم، فلكثرة ما ورد في فضلهم كتابا، و سنة و تقدم في زكاة المال(3)و أما ملاحظة الأهمية، فلأنّها حكم عقليّ عند تزاحم الجهات، و تقدم التفصيل.

(3) فيرجع إلى العين مع بقائها، بل و مع التلف أيضا إلا إذا كان غرور في البين راجع [مسألة 13] من (فصل أصناف المستحقين).

(4) أما عدم كفاية مجرّد ادعاء الفقر، فلأصالة عدم حجية الدعوى إلا إذا ثبت بحجّة معتبرة. و أمّا قبوله مع سبقه، فللاستصحاب. و أما مع الظن بالصدق فتقدم ما يتعلق به في [مسألة 10] من (فصل أصناف المستحقين) فراجع.

ص: 372


1- الوسائل باب: 88 من أبواب أحكام العشرة.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7 و 5.
3- تقدم صفحة: 180.
مسألة 8: تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال

(مسألة 8): تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال و كذا يجب التعيين- و لو إجمالا- مع تعدد ما عليه و الظاهر عدم وجوب تعيين من يزكي عنه، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين: أنّ هذا لفلان، و هذا لفلان (1).

تمَّ كتاب الزكاة

______________________________

(1) أما اعتبار قصد القربة، فللإجماع. و أما التعيين مع التعدد. فلأنّ الامتثال لا يتحقق إلا به. و أما كفاية التعيين الإجماليّ، فلأصالة البراءة عن وجوب الزائد عليه. و أما عدم وجوب تعيين من يزكي عنه، فللأصل بعد عدم وجود دليل عليه، و تقدم في (فصل أنّ الزكاة من العبادات) ما ينفع المقام. و اللّه العالم، و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة على أشرف خلقه محمد و آله الطاهرين. انتهى كتاب الزكاة.

و له الشكر على ما أنعم

ص: 373

كتاب الخمس

اشارة

كتاب الخمس بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو من الفرائض (1)، و قد جعلها اللّه تعالى لمحمد (صلّى اللّه عليه و آله)

______________________________

(كتاب الخمس) الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة على رسوله محمد و آله الطيبين الطاهرين.

الخمس: حق خاص جعله اللّه تعالى لسيد المرسلين و ذريته إلى يوم الدين و قرنهم بذاته الأقدس تجليلا لهم و إرشادا إلى أنّه ليس هذا الحق من سنخ الصدقات- التي يعطيها الأغنياء للفقراء- بل الخمس كان أولا و بالذات حق النبي الأعظم و ذريته. و استولى عليهم غيرهم، فيجب عليهم رده إليهم، و ذلك لأنّ محمدا (صلّى اللّه عليه و آله) أعطاه اللّه تعالى غاية ما يمكن فرضه من الكمالات المعنوية الممكنة للبشر، فهو (صلّى اللّه عليه و آله) بدء نزول الفيض، و منتهى قوس صعود الاستفاضة. و من كان كذلك يكون وجوده وجود جمعي من كل حيثية و جهة، فيكون أصل الدنيا له لا أن يكون الخمس فقط حقه. و قدر الدنيا بالنسبة إلى هذا النبيّ العظيم و خلفائه المعصومين و جميعها بما فيها لديهم أنزل من جناح بعوضة، أو عفطة عنز.

(1) للنصوص المستفيضة التي تأتي الإشارة إلى بعضها، و إجماع الإمامية، بل المسلمين في الجملة.

ص: 374

و ذريته عوضا عن الزكاة، إكراما لهم (1). و من منع منه درهما أو أقلّ- كان مندرجا في الظالمين لهم، و الغاصبين لحقّهم. بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين، ففي الخبر عن أبي بصير قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال (عليه السلام): من أكل من

______________________________

(1) لأنّهم ذراري خاتم الأنبياء و قرنهم اللّه تعالى بنفسه في آية الغنيمة (1) و جعل مودتهم أجر الرسالة، و إذا كانوا من ذرية خاتم النبيين يكونوا من ذرية جمع من الأنبياء منهم إبراهيم الخليل (عليه السلام).

و من إحدى مصالح تشريع الخمس أنّه إنّما شرع ليرتبط به الناس إلى ذراري النبي الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله)، فيستحقون بذلك من اللّه الثواب و التكريم.

و منها: أنّه نحو عناية خاصة من اللّه تعالى بذرية الرسول الذين هم بقايا النبوات الإلهية و الرسالات الربانية من إبراهيم الخليل (عليه السلام) إلى يوم القيامة تشكرا من اللّه تعالى، لما تحمّله أولئك الأنبياء الكرام من المتاعب العظام في إعلاء كلمة اللّه و نشر أحكامه، فجعل ذريتهم باقية إلى يوم القيامة، و فرض على خلقه أداء حقهم إليه تخليدا لذكرهم بين الناس و اهتماما بشؤونهم إلى يوم الدّين.

ثمَّ إنّ خلق الدنيا بما فيها من الأرض، و الجبال، و البحار، و المعادن إلى غير ذلك مما لا يمكن تحديد منابع منافعها بحدّ معيّن إما أن يكون من مجرّد العبث، أو لأجل أن ترعى فيها الأنعام، و البهائم، و الوحوش فقط، أو لأجل أن يسيطر عليها أناس و يحكموا فيها بأوهامهم التي لا واقعية لها، و يظهر خلافها عندهم بعد مضيّ زمن يسير، أو يكون خلق الدنيا لأجل الحق و الحقيقة و عباد اللّه الذين اختصهم اللّه لنفسه، و الذين ينظمون الدنيا نظما إلهيا واقعيا، و يصلحون الدنيا شخصيا و نوعيا إصلاحا حقيقيا بنحو النظام الأتم الأكمل على أحسن ما يمكن أن يتصوّر عليه.

و العقل المستقل يحكم ببطلان الأول، لأنّه تعطيل للفيض المطلق مع استعداد المحل و كمال قدرة الفاعل كما قد ثبت كل ذلك في محله.

ص: 375


1- سورة الأنفال: 41.

مال اليتيم درهما و نحن اليتيم»، و عن الصادق (عليه السلام) «إنّ اللّه لا إله إلا هو، حيث خمّس علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، و الكرامة لنا حلال» و عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي حتى يأذن له أهل الخمس».

______________________________

و كذا الثاني ظلم و تعطيل للحق عن أهله و محله، مضافا إلى مفاسد نوعية و شخصية تترتب عليه، فتعيّن القسم الأخير، و تدل عليه الأخبار المستفيضة منها خبر المعلّى قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم ثمَّ قال: إنّ اللّه بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيهان و هو نهر بلخ، و الخشوع و هو نهر الشاش، و مهران و هو نهر الهند، و نيل مصر و دجلة، و الفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شي ء إلا ما غصب عليه، و إنّ ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه، يعني:

ما بين السماء و الأرض ثمَّ تلا هذه الآية قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا المغصوبين عليها خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ بلا غصب» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «إنّ جبرئيل (عليه السلام) كرى برجله خمسة أنهار لسان الماء يتبعه الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت أو سقى منها فللإمام، و البحر المطيف» (2).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): خلق اللّه آدم و أقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم فهو لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)،

ص: 376


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 17.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 18.

.....

______________________________

و ما كان لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فهو للأئمة من آل محمد» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين. أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض، و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا. فمن أحيا أرضا ميتا من المسلمين فليعمرها، و ليؤد خراجها إلى الإمام (عليه السلام)- الحديث-» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتفرقة في الأبواب المختلفة- كالجهاد و إحياء الموات، و أحكام الأراضي- و قد جعلناها مطابقة لحكم الفطرة فلا تعبد و لا استعجاب فيها بشي ء أبدا.

ثمَّ إنّ مالكية الإمام للأرض بما فيها و عليها تتصوّر على وجوه:

الأول: الملكية الشخصية كسائر أملاكه الشخصية التي اكتسبها في حياته و تصل بعد موته إلى وارثه مطلقا إماما كان أو غيره و لا ريب في بطلان هذا الوجه.

الثاني: أن يكون ملكا للإمام ملكا شخصيا و بعد ارتحاله ينتقل إلى الإمام بعده لا إلى الورثة. نظير ملكية الحبوة للولد الأكبر بعد الانتقال إليه بالإرث بأنّه يملكها ملكا شخصيا مطلقا و هذا أيضا باطل.

الثالث: أن يكون للإمام حق فيها، من جهة صرفها و صرف منافعها في المصالح البشرية من حيث إنّه (عليه السلام) رئيسهم، و أنّه الباب المبتلى به الناس و يجب عليه تنظيم أمور دنياهم و آخرتهم نظما واقعيا إلهيا و لا ريب في تقوّم ذلك كلّه بالمال، فبسط اللّه يد خليفته لإصلاح عباده و تنظيم بلاده و الظاهر تعيّن هذا الوجه.

و يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن يقول بعدم الملكية أي: بالنحو الأول و من يقول بها، أي: بالنحو الأخير، كما أنّ الظاهر عدم كون هذا المنصب لنائب الغيبة، لأنّ لمرتبة العصمة موضوعية خاصة في هذا المنصب العظيم، بل ما قلنا سابقا من صحة تصرّفه في صفايا الملوك مشكل أيضا، لاحتمال اختصاصها بمرتبة العصمة. نعم، الظاهر ثبوت الولاية في الجملة بالنسبة إلى بعض الأراضي، و المعادن، و نحوها لنائب الغيبة أيضا.

ص: 377


1- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 3.

فصل فيما يجب فيه الخمس

اشارة

(فصل فيما يجب فيه الخمس) و هو سبعة أشياء (1):

______________________________

(فصل فيما يجب فيه الخمس)

(1) بالاستقراء في الأدلة المعتبرة الشرعية- التي يأتي التعرض لتفصيلها- و خلاصة القول فيها: أنّ الأخبار الواردة في تعيين مورد الخمس أقسام:

الأول: ما اشتمل على لفظ (خمسة) و هي أربع روايات:

منها: قول العبد الصالح (عليه السلام): «و الخمس من خمسة أشياء من الغنائم، و الغوص، و الكنوز، و من المعادن، و الملاحة» (1) و قد ذكرت الغنيمة و المعادن في جميعها و يأتي بقيتها في المسائل الآتية.

الثاني: قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة» (2) و لا ريب أنّه محمول على الحصر الإضافي.

الثالث: ما ذكر فيه صغريات المعادن كما في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن معادن الذهب، و الفضة، و الصفر، و الحديد و الرصاص فقال (عليه السلام) عليها الخمس جميعا» (3).

و قريب منه صحيح الحلبي- على ما سيأتي- و لا منافاة بينها و بين ما اشتمل على لفظ المعدن لعدم المنافاة بين الطبيعي و أفراده.

الرابع: قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار: «فيما يخرج من المعادن و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز

ص: 378


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

الأول: الغنائم

اشارة

الأول: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب (1) قهرا بالمقاتلة (2) معهم بشرط أن يكون بإذن الإمام (عليه السلام) (3)، من غير

______________________________

الخمس» (1) و لا منافاة بينه و بين ما سبق بوجه.

الخامس: ما ورد فيما يفضل عن الأرباح و الفوائد و هي أخبار كثيرة:

منها: موثق سماعة قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال (عليه السلام): في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (2) و يأتي التعرض لجملة منها.

السادس: قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر الحذاء: «أيّما ذميّ اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس» (3).

السابع: قول عليّ (عليه السلام) فيمن أتاه و كان عنده مال مختلط بالحرام.

و أراد التوبة: «تصدق بخمس مالك، فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس و سائر المال لك حلال» (4) و يأتي تفصيل ذلك كله في المباحث الآتية إن شاء اللّه تعالى.

(1) بالكتاب المبين (5)، و إجماع المسلمين، و نصوص متواترة بين الفريقين يأتي التعرض لجملة منها.

(2) لأنّها المتيقن من الأدلة- لبية كانت أو لفظية- و يأتي حكم بقية الأقسام في مستقبل الكلام.

(3) للإجماع، و النص قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام، فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام، فغنموا كان للإمام الخمس» (6)، و يقتضيه الاعتبار أيضا ترغيما لأنف من يستقل بالأمر في مقابل وليّ الأمر (عليه السلام).

ص: 379


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
5- سورة الأنفال: 41.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 16.

فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه، و المنقول و غيره (1)، كالأراضي، و الأشجار و نحوها بعد إخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها- بحفظ، و حمل، ورعي، و نحوها- منها (2)، و بعد إخراج ما جعله الإمام (عليه السلام) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح (3)، و بعد استثناء صفايا الغنيمة- كالجارية الروقة، و المركب الفاره، و السيف القاطع، و الدّرع

______________________________

(1) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «كل شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فإنّ لنا خمسه» (1).

و ناقش في التعميم صاحب الحدائق تارة: بأنّ ما يدل على قسمة الخمس ظاهر في المنقول. و أخرى بما دل على أنّ أرض الخراج للمسلمين بعد إخراج الخمس، فتخصص بها العمومات و الإطلاقات.

و فيه: منع ذلك، لإمكان القسمة حتى في غير المنقول كما هو ظاهر بالوجدان، و يصح أن تكون أرض الخراج للمسلمين بعد إخراج الخمس، فعمومات الخمس في الغنائم خصوصا مثل ما تقدم من قول أبي جعفر لا مخصص لها، فلا وجه لما ذكره في الحدائق.

(2) لبناء الشريعة على الإرفاق بالملاك من هذه الجهات، و لقاعدة العدل و الإنصاف، و لأنّ الحكم كذلك في غالب ما وجب فيه الخمس- كما يأتي- و لا وجه للتمسك بالعمومات، و الإطلاقات لنفي اعتباره، لعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة، و لا فرق في ذلك بين كون تعلق الخمس بنحو الشركة العينية أو من مجرّد الحق، لأنّ عناية الشارع للملاك و تسهيله عليهم يعمّ كل ذلك.

(3) لولايته على التصرف فيها بما يراه من المصالح، فخرج بذلك عن موضوع الغنيمة تخصّصا.

ص: 380


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

- فإنّها للإمام (عليه السلام)، و كذا قطائع الملوك (1) فإنّها أيضا له (عليه السلام). و أما إذا كان الغزو بغير إذن الإمام (عليه السلام) فإن كان في زمان

______________________________

(1) نصّا، و إجماعا، و اعتبارا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثمَّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس» (1)و قال (عليه السلام) أيضا: «الإمام يأخذ الجارية الروقة، و المركب الفاره، و السيف القاطع، و الدرع قبل أن تقسّم الغنيمة فهذا صفو المال» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي ء» (3).

و عنه (عليه السلام) أيضا «أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام» (4) و عن العبد الصالح (عليه السلام): «للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها:

الجارية الفارهة، و الدابة الفارهة، و الثوب و المتاع مما يحب أو يشتهي فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس» (5).

و يأتي في الأنفال بعض المقال، و بعضه الآخر في كتاب الجهاد.

فروع- (الأول): هل قطائع الملوك تشمل غيرهم كقطائع رؤساء الجمهورية في هذه العصور أو لا؟ الظاهر هو الأول، لأنّ ذكر الملوك من باب الغالب في تلك الأزمان و المراد به كل مسيطر على الرعية.

(الثاني): هل يختص الحكم بالبداهة الفارهة أو يشمل السيارة و غيرها كالطائرة و السفينة؟ الظاهر الشمول، لإطلاق قوله (عليه السلام): «مما يجب أو يشتهي».

(الثالث): هل يكون من ذلك شي ء لنائب الغيبة أو يختص كل ذلك بالمعصوم؟ المسألة مبنية على عموم النيابة حتى من هذه الجهات.

ص: 381


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 15.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 6.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 8.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4.

الحضور و إمكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام (عليه السلام) (1)، و إن كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة (2)، خصوصا إذا كان للدعاة إلى الإسلام (3)، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفار بالمقاتلة- معهم من المنقول و غيره- يجب فيه الخمس على الأحوط (4)، و إن كان قصدهم زيادة الملك (5) لا الدعاء إلى الإسلام.

و من الغنائم التي يجب فيها الخمس: الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب، بل الجزية المبذولة لتلك السرية (6)

______________________________

(1) لما تقدم من قول الصادق (عليه السلام)، و يدل عليه الإجماع أيضا مضافا إلى لزوم ترغيم أنوفهم من هذه الجهة، لئلا يستبدوا في مقابل وليّ الأمر.

(2) لإطلاق الأدلة، و احتمال اختصاص ما تقدم بزمن الحضور.

(3) لصحة دعوى تحقق الإذن العام فيه من الإمام، و العلم برضائهم (عليهم السلام) به، لأنّ الدعوة إلى الإسلام من أهمّ أهدافهم و مقاصدهم (عليهم السلام)، لكن بشرطها و شروطها.

(4) لعموم الآية (1)، و ما مرّ من صحة دعوى العلم بالرضا إذا كان للدعاء إلى الإسلام. و وجه ترديده (قدّس سرّه) احتمال أن يكون اعتبار الإذن بالرضا مختصا بزمان الحضور، فتكون تمام الغنائم في زمان الغيبة للإمام. و طريق الاحتياط حينئذ أن يأخذ الحاكم الشرعي تمام الغنيمة عن الإمام (عليه السلام) ثمَّ يصرف خمسها عنه (عليه السلام) في مصرف الخمس و يقسم الباقي بين أربابها من طرف الإمام.

(5) لإطلاق الآية الشامل له أيضا و يجري فيه الاحتياط الذي مرّ في سابقة من غير فرق، بل بالأولى.

(6) لصدق الغنيمة بالنسبة إليهما، فيشملها الإطلاق و العموم هذا إذا كانا بعد الاستيلاء و الغلبة. و أما إن كان ذلك قبله فقد يشكل كونها من الغنيمة بالمعنى الأخص.

ص: 382


1- سورة الأنفال: 41.

بخلاف سائر أفراد الجزية (1) و منها أيضا: ما صولحوا عليه، و كذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم، و لو في زمن الغيبة (2)، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك- قليلا كان أو كثيرا- من غير ملاحظة خروج مئونة السنة (3)، على ما يأتي في أرباح المكاسب و سائر الفوائد.

مسألة 1: إذا غار المسلمون على الكفار

(مسألة 1): إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط- بل الأقوى- إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة- و لو في زمن الغيبة- فلا يلاحظ فيها مئونة السنة و كذا إذا أخذوا بالسرقة و الغيلة (4) نعم، لو أخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة فالأقوى، إلحاقه بالفوائد المكتسبة (5) فيعتبر فيه الزيادة عن مئونة السنة، و إن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقا.

______________________________

(و فيه): أنّه يكفي صدق الغنيمة في الجملة و قبولهم لتسليم الفداء و الجزية نحو غلبة للمسلمين و لا يعتبر الغلبة المطلقة و من كل جهة، للأصل، و الإطلاق.

(1) للأصل بعد عدم صدق الغنيمة بالمعنى الأخص عليها و إن صدقت الغنيمة بالمعنى الأعمّ.

(2) لصدق الغنيمة على جميع ذلك مع استيلاء المسلمين عليهم.

(3) لاختصاصه بأرباح المكاسب و مطلق الفوائد كما يأتي في السابع مما يجب فيه الخمس، و قد اصطلحوا عليه بالغنيمة بالمعنى الأعمّ.

(4) إن كان المراد بالغنيمة الاستيلاء على مال الكفار من دون رضائهم و مع إحراز رضا الإمام (عليه السلام)، فجميع ذلك كله من الغنيمة، لتحقق المناط فيها. و إن اعتبر في صدقها القتال معهم، فليس شي ء من ذلك منها، و الظاهر هو الأول، لأصالة عدم اعتبار المقاتلة بعد الصدق العرفي للاستيلاء عليهم. نعم، هو الغالب فيها و القتال و الدفاع من طرق تحقق الاستيلاء على مالهم فلا موضوعية فيهما في صدق الغنيمة و أخذ مالهم.

(5) لاعتبار الأخذ بعدم الاختيار و الرضا من الكافر في صدق الغنيمة الخاصة

ص: 383

مسألة 2: يجوز أخذ مال النصّاب أينما وجد

(مسألة 2): يجوز أخذ مال النصّاب أينما وجد، لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقا (1)، و كذا الأحوط إخراج الخمس مما حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصّاب و دخلوا في عنوانهم، و إلا فيشكل حلية مالهم (2).

مسألة 3: يشترط في المغتنم: أن لا يكون غصبا من مسلم، أو ذمي أو معاهد، أو نحوهم

(مسألة 3): يشترط في المغتنم: أن لا يكون غصبا من مسلم، أو ذمي أو معاهد، أو نحوهم ممن هو محترم المال، و إلا فيجب رده إلى مالكه (3).

______________________________

عرفا. و فيما يعطيه الكافر برضاه أو باختياره و لو كرها خارج عنها موضوعا.

(1) لاحتمال كونه داخلا في الغنيمة بالمعنى الأخصّ و إن كان هذا الاحتمال ضعيفا.

(2) أما جواز أخذ مال النصّاب و دفع خمسه، فلقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حفص: «خذ مال النصّاب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس»(1) و غيره من الأخبار.

و أما الاحتياط في عدم إخراج مئونة السنة، فلإطلاق الدليل و عدم ما يصلح للتقييد إلا احتمال كونه من الفوائد المكتسبة و هو من مجرّد الاحتمال لا يصل إلى مرتبة الظهور بحيث يقيد به الإطلاق.

و أما البغاة: فمع كونهم من النصّاب، فيشملهم ما مرّ من صحيح حفص و إن لم يكونوا منهم فنسب إلى الأكثر جواز أخذه أيضا و استدلوا بإجماع الخلاف و بالأخبار، و سيرة عليّ (عليه السلام) في البصرة.

و لكن الأول موهون. و الثاني: لا عين له و لا أثر. و الأخير مجمل غاية الإجمال، مع أنّه يظهر من بعض الأخبار عدم رضائه (عليه السلام) بذلك، بل أمر (عليه السلام) برد ما أخذ حتى أمر (عليه السلام) بإلقاء القدور وردها إلى أهلها- كما يأتي التفصيل في كتاب الجهاد- فيبقى أصالة احترام المال بلا دليل حاكم عليها.

(3) لأصالة احترام المال- التي هي من أهمّ الأصول النظامية العقلائية المعتبرة-

ص: 384


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

نعم، لو كان مغصوبا من غيرهم من أهل الحرب، لا بأس بأخذه و إعطاء خمسه و إن لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم. و كذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب، بعنوان الأمانة، من وديعة، أو إجارة، أو عارية أو نحوها (1).

مسألة 4: لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا

(مسألة 4): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا، فيجب إخراج خمسه- قليلا كان أو كثيرا- على الأصح (2).

مسألة 5: السلب من الغنيمة

(مسألة 5): السلب من الغنيمة، فيجب إخراج خمسه على السالب (3).

______________________________

إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام، بل مقتضى قاعدة اليد و الأصل الموضوعيّ وجوب الرد إلى أهله.

(1) لما دلّ على أنّ مال الحربيّ لا حرمة له مطلقا، فيكون مثل المباحات الأولية، مضافا إلى ظهور الإجماع، فيجري الحكم في جميع ما ذكر في المتن.

(2) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و نسب إلى غرية المفيد اعتباره فيها و لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل إطلاق الأدلة على خلافه كما اعترف به جميع من تأخر عنه.

(3) لصدق الغنيمة عليه عرفا، فيشمله الإطلاق. نعم، لو جعله وليّ الأمر لأحد فهو حينئذ من الجعائل و لا خمس فيه حينئذ. و يأتي التفصيل في كتاب الجهاد إن شاء اللّه تعالى. و لا يخفى سوء التعبير إذ لا وجه لقوله: «يجب خمسه على السالب» لأنّه إن كان من الجعائل أو مختصا بالسالب و لو لحكم شرعيّ، فلا وجه لوجوب الخمس عليه، لوجوب استثناء ذلك كله عن الغنيمة، و حق التعبير أن يقال: السلب من الغنيمة فيجب خمسة إلا أن يجعل للسالب، أو يكون له بحكم شرعي، كما أنّ صفو الغنيمة للإمام فلا خمس فيه حينئذ.

و قد روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في يوم حنين: «من قتل قتيلا- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- فله سلبه، فقتل أبو طلحة عشرين رجلا فأخذ

ص: 385

الثاني: المعادن

اشارة

الثاني: المعادن (1) من الذهب، و الفضة، و الرصاص، و الصفر و الحديد، و الياقوت، و الزبرجد، و الفيروزج، و العقيق، و الزيبق و الكبريت، و النفط، و القير، و السبخ، و الزاج، و الزرنيخ، و الكحل

______________________________

سلبهم» (1) و لم يعلم أنّ ذلك حكم كلّي، أو قضية في واقعة، أو جعالة خاصة في وقعة حنين.

ثمَّ إنّ السّلب (بفتح اللام) ما يسلب من الطرف و يأتي البحث عنه في كتاب الجهاد.

(1) لنصوص مستفيضة، و إجماع الإمامية، ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن معادن الذهب، و الفضة، و الصفر، و الحديد و الرصاص فقال (عليه السلام): عليها الخمس جميعا» (2).

و في صحيح الحلبي: «عن المعادن كم فيها؟ قال (عليه السلام):

الخمس» (3)، و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن الملاحة فقال (عليه السلام): ما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء، فيصير ملحا فقال (عليه السلام): هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: و الكبريت، و النفط يخرج من الأرض فقال (عليه السلام): هذا أو أشباهه فيه الخمس» (4).

و أما قوله (عليه السلام): «ليس الخمس إلا في الغنائم» (5) فمحمول إما على الغنيمة بالمعنى الأعمّ، فيشمل مطلق الفائدة، أو على الحصر الإضافي فلا تنافي بينه و بين المقام.

ثمَّ إنّ المرجع في المعدن أهل الخبرة المعدّون لذلك خصوصا في هذه العصور التي اهتم الناس بمعرفة هذه الأمور، و وضع لذلك دروس و مباحث، و صارت معرفة

ص: 386


1- راجع صحيح البخاري كتاب المغازي باب: 56.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

و الملح، بل و الجص، و النورة، و طين الغسل، و حجر الرّحى، و المغرة (1)- و هي الطين الأحمر- على الأحوط، و إن كان الأقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية، بل هي داخلة في أرباح المكاسب، فيعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة. و المدار على صدق كونه معدنا عرفا (2). و إذا شك في الصدق لم يلحقه حكمها (3)، فلا يجب خمسه من هذه الحيثية، بل يدخل في أرباح المكاسب

______________________________

المعادن و استخراجها من مهام الأمور، و لا ريب في أنّ للمعادن مطلقا درجات كثيرة من جهات شتّى مثل كثرة الإنتاج و قلته، و بطء الزوال و سرعته، و صفاء الجوهر و كدره إلى غير ذلك مما يكون لكل منها عالم خبير و مهندس بصير، و يشمل عنوان المعدن جميع المراتب المتفاوتة جدّا فيتبعها الحكم كذلك.

و أما كلمات الفقهاء و اللغويين فيه مختلفة في معنى المعدن غاية الاختلاف مع أنّهم ليسوا من أهل خبرة ذلك، و لا يحصل إجماع من قولهم مع هذا الاختلاف حتى يتعبّد به. و لو شك في شي ء أنّه معدن أم لا؟ فمقتضى العمومات الدالة على التملك بالحيازة كون الشي ء تمامه ملكا للمحيز، و مقتضى أصالة عدم تعلق حق الغير به عدم وجوب الخمس فيه، و كذا مقتضى أصالة البراءة و حينئذ فإن فضل عن مئونة السنة يكون من الفوائد و الأرباح، فيجب الخمس من هذه الجهة و إلا فلا شي ء عليه.

(1) المغرة: طين أحمر يصبغ به و ليس بناصع. صرّح به جمع من اللغويين و لا وجه لكونها معدنا إلا بناء على تفسير المعدن: بأنّه كل ما استخرج من الأرض مما كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها. و ليس على كلية هذا التعريف دليل من عقل أو نقل و إلا لكان الرمل، و الحصاة من المعدن، لعظم الانتفاع بهما من الاختلاط بالاسمنت و صنع الزجاج من بعض الرمال و يكفي الشك في كون ذلك كلّه من المعدن في عدم جريان حكم المعدن عليها، فيرجع فيها إلى الأصل كما مرّ.

(2) لأنّ العرف الخاص مقدّم على أقوال اللغويين و أقوال الفقهاء المستندة إلى اجتهاداتهم ما لم يكن دليل معتبر شرعيّ على الخلاف و إلا فهو المعتبر.

(3) للأصل الموضوعيّ، و الحكميّ كما مرّ. و الأقسام أربعة:

ص: 387

و يجب خمسه إذا زادت، عن مئونة السنة، من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه (1). و لا فرق- في وجوب إخراج خمس المعدن- بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة، و بين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها، و لا بين أن يكون المخرج مسلما أو كافرا ذميا- بل و لو حربيا- و لا بين أن يكون بالغا أو صبيّا، أو عاقلا، أو مجنونا، فيجب على وليّهما إخراج الخمس (2).

و يجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر على دفع الخمس مما أخرجه، و إن كان لو أسلم سقط عنه، مع عدم بقاء عينه (3).

______________________________

الأول: ما علم أنّه معدن و لا ريب في ترتب حكمه عليه.

الثاني: ما علم أنّه ليس بمعدن لا موضوعا و لا حكما و لا ريب في عدم ترتب حكم المعدن عليه.

الثالث: ما شك في أنّه معدن و لكن ورد الدليل على إجراء حكم المعدن عليه كالملح، و لا ريب في جريان حكمه عليه.

الرابع: ما شك في أنّه معدن و لم يكن في البين دليل على إلحاقه بالمعدن فيرجع فيه إلى الأصل كما مرّ.

(1) لأنّه لا يعتبر في خمس الأرباح و الفوائد بلوغ النصاب فيه، للإطلاق و الاتفاق.

(2) كل ذلك لإطلاق الأدلة و ظهورها في كونه من الوضعيات التي لا فرق فيها بين المكلّف و غيره، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه. و ما قيل: من أنّه إذا وجد المعدن في الصحراء فأخذه لا شي ء على الآخذ مخالف لظواهر الإطلاقات من غير دليل على التقييد. و يأتي في [مسألة 7] ما ينفع المقام.

(3) أما أصل تكليف الكافر، فللإطلاقات الشاملة له أيضا خصوصا في الوضعيات، و أما جواز إجباره، فلأنّه من الأمور الحسبية، بل من أهمّها. و أما السقوط بعد الإسلام مع عدم بقاء العين، فلأنّ الإسلام يجبّ ما قبله. و أما عدم

ص: 388

و يشترط في وجوب الخمس في المعدن: بلوغ ما أخرجه عشرين دينارا (1).

بعد استثناء مئونة الإخراج و التصفية و نحوهما (2)، فلا يجب إذا كان

______________________________

السقوط مع بقاء العين، فلأصالة البقاء، و انصراف حديث الجب (1) عنه و تقدم في [مسألة 17] من أول كتاب الزكاة ما ينفع المقام فراجع حتى تعرف اختلاف فتوى الماتن في المقامين، مع أنّه لا منشأ له. و مسألة تكليف الكافر سيّالة في جميع أبواب الفقه من بدئها إلى ختامها.

(1) على المعروف بين المتأخرين. و نسب إلى بعض القدماء، لصحيح البزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام): «في المعدن ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (2) فيقيد به الإطلاقات.

و عن جمع عدم اعتبار النصاب مطلقا تمسكا بالإطلاقات. و عن آخرين أنّه بمقدار الدينار تمسكا بخبر آخر للبزنطي (3)، و لكن الإطلاقات مقيّدة بالصحيح، و الخبر محمول على الندب جمعا، مع أنّه قاصر سندا.

ثمَّ إنّ قوله (عليه السلام) في الصحيح: «ما يكون في مثله الزكاة» ظاهر في أنّ المناط ما يكون فيه الزكاة سواء كان بنصاب الذهب أو الفضة، و مقتضاه كفاية الأقلّ منهما لو كان بينهما اختلاف، و قوله (عليه السلام): «عشرين دينارا» يحتمل فيه التخصيص، فيتعيّن الأخذ بنصاب الذهب، كما يحتمل أن يكون من باب الاكتفاء بذكر أحد الفردين عن الآخر فيجب الخمس في الأقلّ منهما نصابا لو كان في البين تفاوت، و لا ريب في أنّه الموافق للاحتياط.

(2) للإجماع، و المشهور اعتبار النصاب بعد إخراج المؤن، لأنّ المتفاهم من الصحيح تحقق هذا المقدار خارجا في ملك المالك. و نسب إلى بعض اعتباره قبله و لا

ص: 389


1- راجع ج: 7 من هذا الكتاب.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
3- الوسائل: باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

المخرج أقلّ منه. و إن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ دينارا، بل مطلقا (1) و لا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة (2)، فلو أخرج دفعات، و كان المجموع نصابا، وجب إخراج خمس المجموع و إن أخرج أقلّ من النصاب فأعرض ثمَّ عاد و بلغ المجموع نصابا، فكذلك على الأحوط (3).

و إذا اشترك جماعة في الإخراج، و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا، فالظاهر وجوب خمسه (4).

______________________________

دليل عليه إلا التمسك بالإطلاقات و هو ممنوع، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، مع أنّه خلاف الإجماع المدعى في التذكرة، و أصالة البراءة، و أصالة عدم تعلق حق إلا بعد إخراج المؤن.

(1) أما الاحتياط في بلوغ الدينار، فلما تقدم من خبر البزنطي. و أما الاحتياط مطلقا، فللخروج عن خلاف من قال بالوجوب مطلقا من غير اعتبار النصاب أصلا. و نسب هذا القول في الدروس إلى الأكثر.

(و فيه): أنّه كيف يتحقق الأكثرية مع الاختلاف و ذهاب الكثير إلى اعتبار النصاب.

(2) لإطلاقات الأدلة، و عموماتها الشاملة للدفعة و الدفعات.

(3) الإعراض ثمَّ الرجوع على الأقسام:

الأول: ما إذا عد إخراج الثاني مستقلا بنظر أهل الخبرة و لم يعد من توابع الإخراج الأول فيكون له حكم مستقل حينئذ، لفرض كونه ملحوظا مستقلا عرفا.

الثاني: ما إذا عدّ من توابع الأول، فيكون كالإخراج دفعات حينئذ.

الثالث: ما إذا شك في أنّه مستقل أو من الأول، و مقتضى الأصل عدم وجوب الخمس فيه إلا إذا كان بنفسه بقدر النصاب، لعدم إحراز الوحدة العرفية حتى يحكم بالتبعية، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع.

(4) لدعوى: أنّ النصاب إنّما يلحظ بالنسبة إلى ذات المعدن من حيث هو مع قطع النظر عن الإضافة إلى المالك، و لكن مقتضى تنظير الخمس بالزكاة في

ص: 390

و كذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج (1)، فلو اشتمل المعدن على جنس أو أزيد، و بلغ قيمة المجموع نصابا. وجب إخراجه.

نعم، لو كان هناك معادن متعدّدة اعتبر في الخارج من كل منهما بلوغ النصاب دون المجموع (2)، و إن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع خصوصا مع اتحاد جنس المخرج منها، سيّما مع تقاربها. بل لا يخلو عن قوّة مع الاتحاد و التقارب (3) و كذا لا يعتبر استمرار التكوّن و دوامه، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمَّ انقطع، جرى عليه الحكم، بعد صدق كونه معدنا (4).

مسألة 6: لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية

(مسألة 6): لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر، أو بالزيادة فيما أخرجه خمسا أجزأ (5)

______________________________

صحيح البزنطي- المتقدم- لحاظ النصاب من حيث الإضافة إلى المالك. و لا ريب في أنّ الأول هو الأحوط، و لو بلغ حصة كل واحد النصاب فلا ريب في الوجوب.

(1) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و تعليق الحكم على المعدن الشامل لصورة اتحاد الجنس و تعدّده.

(2) لأنّ تعدّد الموضوع يوجب تعدّد الحكم قهرا.

(3) المرجع في الوحدة و التعدد متعارف أهل الخبرة، و مع الشك فيهما فمقتضى الأصل عدم الوجوب إلا إذا وصل المخرج من كل واحد منها بقدر النصاب.

(4) عند أهل الخبرة، فيشمله إطلاق الأدلة حينئذ. و المرجع في جميع ذلك؟ صفات الخبراء و من اتخذ استخراج المعادن و معرفتها مهنة و حرفة.

(5) للإطلاق، و الاتفاق، و أصالة عدم وجوب التصفية. و أما صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «ما عالجته بمالك ففيه- ما أخرج اللّه سبحانه منه من

ص: 391

و إلا فلا، لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده (1).

مسألة 7: إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء

(مسألة 7): إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء فإن علم أنّه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما، أو علم أنّ المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط (2) إذا بلغ النصاب بل الأحوط ذلك و إن شك في أنّ الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا (3).

______________________________

حجارة مصفى- الخمس» (1) فالمراد منه أنّ غير المصفّى غير المشتمل على مقدار الخمس لا يجزي، و ليس المراد عدم الإجزاء حتى لو اشتمل على مقداره.

(1) فتجري أصالة بقاء الحق في العين، و اشتغال الذمة بالأداء إلا أن يقال:

إنّ التكليف من أصل حدوثه مردد بين الأقلّ و الأكثر، فيرجع في المشكوك إلى البراءة.

(2) لأنّ المتفاهم من الأدلة أنّ المناط في وجوب الخمس الاستيلاء على المعدن المباح بالحيازة و هو متحقق في المقام. نعم، لو كان لنفس الإخراج من حيث هو شرطية خاصة و موضوعية مستقلة لا يجب حينئذ لفقد الشرط. و لعل هذا الاحتمال منشأ تردده (قدّس سرّه)، و لكن مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار هذا النحو من الشرطية بعد صدق المعدن عرفا. نعم، لو كان موضوع الحكم استخراج المعدن لا يشمل الفرض.

ثمَّ إنّه يعتبر فيما إذا كان المخرج له الإنسان أن لا يقصد الحيازة و إلا فيخرج عن موضوع البحث و يكون من اللقطة حينئذ.

(3) مقتضى أصالة عدم الخروج وجوب الإخراج، و لا دليل على الخلاف إلا احتمال قصده الحيازة لنفسه، أو قاعدة الصحة، أو ظهور اليد في الملكية المطلقة.

و الكل مخدوش:

ص: 392


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.
مسألة 8: لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها

(مسألة 8): لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها، و إذا أخرجه غيره لم يملكه، بل يكون المخرج لصاحب الأرض، و عليه الخمس من دون استثناء المؤنة، لأنّه لم يصرف عليه مئونة (1).

مسألة 9: إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة- التي هي للمسلمين

(مسألة 9): إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة- التي هي للمسلمين فأخرجه أحد من المسلمين ملكه و عليه الخمس (2).

______________________________

أما الأول، فلأنّ مقتضى الأصل عدمه.

و أما الثاني: فلاختصاصها بما إذا صدر من الشخص فعل، و شك في صحته و فساده و لم يحرز صدور التخميس بالفرض، بل هو مشكوك ذاتا.

و أما الأخير: فلأنّه إذا علم كيفية حدوث اليد على شي ء ثمَّ شك في عروض عنوان آخر عليه و عدمه لا تكون اليد حينئذ أمارة للملكية المطلقة من كل جهة. و يأتي في كتاب القضاء تفصيل القول إن شاء اللّه تعالى.

(1) أما أنّ المعدن لمالك الأرض، فلقاعدة التبعية و السيرة العقلائية، و ظهور اتفاق الفقهاء، بل العقلاء و أما أنّ عليه الخمس، فلما مرّ من أنّ المناط في وجوبه الاستيلاء على المعدن و هو متحقق بالنسبة إلى مالك الأرض، و أما أنّه لا مئونة على المالك، فلعدم صرفه للمؤنة، بل صرفها غيره، فلا موضوع لاستثنائها بالنسبة إليه فمن صرف المؤنة لا خمس عليه، لعدم الملك و من عليه الخمس لا مئونة عليه، لعدم الصرف. و ليس له حق إجبار المالك على أخذ ما صرفه من المؤنة، لعدم إذنه فيه لا مباشرة و لا تسبيبا، فإن أعطاه شيئا برضائه يحل له و إلا فلا حق له كما في جميع الموارد التي تصرف المؤن في مال الغير بلا إذن منه. و يأتي التفصيل في أحكام المعاملات.

(2) أما أنّه يملكه المخرج، فللسيرة المستمرة في جميع العصور و الأمصار. و في مفتاح الكرامة اتفقت كلمة الفريقين على أنّها تملك بالحيازة، و لا مانع في البين إلا قاعدة التبعية، و المتيقن منها الملكية الشخصية دون النوعية فلا تشمل الأراضي المفتوحة عنوة. و هذا مع القطع برضا الإمام (عليه السلام) باستخراج المعادن من الأراضي المفتوحة عنوة، و عدم رضائه (عليه السلام) بتعطيلها، فالإذن من وليّ أمر

ص: 393

و إن أخرجه غير المسلم ففي تملكه إشكال (1). و أما إذا كان في الأرض الموات حال الفتح، فالظاهر أنّ الكافر أيضا يملكه و عليه الخمس (2).

مسألة 10: يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن

(مسألة 10): يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن، فيملكه المستأجر و إن قصد الأجير تملّكه لم يملكه (3).

______________________________

الأرض حاصل قطعا كما يأتي في كتاب إحياء الموات إن شاء اللّه تعالى.

(1) مقتضى السيرة، و إطلاق ما دل على التملك بالحيازة عدم الإشكال فيه أيضا و لا مانع في البين إلا قاعدة التبعية- فيكون المعدن ملكا للمسلمين تبعا لأرضهم.

(و فيه): أنّ التبعية في الملكية الشخصية مسلمة، و في الملكية النوعية الأبدية أول الكلام- و إلا عدم إحراز رضا وليّ الأمر.

(و فيه): أنّ الظاهر رضاؤهم في زمان قصور يدهم بتعمير الأرض و استخراج منافعها و لو من غير شيعتهم. و يأتي التفصيل في كتاب الإحياء إن شاء اللّه تعالى.

نعم، في مثل صحيح الكابلي: «و الأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها» (1)، و في بعض أخبار التحليل- التي يأتي ذكرها- ورد لفظ الشيعة، فيحتمل الاختصاص من هذه الجهة، و لكن الظاهر أنّ ذكر المسلم و الشيعة من باب الأهمّ و الأفضل و الأولى، لا الاختصاص و إلا لما ملكه المسلم غير الشيعي أيضا، مع أنّهم لا يقولون به راجع كتاب الإحياء و تأمل.

(2) لما دل على التملك بالإحياء من غير مخصص و لا مقيد و لا تجري هنا قاعدة التبعية، لأنّ الموات حال الفتح ليس ملكا للمسلمين، بل هو ملك الإمام و قد مرّ رضاؤه بالإحياء، بل قد مرّ إذنه (عليه السلام) في المفتوحة عنوة التي هي ملك للمسلمين فضلا عما هو ملك خاص له (عليه السلام).

(3) أما أصل صحة الاستيجار لحيازة المباحات- التي منها المعدن- فلا إشكال فيها، لأنّها عمل محلّل فيه غرض صحيح، و كلّ ما كان كذلك تصح الإجارة عليه.

ص: 394


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.
مسألة 11: إذا كان المخرج عبدا كان ما أخرجه لمولاه و عليه الخمس

(مسألة 11): إذا كان المخرج عبدا كان ما أخرجه لمولاه و عليه الخمس (1).

مسألة 12: إذا عمل فيما أخرجه- قبل إخراج خمسه

(مسألة 12): إذا عمل فيما أخرجه- قبل إخراج خمسه عملا يوجب زيادة قيمته- كما إذا ضربه دراهم، أو دنانير، أو جعله حليا، أو كان مثل الياقوت و العقيق فحكه مثلا- اعتبر في إخراج خمس مادته (2) فيقوم حينئذ سبيكة أو غير محكوك مثلا، و يخرج خمسه. و كذا لو اتجر به فربح قبل أن يخرج خمسه، ناويا الإخراج من مال آخر (3) ثمَّ أدّاه من مال آخر. و أما إذا اتجر به

______________________________

و أما تملك المستأجر و إن قصد الأجير تملكه، فلأنّ الحيازة منسوبة إلى المستأجر تسبيبا و مع هذا الانتساب لا أثر لقصد الأجير لنفسه سواء قلنا بأنّ التملك بالحيازة من الأمور القهرية أم القصدية، لكفاية قصد الإيجار لها و عدم دليل على اعتبار الزائد على هذا القصد، بل مقتضى الأصل عدمه بعد صدق انتساب الحيازة إليه عرفا.

هذا إذا وقعت الإجارة على الحيازة الخاصة الخارجية، و أما لو وقعت على الذمة و قصد الأجير الحيازة الخاصة لنفسه يملك المحاز حينئذ، لوجود المقتضي و فقد المانع عن تملكه للحيازة الخاصة و تبقى ذمته مشغولة بحق المستأجر. و يأتي التفصيل في كتابي الإجارة و الإحياء.

(1) البحث في هذه المسألة عين المسألة المتقدمة بناء على أنّ العبد يملك كما هو الحق فلا وجه للتكرار.

(2) لأنّ الحق تعلق بنفس المادة، و زيادة المالية لا توجب زيادة في الحق.

نعم، لو كان تعلق الخمس بنحو الشركة العينية الحقيقية الخارجية يصير أرباب الخمس شركاء في الزيادة أيضا و ليس للمالك أن يرجع إليهم لوقوع ذلك بدون إذنهم. نعم، لو أجاز الحاكم الشرعيّ ذلك لمصلحتهم يجوز له الرجوع إليهم بالنسبة و لكن أصل المبنى فاسد، كما مرّ و يأتي.

(3) مقتضى الأصل عدم إفراز الحق بمجرّد نية الأداء من مال آخر، بل المناط كله على تحقق الأداء خارجا، أو ما هو بمنزلته عرفا- كأداء الوثائق، و الصكوك المعتبرة مع مراجعة الحاكم الشرعيّ، و حينئذ فإن كان الخمس من الشركة العينية الخارجية

ص: 395

من غير نية الإخراج من غيره، فالظاهر أنّ الربح مشترك بينه و بين أرباب الخمس (1).

مسألة 13: إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه

(مسألة 13): إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه فالأحوط الاختبار (2).

الثالث: الكنز

اشارة

الثالث: الكنز (3)، و هو المال المذخور في الأرض، أو الجبل أو

______________________________

يكون المقام من صغريات من باع شيئا ثمَّ ملكه، إن كان من مجرّد الحق يكون من صغريات من باع ماله الذي تعلق به حق الغير ثمَّ فكه و حيث إنّ التحقيق الصحة فيهما، فيصح في المقام أيضا بعد الأداء أو ما هو بمنزلته بإذن الحاكم الشرعي.

و يكفي ذلك في الانتقال إلى الذمة مع إمضاء وليّ الفقراء لذلك.

(1) بناء على الشركة العينية الخارجية و إجازة وليّ الخمس للمعاملة. و مع انتفاء أحدهما لا وجه لشركة أرباب الخمس في الربح كما هو واضح.

(2) لكون الشبهة معرضا للوقوع في خلاف الواقع و يجب الفحص فيما هو كذلك حكمية كانت الشبهة أو موضوعية إلا أن يدل دليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف إلا دعوى الإجماع على عدم وجوبه في الشبهات الموضوعية، و ثبوته مشكل خصوصا في مثل المقام الذي ذهب جمع كثير إلى وجوب الفحص.

فرعان- (الأول): لو انتقل إلى الشيعة شي ء من المعادن من الكفار، أو من الذين لا يعتقدون بالخمس و لو كان مسلما لا يجب عليهم تخميسه، و كذا سائر ما تعلق به الخمس، لأنّ الأئمة (عليهم السلام) أباحوا ذلك للشيعة، و هذا هو المتيقن من أخبار الإباحة الآتية. و أما لو انتقل إليهم من حكام الجور من الشيعة ممن يعلم بعدم أدائه للخمس، فللحاكم الشرعي أن يجعلهم في حلّ منه إن رأى المصلحة في ذلك.

(الثاني): لو حازت الحكومة أو غيرها معدنا لا يجوز لغيرها التصرف فيه بغير إذنها لما مرّ من التملك بالحيازة، و في حيازات الحكومات للحاكم الشرعي أن يعمل فيها نظره.

(3) لنصوص مستفيضة، و إجماع الإمامية:

ص: 396

الجدار، أو الشجر. و المدار الصدق العرفي (1) سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر. و سواء كان في بلاد الكفار الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام، و في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع، مع العلم بعدم كونه ملكا للبائعين (2)، و سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا (3)

______________________________

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «فيما يخرج من المعادن، و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس» (1) و مثله غيره.

(1) لأنّه من الموضوعات العرفية في جميع الأزمنة و الأمكنة و ليس من الموضوعات المستنبطة حتى يحتاج إلى نظر الفقيه، و لا من اللغوية المحضة حتى تحتاج إلى قول اللغوي، فكل ما صدق عليه هذا اللفظ عند العرف فهو كنز، و ما لا يصدق عليه أو شك في الصدق و عدمه لا خمس فيه من هذه الجهة إلا إذا دخل في الفوائد و الأرباح، فيجب فيه خمس الأرباح و الفوائد، و لا ريب في صدق الكنز على جميع ما ذكره في المتن تبعا لغيره.

و أما احتمال اعتبار كونه من النقدين، لكونهما الغالب فيه، و لصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام): «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال:

ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (2) فلا اعتبار به، لأنّ الغلبة لا تصير موجبا للتخصيص، و المراد بالمماثلة في الصحيح المماثلة النصابية- كما نسبه في الرياض إلى الأصحاب- لا من سائر الجهات و إلا لاعتبر فيه كونه مسكوكا، مع أنّه لا يقول به أحد.

(2) للإطلاق، و الاتفاق الشاملين لذلك كله.

(3) لشمول إطلاق الأدلة لما عليه أثر الإسلام. و عن جمع أنّ ما عليه أثر

ص: 397


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

.....

______________________________

الإسلام بحكم اللقطة إن وجد في أرض الإسلام، لكشف ذلك عن سبق يد محترم المال عليه.

و فيه- أولا: أنّ الكنز و اللقطة، و مجهول المالك موضوعات مختلفة لغة و عرفا و شرعا، و لكل واحد منها أحكام خاصة، فلا وجه لكون الكنز من اللقطة موضوعا كما لا وجه لكونه منه حكما، لفقد الدليل على الإلحاق مع الاختلاف الموضوعيّ، بل مقتضى الأصل عدم الإلحاق بعد تعدد الموضوع.

و ثانيا: أنّ مطلق سبق يد محترم المال لا يوجب كونه من اللقطة ما لم تكن الإضافة الفعلية معتبرة عند متعارف الناس. ففي مورد اللقطة يقال: مال ضاع عن صاحبه الفعلي، و في مورد مجهول المالك يقال: مال لا يعلم صاحبه الفعلي و لا يمكننا إيصاله إلى مالكه الفعلي، فتكون الإضافة إلى المالك الفعلي محفوظة فعلا، و في مورد الكنز لا يعتبر العرف له صاحبا فعلا و إن صح فرضه في قرون كثيرة، لكن الاعتبار العرفي في الملكية و المالكية لا يساعده، إذ لا يرى العرف للكنوز المدفونة مالكا مع أنّه يمكنهم فرضه في ورثة صاحب الكنز و لو بمراتب متعدّدة و بعد قرون كثيرة، فليس أثر الإسلام و أرضه من الأمارات المعتبرة الدالة على مالك فعليّ للكنز كالدار و العقار و نحوهما.

و أما قول أبي جعفر (عليه السلام) في الموثق: «قضى عليّ (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها و إلا تمتع بها» (1).

و صحيح ابن مسلم: «عن الورق يوجد في دار فقال (عليه السلام): إن كانت معمورة فهي لأهلها، و إن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت» (2).

فالمتفاهم من مثلها اللقطة عرفا دون ما انطبق عليه عنوان الكنز لدى أهل الخبرة. هذا كله مع صدق عنوان الكنز عرفا. و أما مع عدم الصدق أو الشك فيه فلا يجري عليه حكمه.

ص: 398


1- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 2.

ففي جميع هذه يكون ملكا لواجده (1) و عليه الخمس (2) و لو كان في أرض مبتاعة، مع احتمال كونه لأحد البائعين، عرفه المالك قبله، فإن لم يعرفه فالمالك قبله (3) و هكذا، فإن لم يعرفوه فهو للواجد، و عليه الخمس (4) و إن ادّعاه المالك السابق أعطاه بلا بينة (5) و إن تنازع الملاك فيه يجري عليه حكم التداعي (6) و لو ادعاه المالك السابق إرثا، و كان له شركاء نفوه، دفعت إليه

______________________________

(1) للإجماع، و سيرة العقلاء، و ظواهر الأدلة، إذ لا معنى لوجوب الخمس على الواجد مع كونه ملكا لغيره.

(2) للنصوص، و الإجماع، و قد تقدم بعض النصوص هنا، و في أول الكتاب.

(3) لصحة إضافة الملكية الفعلية، و اعتبار المالك الفعليّ له فلا بد حينئذ من ترتيب الأثر عليه، لأنّ هذه الإضافة معتبرة عرفا و شرعا، فما لم تسلب هذه الإضافة لا تصير من المباحات الأولية التي تملك بالاستيلاء عليه. و أما موثق إسحاق: «عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونا فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت: فإن لم يعرفوها قال (عليه السلام): يتصدّق بها» (1) فلا ربط له بالمقام و يأتي في اللقطة بعض الكلام.

(4) أما أنّه للوجدان، فلأنّه مال لا مالك له، فملك كل من استولى عليه.

و أما وجوب الخمس، فلأنّه من الكنز عرفا فيشمله دليل وجوبه قهرا.

(5) لتحقق اليد و هي معتبرة شرعا و يترتب عليها الأثر ما لم تكن معارضة بحجة أخرى.

(6) لجريان أيديهم عليه، فلكل منهم الدعوى بمقتضى يده المعتبرة شرعا و عرفا و يكون من التداعي لا محالة.

ص: 399


1- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 3.

حصته، و ملك الواجد الباقي (1) و أعطى خمسه.

و يشترط في وجوب الخمس فيه النصاب، و هو عشرون دينارا (2).

مسألة 14: لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما

(مسألة 14): لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما، و تعريف المالك (3) أيضا فإن نفياه كلاهما كان له، و عليه الخمس.

و إن ادّعاه أحدهما أعطي بلا بينة. و إن ادّعاه كل منهما، ففي تقديم قول المالك وجه، لقوة يده (4) و الأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة أحد اليدين (5).

______________________________

(1) أما دفع الحصة إلى المدعي، فلأنّه من الدعوى بلا معارض و مزاحم، فيقبل قوله على المشهور. و في الجواهر «و أما كون الواجد مالكا للباقي، فلأنّه مال لا مالك له، فيملكه كل من استولى عليه» و أما وجوب الخمس، فلأنّ المفروض صدق الكنز عليه، فيشمله الحكم لا محالة.

(2) للنص، و الإجماع، و قد مرّ صحيح البزنطي (1) في أول الكنز فراجع، و مثله مرسل المقنعة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و مقتضاهما كفاية الوصول إلى مائتي درهم أيضا، فاقتصار الماتن على عشرين دينارا لعله من باب المثال.

(3) لجريان يد كل منهم عليها، فتثبت الإضافة الفعلية إلى المالك. و ما لم تسلب هذه الإضافة لا يصير ملكا للواجد. و تقدم الوجه في بقية المسألة السابقة فراجع.

(4) نسب ذلك إلى المشهور، لأنّ يد المالك أصلية، و يد المستأجر تبعية.

و الأصليّ أقوى من التبعيّ.

(و فيه): أنّه ليس إلا مجرّد استحسان إذ ربّ يد تبعيّة أقوى من الأصليّة كما هو معلوم بالوجدان.

(5) بحيث يوجب الاطمئنان العرفي و إلا فيجري عليه حكم التداعي.

ص: 400


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2 و 6.
مسألة 15: لو علم الواجد أنّه لمسلم موجود- هو أو وارثه- في عصره مجهول

(مسألة 15): لو علم الواجد أنّه لمسلم موجود- هو أو وارثه- في عصره مجهول، ففي إجراء حكم الكنز، أو حكم مجهول المالك عليه، وجهان (1) و لو علم أنّه كان ملكا لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

مسألة 16: الكنوز المتعدّدة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه

(مسألة 16): الكنوز المتعدّدة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه، فلو لم يكن آحادها بحدّ النصاب و بلغت بالضم لم يجب فيها الخمس (2). نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضم بعضه إلى بعض، فإنّه يعدّ كنزا واحدا و إن تعدّد جنسها (3).

______________________________

(1) أقربهما الثاني، لأنّ الكنز ما صح سلب المالك الفعليّ عنه عرفا و هو مشكوك بالنسبة إليه، فيجري عليه حكم مجهول المالك. هذا إذا كان الوارث المحتمل من الطبقة الثالثة أو الرابعة- مثلا- و أما إن كان ممن اندرست وراثته و كان احتمال المالك الفعلي للمال من الاحتمالات التي لا يعتنى بها لدى المتعارف فيجري عليه حكم الكنز. و هذا هو المراد بقوله: «و لو علم أنّه كان ملكا لمسلم قديم».

و لو شك في أنّه من أيّهما، فمقتضى أصالة احترام المال عدم جواز تملكه، فلا يجري عليه حكم الكنز، كما لا تجري عليه الأحكام الخاصة باللقطة، للشك في كونه منها. و لو شك في أنّه لمحترم المال أو لغيره، فيشكل جريان أصالة الاحترام، لأنّ المتيقن من بناء العقلاء و المنساق من الأدلة في موردها ما إذا تحققت الإضافة إلى محترم المال في الجملة، كما إذا دار أمر شي ء بين كونه من المباحات الأولية أو كونه مالا لشخص، فجريان أصالة الاحترام فيه مشكل، و يكون من مجهول المالك بالمعنى الأعمّ.

(2) أما أنّ لكلّ واحد حكم نفسه، فلفرض تعدد الموضوع الموجب لتعدد الحكم قهرا. و أما عدم كفاية بلوغ المجموع النصاب، فهو مترتب على تعدد الموضوع أيضا، فلا خمس حينئذ من حيث الكنز. نعم، لو زاد عن مئونة السنة يدخل في خمس الأرباح.

(3) لفرض أنّه كنز واحد، فيترتب عليه حكم الوحدة.

ص: 401

مسألة 17: في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب

(مسألة 17): في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس، و إن لم يكن كل واحدة منها بقدره (1).

مسألة 18: إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا

(مسألة 18): إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة، في تعريف البائع و في إخراج الخمس إن لم يعرفه (2). و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب (3)، و كذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبائعها و كذا الحكم في غير الدّابة و السمكة من سائر

______________________________

(1) لإطلاق الأدلة الشامل للدّفعة و الدّفعات بعد فرض كون الكنز واحدا.

(2) على المشهور، و يظهر من الحدائق، و الكفاية الاتفاق عليه و الأصل فيه صحيح ابن جعفر الحميري قال: سألته (عليه السلام): «كتبت إلى الرجل أسأله:

عن رجل اشترى جزورا، أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير، أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع (عليه السلام): عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها، فالشي ء لك رزقك اللّه تعالى إيّاه» (1).

و لم يذكر فيه الكنز و لا الخمس، بل ظاهره أنّه من مجهول المالك، أو من اللقطة ملكه الشارع لواجده بعد اليأس عن صاحبه.

و أما دعوى الاتفاق فيشكل الاعتماد عليها، لأنّ الظاهر استناده إلى الصحيح، فلا اعتبار به. و حينئذ فإن زاد عن مئونة السنة يجب فيه الخمس من هذه الجهة و إلا فهو لواجده بعد الفحص و لا شي ء عليه جمودا على الصحيح. و طريق الاحتياط إجراء حكم الكنز و اللقطة عليه إن كان الحيوان وحشيا، و الكنز و مجهول المالك إن كان أهليا.

(3) لعدم دليل عليه من نصّ، أو إجماع و المتيقن من الاتفاق على فرض اعتباره خصوص وجوب الخمس فقط.

ص: 402


1- الوسائل باب: 9 من أبواب اللقطة حديث: 2.

الحيوانات (1).

مسألة 19: إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج

(مسألة 19): إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج (2).

مسألة 20: إذا اشترك جماعة في كنز

(مسألة 20): إذا اشترك جماعة في كنز، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصابا و إن لم يكن حصة كل واحد بقدره (3).

الرابع: الغوص

اشارة

الرابع: الغوص: و هو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما، معدنيا كان أو نباتيا (4).

______________________________

(1) أما وجوب التعريف على المشتري، فلاحتمال كون المال للبائع، لجريان يده عليه، فتكون يده على المال تبعا ليده على السمكة، و لا بد من نفي هذه الإضافة عن البائع حتى يصير ملكا للمشتري. و أما وجوب الخمس، فقد تقدم أنّ دليله منحصر بالاتفاق الظاهر عن صاحب الحدائق و غيره.

(2) تقدم وجه ذلك في المعدن فراجع.

(3) إنّ هذه المسألة أيضا متحدة مع ما تقدم في المعدن، فلا وجه للتكرار.

فروع- (الأول): لو وجد كنز في المشتركات، فمقتضى أصالة عدم حصول الملكية إلا بعد تعريف وليّ أمرها لزوم ذلك عليه.

(الثاني): لو وجده في ملك الغير و لم يمكن تعريف المالك إلا بالتصرف فيه، فالظاهر الجواز مقدمة للتعريف.

(الثالث): لو علم بأنّه لو عرّف المالك بذلك يقع في الضرر يرجع إلى الحاكم الشرعي، و كذا لو كان اطلاع المالك ملازما لاطلاع الحكومة و ذهاب أصل المال.

(4) أما أصل وجوب الخمس في الغوص، فيدل عليه مضافا إلى الإجماع جملة من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة، و نسي ابن أبي عمير الخامسة» (1) و هذا

ص: 403


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

لا مثل السمك و نحوه من الحيوانات (1)، فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته دينارا فصاعدا (2)، فلا خمس فيما ينقص من ذلك (3) و لا فرق بين اتحاد النوع و عدمه، فلو بلغ قيمة المجموع دينارا وجب الخمس. و لا بين الدفعة و الدفعات فيضمّ بعضها إلى بعض كما أنّ المدار على ما أخرج مطلقا و إن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب (4).

______________________________

الحصر إضافيّ بقرينة الأخبار الأخر- التي تقدم بعضها في أول كتاب الخمس- و قوله (عليه السلام) أيضا: «فيما يخرج من المعادن، و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز الخمس» (1). و أما تعميم موضوع الغوص بالنسبة إلى ما في المتن، فيقتضيه قوله (عليه السلام): «فيما يخرج من المعادن، و البحر» و حكم أهل الخبرة يصدق الغوص بالنسبة إلى جميع ذلك، و الموضوع من العرفيات الشائعة في جميع الأزمنة قديما و حديثا و له أهل خبرة و صنعوا لذلك أجهزة و آلات.

(1) لعدم صدق الغوص بالنسبة إليها، و يكفي الشك في الصدق في عدم جواز التمسك بالأدلة، لكون التمسك بها حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و يقتضيه المتفاهم العرفي في الغوص أيضا، إذ المفهوم منه عرفا ما كان من الجمادات و النباتات أو ما هو برزخ بينهما لا الحيوان المحض.

(2) للإجماع، و لصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام):

«سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ، و الياقوت، و الزبرجد، و عن الذهب و الفضة هل فيهما زكاة؟ فقال (عليه السلام): إذا بلغ قيمته دينار ففيه الخمس» (2).

(3) للأصل، و النص، و الإجماع.

(4) كلّ ذلك لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و أنّ المناط في الخمس ذات ما خرج

ص: 404


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

و يعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن، كما مرّ في المعدن (1) و المخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط (2) و أما لو غاص و شدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه (3). نعم، لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص. لم يجب فيه من هذه الجهة (4)، بل يدخل في أرباح المكاسب، فيعتبر فيه مئونة السنة، و لا يعتبر فيه النصاب.

مسألة 21: المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص

(مسألة 21): المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصا (5) و أما إذا تناول منه و هو غائص أيضا، فيجب عليه (6) إذا لم ينو الغوّاص الحيازة، و إلا فهو له و وجب الخمس عليه.

مسألة 22: إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا

(مسألة 22): إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا، ففي

______________________________

من حيث هو، لا من حيث الإضافة إلى من أخرجه حتى يعتبر النصاب في نصيب كل واحد من المخرجين.

(1) تقدم مستنده فراجع.

(2) منشأ التردد شمول إطلاق الأدلة لكل ما يسمّى غوصا، فيجب فيه الخمس حينئذ، و احتمال الانصراف إلى الغوص المباشري للغواص و لكن الظاهر أنّ الانصراف بدويّ و من باب الغلبة و منشأه عدم وجود الآلات الحديثة في تلك العصور كما كان كذلك في غالب الصنائع.

(3) لصدق الغوص لغة، و عرفا فيشمله الحكم قهرا.

(4) لعدم صدق الغوص عليه بوجه من الوجوه فلا موضوع لوجوب خمس الغوص.

(5) للأصل بعد عدم صدق الغوص بالنسبة إليه.

(6) للجمود على إطلاق الأدلة لو لم نقل بانصرافها إلى مباشرة الاستخراج بنفسه.

ص: 405

وجوب الخمس عليه وجهان، و الأحوط إخراجه (1)

مسألة 23: إذا أخرج بالغوص حيوانا

(مسألة 23): إذا أخرج بالغوص حيوانا، و كان في بطنه شي ء من الجواهر، فإن كان معتادا وجب فيه الخمس (2). و إن كان من باب الاتفاق- بأن يكون بلع شيئا اتفاقا- فالظاهر عدم وجوبه، و إن كان أحوط (3).

مسألة 24: الأنهار العظيمة- كدجلة و النيل و الفرات- حكمها حكم البحر

(مسألة 24): الأنهار العظيمة- كدجلة و النيل و الفرات- حكمها حكم البحر (4) بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر.

______________________________

(1) منشأ التردد: أنّه إن اعتبر في الغوص أن يكون من أول دخوله في البحر بقصد آخر فلا يجب، لعدم القصد و الإرادة هكذا و إن قلنا بكفاية مطلق الاستيلاء على المال بقصد إرادة الغوص. و إن كان حين دخوله في البحر بلا قصد، أو بقصد شي ء آخر، فيجب حينئذ. و يمكن أن يقال: أنّ مقتضى الأصل و الإطلاق هو الأخير، فالأقسام ثلاثة: قصد الغوص حين الدخول في البحر، و قصد العدم، و عدم القصد. و الإطلاقات تشمل الأخيرين أيضا خصوصا مثل ما سئل أبو الحسن موسى (عليه السلام) «عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت» (1) فإنّه علق فيه الحكم على عنوان الإخراج لا الغوص.

(2) لشمول إطلاق الأدلة له مع الاعتياد.

(3) أما عدم الوجوب، فلعدم كونه من الغوص المتعارف، فلا تشمله الأدلة.

و أما الاحتياط، فلاحتمال كون المراد من الغوص مطلق ما يخرج من البحر و لو لم يكن من المتعارف المعهود.

(4) لأنّ ذكر البحر في الأدلة من باب المثال ما يتكوّن فيه مثل اللؤلؤ و الزبرجد و نحوهما، فيشمل الجميع و يكون ذكر البحر من باب الغالب و لا يوجب التقييد.

ص: 406


1- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.
مسألة 25: إذا غرق شي ء في البحر و أعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه

(مسألة 25): إذا غرق شي ء في البحر و أعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه، و لا يلحقه حكم الغوص على الأقوى (1) و إن كان من مثل اللؤلؤ و المرجان، لكن الأحوط إجراء حكمه عليه.

مسألة 26: إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت و نحوهما تحت الماء

(مسألة 26): إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت و نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فلا إشكال في تعلق الخمس به لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان، و الأظهر الثاني (2).

مسألة 27: العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه

(مسألة 27): العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه (3) و إن

______________________________

(1) أما أنّه يملكه الغواص، فللنص، و الإجماع، و السيرة قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «قال عليّ (عليه السلام): إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله و هم أحقّ به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم» (1) و نحوه غيره.

و أما عدم الخمس فيه، فللأصل بعد ظهور الأدلة فيما يتكوّن في البحر لا ما يدخل فيه من الخارج و إن كان أصله مما تكوّن فيه. و أما الاحتياط فلأنّه حسن على كل حال، لاحتمال شمول الإطلاقات كذلك أيضا، و إن كان هذا الاحتمال خلاف الظاهر.

(2) أما أصل وجوب الخمس، فللعلم التفصيليّ بالوجوب و حيث إنّه لا يخمّس المال من وجهين كما يأتي في [مسألة 82] من خمس الأرباح لا بد في ترجيح أحدهما من مرجح و لو عرفا، و العرف و اللغة يساعد على ترجيح الثاني، لأنّ في البحر أيضا معادن يطلق على استخراجها الغوص. نعم، لو جعل في أطرافه ما يمنع عن وصول الماء إليه ثمَّ استخرج لا يكون ذلك من الغوص حينئذ.

(3) لأنّه من الغوص حينئذ، فيشمله إطلاق الأدلة.

ص: 407


1- الوسائل باب: 11 من أبواب اللقطة حديث: 1 و 2.

أخذ على وجه الماء أو الساحل، ففي لحوق حكمه له وجهان، و الأحوط اللحوق (1) و أحوط منه إخراج خمسه و إن لم يبلغ النصاب أيضا (2).

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام

اشارة

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره، فيحل بإخراج خمسه (3) و مصرفه مصرف سائر أقسام

______________________________

(1) وجه الترديد إطلاق صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن العنبر، و غوص اللؤلؤ، فقال (عليه السلام): عليه الخمس» (1) فإنّ إطلاقه يشمل المأخوذ من وجه الماء أيضا، و ما نسبه في الحدائق إلى الأكثر من أنّ ما يؤخذ من وجه الماء ملحق بالمعدن، مع احتمال أن يكون المراد بالعنبر في الصحيح غوصة لا مطلقه.

(2) لما نسب إلى جمع من عدم اعتبار النصاب فيه أصلا، و لكنّه مخدوش بعدم خروجه إما عن المعدن أو الغوص. و أما موضوع العنبر فليس بيانه من شأن الفقيه، بل لا بد و أن يرجع إلى الكتب الموضوعة لبيان مثل ذلك، فراجع مادة عنبر في كتب الطب مثل كتاب القانون و التحفة، و التذكرة، و كتاب الموسوعة العربية الميسرة و نحوها من سائر الكتب المعدّة لبيان مثل العنبر و انه من العطور و الروائح الطيبة.

(3) على المشهور لجملة من الأخبار:

منها: قول الصادق (عليه السلام): «أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني رجل كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) تصدّق بخمس مالك فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال» (2) و نحوه غيره.

و عن عمار بن مروان: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن، و البحر، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز

ص: 408


1- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

الخمس على الأقوى (1). و أما إن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدّق به

______________________________

الخمس» (1).

فما عن جمع من عدم الوجوب، و ما عن صاحب المدارك من إجراء حكم مجهول المالك عليه. طرح لهذه الأخبار بلا وجه. و نعم ما قال في الحدائق: «إنّ طرح هذه النصوص المتكرّرة في الأصول المتفق عليها بين الأصحاب مما لا يجتزئ عليه ذو مسكة» فما في المستند من المناقشة في السند، و الدلالة، و المعارضة بالإطلاقات الدالة على حلية المال المختلط لا وجه له، إذ السند منجبر بعمل الفقهاء العظام مع أنّ من كثرتها و تكرّرها في الأصول يعلم بصدور بعضها من الإمام (عليه السلام) و الدلالة ظاهرة عند المتعارف من الأنام، و الإطلاقات مقيّدة بهذه الأخبار بلا كلام فلا يبقى مورد لمناقشة الأعلام.

(1) لظهور لفظ الخمس الوارد في أخبار المقام في الخمس المعهود في الشريعة فيترتب عليه جميع ماله من الأحكام.

و عن بعض متأخري المتأخرين التشكيك فيه جمودا على ما تقدم من قوله (عليه السلام): «تصدّق بخمس مالك» (2)، فيمكن أن يراد به الكسر المشاع لا الخمس المعهود.

(و فيه): أنّه قد أطلقت الصدقة على الخمس في بعض الأخبار أيضا، فقد كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى ابن مهزيار: «إنّ مواليّ- أسأل اللّه تعالى صلاحهم أو بعضهم- قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم و أزكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا. قال اللّه تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ (3).

ص: 409


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

عنه (1) و الأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط (2) و لو انعكس-

______________________________

ثمَّ إنّ الأقسام المتصوّرة خمسة:

الأول: أن يعلم المقدار و المالك و حكمه واضح و يأتي في ذيل [مسألة 27] حكمه.

الثاني: أن لا يعلما معا، و قد تقدم حكمه.

الثالث: أن يعلم المقدار و يعلم المالك في عدد محصور يأتي حكمه في [مسألة 30].

الرابع: هذه الصورة مع عدم العلم بالمالك أو العلم به في عد غير محصور و يسمّى هذا بمجهول المالك و رد المظالم و قد يطلق رد المظالم على الأعمّ منه أيضا، و يأتي حكمه.

الخامس: علم المالك و جهل المقدار على ما سيأتي حكمه أيضا.

(1) لخبر أبي حمزة فيمن كان في ديوان بني أمية و أصاب من دنياهم مالا كثيرا و أغمض في مطالبه قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت به و أنا أضمن لك على اللّه عزّ و جل الجنة» (1).

و هذا هو المشهور، و ادعي عليه الإجماع. و لا معارضة بينه و بين ما تقدم الدال على وجوب الخمس، لأنّ المتفاهم منها صورة عدم العلم بالمقدار، و أما مع العلم به فلا وجه للتحديد بالخمس، إذا الفطرة تحكم حينئذ بإخراج المقدار المعلوم و لا تحير فيه حتى يحدّده الشارع بحدّ خاص. ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق خبر أبي حمزة عدم الفرق بين المتميز و غيره. فما عن صاحب الحدائق من الاختصاص بالأول و وجوب إخراج الخمس في الأخير لا وجه له.

(2) مقتضى إطلاق خبر أبي حمزة جواز مباشرة من بيده المال للتصدق من دون مراجعة الحاكم كسائر الصدقات. و قد يدّعى خروج هذه الصدقة عن سائر

ص: 410


1- الوسائل باب: 47 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

بأن علم المالك و جهل المقدار- تراضيا بالصلح و نحوه (1)، و إن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان

______________________________

الصدقات، لكونه مال الغير، فلا ولاية لمن بيده المال على التصدق به، و لخبر داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «رجل إنّي أصبت مالا و إنّي قد خفت فيه على نفسي و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه، فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام): لو أصبته كنت دفعته إليه؟ فقال: إي و اللّه، فقال (عليه السلام): فلا و اللّه ماله صاحب غيري. فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره قال: فحلف قال:

فاذهب و قسّمه في إخوانك و لك الأمن مما خفت، قال: فقسّمه بين إخوانه» (1).

(و فيه): أنّ الأول مخالف لظاهر الإطلاق، مع أنّه لو كان حكم هذه الصدقة مخالفا لسائر الصدقات لشاع و بان في هذا الأمر العام البلوى. و قوله (عليه السلام):

«ماله صاحب غيري» يحتمل معنيين الأول: صاحب الأمر و الحكم. الثاني: مالك المال، و الظاهر هو المعنى الأول، لجلالة مقامه (عليه السلام) أن يدعي المالكية لمثل هذه الصدقات و منه يظهر وجه الاحتياط.

(1) لا ريب في جواز الصلح، و إنّما الكلام في تعيينه فقد قيل بوجوب دفع ما علم اشتغال الذمة به. و قيل: بوجوب دفع الخمس. و قيل: بوجوب القرعة.

و يرد الأول: أنّ الكلام في العين الخارجية لا ما يكون في الذمة.

و الثاني: بأنّ مورده الجهل بالمال و المالك معا. و الأخير بأنّ موردها ما إذا لم يكن التخلص بوجه آخر.

ثمَّ الظاهر أنّ المراد بالصلح ما هو المعهود منه، أي الاختياريّ لا القهري فلو امتنع أجبره الحاكم. و المراد بنحو الصلح الهبة، و شرط سقوط الحق في ضمن عقد لازم.

ص: 411


1- الوسائل باب: 7 من أبواب اللقطة حديث: 10.

الأحوط الثاني و الأقوى الأول إذا كان المال في يده (1) و إن علم المالك و المقدار وجب دفعه إليه (2).

مسألة 28: لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها

(مسألة 28): لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه (3).

مسألة 29: لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية- في صورة الجهل بالمقدار أو المالك

(مسألة 29): لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية- في صورة الجهل بالمقدار أو المالك بين أن يعلم إجمالا زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس، و بين صورة عدم العلم و لو إجمالا، ففي صورة العلم الإجماليّ بزيادته عن الخمس أيضا يكفي إخراج الخمس، فإنّه مطهّر للمال تعبدا (4) و إن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعيّ

______________________________

(1) لانحلال العلم الإجمالي المردد بين الأقلّ و الأكثر إلى العلم التفصيليّ بالأقلّ و الشك في الأكثر، فتجري البراءة عنه. بل عن الماتن عدم تنجز العلم الإجمالي في الماليات و إن تردد بين المتباينين فكيف بالأقلّ و الأكثر، مع أنّ اليد أمارة على الملكية إلا في المتيقن خروجه عنها. و أما أنّ الأحوط الثاني، فلحسن الاحتياط مطلقا خصوصا في حقوق الناس.

(2) بضرورة المذهب، بل الدّين.

(3) لإطلاق الدليل الشامل لجميع الصور.

(4) مطهّرية التخميس تعبّدا إنّما تكون فيما هو المتفاهم من الدليل، و هي الجهالة المطلقة المستقرة في مقدار المال و المالك حين الدفع. و أما مع العلم بالزيادة أو النقيصة، فالشك في شمول الدليل لهما يكفي في عدم الشمول، فيكون المرجع قاعدة سلطنة الناس على أموالهم في الصورة الأولى، و قاعدة الاشتغال في الثانية، و لم يثبت إطلاق دليل كفاية التخميس و وروده في مقام البيان من كل جهة حتى يكون حاكما على القاعدتين مع كونهما من القواعد المعتبرة العقلائية. و من ذلك يظهر وجه لزوم الاحتياط بأنّه لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي.

ص: 412

أيضا بما يرتفع به يقين الشغل (1) و إجراء حكم مجهول المالك عليه. و كذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس و أحوط من ذلك المصالحة معه (2)- بعد إخراج الخمس- بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

مسألة 30: إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور

(مسألة 30): إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور، ففي وجوب التخلص من الجميع و لو بإرضائهم بأيّ وجه كان أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوه، أقواها الأخير (3).

و كذا إذا لم يعلم قدر المال و علم صاحبه في عدد محصور، فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ- كما هو الأقوى- أو الأكثر- كما هو الأحوط- يجري فيه الوجوه المذكورة.

______________________________

(1) الاحتياط يحصل بأن يدفع المجموع إلى الحاكم الشرعي بقصد ما عليه في الواقع و لا يحصل الاحتياط بدفع الزيادة خمسا، لما مرّ من الشك في شمول دليل التخميس لهذه الصورة، كما أنّ المصالحة مع الحاكم الشرعيّ إنّما تكون احتياطا في صورة الشك في الزيادة أو النقيصة لا في صورة العلم بأحدهما و تقدم في [مسألة 6] من ختام الزكاة ما ينفع المقام.

(2) يحصل الاحتياط بأن يدفعه إلى الحاكم الشرعي بعنوان ما عليه في الواقع و يصالح معه في مقدار الشك.

(3) أما الأول فلقاعدتي اليد و الاحتياط. (و فيه): أنّ الاحتياط يحصل بأن يضع المقدار المعلوم بين أيديهم و يقول لهم: اعملوا فيه بحسب تكليفكم و وجوب شي ء عليه بأزيد من ذلك مشكوك فتجري البراءة عنه. هذا مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات، و يشهد له قاعدة نفي الضرر أيضا.

و أما الثاني: فلدعوى كونه من مجهول المالك. (و فيه): أنّ المراد به- كما مرّ- الجهل المطلق و من كل جهة لا الجهل في الجملة.

و أما الثالث: فلعموم دليل القرعة لكل أمر مشكل و المقام منه. (و فيه): أنّ

ص: 413

مسألة 31: إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله

(مسألة 31): إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس (1) و حينئذ فإن علم جنسه و مقداره و لم يعلم صاحبه أصلا، أو علم في عدد غير محصور تصدّق به عنه، بإذن الحاكم (2) أو يدفعه إليه. و إن كان

______________________________

موردها ما إذا لم يمكن دفع الإشكال إلا بالقرعة و في المقام يمكن دفعه بغيرها، مع أنّ العمل بها يحتاج إلى الانجبار في خصوص مورد جريانها و لم يعلم عملهم بها في المقام، بل الظاهر العدم.

و أما الأخير: فلأنّه الموافق للعدل و الإنصاف مضافا إلى تساوي احتمال المالكية في الجميع و عدم الترجيح، و قد ورد في نظيره صحيح ابن المغيرة الوارد في الدّرهم و الدّرهمين (1) و لم يقتصر الأصحاب على مورده و تعدّوا عنه إلى غيره أيضا و لكن الأحوط الوجه الأول مع الإمكان. و قد مرّ منه- (رحمه اللّه)- الفتوى بذلك في [مسألة 6 و 7] من مسائل ختام الزكاة فراجع.

و هنا وجه رابع و هو احتساب من بيده المال من الحقوق بإذن الحاكم الشرعيّ إن تحققت سائر الشرائط، كما إذا علم أنّ كل واحد من العدد المحصور عليهم الحقوق المالية و لا يعطونها.

(1) لأنّ مورد وجوب التخميس في المال المختلط المال الخارجي المخلوط بالحرام لا ما كان في الذمة و لا بد و أن يعمل فيه بالقواعد العامة لا الأدلة الخاصة التي وردت في المال المختلط.

(2) لأنّه حينئذ من مجهول المالك، فيجري عليه حكمه كما مرّ. و قد تردد (رحمه اللّه) في لزوم مراجعة الحكم في [مسألة 27] و جزم به هنا مع أنّه لا فارق في البين فمن أين حصلت هذه التفرقة؟!!.

ثمَّ إنّ هذا القسم يسمّى في ألسنة المتشرعة برد المظالم و حكمه حكم مجهول المالك سواء كان موضوعه العين الخارجية أم الذمة.

ص: 414


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الصلح حديث: 1.

في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة و الأقوى هنا أيضا الأخير (1). و إن علم جنسه و لم يعلم مقداره- بأن تردد بين الأقلّ و الأكثر- أخذ بالأقلّ المتيقن (2) و دفعه إلى مالكه إن كان معلوما بعينه، و إن كان معلوما في عدد محصور فحكمه كما ذكر. و إن كان معلوما في غير المحصور أو لم يكن علم إجماليّ أيضا تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم أو يدفعه إليه (3) و إن لم يعلم جنسه و كان قيميّا فحكمه كصورة العلم بالجنس، إذ يرجع إلى القيمة، و يتردد فيها بين الأقلّ و الأكثر (4) و إن كان مثليا ففي وجوب الاحتياط و عدمه وجهان (5).

مسألة 32: الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك

(مسألة 32): الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس، فيجوز له الإخراج و التعيين من غير توقف على إذن الحاكم كما يجوز دفعه من مال آخر و إن كان الحق في العين (6).

مسألة 33: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه

(مسألة 33): لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه (7) كما

______________________________

(1) تقدم أنّ الاحتياط في اختيار الوجه الأول مع الإمكان خصوصا مع التقصير.

(2) لأصالة البراءة عن الأكثر، و ظهور التسالم على عدم وجوبه.

(3) لأنّه من مجهول المالك، فيجري حكمه عليه و هذا هو حكمه كما مرّ.

(4) فيجب الأقلّ للعلم به، و يرجع في الأكثر إلى البراءة للشك فيه.

(5) مقتضى قاعدة نفي الضرر، و ظهور التسالم على عدم وجوب الاحتياط في الماليات هو الثاني.

(6) كل ذلك لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن وجوب مراجعة الحاكم و ثبوت ولاية من بيده المال على إخراج الصدقات الواجبة و المندوبة إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام، و حيث ذهب بعض الفقهاء إلى جريان حكم مجهول المالك على هذا القسم من الخمس، و طريقة الاحتياط مراجعة الحاكم الشرعيّ.

(7) استدل على الضمان تارة: بقاعدة اليد. و أخرى: بمرسل السرائر:

ص: 415

.....

______________________________

«روي أنّه بمنزلة اللقطة». و ثالثة: بعدم الفصل بينه و بين ما إذا كان اليد حين الحدوث عدوانيا. و رابعة: بخبر حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«فيمن أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا- إلى أن قال- فإن أصاب صاحبها ردها عليه- إلى أن قال:- و إلا تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» (1).

و الكل مخدوش: أما الأول فلأنّ المنساق من اليد الموجب للضمان ما كان على المالك لا أن تكون له، إذ لا ريب في انتفاعه بالتصدق بماله سواء كان بمباشرته أم بغيره، و الشك في الصدق يكفي في عدم جواز التمسك كما هو واضح.

و أما الثاني: فإنّ قصور سنده يمنع عن الاعتماد عليه مع احتمال أن يكون مراده خبر حفص.

و أما الثالث: فبعدم ثبوته، و على فرض الثبوت لا اعتبار به إلا إذا رجع إلى الإجماع المعتبر، و مقتضى الأصل عدم تحققه.

و أما الأخير: فبأنّه في الوديعة من اللص و لم يتعدّ الأصحاب من الوديعة إلى غيرها و إن تعدوا من اللص إلى مطلق الغاصب. و لذا اختار جمع عدم الضمان للأصل، و إطلاق ما دلّ على التصدق به مع عموم البلوى و عدم التعرض للضمان لو ظهر المالك، مضافا إلى إذن الشارع في التصدق، فيكون كإذن الوليّ بمال المولّى عليه، مع أنّ الضمان بالتصدق مع إذن الشارع مستنكر عند المتشرعة.

و لكن يمكن المناقشة في الإطلاق، بعدم وروده مورد البيان من هذه الجهة، و في الإذن بأنّه أعمّ من عدم الضمان لو ظهر المالك و لم يرض به، و استنكار المتشرعة- على فرض ثبوته- لا حجية فيه، و لا ريب في أنّ اليد ثابت و الإحسان إلى المالك يرفع الإثم دون الضمان، و الاستيناس من اللقطة للمقام ممكن بلا كلام فلا يترك الاحتياط بالضمان كما اشتهر بين الأعلام.

ص: 416


1- الوسائل باب: 18 من أبواب اللقطة حديث: 1.

هو كذلك في التصدق عن المالك في مجهول المالك، فعليه غرامته له، حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنّه للإمام (عليه السلام) (1).

مسألة 34: لو علم- بعد إخراج الخمس- أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ

(مسألة 34): لو علم- بعد إخراج الخمس- أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ، لا يسترد الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية (2). و هل يجب عليه التصدق بما زاد على الخمس في الصورة الأولى أو لا؟ وجهان أحوطهما الأول، و أقواهما الثاني (3).

مسألة 35: لو كان الحرام المجهول مالكه معيّنا فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس

(مسألة 35): لو كان الحرام المجهول مالكه معيّنا فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزيه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان. و الأقوى الثاني، لأنّه كمعلوم المالك، حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط (4).

______________________________

(1) لما تقدم. فإنّه إن كان الضّمان موافقا للقاعدة فلا فرق فيه بين الحقين، و إن كان مخالفا لها فلا فرق فيه أيضا، فالتفصيل فيهما يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

ثمَّ إنّه لا فرق في عدم الضمان على القول به بين وجود العين و عدمه و يظهر منهم الإجماع عليه. و في الجواهر «يمكن استظهاره من الأخبار» و يمكن أن يستفاد ذلك مما دل على أنّه ما كان للّه فلا يرد- على ما سيأتي.

(2) لإطلاق الأدلة، و ما دل على أنّه لا رجوع في الصدقة.

(3) هذا يصح بناء على كون الخمس مطهّر للمال تعبّدا و قد تقدّمت المناقشة فيه فلا يترك الاحتياط.

(4) يعني: أنّ مصرفه للفقراء و إلا فالصدقات لا تملكها الفقراء إلا بعد القبض إلا في الزكاة على ما نسب إلى المشهور من الشركة العينية الإشاعية للفقراء في متعلق الزكاة مع الأغنياء، و تقدّم ما يصلح لمنعه، فالمال في المقام باق على ملك مالكه الأصليّ، و لا ينتقل إلى الفقير إلا بالتصدق الشرعيّ الصحيح، فيكون من مجهول المالك، و لا إطلاق فيما دل على تطهير المال المختلط بالحرام بإعطاء خمسة حتى

ص: 417

مسألة 36: لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس

(مسألة 36): لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس، وجب عليه- بعد التخميس للتحليل- خمس آخر للمال الحلال الذي فيه (1).

مسألة 37: لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام

(مسألة 37): لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام، فهو كمعلوم المالك على الأقوى (2)، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذ.

مسألة 38: إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس

(مسألة 38): إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط، و إن صار الحرام في ذمته، فلا يجري عليه حكم رد المظالم على

______________________________

يشمل صورة الاختلاط بالاختيار أيضا.

إن قيل: مقتضى إطلاق أدلة المقام الشمول لما إذا حصل الاختلاط بالاختيار أيضا خصوصا مع عدم مبالاة غالب الناس في مثل هذه الأمور. فهذه الأدلة نحو تسهيل و امتنان عليهم.

(يقال): ليس الإطلاق في مقام البيان من هذه الجهة حتى يصح التمسك به، و لكن الحق أنّ خبر السكوني: «أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما»(1) ظهوره في التعميم مما لا ينكر، و لذا ذهب بعض إلى التعميم و هو المناسب للتسهيل و التيسير.

(1) لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب. و ما ورد من أنّه: «لا ثنيا في الصدقة» و نحوه مما يكون مثله إنّما هو فيما إذا كانت من جهة واحدة لا فيما إذا كانت جهات متعدّدة، فلا يشمل المقام. و طريق الاحتياط المصالحة مع الحاكم الشرعي بالنسبة إلى خمس البقية. و يأتي في [مسألة 82] تعدد الخمس فيما إذا جعل الغوص أو المعدن مكسبا. و لعلنا نتعرّض للفرق بين المسألتين هناك.

(2) إذ لا فرق بين كون المالك المعلوم شخصيا أو نوعيا.

ص: 418


1- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

الأقوى (1) و حينئذ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمته بمقدار خمسه، و إن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان، الأحوط الأول، و الأقوى الثاني (2).

مسألة 39: إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه

(مسألة 39): إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه، كما إذا باعه مثلا فيجوز لوليّ الخمس الرجوع عليه كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه و يجوز للحاكم أن يمضي معاملته، فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة. و أما إذا باعه بأقلّ من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة. نعم، لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس (3).

______________________________

(1) لإطلاق ما دل على تخميس المال المختلط، و استصحاب بقاء وجوبه، و طريق الاحتياط أن يدفعه إلى الحاكم الشرعيّ بعنوان ما عليه في الواقع.

(2) لأصالة البراءة عن المشكوك و إن كان الاحتياط حسنا مطلقا.

(3) كل ذلك بناء على أنّ هذا القسم من الخمس كسائر أقسامه من التعلق بالعين، و كون خمس المال مورد حق الإمام (عليه السلام) و السادة و هذا هو الظاهر من إطلاق الأدلة و الكلمات. و يأتي في [مسألة 75] ما ينفع المقام. و مع شمول تلك الأدلة، فلا وجه لجريان أصالة بقاء المال على ملك مالكه و عدم خروجه عنه كما عن بعض الأعلام، فلا فرق بين هذا الخمس و سائر الأقسام فيما لها من العوارض و الأحكام.

ثمَّ إنّه يجوز في هذا القسم من الخمس أن يقصد الإعطاء عن نفسه، لأنّه المخاطب بذلك، و لكن الأحوط أن يقصد الواقع أعمّ من نفسه و من صاحب المال.

فروع في مجهول المالك:

(الأول) يجوز دفع مجهول المالك إلى الحاكم الشرعي، للأصل، و الإطلاق.

بل هو الأحوط، لاحتمال اختصاصه به.

(الثاني): لو ادعاه مدع لا يعطى له إلا مع الاطمئنان بصدقه، لأصالة عدم

ص: 419

.....

______________________________

حجية قوله.

(الثالث): لو أعطاه ثمَّ تبيّن الخلاف يكون ضامنا، لقاعدة الاشتغال.

(الرابع): التصدق به بعد اليأس فوريّ، لأصالة الفورية في أداء الحقوق إلا ما خرج بالدليل.

(الخامس): لو علم المالك في عدد غير محصور، فالأحوط إرضاء الجميع مع الإمكان، للعمل بقاعدة الاشتغال مهما أمكن، و إلا فيجري عليه حكم مجهول المالك كما تقدم.

(السادس): يجوز بيع مجهول المالك و التصدق بثمنه بعد مراجعة الحاكم الشرعي، لولاية الحاكم الشرعي على هذه الأمور من باب الحسبة.

(السابع): إن كان المتصدّق و المالك من غير بني هاشم يجوز إعطاؤه لهم حتى بناء على حرمة مطلق الصدقة الواجبة عليهم، لأنّها مندوبة بالنسبة إلى المالك و هو الأصل في التصدق و إن كانت واجبة بالنسبة إلى المتصدق. و تقدم جواز أخذ الهاشميّ للصدقة المندوبة.

(الثامن): يجوز إبقاء مجهول المالك و التصدق بمنفعته بعد مراجعة الحاكم الشرعيّ، لما مرّ من ولايته على هذه الأمور.

(التاسع): مصرف هذه الصدقة كمصرف سائر الصدقات، لما تقدم من الإطلاقات، فيجوز صرفها في سبيل اللّه أيضا.

(العاشر): يعتبر قصد التصدق عن المالك، لما تقدم من ظاهر الأدلة.

(الحادي عشر): لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق ضمن بلا فرق بين العين و الدّين، لما مرّ من قاعدة الاشتغال.

(الثاني عشر): لو مات المالك يقوم وارثه مقامه في رد التصدق و إمضائه لإطلاقات أدلة الإرث.

(الثالث عشر): لو مات المتصدّق ورد المالك يخرج من تركته كما في جميع موجبات الضمان الحاصلة في حال الحيوة.

(الرابع عشر): لو ظهر أنّ المالك من القصر يشكل لوليهم إمضاء التصدق

ص: 420

.....

______________________________

إلا مع المصلحة و حينئذ يصح، لإطلاق دليل ولايته.

(الخامس عشر): لو توقف التصدق على صرف مال لا يجب ذلك، للأصل إلا أن يقال بالوجوب من جهة المقدمية.

(السادس عشر): لو كان من بيده المال فقيرا يجوز أخذه له بإذن الحاكم الشرعي، لإطلاق ما دل على أنّه للفقراء.

(السابع عشر): لا فرق في المجهول المالك بين الجهل به أصلا، أو العلم به و تعذر الإيصال إليه، لشمول إطلاق دليله له أيضا.

(الثامن عشر): لا فرق بين كون المالك مجهولا من الأول، أو كونه معلوما أولا ثمَّ صار مجهولا، تمسكا بالإطلاق و ظهور الاتفاق.

(التاسع عشر): النماء تابع للعين، فيجب التصدق به أيضا، لقاعدة «تبعية النماء للملك» و حيث إنّ الأصل للفقراء يكون النماء أيضا كذلك.

(العشرون): لو تلف المال يضمن من بيده المال مع التعدّي أو التفريط و لا ضمان مع عدمهما، أما الأول فلقاعدة اليد. و أما الثاني، فلقاعدة عدم ضمان الأمين.

(الحادي و العشرون): لو مات و عنده من مجهول المالك شي ء وجبت الوصية به، لما مرّ في أحكام الاحتضار من وجوبها.

(الثاني و العشرون): لو اتجر بمجهول المالك فإن كان بإذن الحاكم الشرعي يصح و يكون الربح تابعا للعين و إلا بطل أصل البيع إلا إذا أجازه الحاكم الشرعي.

(الثالث و العشرون): لو كانت ذمة المالك مشغولة ببعض الصدقات الواجبة هل تفرغ بالتصدق عنه بماله أو لا وجهان؟ لا يبعد الأول، لفرض أنّه منه.

(الرابع و العشرون): لو تردد شي ء عنده بين كونه من ماله أو من مجهول المالك، فمقتضى ظاهر اليد كونه له.

(الخامس و العشرون): لو تصرّف في مال مدّة معينة بعنوان كونه له، فبان أنّه مجهول المالك يضمن المنافع الفائتة، لقاعدة الإتلاف و اليد.

(السادس و العشرون): لا فرق في مجهول المالك بين كون المالك شيعيا أو غيره من محترم المال، لإطلاق الأدلة الشاملة للجميع.

ص: 421

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم

اشارة

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم (1) سواء كانت أرض مزرع، أو مسكن، أو دكان، أو خان، أو غيرها (2) فيجب فيها الخمس و مصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصح (3)، و في وجوبه في المنتقلة إليه

______________________________

(السابع و العشرون): وجوب التصدق بمجهول المالك تكليفيّ محض لا أن يكون مثل الزكاة من تعلق حق من الفقراء بالمال أيضا، للأصل و إن احتمل تعلق حقهم به أيضا.

(الثامن و العشرون): لا فرق في مجهول المالك بين كون التسلط على المال بالاختيار- كالمعاملات الباطلة- أو بغير الاختيار، لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(التاسع و العشرون): لو كان مجهول المالك حيوانا ينفق عليه بقصد الرجوع إلى المالك لو وجد، أو إلى وليّ الفقير لو تصدق به و يأتي التفصيل في اللقطة.

(الثلاثون): لا يجوز للفقير أخذ المال الذي يعلم أنّه مجهول المالك إلا بإذن الحاكم الشرعي، لأنّه لا ولاية للفقير على ذلك لا في المقام و لا في الزكاة، كما مرّ.

(1) نصّا و إجماعا قال أبو جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «أيّما ذميّ اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس» (1)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «الذميّ إذا اشترى من مسلم أرضا فعليه فيها الخمس» (2).

و المناقشة بقصور السند و احتمال التقية عن مالك و عدم التعرض له بين القدماء (مدفوعة) بأنّ السند معتبر، و مجرّد احتمال التقية لا يضرّ خصوصا عن مالك في زمان الصادقين إذ لم يكن مذهبه شائعا بحيث يصلح للاتقاء منه. و أما عدم التعرض بين القدماء فلا ريب في أنّه أعمّ من عدم الوجوب.

(2) لظهور الإطلاق الشامل للجميع، و احتمال الانصراف إلى الأرض الخالية بدوي لا يعتنى به.

(3) لانسباق ذلك من الأدلة، و احتمال أن يكون المراد به تضعيف العشر يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

ص: 422


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال (1) فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة (2)، و إن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوّة (3)، و إنّما يتعلق الخمس برقبة الأرض دون البناء و الأشجار و النخيل إذا كانت فيه (4) و يتخيّر الذميّ بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها (5) و مع دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذه و بين إجارته (6) و ليس له قلع الغرس و البناء بل عليه إبقاؤهما بالأجرة (7) و إن أراد الذميّ دفع

______________________________

(1) من الاقتصار على خصوص الشراء الوارد في النصوص في هذا الحكم المخالف للأصل. و من احتمال أنّ ذكر لفظ الشراء فيها من باب الغالب و المثال لكل نقل و انتقال لا لخصوصية فيه.

(2) فيحل لأرباب الخمس حينئذ قطعا إما لثبوته واقعا، أو من جهة اشتراطه في عقد المعاوضة.

(3) لأنّ فهم الخصوصية للشراء من حيث هو بعيد عن الأذهان العرفية و الأدلة الشرعية المنزلة عليها.

(4) لخروج ذلك كلّه عن مفهوم الأرض عرفا و لا ينافي ذلك صدقها على المجموع أيضا، كما يصدق البيت على المفروش بالفرش و الخالي منه، و لكن لو ثبت حكم البيت لا يشمل الفرش قطعا.

(5) لأنّ هذا من أحكام مطلق الخمس و يأتي تفصيله في [مسألة 75].

(6) لعدم دليل على إلزامه بدفع العين بالخصوص، بل مقتضى الأصل و ظهور الإجماع عدمه، فيتخيّر وليّ الخمس في أخذ القيمة منه بأيّ نحو رأى فيه الصلاح.

و ما يتوهم من أنّ الإيجار يصرف في متعلق حق السادة فقط و يتوقف على الإذن (مدفوع): بأنّه بعد فرض وقوع الإجارة من الحاكم الشرعيّ لا وجه لهذا التوهم لكونه وليا لهم.

(7) جمعا بين الحقّين و دفعا للضرر من البين و إظهارا لعدل الإسلام بين الأنام.

ص: 423

القيمة، و كانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوم مشغولة بها مع الأجرة فيؤخذ منه خمسها (1) و لا نصاب في هذا القسم من الخمس (2) و لا يعتبر فيه نية القربة حين الأخذ حتّى من الحاكم، بل و لا حين الدفع إلى السادة (3).

مسألة 40: لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعا للآثار

(مسألة 40): لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعا للآثار ثبت فيها الحكم، لأنّها للمسلمين، فإذا اشتراها الذميّ وجب عليه الخمس و إن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع (4) و أنّ المبيع هو الآثار، و يثبت في الأرض حق الاختصاص للمشتري. و أما إذا قلنا بدخولها فيه فواضح، كما أنّه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها، فإنّهم مالكون لرقبتها و يجوز لهم بيعها (5).

مسألة 41: لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة

(مسألة 41): لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكية الذميّ بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر، كما لو

______________________________

(1) لتعلق حق أرباب الخمس بالشاغل من حيث كونه شاغلا للأرض التي تعلق بها حقّهم، و المفروض أنّ الشاغل فيما يوجب التفاوت في المالية، و لا فرق فيه بين كون الخمس من الشركة العينية، أو نحو حق متعلق بالعين، لصحة دفع الأجرة بإزاء كلّ ما كان فيه غرض صحيح عقلائي و لو كان حقّا قائما بالعين، للعمومات و الإطلاقات و لكن الاحتياط مع ذلك في التصالح و التراضي.

(2) لظهور إطلاق الأدلة في ذلك و اتفاق الفقهاء عليه.

(3) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و لكن الأحوط اعتبار النية من الحاكم.

(4) مقتضى الأصل عدم الوجوب حينئذ بعد ظهور الأدلة في بيع الأرض إلا أن يقال: إنّ المراد مطلق استيلاء الذميّ على الأرض و لو تبعا و بنحو حق الاختصاص و هو مشكل، و الأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في البيع.

(5) لما تقدم في خمس الغنائم من عدم الفرق بين المنقولة منها و غير المنقولة، و يظهر منهم التسالم على ملكية أرباب الخمس لما يأخذونه بعنوان الخمس.

ص: 424

باعها منه بعد الشراء أو مات و انتقلت إلى وارثه المسلم، أو ردها إلى البائع بإقالة أو غيرها، فلا يسقط الخمس بذلك، بل الظاهر ثبوته أيضا لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره (1).

مسألة 42: إذا اشترى الذميّ الأرض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس لم يصح

(مسألة 42): إذا اشترى الذميّ الأرض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس لم يصح، و كذا لو اشترط كون الخمس على البائع. نعم، لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه (2).

مسألة 43: إذا اشتراها من مسلم، ثمَّ باعها منه

(مسألة 43): إذا اشتراها من مسلم، ثمَّ باعها منه أو من مسلم آخر ثمَّ اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان، خمس الأصل للشراء أولا، و خمس أربعة أخماس للشراء ثانيا (3).

مسألة 44: إذا اشترى الأرض من المسلم ثمَّ أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس

(مسألة 44): إذا اشترى الأرض من المسلم ثمَّ أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس (4). نعم، لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه على

______________________________

(1) كل ذلك للإطلاق و الأصل الشامل لجميع هذه الصور. و أما ما يأتي في آخر كتاب الخمس- من أنّه إذا انتقل إلى الشخص ما فيه الخمس ممن لا يعتقده- كالكافر- لا يجب عليه تخميسه- فلا ربط له بالمقام، لأنّه في الخمس العام لجميع الأنام لا ما هو مختص بطائفة خاصة مخصوصة تشديدا عليهم. نعم، دعوى انصراف الأدلة إلى البيع المستقر، له وجه إن لم يكن بدويا و طريق الاحتياط الاسترضاء.

(2) أما عدم صحة الأول، فلأنّه شرط مخالف للسنة، و كذا الثاني إن كان المراد به توجيه خطاب الخمس بالنسبة إلى البائع. و أما صحة الأخير، فلأصالة الإباحة بعد عدم دليل المنع.

(3) لتعدد السبب المقتضي لتعدد المسبّب، فيشمله إطلاق الدليل لا محالة و لا فرق فيه بين كون الخمس بنحو الشركة العينية أو من مجرّد الحق.

(4) للإطلاق، و الأصل بعد كون الإسلام من تغير الحالة عرفا لا من تبدل الموضوع و لا يجري في المقام حديث الجب، لعدم جريانه في الديون، مع أنّ المنساق

ص: 425

القبض، فأسلم بعد العقد و قبل القبض سقط عنه، لعدم تمامية ملكه في حال الكفر.

مسألة 45: لو تملك ذميّ من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض

(مسألة 45): لو تملك ذميّ من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض، ففي ثبوت الخمس وجهان، أقواهما الثبوت (1).

مسألة 46: الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذميّ أن يبيعها بعد الشراء من مسلم

(مسألة 46): الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذميّ أن يبيعها بعد الشراء من مسلم (2).

مسألة 47: إذا اشترى المسلم من الذميّ أرضا ثمَّ فسخ

(مسألة 47): إذا اشترى المسلم من الذميّ أرضا ثمَّ فسخ بإقالة أو بخيار، ففي ثبوت الخمس وجه (3) لكن الأوجه خلافه، حيث إنّ الفسخ ليس معاوضة (4).

مسألة 48: من بحكم المسلم بحكم المسلم

(مسألة 48): من بحكم المسلم (5) بحكم المسلم (6).

مسألة 49: إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذميّ عليه

(مسألة 49): إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذميّ عليه وجب

______________________________

منه التكاليف العامة لا الخاصة، مضافا إلى أنّ الشك في جريانه يكفي في عدم جريانه، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(1) جمودا على الإطلاق، و التملك المشروط بالقبض- كالهبة المعوّضة- و وجه عدم الثبوت، الأصل بعد دعوى انصراف الإطلاق عن مثله لو لم يكن بدويا.

(2) للأصل، و الإطلاق بعد صحة الشرط و يأتي في كتاب البيع- إن شاء اللّه تعالى- ما يتعلق بصحة شرط بيع المبيع من البائع عند شرائه منه.

(3) و هو أن يكون المراد بالشراء المذكور في الأدلة مطلق استيلاء الذميّ على الأرض بأيّ وجه اتفق لا خصوص المعاوضات و لكنّه مشكل في هذا الحكم المخالف للأصل.

(4) و على فرض كونه معاوضة فدعوى الانصراف عنه قريب جدّا.

(5) كصبيان المسلمين و مجانينهم إذا اشترى الذميّ أرضهم ممن يلي أمرهم.

(6) للإطلاق الشامل لهم أيضا.

ص: 426

عليه خمس ذلك الخمس الذي اشتراه و هكذا (1).

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته، و مئونة عياله

اشارة

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته، و مئونة عياله (2) من أرباح التجارات و من سائر التكسبات- من الصناعات، و الزراعات، و الإجارات- حتّى الخياطة، و الكتابة، و النجارة، و الصيد، و حيازة المباحات، و أجرة العبادات الاستيجارية من الحج و الصوم و الصلاة، و الزيارات، و تعليم الأطفال و غير ذلك من الأعمال التي لها أجرة بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة و إن لم تحصل بالاكتساب، كالهبة، و الهدية، و الجائزة، و المال الموصى به، و نحوها. بل لا

______________________________

(1) لشمول إطلاق الدليل لهذه الصورة أيضا بلا فرق بين كون الخمس من الشركة العينية، أو من الحق و وقع البيع باعتبار متعلقه لا نفس الحق و إلا فيشكل البيع، لاعتبار كون المبيع عينا خارجيا أو ذميا، كما يأتي في كتاب البيع إن شاء اللّه تعالى.

(2) البحث في هذا القسم من الخمس من جهات:

الأولى: في أصل تشريعه كسائر الأقسام، و يدل عليه مضافا إلى أخبار مستفيضة، بل متواترة- تأتي جملة منها- استقرار المذهب عليه قديما و حديثا، و السيرة المستمرة في جميع الأمصار و العصور بين الإمامية من زمن الأئمة و اهتمامهم (عليهم السلام) على أخذه و جعلهم الوكلاء لذلك، و إنكارهم (عليهم السلام) أشدّ الإنكار على من يمنعه عنهم. و لم ينسب الخلاف إلا إلى ابني جنيد و عقيل و هما مع كونهما مسبوقين بالإجماع على خلافهما و ملحوقين به. لم يستظهر من عبارتهما الخلاف في هذه الجهة بل في الجهة الثانية التي يأتي التعرض لها.

فمن الأخبار موثق سماعة قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال (عليه السلام): «في كل ما أفاده الناس من قليل أو كثير»(1).

و صحيح ابن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام): «ما الذي

ص: 427


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

.....

______________________________

يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، و في ثمن سمك، و بردي، و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (عليه السلام) يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى» (1).

و صحاح أربع لابن مهزيار المتقاربة المفاد (2) عن الأشعري قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب، و على الضياع، و كيف ذلك؟

فكتب بخطه (عليه السلام) الخمس بعد المؤنة» (3).

و تأتي جملة أخرى منها في المسائل الآتية، فلا تقصر مثل هذه الأخبار عن أخبار تشريع سائر الأحكام لو لم تكن أقوى منها.

الجهة الثانية: في التحليل و العفو عنه بعد ثبوت أصل التشريع و استدل عليه بجملة من الأخبار:

منها: صحيح النصري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له إنّ لنا أموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت أنّ لك فيها حقا، قال (عليه السلام):

فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي فهو في حلّ مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب» (4).

و منها: صحيح الفضلاء قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل» (5).

و منها: خبر الكناسي: «أ تدري من أين يدخل على الناس الزنا؟ فقلت لا أدري؟ فقال (عليه السلام): من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلل لهم و لميلادهم» (6).

ص: 428


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 9.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 1.
6- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 3.

.....

______________________________

و منها: خبر مؤذن بني عيسى- الوارد في تفسير الغنيمة- «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم إلا أنّ أبي جعل شيعتنا في حلّ من ذلك ليزكوا» (1).

و منها: خبر ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيمة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و تزكو أولادهم» (2).

و منها: خبر مسمع عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) حيث جاء بثمانين ألف درهم خمس الغوص إليه (عليه السلام) فقال (عليه السلام): «قد طيبناه لك و حللناك منه، فضم إليك مالك و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» (3).

و في التوقيع الشريف: «و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

و فيها- أولا: أنّها خلاف المشهور، بل المجمع عليه عند الفقهاء.

و ثانيا: أنّها خلاف سيرة الشيعة- رفع اللّه شأنهم- في جميع العصور و الأمصار.

و ثالثا: أنّها خلاف سيرة المعصومين في زمان حياتهم و ظهورهم من اهتمامهم بجمع الخمس و التشديد فيه، و جعل الوكلاء في الأطراف.

و رابعا: أنّها موافقة للعامة.

و خامسا: أنّها معارضة بالأخبار المعتبرة المعمول بها عند الطائفة.

و سادسا: أنّها مجملة من حيث التحليل هل أنّه واقعيّ أو ظاهريّ، و على الثاني هل هو لأجل عدم تمكن المبيح من أخذ ماله، أو عدم تمكن المباح له من الإيصال إليه أو هما معا، و المعلوم بحسب القرائن هو الأخير، فلا يستفاد منها على فرض الإغماض عما تقدم إلا الإباحة العذرية ما دام العذر، مع أنّه يحتمل أن يراد بالتحليل

ص: 429


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 5.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 4.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 1.

.....

______________________________

تحليل التأخير و عدم التعجيل في الأداء لمصالح في ذلك، أو تحليل الصرف في المصارف الشرعية مباشرة من نفس الملاك و عدم الرجوع فيه إلى الإمام (عليه السلام) مطلقا لمفاسد كثيرة في المراجعة إليه (عليه السلام) و لو بالاستيذان منه في كل واقعة كما لا تخفى تلك المفاسد على من راجع تواريخ الفريقين و تأمل فيها، حيث يجد أنّ عمدة السبب للبغضاء بين العلويين و غيرهم إنّما هو جباية الأموال إليهم، و لا بد للإمام (عليه السلام) أن يدفع ذلك عن نفسه بما يرى فيه حفظا لنفسه و من يتبعه من شيعته.

و بالجملة: التحليل بأيّ وجه لوحظ تحليل وقتيّ خاص لمصلحة تقديم الأهمّ على المهمّ.

و سابعا: أنّ المحلل من الخمس يحتمل أن يكون ما يصل إلى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس، أو من الأنفال، فلا ربط لها حينئذ بالمقام.

و ثامنا: أنّ من التعليل بقولهم (عليهم السلام)- كما تقدم-: «لتطيب ولادتهم و تزكو أولادهم»(1) يستفاد أنّ المراد تحليل الجواري المغنومة دون مطلق خمس الفوائد.

و تاسعا: يمكن حمل بعضها على وقوع الشيعة في الحرج من إعطاء الخمس بقرينة قوله (عليه السلام): «من أعوزه شي ء من حقي فهو في حل» (2).

و عاشرا: إنّ مثل قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «لا يحل مال إلا من وجه أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا على ديننا، و على عيالنا، و على موالينا و ما نبذله و نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا و لا تحرموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم- الحديث-» (3)غير قابل للتخصيص و التقييد بمثل هذه الأخبار المجملة المعرض عنها، مع أنّ عمدة الخمس من الفوائد، لاستيلاء الجور على المعادن و غيرها، فلو كانت محللة للملاك لاختلت أمور الذرية الطيبة مع حرمة الزكاة

ص: 430


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 2.

يخلو عن قوّة (1).

نعم، لا خمس في الميراث، إلا في الذي ملكه من حيث لا يحتسب، فلا يترك الاحتياط فيه، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالما به فمات،

______________________________

عليهم، فلا ينبغي لمن له أدنى درجة من الفقاهة أن يحتمل أنّ أخبار التحليل وردت لبيان حكم اللّه الواقعي.

ثمَّ إنّ أخبار التحليل أقسام:

الأول: بالنسبة إلى الأراضي. الثاني: بالنسبة إلى الغنائم. الثالث: بالنسبة إلى ما يشتري ممن لا يعتقد الخمس. الرابع: بالنسبة إلى المناكح و هي كثيرة في الأبواب المتفرقة. الخامس: بالنسبة إلى من لم يتمكن من الإيصال لموانع يعرفها الإمام (عليه السلام) و ربما لا يعرفها غيره.

و لا ربط للجميع بالتحليل المطلق الأبدي، إذ الأول: من الأنفال، و هي للإمام (عليه السلام) له أن يحلل ماله إن شاء و أراد و الثاني: كذلك أيضا إن وقعت الحرب بغير إذنه، و الثالث: صحيح لا خلاف فيه نصّا و فتوى، و الرابع: يمكن حملها على الجواري المغنومة، و الأخير: تحليل وقتيّ جهتيّ لا مطلقا.

نعم، بعض الأخبار- كما تقدم- مطلق و لا بد من حمله على بعض المحامل جمعا و إجماعا.

الجهة الثالثة: في تعميمه لكل فائدة و عدم الاختصاص بخصوص أرباح التجارات و يأتي التعرض لها قريبا إن شاء اللّه تعالى.

الجهة الرابعة: في اعتبار الزيادة عن مئونة السنة و يأتي التعرض لها في [مسألة 61].

(1) لجملة من الأخبار:

منها: موثق سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخمس، فقال (عليه السلام): في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (1).

ص: 431


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

.....

______________________________

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة في كل عام- إلى أن قال (عليه السلام)- و الغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لا خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن» (1).

و تقييد الجائزة بالتي لها خطر لأجل أنّها التي تفضل عن مئونة السنة غالبا.

و في خبر مؤذن بني عيسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في تفسير الغنيمة:

«هي و اللّه يوما بيوم» (2).

و في صحيح ابن مهزيار عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفاد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟

فكتب بخطه الخمس بعد المؤنة» (3).

و في صحيح عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب»(4).

إلى غير ذلك مما يشتمل على التعبير بالفائدة و الاستفادة و نحوهما مما تكون ظاهرة، بل ناصّة في التعميم هذا.

و لكن أشكل عليها تارة بمخالفتها للأصل. و أخرى: بانصرافها إلى خصوص الكسب الحاصل بالاختيار. و ثالثة: بوهنها بإعراض المشهور. و رابعة:

بمنافاتها لما دل على حصر الخمس في خمسة أو أربعة. و خامسة: بأنّه لو كان ذلك واجبا لشاع و بان. و سادسة: بأنّه مناف للتسهيل و الامتنان على الشيعة.

و الكل باطل مردود:

أما الأول: لأنّه لا وجه للتمسك بالأصل في مقابل ظاهر الدليل و إطلاقه.

ص: 432


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.
2- تقدم ما يدل على ذلك في الأبحاث الماضية.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8.

.....

______________________________

و أما الثاني: فلأن الانصراف على فرضه بدوي غالبي و في مثله لا اعتبار به.

و أما الثالث: فلأنّه لم تثبت الشهرة على الخلاف مع اختلاف تعبيراتهم كما يأتي و على فرض الثبوت، فالشهرة اجتهادية لا لأجل أنّه وصل إلى المشهور ما لم يصل إلينا.

و أما الرابع: فلأنّ الحصر إضافيّ لا أن يكون حقيقيا.

و أما الخامس: فلأنّ خمس الفوائد كان مخالفا للعامة، فلعل عدم الشيوع كان من هذه الجهة أو جهات أخرى.

و أما السادس: فلأنّ تشريع كل تكليف مناف للتسهيل في الجملة خصوصا في الماليات إذا لوحظت الجهات الجزئية. و أما إذا لوحظت المصالح الواقعية، فهو عين الامتنان و التسهيل. هذا ما يتعلق بالأخبار.

و أما كلمات الفقهاء فهي مختلفة فاقتصر بعضهم على أرباح التجارات و بعضهم على المكاسب، و عبّر بعضهم بحاصل أنواع التكسبات من التجارة و الصناعة، و الزراعة، و عبّر بعضهم بأرباح التجارات و الغلات و الثمار إلى غير ذلك من نظائر هذه التعبيرات، و الظاهر منها أنّها بلحاظ الغالب، بقرينة دعوى الإجماع على تعلقه بكل مستفاد، و تعبير صاحب السرائر بسائر الاستفادات، و الأرباح، و المكاسب، و الزراعات. و تعبير النهاية بما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات و الزراعات و غير ذلك، و تعبير الغنية بكل مستفاد، فيستظهر من المجموع أنّ الاقتصار من باب الغالب و المثال لا الخصوصية. و قال في الجواهر: «بعد أن استظهر تعلقه بكل استفادة تدخل في مسمّى الاكتساب، لكن قد يدفع بظهور جملة من عبارات الأصحاب كالسرائر، و الغنية، و النهاية التي بعضها معقد الإجماع فيما هو الأعمّ من الاكتساب عرفا».

ص: 433

و كان هو الوارث له (1). و كذا لا يترك في حاصل الوقف الخاص، بل و كذا في النذر (2)، و الأحوط استحبابا ثبوته في عوض الخلع، و المهر، و مطلق الميراث حتى المحتسب منه (3) و نحو ذلك (4).

______________________________

(1) أما عدم الخمس في مطلق الميراث، فللسيرة، و ما تقدم من صحيح ابن مهزيار الذي فرّق بين الذي يحتسب و بين غيره (1). و أما الوجوب في الميراث من حيث لا يحتسب، فلتصريح الصحيح بذلك فيه. و أما عدم الجزم بالفتوى فلاحتمال إعراض المشهور عنه، و قد مرّ الجواب عنه.

و أما التقييد بكون المورث في بلد آخر، فيمكن حمله على الغالب و إلا فلا دليل عليه أصلا، إذ المناط على صدق عدم الاحتساب سواء كان في بلد الوارث أو في غيره، و سواء كان المورث بعيدا أم قريبا، و حيث إنّ عدم الاحتساب يكون غالبا فيما إذا كان المورث بعيدا و في غير بلد الوارث ذكروا ذلك.

(2) أما أصل وجوب الخمس فيها، فلصدق الفائدة، و أما الترديد في الفتوى، فلاحتمال إعراض المشهور، كما مرّ، و تقدم الجواب عنه، و كذا يجب في حاصل الوقف العام بعد القبض، و لا فرق في حاصل الوقف بين كون نفس النماء له أو إعطاء متولّي الوقف من جهة كونه مصرفا له. و كذا لا فرق في المنذور بين نذر الفعل و النتيجة بناء على صحته.

(3) يظهر من نجاة العباد صدقها على عوض الخلع و المهر. و عن أبي الصلاح الوجوب في مطلق الميراث، لصدق الفائدة. و منشأ عدم الوجوب التشكيك في صدق الفائدة ثمَّ التشكيك في وجوبه في كل فائدة، فيكون المرجع أصالة البراءة، و لكن لا يبعد صدق الفائدة، لأنّها كل ما يستفيده الإنسان مطلقا و لم يحدّ بحدّ و قيد، فيصح أن يقال: استفاد الشخص مهرا أو ميراثا أو نحو ذلك. و لا يخفى أنّ هذا النزاع صغرويّ بينهم. و من ذلك يظهر وجه الاحتياط.

(4) كديات الأطراف، و أرش الجنايات.

ص: 434


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.
مسألة 50: إذا علم أنّ مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه

(مسألة 50): إذا علم أنّ مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه، سواء كانت العين، التي تعلق بها الخمس موجودة فيها أو كان الموجود عوضها. بل لو علم باشتغال ذمته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الدّيون (1).

مسألة 51: لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة

(مسألة 51): لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة (2) أو الصدقة

______________________________

(1) للإطلاق، و الاتفاق، و أصالة اشتغال الذمة إن كان التلف على وجه الضمان، و قد مرّ في [مسألة 5] من مسائل ختام الزكاة بعض الكلام، و يأتي في [مسألة 105] من الحج، و [مسألة 1] من (فصل الوصية بالحج) ما يناسب المقام.

(2) استدل على عدم الوجوب فيهما تارة: بالأصل. و أخرى: بعدم صدق الفائدة. و ثالثة: بانصرافها عنهما. و رابعة: بأنّهما ملك للسادة و الفقراء كملكية الدّين للدائن. و خامسة: بخبر عبد ربه قال: «سرح الرضا (عليه السلام) بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي هل عليّ فيما سرحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس» (1). و سادسة: بقوله (عليه السلام): «لا ثنيا في الصدقة» و الكل مردود:

أما الأول: فلأنّه لا وجه له مع إطلاق الدليل.

و أما الثاني: فلصحة صدق الفائدة عليهما في المحاورة، و عدم صحة سلبها عنهما، فيقال: استفاد فلان خمسا أو زكاة بخلاف فلان فإنّه لم يستفد منهما شيئا.

و أما الثالث: فلمنع الانصراف، و على فرضه فهو بدوي.

و أما الرابع: فلمنع الملكية أولا بل هما نحو حق لهما. و ثانيا: إنّ هذه الملكية النوعية لا تنافي صدق الفائدة الشخصية.

و أما الخامس: ففيه مضافا إلى قصور سنده قصور دلالته أيضا، لأنّ ظاهره

ص: 435


1- الوسائل باب: 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

المندوبة (1) و إن زاد على مئونة السنة. نعم، لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب، كسائر النماءات (2).

مسألة 52: إذا اشترى شيئا ثمَّ علم أنّ البائع لم يؤد خمسه

(مسألة 52): إذا اشترى شيئا ثمَّ علم أنّ البائع لم يؤد خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضوليا (3) فإن أمضاه الحاكم رجع عليه بالثمن،

______________________________

الفرق بين كون الصلة من صاحب الخمس و بين كونه من غيره و لا عامل به كما في الجواهر، مع أنّه في الصلة و لا ربط له بالمقام، مضافا إلى أنّ المراد بصاحب الخمس من له الولاية عليه، فيصح له أن يبيح تمامه للطرف لمكان ولايته.

و أما الأخير: فهو في الزكاة أولا، و في مقام نفي تشريع صدقتين في شي ء واحد من جهة واحدة لا فيما إذا تعدّدت الجهة كما في الدّين مثلا، فإنّه يجب فيه الخمس على المديون مع الزيادة عن مئونة السنة، و يجب على الدائن أيضا إن أخذ دينه و زاد عن مئونة سنته بناء على وجوب الخمس في كل فائدة، و صدق الفائدة على الدّين بالنسبة إلى المديون و الدائن إذا أخذه.

و بالجملة: لا فرق بين الصدقات الواجبة و بين الهبة، و الهدية، و الوقف الخاص، و منذور التصدق به، و لعل عدم تعرض المتقدّمين (رحمهم اللّه) لأجل عدم الزيادة فيهما في تلك العصور عن مئونة السنة بل كانوا يتنزهون عنهما مهما أمكن في الأزمنة القديمة و قد أدركنا بعض تلك الأزمنة و جمعا من تلكم الأشخاص. أو لأجل أنّ من قال بعدم الوجوب إنّما قال به لاختصاص الوجوب بفاضل الكسب و لا يصدق التكسب بالنسبة إليهما.

(1) وجوبه فيها أوضح، لعدم جريان بعض الوجوه المتقدمة المستدل بها على عدم الوجوب في الصدقات المندوبة، فراجع و تأمل، مع أنّه قد يصدق التكسب على أخذ الصدقات المندوبة إذا جعل ذلك حرفة و عادة.

(2) لصدق الفائدة عليها قطعا بناء على وجوبه في كل فائدة. و أما بناء على اعتبار التكسب فلا وجوب فيها، لعدم صدقه عليها.

(3) يأتي التعرض لهذه المسألة في [مسألة 75] و ما بعدها فراجع.

ص: 436

و يرجع هو على البائع إذا أدّاه، و إن لم يمض فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع (1). و كذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات (2) و إن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله (3).

مسألة 53: إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس

(مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها لكنه أدّاه- فنمت و زادت زيادة متصلة أو منفصلة، وجب الخمس في ذلك النّماء (4)، و أما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة (5) لعدم صدق التكسب، و لا صدق حصول الفائدة.

______________________________

(1) لأنّ هذا هو مقتضى القاعدة في البيوع الفضولية الواردة على ما يتعلق بمال الغير مطلقا كما يأتي تفصيله.

(2) لجريان حكم الفضولية في جميع المعاوضات كما يأتي في كتاب البيع.

(3) للأصل، و عدم حصول موجب لانتقاله إلى الموهوب له.

(4) الأقسام ستة: لأنّ النماء إما متصل أو منفصل أو هما معا، و الجميع إما أن يكون إبقاء العين للتكسب، و التجارة بالنّماء، أو لمجرد الانتفاع به و الاستفادة منه في المعاش. و في الكل يجب الخمس فيما فضل من مئونة السنة من النماء، أما وجوبه فيما إذا قصد التكسب و التجارة، فلأنّه من خمس الأرباح، و أما فيما إذا لم يقصد ذلك، فلأنّه من خمس مطلق الفائدة و قد تقدم وجوبه فيه أيضا كوجوبه في الأرباح.

(5) الأقسام خمسة:

فتارة: يحتاج فعلا إليه مع زيادة قيمته و لا إشكال في عدم الوجوب حينئذ، لكونه من المؤنة.

و أخرى: لا يحتاج إليه و لا تكون من مئونته، و وجوب الخمس و عدمه يدور مدار صدق الفائدة فمع صدقها يجب، و مع عدمه، أو الشك فيه لا يجب، و الظاهر اختلافه بحسب اختلاف الموارد و الأشخاص.

و ثالثة: يكون ما لا خمس فيه مورد التكسب و التجارة، فتزيد قيمته السوقية و يبيعه و يحصل الربح و الفائدة و لا إشكال في وجوب الخمس مع الزيادة عن المؤنة،

ص: 437

نعم، لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن (1). هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة و رأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو أجرتها أو نحو ذلك من منافعها، و أما إذا كان المقصود الإتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها و أخذ قيمتها (2).

مسألة 54: إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية

(مسألة 54): إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية و لم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة، ثمَّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة، لم يضمن خمس تلك الزيادة، لعدم تحققها في الخارج (3). نعم، لو لم

______________________________

لأنّها من ربح التكسب و التجارة.

و رابعة: هذه الصورة بعينها و لكن لا يبيعه طلبا لزيادة القيمة على ما هو المتعارف بين التجار و لا شي ء عليه حينئذ، لعدم حصول الربح و الفائدة.

و خامسة: هذه الصورة بعينها و لكن لا يبيعه في الزيادة على خلاف المتعارف بين التجار بحيث إنّ نوع أهل الخبرة يقدمون على البيع و لا يؤخرونه، ففي وجوب الخمس- لتحقق الربح عند التجار و أهل الخبرة- و عدمه، لاحتمال أن يكون المراد به ما حصل خارجا بعد وقوع البيع على العين التي يحصل به الربح وجهان بل قولان أحوطهما الأول، خصوصا إن صدق التفريط بالنسبة إليه عرفا.

(1) إن صدق الفائدة على الزيادة يجب فيها الخمس، و مع عدم الصدق أو الشك فيه لا يجب. هذا بناء على وجوبه في كل فائدة و إلا فلا وجه للوجوب، لعدم التكسب و عدم وجوبه في مطلق الفائدة.

(2) تقدم تفصيله في الصورة الثالثة و ما بعدها فراجع.

(3) إن صدق التفريط في ترك البيع و عدم تحصيل الربح عرفا، فالظاهر الضمان تحققت الفائدة في الخارج أو لم تتحقق و إن لم يصدق ذلك فلا ضمان مطلقا، فالمدار على التفريط لا على التحقق في الخارج.

ص: 438

يبعها عمدا- بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس- ضمنه (1).

مسألة 55: إذا عمّر بستانا، و غرس فيه أشجارا أو نخيلا للانتفاع بثمرها و تمرها

(مسألة 55): إذا عمّر بستانا، و غرس فيه أشجارا أو نخيلا للانتفاع بثمرها و تمرها، لم يجب الخمس في نموّ تلك الأشجار و النخيل (2). و أما إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته، و في نموّ أشجاره و نخيله (3).

مسألة 56: إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة- كأن يكون له رأس مال يتجر به

(مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة- كأن يكون له رأس مال يتجر به، و خان يؤجره و أرض يزرعها، و عمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو التجارة أو نحو ذلك- يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع (4)، فيجب عليه خمس ما حصل منها، بعد خروج مئونته.

______________________________

(1) إن كان عدم البيع خلاف المتعارف بين التجار بحيث يصدق التفريط عندهم، و أما مع صدق عدم التفريط، أو الشك فيه، فمقتضى أصالة البراءة عدم الضمان.

(2) إن كان نموّها مما يحتاج إليه بحيث يعدّ من مئونته عرفا، و أما مع عدم الاحتياج إليه للمؤنة، فيجب الخمس في النموّ، لصدق الفائدة و الاستفادة عليه مع الزيادة عن مئونة السنة.

(3) على تفصيل تقدم في الصورة الثالثة و ما بعدها في [مسألة 53].

(4) البحث في المقام من جهتين:

الأولى: هل يعتبر الحول في خمس الأرباح و الفوائد أو لا؟، بل يكون كسائر أقسام الخمس يجب فيها بمجرد التحقق و الحصول؟ و هذه الجهة يأتي التعرض لها في [مسألة 72].

الثانية: هل الحول عند تعدد منشأ الربح و الفائدة يلاحظ بالنسبة إلى كل فائدة مستقلا، أو يلاحظ بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع، أو يتخيّر المالك في أيّ نحو شاء و أراد إن لم يلزم ضرر على الإمام و السادة؟.

الحق هو الأخير، للأصل بعد عدم دليل على تعين أحد الأولين. و استدل

ص: 439

.....

______________________________

الشهيد الثاني (رحمه اللّه) على ما اختاره من لحاظ الحول بالنسبة إلى كل فائدة مستقلا بأنّ الأرباح المتعددة في السنة يحتاج اعتبار وحدتها إلى دليل و هو مفقود، و بأنّ التقييد بالوحدة خلاف ظاهر الإطلاقات، و بأنّه لو تعددت أفراد الغوص و الكنز و المعدن يلاحظ كل واحد منها مستقلا، فليكن خمس الأرباح أيضا كذلك و الكل مردود:

أما الأول: فلا إشكال في تحقق الوحدة الاعتبارية المتعارفة فيها في جامع الربح و الفائدة، و مع وجود هذا الجامع القريب لحاظ التعدد و تعينه يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

و أما الثاني: فلأنّ مورد الإطلاقات الأرباح و الفوائد و هي الجهة الجامعة القريبة بين الجميع فلا وجه لاعتبار التعدد، بل مقتضى الأصل عدم لزوم اعتباره.

و أما الأخير: فلأنّ الغوص، و المعدن، و الكنز بالنسبة إلى الأفراد المختلفة من الجامع البعيد لأنّ العرف يرى معدن النفط و الذهب متباينا، و كذا كنز الجواهر و الدّراهم بخلاف أرباح الفوائد بأن جامعها القريب التكسب و التجارة في أيّ صنف كان فلا يصلح ما ذكر لاعتبار تعدد الحول.

و استدل جمع لاعتبار لحاظ المجموع من حيث المجموع بإطلاق الأدلة و أصالة البراءة عن لزوم مراعاة كل ربح مستقلا، و السيرة و لزوم الحرج مع اعتبار ربح لكل شي ء مستقلا، و بأنّ سنة المؤنة واحدة فتكون سنة الربح أيضا كذلك للملازمة العرفية بينهما و الكل مردود أيضا:

أما الأول: فلأنّ مقتضاها التوسعة و عدم التقييد، و على فرض الانصراف إلى لحاظ المجموع فهو من باب الغالب و التسهيل لا التقييد الحقيقي.

و أما الثاني: فلأنّها ترفع الوجوب فقط لا أصل الجواز.

و أما الثالث: فلأنّه لا تفيد الوجوب، لأنّها أيضا غالبية و تسهيلية.

و أما الرابع: فلا بد من الاقتصار على مورد لزومه.

و أما الأخير: فلا ملازمة بينهما من عقل أو شرع، أو عرف. نعم، لا ريب في أنّ الأسهل ملاحظة المجموع خصوصا بالنسبة إلى كسبة الأسواق و إلا فمقتضى أصالة البراءة عدم التعين إلا إذا لزم ضرر في البين، فيلزم اختيار ما لا ضرر فيه حينئذ.

ص: 440

مسألة 57: يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره

(مسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره (1)، فلو اشترى شيئا فيه ربح و كان للبائع الخيار لا يجب خمسة إلا بعد لزوم البيع و مضى زمن خيار البائع.

مسألة 58: لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما فاستقاله البائع فأقاله

(مسألة 58): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما فاستقاله البائع فأقاله، لم يسقط الخمس (2) إلا إذا كان من شأنه أن يقيله، كما في غالب موارد البيع بشرط الخيار إذا رد مثل الثمن.

______________________________

(1) لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، و لا يترتب في المتعارف أثر الملكية على الملكية غير المستقرة، مع أنّ الشك في شمول الأدلة للملكية المتزلزلة يكفي في عدم صحة التمسك بها، فيرجع إلى أصالة البراءة حينئذ و لا فرق بين خمس الأرباح و سائر أقسام الخمس في اعتبار استقرار الملكية، و تكفي الملكية المستقرة الواقعية إن لم يعلم بها المكلّف، فلو كان الربح في سنة و اللزوم في أخرى يكون الربح موردا للخمس بالنسبة إلى الأولى.

ثمَّ إنّ الفائدة قد تكون من النماء المنفصل و قد تكون من المتصل، و قد يكون نفس الشي ء موردا للخمس مع تزلزل الملكية فيه كالهدية قبل القبض. و الأول خارج عن مورد الكلام، لأنّ النماء المنفصل في مورد الملك المتزلزل يصير ملكا مستقرّا للمالك بخلاف الأخيرين فإنّهما متزلزلان.

(2) الظاهر التفصيل بين كونها في أثناء السنة أو بعدها، ففي الأول يسقط الخمس لعدم صدق الفائدة و الاسترباح في السنة و يكفي الشك في شمول الأدلة له في عدم الوجوب، إذ المرجع حينئذ أصالة البراءة بخلاف ما إذا كانت بعد تمامها، فإنّ الظاهر صحة صدقها، فيجب حينئذ و لو فرض الشك فيه، فالمرجع البراءة و لا فرق في القسمين بين ما كان من شأنه الإقالة أو لا، إذ المناط كله صحة صدق الربح و الفائدة و مع عدم الصدق أو الشك فيه لا يجب.

فرع: هل يعتبر التمكن من التصرف في وجوب الخمس، لاعتباره في الزكاة و يظهر منهم أنّ كل ما هو معتبر فيها يعتبر في الخمس، فلا فرق بين الخمس و الزكاة

ص: 441

مسألة 59: الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه

(مسألة 59): الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه، فإذا لم يكن له مال من أول الأمر فاكتسب- أو استفاد مقدارا- و أراد أن يجعله رأس المال للتجارة و يتجر به، يجب إخراج خمسه على الأحوط ثمَّ الاتجار به (1).

مسألة 60: مبدأ السنة- التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها

(مسألة 60): مبدأ السنة- التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسب، و أما من لم يكن مكتسبا و حصل

______________________________

في جميع الشرائط إلا فيما تسالموا عليه بالفرق بينهما؟ وجهان و لم أر عاجلا من تعرّض لهذا الفرع مع أنّه مورد الابتلاء و يبعد جدّا لأن يكون بعض موارد عدم التمكن من التصرف مورد وجوب الخمس.

(1) كل ما تتوقف عليه الاستفادة من رأس المال و آلات الحرف و الصنائع و نحوها على أقسام:

فتارة: يحتاج إليها بعين الاحتياج إلى المؤمنة بحيث يقع في الحرج لو لم يكن ذلك عنده فهي تكون من المؤنة و يجري عليها حكمها من جواز إخراجها من الأرباح.

و أخرى: لا يحتاج إليها كاحتياجه إلى المؤنة اللائقة بشأنه، بل يحتاج في ازدياد المال و الترفه في الأحوال، و لا يعدّ ذلك من المؤنة و يجب إخراج خمسها إن كانت من الأرباح.

و ثالثة: يشك في أنّها من أيّ القسمين و يجري عليه حكم القسم الثاني لعمومات وجوب الخمس، و الشك في تخصيصها بالنسبة إليه و المخصص منفصل مردد بين الأقلّ و الأكثر و في مثله يرجع إلى العام كما فصّل في غير المقام، و تقدم نظير هذه المسألة في كتاب الزكاة راجع [مسألة 23] من (فصل زكاة الغلات) و على هذا لا وجه لقوله: «الأحوط» بالاحتياط الوجوبي. ثمَّ لا يخفى أنّ هذه المسألة مكرّرة مع ما يأتي في [مسألة 62].

ص: 442

له فائدة اتفاقا فمن حين حصول الفائدة (1).

مسألة 61: المراد بالمؤنة

(مسألة 61): المراد بالمؤنة (2)- مضافا إلى ما يصرف في تحصيل الربح- ما يحتاج إليه لنفسه و عياله في معاشه- بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة- من المأكل و الملبس و المسكن، و ما يحتاج إليه لصدقاته و زياراته و هداياه و جوائزه، و أضيافه، و الحقوق اللازمة له بنذر، أو كفارة، أو أداء دين، أو أرش جناية، أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ. و كذا ما يحتاج إليه، من دابة، أو جارية، أو عبد، أو أسباب، أو ظرف أو فرش، أو كتب. بل و ما يحتاج

______________________________

(1) لأنّ ذلك هو المتعارف بين الناس قديما و حديثا، فتنزل الأدلة عليه، و لم يرد فيه تحديد تعبّدي من الشرع في هذا الأمر العام البلوى، و في مثله يكون المرجع هو العرف. فما عن جمع من أنّ مبدأه حين ظهور الربح فإن أراد الأرباح المتدرجة الوجود بحسب الغالب فهو ملازم عرفا مع الشروع في الكسب فلا نزاع في البين، و إن أراد غيره فلا دليل عليه من حديث، أو إجماع معتبر، أو عرف كذلك.

(2) البحث في المسألة من جهات:

الأولى: في اشتراط خمس الفوائد بكونها زائدة عن مئونة السنة، و يدل عليه النصوص الكثيرة، و الإجماع المتكرر، و عدل الشارع و إنصافه بالنسبة إلى الأمة، و في صحيح ابن مهزيار الوارد في خمس الفوائد: «الخمس بعد المؤنة» (1)و في صحيحه الآخر: «إذا أمكنهم بعد مئونتهم» (2)، و في الثالث: «الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» (3).

الثانية: في بيان موضوع المؤنة و الحق أنّ إيكاله إلى المتعارف في كل زمان و مكان و كل صنف أولى من التعرض له، لاختلافها غاية الاختلاف بحسب الأزمنة و الأمكنة و الأصناف و ليس من الأمور التعبدية حتى يحتاج إلى بيان الشارع، و لا الموضوعات المستنبطة حتى يحتاج إلى نظر الفقيه.

ص: 443


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

إليه لتزويج أولاده أو ختانهم و نحو ذلك، مثل ما يحتاج إليه في المرض، و في موت أولاده أو عياله، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه. و لو زاد على ما يليق بحاله مما يعدّ سفها و سرفا بالنسبة إليه لا يحسب منها (1).

مسألة 62: في كون رأس المال للتجارة- مع الحاجة إليه

(مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة- مع الحاجة إليه من المؤنة إشكال، فالأحوط- كما مرّ- إخراج خمسه أولا، و كذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه، مثل آلات النجارة للنجّار، و آلات النساجة للنسّاج، و آلات

______________________________

نعم، ما يصرف في المحرّم خارج عنها شرعا و لا يحتسب منها، و كذا ما ينطبق عليه عنوان الإسراف و التبذير، لأنّهما من المحرّم أيضا و لعله لذلك لم يتعرّض لبيانها في الأخبار لا سؤالا من الإمام (عليه السلام) و لا بيانا منه (عليه السلام) ابتداء، و لا فرق فيها بين المصرف الواجب و المندوب و المباح، لصدق المؤنة عرفا على الجميع، كما أنّ إيكال فهم معنى العيال و العيلولة إلى المتعارف أولى من التعرض له، فكل من صدق أنّه عيال للشخص فمئونته مستثناة سواء كان من واجبي النفقة أو مندوبها أو مباحها أو مكروهها بل أو محرّمها إذا اضطر إليه كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق.

الثالثة: في حكم ما إذا شك في شي ء أنّه من المؤنة أم لا، فمقتضى الإطلاقات و العمومات وجوب الخمس و عدم استثنائه، لأنّ المقيد و المخصص إذا كان منفصلا و مرددا بين الأقلّ و الأكثر يرجع في غير المتيقن منهما إلى الإطلاق و العموم. و قد تقدم في [مسألة 23] من (فصل زكاة الغلات) ما يرتبط بالمقام.

الرابعة: في أنّ استثناء المؤن من الحكمة أو أنّه من العلة يدور مدارها حدوثا و بقاء، فلو كان شي ء من المؤنة و خرج منها زمانا أو مكانا أو لجهة أخرى يجب فيها الخمس حينئذ؟. وجهان الظاهر هو الأخير، للإطلاقات و العمومات في غير المتيقن من مورد التخصيص و التقييد.

(1) للإجماع، و ظهور الأدلة في المؤنة المتعارفة بين الناس، و المصارف السفهية الإسرافية ليست متعارفة بل العقلاء يلومونه و يوبخونه فكيف يعد ذلك من المؤنة.

ثمَّ إنّه لو شك في كون المصارف المكروهة منها لا يصح استثناؤها لما تقدم آنفا.

ص: 444

الزراعة للزرّاع و هكذا، فالأحوط إخراج خمسها أيضا أولا (1).

مسألة 63: لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل المأكول و المشروب و نحوهما

(مسألة 63): لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل المأكول و المشروب و نحوهما، و بين ما ينتفع به مع بقاء عينه، مثل الظروف و الفرش

______________________________

فروع- (الأول): المال المصروف بقصد التوصل به إلى الحرام لا يعدّ منها سواء توصل به إليه أم لا، لكون من موارد الشك في أنّه منها أم لا.

(الثاني): لا فرق في الديون التي تكون منها بين كونها قهرية و اختيارية، و لا بين كون أسبابها محرّمة- كالجنايات و غرامات المغصوبات و نحوها- أو مباحة لإطلاق الدّين على جميع ذلك و أداؤه منها.

(الثالث): العوض في المعاملات الفاسدة لا يعد من المؤنة، لفرض الحرمة بل هو باق على ملك مالكه و لا ينقل إلى الطرف و يجب عليه خمسه مع زيادته عن المؤنة.

(الرابع): يتعلق الخمس بالمنافع الزائدة عن المؤنة كما إذا استأجر دارا لها غرف و لا يحتاج إلى غرفة منها ففضلت منفعتها عن حوائجه، لفرض صدق الزيادة عن المؤنة و لا فرق فيها بين العين و المنفعة.

(الخامس): أجور ما يصرف في المحرّمات- كأجور الكهرباء المصروف في الأغنية و الموسيقى الحرام، و الخلاعيات في التلفزيون- ليست من المؤنة لفرض الحرمة و ما يصرف في الحرام لا يكون مئونة.

(السادس): لو نذر أن يصرف تمام فاضل مئونته في بناء مسجد- مثلا- فالظاهر عدم تعلق الخمس به، لعدم صدق الفاضل عن المؤنة و تقدم أنّ الوفاء بالنذور من المؤنة.

(السابع): لو كان الفاضل عن المؤنة مختلطا مع الحرام بحيث لو ميز الحلال عنه لا يفضل، أو يفضل بقليل، أو يكون بالعكس وجب عليه الخمس فيما يعلم عادة أنّه من الحلال الفاضل عن المؤنة.

(1) راجع ما تقدم في [مسألة 59] فإنّ هذه المسألة متكرّرة معها.

ص: 445

و نحوها. فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها و إن بقيت للسنين الآتية أيضا (1).

مسألة 64: يجوز إخراج المؤنة من الربح

(مسألة 64): يجوز إخراج المؤنة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه، بأن لم يتعلق به، أو تعلق و أخرجه فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها، و لا التوزيع (2) و إن كان الأحوط التوزيع، و الأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه (3). و لو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك

______________________________

(1) كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و السيرة، و بناء الشرع على التسهيل و الإرفاق.

(2) لظهور الإطلاق و الاتفاق. و دعوى انصراف إطلاق مثل قوله (عليه السلام): «الخمس بعد المؤنة» (1) إلى خصوص ما إذا أخذت من الربح لا وجه له، لأنّه على فرض الصحة غالبيّ لا يعتنى به.

و عن المحقق الأردبيلي تعين الإخراج مما لا خمس فيه، لقاعدة الاحتياط، و لإطلاق أدلّة الخمس، و لأنّ الأخذ من الربح يستلزم عدم الخمس في أموال من يكون لهم مؤن كثيرة.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلأنّ المقام من موارد البراءة، إذ الشك في أصل اشتراط كون المؤنة المستثناة من المخمس و عدم اشتراط ذلك.

أما الثاني: فلأنّ تلك الإطلاقات مقيدة بإطلاق أدلة إخراج المؤن.

و أما الأخير: فلأنّ من له مؤن كثيرة تكون له أرباح و استفادات كذلك أيضا مع أنّه لا محذور في الالتزام به مع مساعدة الدليل.

(3) الاحتياط الأول، لأنّه موافق العدل و الإنصاف. و الأخير للخروج عن مخالفة الأردبيلي، مع أنّه من الإيثار المطلوب، بل هو من أجلّ مقامات أولياء اللّه.

ص: 446


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

- مما لو لم يكن عنده كان من المؤنة- لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة (1) و أخذ مقدارها، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلا.

مسألة 65: المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها

(مسألة 65): المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها (2) فلو قتّر على نفسه لم يحسب له كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط بل لا يخلو عن قوّة (3).

مسألة 66: إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته

(مسألة 66): إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح (4).

______________________________

(1) لأنّ المراد بالمؤنة ما تصرف فعلا لا ما يصلح للصرف شأنا، و كذا لو أخرجها أو بعضها مما لا خمس فيه لا يجوز استثناء مقابله من الربح. نعم، لو اضطر إلى حفظ قيمتها ليشتريها بعد ذلك، و يقع مع أداء الخمس في الحرج يمكن عدّها من المؤنة حينئذ. و يأتي في المسائل الآتية نظير المقام.

(2) لأنّ ذلك هو المتعارف في المؤن العرفية، فتنزل الأدلة الشرعية عليها أيضا، و ما ادعي من الإجماع على عدم الخمس على من قتر على نفسه لا اعتبار به و على فرض الصحة فالمتيقن منه ما إذا وقع في الحرج من أداء الخمس. و منه يعلم أنّه لا وجه لتردد الماتن (رحمه اللّه) فيما لو تبرّع بها متبرّع، مع أنّه لم يدع فيه أحد الإجماع على عدم الوجوب فيما تفحصت عاجلا، مضافا إلى أنّه (رحمه اللّه) أفتى في المسألة السابقة فيما لو كان عنده عبد أو جارية بعدم جواز احتساب قيمتها من المؤنة مع عدم الفرق بينها و بين المقام.

(3) لا وجه للتردد بعد صدق الزيادة على المؤنة عرفا. نعم، لو وقع في الحرج من أداء الخمس لا يجب عليه حينئذ.

(4) لظهور الاتفاق، و إطلاق أدلة استثناء المؤن هذا إذا كان ذلك في أثناء سنة حصول الربح و حلّ الدّين و كان محتاجا إلى تتميم رأس ماله نحو احتياجه إلى سائر مئونة، و في غيره يأتي التفصيل في [مسألة 71].

ص: 447

مسألة 67: لو زاد ما اشتراه و ادخره للمؤنة

(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه و ادخره للمؤنة، من مثل الحنطة و الشعير و الفحم و نحوها، مما يصرف عينه يجب إخراج خمسه عند تمام الحول. و أما ما كان مبناه على بقاء عينه و الانتفاع به- مثل الفرش، و الأواني، و الألبسة و العبد و الفرس، و الكتب، و نحوها- فالأقوى عدم الخمس فيها (1). نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس عنها و كذا في حليّ النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها (2).

______________________________

(1) أما وجوب الخمس فيما اشتراه من الربح للمؤنة و زاد بعد تمام الحول، فلإطلاق أدلّة الخمس، و ظهور الإجماع، و السيرة المستمرة. و أما عدم الخمس فيما يبقى عينه و يحتاج إليه للمؤنة، فلصدق المؤنة الفعلية عليها، فتشمله الأدلة الدالة على أنّ الخمس بعد المؤنة- كما تقدم- فلا خمس بالنسبة إليه، لأنّه يعد مئونة عرفا.

(2) لصدق فاضل المؤنة عليها، فيشمله إطلاق ما دل على وجوب الخمس في فاضل المؤنة.

إن قيل: بعد انطباق عنوان المؤنة عليه، فمقتضى الأصل عدم الخمس فيه و يدل عليه إطلاق ما دل على أنّه لا خمس في المؤنة فيكون مثل المخمّس الذي لا خمس فيه أبدا.

(يقال): استثناء المؤنة يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون عنوان المؤنة من مجرّد الحكمة، فيكفي انطباق وجود المؤنة و لو آنا ما لابدية الاستثناء.

الثاني: أن يكون من العلة التامة فيدور الاستثناء مدار الانطباق حدوثا و بقاء:

الثالث: الشك في أنّه حكمة أو علّة؟ فعلى الأولى لا أثر للاستغناء في تعلق الخمس، لأنّ انطباق عنوان المؤنة عليه و لو في زمان يسير يخرجها عن أدلة وجوب الخمس أبدا، و على الثاني يجب الخمس بعد الاستغناء، لأنّ انطباق المؤنة علة للاستثناء حدوثا و بقاء، و كذا على الأخير أيضا، لأنّ إجمال المخصص و تردده بين

ص: 448

مسألة 68: إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤنة في باقيه

(مسألة 68): إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤنة في باقيه، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة (1).

مسألة 69: إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة و حصل في السنة اللاحقة

(مسألة 69): إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة و حصل في السنة اللاحقة، لا يخرج مئونتها من ربح السنة اللاحقة (2).

مسألة 70: مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة

(مسألة 70): مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح و تمكن من المسير- بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام- احتسب مخارجه من ربحه (3) و أما إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب

______________________________

الأقلّ و الأكثر لا يضرّ بحجية العام، فالمرجع حينئذ الأدلة الدالة على وجوب الخمس في الفوائد و الأرباح، لأنّ عدم إحراز كون المؤنة من قبيل الحكمة يكفي في وجوب الخمس فيما إذا استغنى عن شي ء في مئونته.

ثمَّ إنّ الاستغناء تارة: يحصل في أثناء السنة، و أخرى: مقارنا لتمامها و ثالثة: في السنة اللاحقة. و يجب الخمس في الأولين، لصدق فاضل المؤنة. و أما الأخير، فيجب فيه الخمس عند تمام السنة اللاحقة كما هو واضح.

(1) لما تقدم من أنّ المراد بالمؤنة ما تصرف فعلا لا تقديرا و فرضا، فيجب تخميس أرباحه إلى حين موته و بعد استثناء مئونته إلى ذلك الحين أيضا و لا موضوع لاستثناء المؤنة إلى ما بعد الموت لا لنفسه و لا لعياله، لانتفاء موضوعها بالموت.

(2) للإجماع، و السيرة المتعارفة بين الناس في الموازنة بين أرباح سنة و مؤنهم في تلك السنة، و لا يوازن مئونة سنة مع ربح سنة أخرى و الأدلة منزلة على ما هو المتعارف. نعم، لو حصل له دين في سنة و أداه في سنة أخرى، فيأتي حكمه في [مسألة 21].

(3) لأنّها من مؤن تلك السنة- إن ذهب إلى الحج- فيستثنى من أرباحها، و يدل عليه الإجماع، و السيرة، و يأتي في [مسألة 81] بعض التفصيل.

ص: 449

عليه خمس ذلك الربح (1) فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب، و إلا فلا (2)، و لو تمكن و عصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط (3)، و لو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، و أما المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير، و إذا لم يتمكن- فكما سبق- يجب إخراج خمسه (4).

______________________________

(1) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله أدلة وجوب الخمس قهرا.

(2) أما وجوب الحج مع بقاء الاستطاعة و سائر الشرائط، فلأدلة وجوب الحج معها، كتابا، و سنة، و إجماعا. و أما عدم الوجوب مع فقد الاستطاعة، فلأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه و هي قاعدة عقلية لم تخصص في المقام بشي ء.

(3) لإطلاق أدلة وجوب الخمس بعد تحقق الفاضل عن المؤنة عرفا و وجدانا و يستقر عليه الحج أيضا لتمكنه من إتيانه و عصيانه، و لم يعلم وجه تردده (رحمه اللّه) في وجوب الخمس مع وجود الإطلاق و شموله له، و احتمال كون وجوب الحج مانعا عن تعلق الخمس به ساقط، لأنّ هذه المانعية ما داميّة لا دائمية يعني: إذا صرف المال في الحج ينتفي موضوع زيادة الربح على المؤنة فينتفي وجوب الخمس قهرا بخلاف ما إذا لم يصرفه فيه، فالمقتضي لوجوب الخمس موجود حينئذ و المانع عنه مفقود، فيجب.

(4) أما وجوب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، فلتحقق الفاضل عن المؤنة، فتشمله الأدلة. و أما عدم وجوبه في المتمم، فلأنّه من المؤنة إن تمكن من المسير و سار. و أما وجوب الخمس مع عدم التمكن، أو التمكن و العصيان، فلتحقق الفاضل عن المؤنة، فتشمله أدلة وجوب الخمس قهرا.

فروع- (الأول): لا فرق بين الحج الواجب و المندوب، و كذا الزيارات المندوبة و تكون مصارف الجميع من المؤنة عرفا.

(الثاني): لو تقارن حصول الاستطاعة و تعلق الخمس يقدم الخمس، لتعلقه بالعين.

(الثالث): مصارف مقدمات سفر الحج- كالتي تأخذها الحكومات لجواز

ص: 450

.....

______________________________

السفر و نحوها- من المؤنة فلا خمس فيها.

(الرابع): لا فرق في مصارف الحج و كونها من المؤنة بين ما يتلف عينه- كما يعد للأكل- و بين ما يبقى- كأثاث السفر مثل الهميان و غيره- نعم- لو فرض الاستغناء عنه تجري عليه الأحكام السابقة في [مسألة 7].

(الخامس): مصارف الحج من المؤنة بلا فرق بين مصارف الذهاب و الإياب فلو كان إنشاء السفر في سنة حصول الربح و الإياب في السنة اللاحقة يصح أخذ مصارف الإياب من أرباح السنة السابقة، لأنّ تمام مصارف السفر ذهابا و إيابا يعدّ من مصارف سنة إنشاء السفر عرفا هذا إذا أخذ جميع المصارف ذهابا و إيابا دفعة واحدة من الربح، و أما لو أخذها بالتدريج، فإن كان قراره مع الحملدارية- مثلا- بأن يعطي نصف الثمن حين الذهاب إلى الحج و نصفه الآخر بعد الرجوع منه فالظاهر أنّ النصف الآخر يعدّ من مؤن السنة الأخرى إن دفعه فيها.

(السادس): لو حج و أبطل حجه عمدا لا يستثنى مئونته، و كذا مع الجهل إن كان ملتفتا و مقصّرا.

(السابع): لو حج في نفقة الغير لا يستثنى مئونته، لما تقدم من أنّ المؤنة المستثناة ما صرفت فعلا لا شأنا، و يأتي ما يناسب المقام في مسائل استطاعة الحج.

(الثامن): لو استقرض و اشترى شيئا لمؤنته، فبقي القرض على الذمة و زاد ما اشتراه عن مئونة السنة يجب الخمس فيما زاد، لإطلاق أدلة الخمس بعد فرض الزيادة عن المؤنة.

(التاسع): إذا استأجر شيئا إلى مدّة و أدّى تمام مال الإجارة في أثناء سنة الربح و كانت مدّة الإجارة زائدة عن سنة الربح فهل يعدّ تمام مال الإجارة من مئونة سنة الربح، أو خصوص المقدار الذي وقع بإزاء زمان سنة الربح؟ وجهان أحوطهما الثاني.

(العاشر): لو كان مكسبه مشتملا على الحلال و الحرام و لم يكن أحدهما متميّزا عن الآخر و علم إجمالا بتحقق الربح إما في حلاله أو حرامه وجب عليه الفحص و التمييز، و مع عدم إمكانه وجب عليه العمل في الحرام بما في القسم الخامس مما يجب

ص: 451

مسألة 71: أداء الدّين من المؤنة

(مسألة 71): أداء الدّين من المؤنة (1) إذا كان في عام حصول الربح أو كان سابقا و لكن لم يتمكن من أدائه إلى عام حصول الربح، و إذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أولا (2)، و أداء الدّين مما بقي.

و كذا الكلام في النذور و الكفارات.

مسألة 72: متى حصل الربح، و كان زائدا على مئونة السنة تعلق به الخمس

(مسألة 72): متى حصل الربح، و كان زائدا على مئونة السنة تعلق به الخمس، و إن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة، فليس تمام الحول شرطا

______________________________

فيه الخمس، و لا يجب عليه خمس الحلال بعد ذلك للأصل و إن كان أحوط.

(1) حصول الدّين تارة: يكون في عام الربح و للمؤنة. و أخرى: يكون فيه أيضا مع عدم كونه لها، بل يحصل بأسباب قهرية و في كل منهما تارة يتمكن من الأداء و لكن لم يؤده إلا بعد حصول الربح ثمَّ أدّاه منه. و أخرى: لا يتمكن من الأداء إلا من الربح. و في كل ذلك يحسب الأداء من المؤنة، للاحتياج العرفيّ إليه، و تقدم أنّ المرجع في المؤنة هو العرف مضافا إلى ظهور الإجماع على احتسابه منها مطلقا.

و منه يظهر أنّ تقييده (رحمه اللّه) بعدم التمكن من الأداء لا وجه له، لأنّ المناط كله في المؤنة ما كان الصرف في مصرف غير محرّم شرعي، و أداء الدّين في المقام كذلك، و إن تمكن منه و لم يؤده سابقا فهو نظير من وجبت عليه معالجة مرضه فلم يفعل ثمَّ عالج بعد مدّة، فإنّ مصرف المعالجة من المؤنة و إن تركها أولا. هذا إذا كان ارتكاب الدّين للحاجة إليه أو لأسباب قهرية. و أما إن كان لمجرّد ازدياد المال و الثروة بلا حاجة عرفية إليه، ففي كون مثله من المؤنة إشكال، بل منع.

ثمَّ إنّه لا فرق في الدّين بين جميع أقسامه حتّى النذور و الكفارات، و الحقوق و مهر الزوجة و نحوها بعد الأداء و الوفاء، لأنّ كل ذلك من المؤن العرفية و الشرعية.

(2) مقتضى صدق الربح و الفائدة عرفا مع الدّين وجوب الخمس لا وجه للتردد فيه. نعم، لو شك في صدقهما معه، فالمرجع أصالة البراءة و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص و الجهات.

ص: 452

في وجوبه (1)، و إنّما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدّد مئونة أخرى زائدا على ما ظنه، فلو أسرف، أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط (2) و هكذا لو وهبه، أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه (3).

مسألة 73: لو تلف بعض أمواله- مما ليس من مال التجارة

(مسألة 73): لو تلف بعض أمواله- مما ليس من مال التجارة أو سرق

______________________________

(1) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن الشرطية و هذا هو المشهور بين الفقهاء. و لا دليل على كون تمام الحول شرطا إلا ما يدعى من قوله (عليه السلام):

«الخمس بعد المؤنة» (1) لمعلومية أنّ المراد بها مئونة السنة، و من أنّ المؤنة لا تعلم إلا بعد الصرف و تمامية السنة.

(و فيه): أنّ المراد بقوله (عليه السلام): «الخمس بعد المؤنة» أي بعد وضع مئونة السنة من الربح و إفرازها سواء كان ذلك في أثناء السنة أم لا. لا أن يكون المراد بعد صرف المؤنة خارجا في تمام السنة. و منه يعلم أنّ مئونة السنة و إن كانت غير معلومة بالتفصيل إلا بعد الصرف الخارجيّ لكنّها معلومة إجمالا و تخمينا حين وضعها من الربح و هذا المقدار من العلم يكفي في صحة الوضع و الإفراز، و لكن لا بد في الربح الذي يتعلق به الخمس حين حصوله من إحراز استقراره و عدم عروض مؤن توجب الصرف و لا خسران موجب للجبران، و كيف يحصل هذا الإحراز لأحد مع معرضية الإنسان للعوارض و الحدثان، فإحراز الاستقرار يتوقف غالبا على تمام الحول.

(2) للأصل، و الإطلاق بعد بطلان مقايسة المقام بإتلاف نصاب الزكاة قبل حلول الحول، لأنّ حلول الحول فيها شرط لأصل تعلق وجوب الزكاة بخلاف المقام الذي يتعلق الوجوب بعد حصول الربح و استثناء المؤن و لو كان ذلك في أثناء السنة.

(3) لأصالة عدم سقوطه، و إطلاق أدلّة ثبوته، و لا بدّ من تقييد الهبة بكونها غير لائقة بحاله و إلا فتكون من المؤن المستثناة. هذا حكم الإتلاف و الإسراف. و أما حكم الزيادة في الربح بالتجارة فيأتي في [مسألة 77].

ص: 453


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

أو نحو ذلك- لم يجبر بالربح (1) و إن كان في عامه، إذ ليس محسوبا من المؤنة.

مسألة 74: لو كان له رأس مال و فرّقه في أنواع من التجارة

(مسألة 74): لو كان له رأس مال و فرّقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها، فالأحوط عدم جبره بربح تجارة أخرى (2)، بل و كذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى لكن الجبر لا يخلو عن قوّة خصوصا في الخسارة (3). نعم، لو كان له تجارة و زراعة مثلا فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها، فعدم الجبر لا يخلو عن قوّة خصوصا في صورة التلف،

______________________________

(1) لإطلاق أدلة وجوب الخمس في الأرباح و الفوائد، و عدم دليل على الجبر إلّا إذا انطبق عليه عنوان المؤنة، أو كان بحيث لا يصدق- مع لحاظ التلف و السرقة- الربح و الاستفادة، أو كون الخسارة في رأس المال بحيث لو لم يجبر لوقع الشخص في الحرج و المضيقة، و مع عدم انطباق شي ء من ذلك، فالمرجع الإطلاقات و العمومات الدالة على وجوب الخمس. نعم، لو كان محتاجا إلى بدل ما تلف أو سرق فاشتراه كان ثمنه من المؤن بلا إشكال. و منه يعلم أنّ إطلاق قوله (رحمه اللّه): «إذ ليس محسوبا من المؤنة» لا وجه له.

(2) لعين ما مرّ في المسألة السابقة من غير فرق بينهما. نعم، لو كان عدم الجبر موجبا للحرج و المشقة بحيث لو أعطى خمس تمام الربح لم يكف ربح ما عنده لمؤنته صح الجبر حينئذ، فإنّه يصير كرأس المال الذي يحتاج إليه و يقع في الحرج مع تخميسه و قد مرّ عدم وجوبه فيه مع لزوم الحرج و المشقة.

(3) بدعوى: عدم صدق الاسترباح و الاستفادة إلا بعد الجبران، و مع الشك في حصولهما بدونه لا يصح التمسك بعموم ما دل على وجوب الخمس، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و الفرق بين هذه المسألة و سابقتها أنّ تلف مال آخر غير مال التجارة و رأس مالها لا يضرّ بصدق الربح عرفا بخلاف هذه المسألة، إذ يمكن دعوى عدم صدق الربح مع تلف رأس المال أو التشكيك فيه، فيسقط وجوب الخمس من هذه الجهة.

ص: 454

و كذا العكس (1).

و أما التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها و ربح الباقي فالأقوى الجبر، و كذا في الخسران و الربح في عام واحد في وقتين سواء تقدم الربح أو الخسران، فإنّه يجبر الخسران بالربح (2).

مسألة 75: الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين (3)، و يتخيّر

______________________________

(1) لتحقق التعدد العرفي الموجب لصدق الاستفادة في شي ء آخر، و لكنه مع ذلك مشكل أيضا إن كان المقصود من الزراعة و التجارة استنماء المال بحيث يكون مجموع المال مورد لحاظ الفائدة و الخسران، و الظاهر أنّ هذه الأمور من الموضوعات العرفية التي ربما يكون العرف أعرف بها من الفقيه و يختلف باختلاف الأغراض و الخصوصيات و سائر الجهات.

(2) لأنّه بعد فرض وحدة التجارة في جميع ذلك لا تلحظ الاستفادة إلا بعد جبر الخسران على ما هو المتعارف بين الناس و إيكال ذلك أيضا إلى الثقات من التجار أولى من تعرض الفقيه له، لأنّ الموضوع عرفيّ لا أن يكون شرعيا و لا من الموضوعات المستنبطة.

(3) لظاهر الكتاب(1)و السنة، و ظهور إجماع الإمامية، و إنّما البحث في أنّه بنحو الملكية، أو من مجرّد الحق و على كل منهما هل هو بنحو الإشاعة، أو الكليّ في المعيّن. و بناء على الحقية أنّه من أيّ نحو من أنحاء الحقوق؟.

و المتحصل من المجموع: أنّه نحو حق متعلق بالعين تعلق الكليّ في المعيّن لأنّ الأدلة منها: ما تشتمل على كلمة اللام كالآية الكريمة، و بعض الأخبار كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن سنان: «حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق» (2). و المتيقن من كلمة اللام مطلق الاختصاص الشامل للحق

ص: 455


1- سورة الأنفال: 41.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8.

.....

______________________________

أيضا. أما الملكية فتحتاج إلى قرينة و هي مفقودة.

و دعوى: أنّ أكمل مراتب الاختصاص الملكية و الإطلاق منصرف إليها (مدفوعة): لما ثبت في محله من أنّ الأكملية لا توجب الظهور المحاوري، فالمتيقن منها إنّما هو مجرّد الحق، و أما أنّه من أيّ نحو من أنحائه فلا يستفاد من الأدلة.

و منها: المشتملة على كلمة «من» كقول العبد الصالح: «الخمس من خمسة أشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز» (1) و هل هي بمعنى «على» بقرينة جملة من الأخبار، أو بمعنى «في» بقرينة جملة أخرى منها، أو لمجرد المنشئية كقول عليّ (عليه السلام): «الخمس يخرج من أربعة وجوه من الغنائم» (2) و الكل محتمل، و لا ظهور لها في واحد منها و إن كان الأقرب كونها بمعنى «على».

و منها: ما اشتمل على كلمة «على» كخبر ابن عمير: «الخمس على خمسة أشياء» (3) و هو ظاهر في أصل الجعل، و لا يستفاد منه الملكية و لا الحقية.

و منها: ما اشتمل على كلمة «في» كقول أبي الحسن (عليه السلام): «الخمس في كل ما أفاد من قليل أو كثير» (4) و هو يحتمل السببية كقوله (عليه السلام): «في قتل الخطإ مائة من الإبل» (5) و أن تكون للظرفية و على كل تقدير تكون أعمّ من الملكية و الحقية.

و منها: المشتملة على لفظ الخمس كقوله (عليه السلام): «لنا الخمس» (6) و قوله (عليه السلام): «لنا خمسه»(7) و هو ظاهر في الإشاعة، و لكنه أعمّ من الملكية و الحقية و إن كان لا يبعد الأولى من مثل قوله (عليه السلام): «لنا خمسه» و لكنه أعمّ بأنّه من حيث العينية الخارجية أو من حيث المالية.

ص: 456


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 12.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب ديات النفس حديث: 8.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.
7- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

.....

______________________________

و منها: ما اشتمل على لفظ الحق كقوله (عليه السلام): «هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا و إنّ شيعتنا في ذلك و آبائهم في حلّ» (1).

و هذه الأخبار قرينة معتبرة على أنّ المراد من سائر الأخبار مجرّد الحقية أيضا و إن أمكن المناقشة فيها أيضا بأنّ التعبير بالحق من باب أنّ الغالب في الأزمنة القديمة كان دفع الخمس من العين لا أن يكون الحق مجعولا فيه، إذ لا ريب في أنّ تلك الأعيان الخاصة مورد تشريع الخمس، و أما أنّ نفس حق الخمس تعلق بذات تلك الأعيان فهو شي ء آخر لا ظهور لها فيه إلا بقرينة موثق أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا» (2).

و موثق ابن عمار: «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول يا ربّ اشتريته بمالي حتى يأذن له أهل الخمس» (3).

فإن ظهوره في الحقية بل الملكية مما لا ينكر لو لم يكن لبيان مجرّد الحكم التكليفي بالنسبة إلى الغالب في الأزمنة القديمة حيث كان البناء على إعطائه من العين مع أنّه معارض بما يأتي من الأخبار الدالة على جواز المعاملة بما فيه الخمس فأصل الحقية المتعلقة بمالية المال في الجملة معلوم، و لكن كيفية ذلك الحق و خصوصياته لا تستظهر من الأدلة، فلا بد فيه من الاقتصار على المتيقن، و على فرض ثبوت الحق هل هو متعلق بالعين- كحق الرهانة- أو متعلق بالمالية، و على كل منهما هل هو بنحو الإشاعة، أو الكليّ في المعيّن؟ المتيقن هو الأخير من كل منها.

و تقدم في [مسألة 31] من زكاة الغلات ما يناسب المقام و يأتي في المسائل الآتية بعض الكلام.

ص: 457


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 10.

المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال أخر (1) نقدا أو جنسا (2) و لا يجوز له التصرف في العين قبل أداء الخمس (3)، و ان ضمنه

______________________________

(1) للسيرة المستمرة، و هو المشهور بين الفقهاء، و لما ادعى من أصالة المساواة بين الزكاة و الخمس إلا ما خرج بالدليل، و يظهر من خبر الأزدي صحة وقوع البيع على ما فيه الخمس و وجوبه على البائع من القيمة و هو وارد فيمن وجد ركازا و باعها بدراهم و أغنام و تنازع البائع و المشتري إلى علي (عليه السلام) فقال (عليه السلام) لصاحب الركاز: «أد خمس ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز و ليس على الآخر شي ء، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه» (1) و لا ريب في ظهوره بل صراحته في الإعطاء من القيمة، و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه لشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب (عليه السلام) أما ما اكله فلا و أما البيع فنعم هو كسائر الضياع (2)، و في خبر ريان ابن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) ما الذي يجب يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي (3) و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب (عليه السلام) يجب عليك فيه الخمس» (4) و هو ظاهر في انتقال الخمس إلى الثمن، و إطلاقه يشمل البيوع المتعددة أيضا.

(2) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(3) بناء على أن تعلق الخمس بموارده من الشركة العينية الخارجية أو من قبيل حق الرهانة المانع عن جواز التصرف في العين المرهونة. و أما بناء على

ص: 458


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9.
3- البردي- بالفتح- نبات مائي كالقصب من فصيلة السعديات كانوا في القديم يستعملونه للكتابة- و بالضم من أجود التمور.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10.

في ذمته (1) و لو أتلفه بعد استقراره ضمنه (2). و لو اتجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية (3) بالنسبة إلى مقدار الخمس، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض (4)، و الا رجع بالعين بمقدار الخمس ان كانت موجودة، و بقيمته ان كانت تالفة و يتخير في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك، أو على الطرف المقابل الذي أخذها و أتلفها (5). هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح، و اما إذا كانت في الذمة و دفعها عوضا، فهي صحيحة (6)

______________________________

غيرهما فلا دليل على المنع، لأن مجرد كونه نحو حق متعلق بالعين أعم من ذلك هذا مضافا إلى أصالة ولاية المالك، و ما تقدم من خبر الأزدي، و أبي بصير، و ريان، و ظهور الإجماع على عدم وجوب العزل في الخمس و عدم الفورية فيه، فيحمل ما مر من موثق أبي بصير، و ابن عمار على الكراهة، أو على البناء على عدم الإعطاء، أو محامل اخرى.

(1) لأصالة عدم الانتقال إلى الذمة بعد التعلق بالعين، و لكنه مبنى على كون التعلق بشخصية العين لا بماليته و إلا فيتبادل الخمس بحسب تبادل المالية و على أي تقدير فيجوز بأذن الحاكم الشرعي كما يجوز بضبط الخمس و استحكامه بحسب المتعارف بحيث لا يضيع كسائر الديون المضبوطة و لو لم يكن بإذنه، لأن ذلك كله من فروع ولايتهما فلا تجزي أصالة عدم الانتقال حينئذ.

(2) للإجماع، و قاعدة الإتلاف.

(3) بناء على الشركة العينية، أو كون التعلق من قبيل حق الرهانة دون غيره من المباني، و تقدم في الزكاة ما ينفع المقام، لأن المقامان متحدان مدركا، و مبنى، و استظهارا.

(4) بناء على الملكية و الإشاعة العينية، و اما بناء على غيرها، فيحتاج إلى رضاء المالك.

(5) كل ذلك لقاعدة اليد بلا فرق بين التلف و الإتلاف، لجريان القاعدة فنهما.

(6) للإطلاقات، و العمومات بعد فرض وقوع المعاملة على الذمة لا

ص: 459

و لكن لم تبرء ذمته بمقدار الخمس (1). و يرجع الحاكم به ان كانت العين موجودة، و بقيمته ان كانت تالفة مخيرا حينئذ بين الرجوع على المالك أو الأخذ أيضا (2).

مسألة 76: يجوز له ان يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باق في يده

(مسألة 76): يجوز له ان يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باق في يده، مع قصد إخراجه من البقية (3) إذ شركة أرباب الخمس مع المالك انما هي على وجه الكلي في المعين (4)، كما ان الأمر في الزكاة أيضا كذلك و قد مر في بابها.

______________________________

العين الخارجي.

(1) بناء على الشركة العينية الخارجية. و أما بناء على أنه حق في مالية المال و لو تبدل العين و تبادلته، الأعواض فتبرأ الذمة أيضا و لكن للحاكم حق الرجوع إلى البدل مع الامتناع عن الأداء و تقدم أنه لا دليل على الشركة العينية و الإشاعة الخارجية.

(2) لجريان يدهما على متعلق الخمس، و مقتضى قاعدة اليد صحة الرجوع إلى كل من جرت يده كما يأتي تفصيله في كتاب البيع.

(3) أما جواز التصرف في بعض الربح، فلأصالة بقاء ولاية المالك على ماله بعد عدم دليل معتبر على تحديد ولايته شرعا بحد خاص. نعم لو ثبت الشركة الإشاعية أو الحق الثابت في الجميع ليس له ذلك و لكنه مشكل بل ممنوع، و مقتضى الأصل عدمها.

و أما اعتبار قصد إخراجه من البقية، فلبناء المتشرعة، بل العقلاء الذين يهتمون بحقوق الناس على ذلك عند التصرف في أموالهم التي يعلمون بتعلق حق الغير ببعض اجزائه في الجملة، مع أنه نحو تضمين بالنسبة إلى حق أرباب الخمس و يكفي فيه القصد الإجمالي و لا يعتبر التفصيلي، للأصل.

(4) لأنه المعلوم بحسب الأصل العملي بعد العلم بتعلقه بالعين في الجملة و هو المستفاد من مجموع الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض لكن بالمالية لا العينية الشخصية الخارجية و إثبات غير ذلك يحتاج إلى دليل و هو مفقود

ص: 460

مسألة 77: إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالاتجار

(مسألة 77): إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالاتجار (1)، و ان حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأول منه لأرباب الخمس (2) بخلاف ما إذا تجر به بعد تمام الحول، فإنه ان حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه، مضافا الى أصل الخمس (3) فيخرجهما أولا، ثمَّ يخرج خمس بقيته ان زادت على مئونة السنة.

______________________________

و احتمال بعض الأخبار للشركة العينية أو الحق في جميع المال لا ينفع بعد ظهور البقية في الخلاف كما تقدم، و قد مر في مسألة 75 في المقام، و في كتاب الزكاة بعض الكلام فراجع و تأمل و لا وجه للتكرار بعد وحدة المبنى في جميع هذه الفروع.

(1) لأصالة بقاء ولاية المالك على التصرف، و عدم وجوب العزل إجماعا، و بناء الشارع على الإرفاق بالملاك، و إطلاق ما تقدم من خبري أبي بصير، و ريان (1)، و تشهد له السيرة أيضا.

(2) كما عن جمع منهم المحقق الأنصاري (رحمه اللّه)، لسيرة المتشرعة، و استقرار الفتوى، و العمل على اشتراك أرباب الخمس مع الملاك في الخسارة دون الربح، مع أن مورد الخمس مجموع الربح السنوي في مقابل المؤن و رأس المال، و لذا يلاحظ الجبران و الخسران بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع.

نعم لو حصل ربح و علم بزيادته عن مؤن السنة و قلنا بملكية أرباب الخمس الربح من حين حدوثه و لم ينكشف الخلاف، فمقتضى قاعدة تبعية النماء للأصل كون ربح الخمس لأربابه، و لكنه مع ذلك مشكل، لأن من عدم التعرض لهذا الحكم العام البلوى في الأخبار- لا بيانا من الإمام (عليه السلام) و لا سؤالا من الأنام- يستكشف عدم جريان قاعدة التبعية في هذا النحو من الملكية، مع أن أصل حصول الملكية لا مدرك له، كما مر مرارا.

(3) بناء على حصول الملكية و إمضاء الحاكم الشرعي لهذه التجارة

ص: 461


1- تقدم في صفحة: 458
مسألة 78: ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثمَّ التصرف فيه

(مسألة 78): ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثمَّ التصرف فيه، كما أشرنا إليه (1). نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم و حينئذ فيجوز له التصرف فيه، و لا حصة له من الربح (2) إذا اتجر به و لو فرض تجدد من له في أثناء الحول (3) على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح.

______________________________

و لكن أصل المبنى فاسد، لما تقدم من أنه لا دليل على الملكية، فيكون تمام الربح للمالك و لا أثر لإمضاء الحاكم بالنسبة إلى هذه الجهة و إن كان له أثر بالنسبة إلى وقوع التجارة على متعلق حق أرباب الخمس.

ثمَّ أنّه يجب تخميس جميع الأرباح في عرض واحد من دون أن يكون ربح الخمس لأربابه من جهة التجارة بمالهم مع الزيادة عن المؤن، لإطلاق أدلة وجوبه.

(1) في مسألة 75 عند قوله (رحمه اللّه): «و ان ضمنه في ذمته»، و في مسألة 76 عند قوله (رحمه اللّه): «مع قصد إخراجه من البقية» و أشرنا إلى وجهه و جوازه مع مراجعة الحاكم الشرعي، بل و بدون مراجعته مع الضبط و التثبت بنحو المتعارف بحيث تصدق الوثيقة العرفية- كما في سائر الديون و الوثائق المعتبرة- لأن ذلك كله من شئون ولاية الحكم و المالك.

و قد صرح (رحمه اللّه) بذلك في مسألة 4 من زكاة الغلات، و مسألة 11 من خمس المعدن.

(2) يعني: لا حصة للخمس من الربح لفرض انتقاله إلى الذمة و عدم وقوعه مورد المعاملة و قد قلنا أنه لا يكون الربح لأرباب الخمس مطلقا إلا مع الشركة الحقيقية و الإشاعة الخارجية لا على سائر المباني سواء نقل الخمس إلى الذمة أو لا.

(3) المراد بتجدد المؤن في المقام العلم بها بعد وقوع الصلح و انكشاف انها كانت و لم يعلم بها المالك حين الصلح و حينئذ يبطل، لعدم المعوض له و اما ان كان تجددها بعد وقوع الصلح في أثناء السنة، فهو مناف لما تقدم في المسألة السابقة من جواز التصرف في الربح في الأثناء و ان الربح للمالك دون أرباب

ص: 462

مسألة 79: يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة

(مسألة 79): يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة، و لا يجب التأخير إلى أخرها، فإن التأخير من باب الإرفاق، كما مر (1) و حينئذ فلو أخرجه- بعد تقدير المؤنة بما يظنه- فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته خمسا (2) فله الرجوع به على المستحق، مع بقاء عنه لا مع تلفها في يده (3) إلا إذا كان عالما بالحال، فان الظاهر ضمانه حينئذ (4).

مسألة 80: إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها

(مسألة 80): إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها كما انه لو اشترى به ثوبا لا تجوز الصلاة فيه و لو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصح، و هكذا (5) نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في

______________________________

الخمس، فلا يحتاج إلى الصلح حينئذ.

(1) تقدم في مسألة 72 وجه ذلك فراجع.

(2) لأن اشتراط صحة بما يفضل عن المؤنة السنوية من الأمور الواقعية و بعد تبين الخلاف ينعدم المشروط بانعدام شرطه. نعم لو كان لنفس ظن كفاية الربح للمؤنة السنوية موضوعية خاصة في الاشتراط صح الخمس و يجزى، و لكنه لا دليل عليه بل المنساق من الأدلة خلافه.

(3) اما الرجوع مع بقاء العين، فلعدم خروج العين عن ملك مالكه، فله أخذ ملكه اين ما وجده لقاعدة السلطنة. و اما عدم الرجوع مع التلف، فلأصالة البراءة عن الضمان مع تحقق الغرور.

(4) لقاعدة اليد بعد عدم تحقق الغرور مع العلم بالحال كما هو واضح، و تشهد للضمان أصالة احترام مال الغير.

(5) كل ذلك مبني على تعلق الخمس بالمال بنحو الشركة العينية المشاعة أو الحق المشاع في الجميع و عدم كون الشراء التزاما عرفيا عند المتشرعة بالنقل إلى الذمة ثمَّ الوفاء من مال آخر و جميع ذلك محل اشكال، بل منع فمقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي في جميع ذلك الإباحة بعد عدم

ص: 463

يده، و كان قاصدا لإخراجه منه جاز و صح، كما مر نظيره (1).

مسألة 81: قد مر أن مصارف الحج الواجب- إذ استطاع في عام الربح، و تمكن من المسير- من مئونة تلك السنة

(مسألة 81): قد مر أن مصارف الحج الواجب- إذ استطاع في عام الربح، و تمكن من المسير- من مئونة تلك السنة، و كذا مصارف الحج المندوب، و الزيارات و الظاهر ان المدار على وقت إنشاء السفر (2)، فان كان إنشائه في عام الربح فمصارفه من مئونته ذهابا، و إيابا و ان تمَّ الحول في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الأخر في الإياب، أو مع المقصد و بعض الذهاب.

مسألة 82: لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا مله كفاه إخراج خمسهما أولا

(مسألة 82): لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا مله كفاه إخراج خمسهما أولا، و لا يجب عليه خمس أخر (3) من باب ربح المكسب، بعد إخراج مئونته سنته.

مسألة 83: المرأة التي تكتسب في بيت زوجها و يتحمل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها

(مسألة 83): المرأة التي تكتسب في بيت زوجها و يتحمل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها، من غير اعتبار إخراج المؤنة (4)، إذ هي على زوجها الا ان لا يتحمل.

______________________________

ثبوت دليل على المنع. نعم لا ريب في ان جميع ما قاله «قدس سره» موافق للاحتياط خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور.

(1) عند قوله (رحمه اللّه): «انما هي على وجه الكلي في المعين» في مسألة 76.

(2) لأنه المعهود في الأسفار المتعارفة حيث تلاحظ مئونة السفر حين إنشائه و قد تقدم بعض ما يتعلق بالمقام في مسألة 70 فراجع و فصلنا هناك بين أخذ تمام مئونة السفر ذهابا و إيابا دفعة أو تدريجا.

(3) للأصل، و عدم معهودية خمسين فيما يشتركان في عنوان الفائدة و الاستفادة. نعم مع تباين العنوانين يقوى وجوب خمسين كما تقدم في مسألة 36 من المال المختلط فراجع.

(4) لما تقدم من ان المناط في المؤنة المستثناة الصرف الفعلي لا شأنية

ص: 464

مسألة 84: الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز

(مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز، و الغوص، و المعدن، و الحلال المختلط بالحرام، و الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم فيتعلق بها الخمس (1) و يجب على الولي و السيد إخراجه (2) و في تعلقه بأرباح مكاسب الطفل اشكال (3)، و الأحوط إخراجه بعد بلوغه.

______________________________

الصرف و لو لم يصرف، و كذا كل من لا يصرف الفائدة إما لأجل الإمساك و التقتير، أو لأجل الكلّ على الغير، أو لجهة أخرى.

(1) للإجماع، و لإطلاق الأدلة، و الفتاوى، و معاقد الإجماعات المنساق منها ان هذا الخطاب من سنخ الوضعيات الغير المختصة بالبالغين، و اشتمال بعض الأخبار على قوله (عليه السلام): «عليك فيه الخمس» (1)- و نحو ذلك مما اشتمل على كلمة الاستعلاء- لا يوجب الاختصاص بالبالغ بدعوى: أنها ظاهرة في التكليف، لأن كلمة «على» تستعمل في الأعم من التكليف و الوضع كما لا يخفى.

(2) لأن تفريغ ذمة المولى عليه من فروع ولاية الولي، فيجب عليه القيام به.

(3) منشأه إطلاق الأدلة، و الفتوى و الإجماعات، و ما ورد من أنه: «ليس على مال اليتيم، و في الدين، و المال الصامت شي ء» (2)، و كذا قوله (عليه السلام):

«ليس في مال المملوك شي ء» (3)، فان إطلاقهما يشمل الخمس أيضا، مع أن كسب الصبي باطل و لا شي ء في الباطل. و فيه: أن الخبر ظاهر في الزكاة بقرينة غيره، مع أنه يشمل الغوص، و الكنز و المعدن و لا يقولون به، و لا دليل على الفرق بينها و بين مطلق الفائدة و يرد على الأخير: ان الفائدة أعم من الكسب، مع أنه لا دليل على بطلان كسبه ان كان بإذن الولي كما يأتي في محله.

ص: 465


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9 و غيره.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

فصل في قسمة الخمس و مستحقه

اشارة

فصل في قسمة الخمس و مستحقه

مسألة 1: يقسّم الخمس ستة أسهم على الأصح

(مسألة 1): يقسّم الخمس ستة أسهم على الأصح (1)، سهم للّه (فصل في قسمة الخمس و مستحقه)

______________________________

(1) للأدلة الثلاثة فمن الكتاب ظاهر آية الغنيمة، و من الإجماع إجماع الإمامية، و من النصوص ما ادعي تواترها:

منها: خبر ابن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ. فقال (عليه السلام): أما خمس اللّه عزّ و جل فللرسول، يضعه في سبيل اللّه، و أما خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه وحدها و اليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم و أما المساكين و ابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة و لا تحلّ لنا فهي للمساكين و أبناء السبيل» (1).

و في مرسل ابن بكير في تفسير الآية «خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، و اليتامى يتامى الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم» (2).

و أما صحيح ربعي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمَّ يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثمَّ يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثمَّ قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّه عزّ و جلّ لنفسه، ثمَّ يقسم الأربعة

ص: 466


1- الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 1.
2- الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2.

سبحانه، و سهم للنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، و سهم للإمام (عليه السلام) (1) و هذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان (2) أرواحنا له الفداء، و عجل اللّه تعالى فرجه، و ثلاثة للأيتام، و المساكين، و أبناء السبيل، و يشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان (3)، و في الأيتام الفقر، و في أبناء السبيل الحاجة في بلد

______________________________

أخماس بين ذوي القربى و اليتامى، و المساكين، و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقّا، و كذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) (1)، الظاهر في سقوط سهم الرسول فمحمول إما على رفع يده (صلّى اللّه عليه و آله) عن حقه توفيرا على الباقين، أو على التقية لموافقته لمذهب العامة.

(1) فإنّه المراد بذي القربى نصّا- كما تقدم-، و إجماعا. و ما نسب إلى ابن الجنيد من تعميمه إلى غير الإمام أيضا للإطلاق (مردود) بالإجماع، و النص على التخصيص بالإمام (عليه السلام).

(2) للإجماع، و النصوص:

منها: ما تقدم في خبر ابن بكير.

و منها: صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في تفسير الآية:

«فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و ما كان لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فهو للإمام» (2).

و في خبر حماد: «و له ثلاث أسهم سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من اللّه و له نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته- الحديث-» (3).

ثمَّ إنّ ظاهر القسمة التساوي، لأنّ الأصل فيها ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود.

(3) للإجماع، و استشهد له أيضا بقاعدة الشغل، و ما ورد: «من أنّ اللّه

ص: 467


1- الوسائل باب: 8 من أبواب قسمة الخمس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب قسمة الخمس حديث: 6.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.

التسليم (1) و إن كان غنيا في بلده، و لا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية (2)، و لا يعتبر في المستحقين العدالة (3)، و إن كان الأولى ملاحظة المرجحات، و الأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر خصوصا مع التجاهر، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، و لا سيّما إذا كان في المنع الردع عنه

______________________________

عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» (1). و فيهما خدشة ظاهرة، إذ الأول محكوم بالإطلاقات و العمومات. و الثاني بأنّه ليس كل من ليس بشيعة عدوّا لهم (عليهم السلام).

(1) لأصالة اعتبار الاحتياج في أخذ الصدقات و الخمس بمنزلتها، بل أطلق الصدقة عليه أيضا كما في خبر ابن مهزيار (2)، و هو مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ الخمس عوض الزكاة- كما تقدم- و في خبر حماد «يقسّم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به. إنّما صار عليه أن يموّنهم، لأنّ له ما فضل عنهم» (3) و قد عمل به المشهور، فما عن السرائر من عدم الاعتبار، للإطلاقات لا وجه له.

(2) للإطلاقات الشاملة للجميع، و لكن الأحوط عدم الإعطاء في سفر المعصية إلا بعد التوبة.

(3) للأصل، و الإطلاق، و بناء الشارع على التسهيل و التيسير في إعانة المحتاجين و مساعدة الفقراء. و تقدم في (فصل أوصاف المستحقين للزكاة) ما ينفع المقام و من المراجعة إليه يظهر الوجه في بقية المسألة فراجع إذ أنّ المقام متحد معها في هذه الفروع من حيث الدليل عليها، فلا وجه للتكرار.

ص: 468


1- الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قسمة الخمس حديث: 1.

و مستضعف كل فرقة ملحق بها (1).

مسألة 2: لا يجب البسط على الأصناف

(مسألة 2): لا يجب البسط على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم. و كذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف، بل يجوز الاقتصار على واحد، و لو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد (2).

مسألة 3: مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة

(مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة، فإن انتسب إليه بالأم لم يحل له الخمس، و تحل له الزكاة (3)، و لا فرق بين أن يكون علويّا

______________________________

(1) لشمول الإطلاق له أيضا، بل يكون منها موضوعا و لا نحتاج إلى الإلحاق.

(2) على المشهور بين الأصحاب في جميع ذلك، لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن وجوب البسط و الاستيعاب و التساوي، و للسيرة المستمرة على عدم مراعاة شي ء من ذلك، و عموم ولاية من له ولاية الإعطاء مالكا كان أو إماما أو نائبه و تقدم في الزكاة ما ينفع المقام.

(3) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر حماد- المعتمد عليه لدى الأصحاب فتوى، و نقلا- «و من كانت أمه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش، فإنّ الصدقات تحلّ له، و ليس له من الخمس شي ء، لأنّ اللّه تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (1).

و هذا الحديث حاكم على جميع الأخبار المشتملة على الآل و القرابة (2) و نحوهما، مع أنّ الانتساب في المحاورات المعتبرة العرفية الشائعة إنّما هو من طرف الأب، فمن كان أبوه من بني هاشم و أمه من قبيلة أخرى ينتسب إلى قبيلة أبيه دون أمه فيقال له هاشميّ و كذا الأسديّ، و التميميّ، و المخزوميّ و نحوها من النسب و القبائل، فقول أبي عبد اللّه (عليه السلام: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة، إنّ اللّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» (3) يراد به ما هو المتعارف في

ص: 469


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 12 و 13.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

.....

______________________________

الانتساب و هو الانتساب من طرف الأب فقط، مع أنّه لو كان حلالا للمنتسبين من طرف الأم لشاع و بان في هذه المسألة الابتلائية لا أن يكون خلافه الشائع و المبان مع أنّه لا يصح التمسك بإطلاق الأخبار المشتملة على لفظ قرابة الرسول لتفسير القرابة بالإمام تارة بالصراحة و أخرى: بالالتزام.

فمن الأول خبر ابن بكير: «و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام» (1) و قول عليّ (عليه السلام) في خبر سليم بن قيس: «نحن و اللّه عنى اللّه بذي القربى الذين قرننا اللّه بنفسه و برسوله» (2).

و من الأخير مثل قول الكاظم (عليه السلام) في مرسل حماد: «فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثة و له ثلاثة أسهم، سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه، و له نصف الخمس كملا- الحديث-» (3). فيسقط التمسك بإطلاقه للتعميم، مع أنّ ما تقدم من خبر حماد حاكم عليه على فرض ثبوت الإطلاق، و كذا ما اشتمل على لفظ الآل.

ثمَّ إنّه نسب الخلاف إلى جمع: منهم المرتضى- من القدماء- و صاحب الحدائق- من متأخري المتأخرين- فقالوا: بحلية الخمس لمن انتسب إلى بني هاشم من طرف الأم أيضا، تمسكا بإطلاق الآل، و الذرية، و القرابة و نحوها من هذه التعبيرات العامة الشاملة للجميع، و الظاهر أنّ النزاع بينهم و بين المشهور صغرويّ، إذ لا ينكر أحد صدق الولد، و الآل و الأهل، و الذرية و نحوها على من انتسب بالأم إلى هاشم و سائر القبائل صدقا حقيقيا لا مجازيا. و لكن الحكم في المقام لا يدور مدار ذلك و إنّما يدور مدار الانتساب الشائع العرفي و هو إنما يثبت من طرف الأب دون الأم، مع أنّ حليته لمن انتسب من طرف الأب مسلّم بين الكل لغة و عرفا و شرعا و إجماعا، و غيره مشكوك فلا تفرغ ذمة المعطي و لا يحل للآخذ إلا بدليل و هو مفقود.

و المناقشة في خبر حماد بالإرسال مردودة، بما مرّ من اعتماد الأصحاب عليه ضبطا، و عملا و فتوى، و متنه يشهد بصدوره من المعصوم (عليه السلام) فراجع.

ص: 470


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 7.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.

أو عقيليّا، أو عباسيّا (1). و ينبغي تقديم الأتمّ علقة (2) بالنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) على غيره أو توفيره، كالفاطميين.

مسألة 4: لا يصدّق من ادعى النسب إلا بالبينة، أو الشياع المفيد للعلم

(مسألة 4): لا يصدّق من ادعى النسب إلا بالبينة، أو الشياع المفيد للعلم (3)، و يكفي الشياع و الاشتهار في بلده (4). نعم، يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال (5)- بعد معرفة عدالته- (6) بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضا و لكن الأولى- بل الأحوط- عدم الاحتيال المذكور (7).

مسألة 5: في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال

(مسألة 5): في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال

______________________________

(1) أو جعفريا، أو نوفليا، أو لهبيّا و ذلك ظهور الإطلاق و الاتفاق. و لكن الظاهر انقراض كلهم إلا العلويين.

(2) لفضله على غيره من هذه الجهة، فينبغي التفضيل بالنسبة إليه. و عن كاشف الغطاء: «ينبغي تفضيل الرضوي و الموسوي على غيره من الحسني و الحسيني لكونهما أشدّ علقة بالمعصومين (عليهم السلام) من غيرهما» و هو وجيه.

(3) لأصالة عدم الحجية، و قاعدة الاشتغال، و الظاهر كفاية حصول الاطمئنان المتعارف و إن لم يحصل العلم.

(4) لأنّه من طرق حصول الاطمئنان عرفا.

(5) بناء على كفاية إحراز الشرط عند الوكيل و لو لم يكن محرزا عند الموكل يصح و يجزي. و أما بناء على عدم كفايته فلا أثر لهذا الاحتيال و لكن الظاهر الكفاية للإطلاقات و السيرة.

(6) يكفي حصول الوثاقة و لا تعتبر العدالة، للأصل.

(7) حذرا من الحيلة مهما أمكن مع القدرة على عدمها، و لاحتمال اعتبار الشرائط عند الموكل.

ص: 471

خصوصا في الزوجة، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم (1)، بمعنى: الإنفاق عليهم محتسبا مما عليه من الخمس أما دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة مما يحتاجون إليه مما لا يكون واجبا عليه- كنفقة من يعولون و نحو ذلك- فلا بأس به كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم- و لو للإنفاق- مع فقره حتى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها.

مسألة 6: لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد

(مسألة 6): لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد و لو دفعة- على الأحوط (2).

______________________________

(1) لما تقدم في الشرط الثالث من (فصل أوصاف المستحقين للزكاة) بناء على بدلية الخمس عن الزكاة، كما هو ظاهر النص و الفتوى، و جريان جميع أحكام المبدل على البدل إلا ما خرج بالدليل.

و وجه التردد: التأمل في استفادة جريان أحكام الزكاة على الخمس بمجرّد ما دل على الخمس عوضا عن الزكاة، لعدم كون ما دلّ على أنّه منها في مقام البيان من هذه الجهات، و لا إجماع معتبر على أصالة المساواة بينهما أيضا، فالمرجع الإطلاقات و أصالة عدم الاشتراط.

ثمَّ إنّ وجه التخصيص بالزوجة أنّ في نفقتها مضافا إلى الحكم التكليفي جهة وضعية أيضا بخلاف نفقة باقي الأقارب فإنّ وجوبها تكليفا محضة.

(2) مقتضى بدلية الخمس عن الزكاة جواز الإعطاء دفعة أكثر من مئونة السنة بناء على جواز ذلك في الزكاة، بل يجوز الإغناء لو ثبت عموم البدلية و لكنه مشكل.

و استدل على عدم جواز الإعطاء أكثر من المؤنة هنا بأمور:

الأول: إرسال صاحب الجواهر له إرسال المسلّمات، فقال في بحث حرمة الزكاة على الهاشميّ: «لأنّ الخمس لا يملك منه ما زاد عن مئونة السنة و هو له طلق فكيف ما لا يحل له إلا للضرورة» و ادعى في المقام عدم وجدان الخلاف في عدم الجواز.

ص: 472

مسألة 7: النصف من الخمس- الذي للإمام عليه السلام- أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه

(مسألة 7): النصف من الخمس- الذي للإمام (عليه السلام)- أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه، و هو المجتهد الجامع للشرائط فلا بد من الإيصال إليه، أو الدفع إلى المستحقين بإذنه (1).

______________________________

الثاني: قول الإمام الكاظم (عليه السلام) في مرسل حماد: «يقسّم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون به في سنتهم» (1).

الثالث: قاعدة الاشتغال بعد عدم عموم أو إطلاق يدل على جوازه مطلقا لأنّهما في مقام بيان أصل التشريع لا بيان الخصوصيات الأخرى.

و نوقش في الأول: بعدم كونه من الإجماع المعتبر، و في الثاني: بأنّه في زمان بسط يد الإمام (عليه السلام) و توجه جميع الذرية النبوية إليه في رفع حوائجهم كما يظهر من صدر الحديث و ذيله فراجع، فلا عموم له يشمل جميع الحالات و الأزمان.

و أما الأخير: فالظاهر عدم الإشكال في ثبوت الإطلاق و تحققه، فيصح التمسك به.

(1) الأمر في حقه (عليه السلام) يدور بين أن يعطّل رأسا، أو يصرفه المالك في موارد رضاه (عليه السلام)، أو يرجع فيه إلى نوابه الأمناء، و الأخير من أقرب طرق إحراز رضاه (عليه السلام) في التصرف في حقه (عليه السلام)، بل لا يحرز رضاه (عليه السلام) غالبا إلا بذلك، و مقتضى أصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بالرضا، و أصالة عدم الولاية على الإفراز، و قاعدة الاشتغال تعيّن ذلك، لأنّ حصول العلم برضاه في التصرف في ماله (عليه السلام) بدون مراجعة نوابه مشكل، بل ممنوع، فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم فراغ الذمة إلا بذلك، و يمكن دعوى بناء العقلاء عليه، أيضا، لأنّهم إذا لم يتمكنوا من الرجوع إلى المنوب عنه فيما يتعلق به يرجعون بفطرتهم إلى نائبه الذي يحكي أقواله و يتبع أفعاله، و يمكن جريان حكم مجهول المالك عليه أيضا الذي يرجع إلى الحاكم الشرعي فإنه أعم من المالك المجهول

ص: 473


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.

.....

______________________________

أو المعلوم الذي لا يمكن الوصول إليه عادة. و لو قلنا بعدم وجوب الرجوع إلى الحاكم الشرعي في مطلق مجهول المالك لقلنا به في خصوص المقام لخصوصية فيه دون سائر أقسامه.

و أما الأقوال الأخر: من إباحته للشيعة في زمن الغيبة، كما عن جمع من الفقهاء و المحدّثين. أو وجوب عزله و إيداعه و الوصية به عند الموت كما عن جمع من المتقدمين.

أو وجوب دفنه كما عن المقنعة و النهاية و المنتهى، أو صرف المالك له في المحتاجين مباشرة- كما عن جمع منهم المحقق في الشرائع و نسب إلى المشهور بين المتأخرين- أو التخيير بين الإيداع و الدفن كما عن النهاية، أو التخيير بين الحفظ و الإيصاء و القسمة بين المحتاجين من الذرية الطيبة أو الصرف إلى الفقراء الشيعة مطلقا و لو لم يكونوا من السادة.

فكل ذلك مخدوش بمخالفته لقاعدة الاحتياط و عدم العلم برضائه (عليه السلام) بذلك، مع أنّ الأول لا مدرك له إلا ما تقدم من أخبار التحليل و تقدم ما فيها. و الثاني معرض للخطر خصوصا مع قلة المتدينين. و منه تظهر الخدشة في الثالث و الرابع فلا يوجب فراغ الذمة، لاحتمال دخل المراجعة إلى نائبه (عليه السلام) و الاستيذان منه في ذلك، و الخامس معرض للخطر و التلف، و كذا السادس بالنسبة إلى الحفظ و الإيصاء و خلاف قاعدة الشغل بالنسبة إلى البقية.

و بالجملة مقتضى قاعدة الاشتغال، و عدم الولاية في إفراز الحق و المال و مقتضى العلم بأنّه (عليه السلام) لا يرضى بالإهمال وجوب دفعه إلى نائبه.

و لنا أن نقول: إنّ اختصاص الأسهم الثلاثة به (عليه السلام) ليس كاختصاص أمواله الخاصة به، بل لأجل أنّه رأس العائلة النبوية و ملجأ ذوي الحاجات و ملاذ الأرامل و الأيتام. و هذه الجهة جهة تعليلية فمن اتصف بهذه الجهة مع الاتصاف بالاجتهاد و سائر الشرائط المعتبرة تنطبق عليه هذه الجهة بتبع نيابته (عليه السلام) فالأسهم الثلاثة له (عليه السلام) من جهة كون المنصب له بالذات و لنوابه من جهة أنّه (عليه السلام) جعل ذلك المنصب لهم. و احتمال قصر منصبهم على خصوص القضاء و الفتوى مخالف لما عليه الأصحاب في سائر الأبواب بل

ص: 474

و الأحوط له الاقتصار على السادة (1) ما دام لم يكفهم النصف الآخر.

و أما النصف الآخر- الذي للأصناف الثلاثة- فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه (2) لكن الأحوط فيه أيضا الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعة و المرجحات التي ينبغي ملاحظتها.

مسألة 8: لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره

(مسألة 8): لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره، إذا لم

______________________________

و للمعلوم من ضرورة المذهب كما في الجواهر، و في المستند دعوى القطع بولاية الفقيه الجامع للشرائط عليه، و يقتضيه الاعتبار أيضا و ليس ذلك ولاية على ماله (عليه السلام) الخاص به حتى يمنع ذلك بل ولاية على مال لا بد و أن يصل إلى الإمام (عليه السلام) ليصرفه في مصارف يكون أبصر بها من غيره، فهي نظير ولاية الحسبة. و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في الأنفال.

(1) بل الأحوط الاقتصار على موارد إحراز رضاه (عليه السلام) مع مراعاة الأهمّ مع قصد التصدق عنه (عليه السلام).

(2) المشهور بين الأصحاب و الذي استقر عليه المذهب بين المتأخرين وجوب دفع هذا القسم من الخمس إلى السادة، لإطلاقات الأدلة و عموماتها، و لكن في المسألة أقوال أخر:

منها: سقوطه في زمن الغيبة كما نسب إلى جمع- منهم الدّيلمي- لأنّ قسمته على ما هو الواقع من شؤون الإمام المعصوم و مع غيبته لا موضوع، فينتفي المشروط بانتفاء شرطه، مضافا إلى أصالة البراءة عن الوجوب بعد الشك في شمول الأدلة لحال الغيبة، مع أنّ أدلة التحليل عامة و شاملة له.

(و فيه): أنّه لا دليل على كون ولاية القسمة للإمام المعصوم (عليه السلام) بل المراد بالقسمة و الصرف بحسب ظاهر الشرع و هي ميسورة بالنسبة إلى الحاكم الشرعي بل المالك في زمن الغيبة، و أصالة البراءة محكومة بإطلاق الأدلة و عموماتها و أدلة التحليل قد مرّ الجواب عنها، فلا وجه لهذا القول أصلا.

و منها: وجوب دفنه إلى زمان حضوره (عليه السلام).

ص: 475

.....

______________________________

و منها: وجوب الوصية به.

و منها: غير ذلك مما لا دليل عليه من عقل أو نقل بل المال معرض للتلف و الخطر، و مخالف لقاعدة الاحتياط.

و إنّما البحث في أنّه هل يصح أن يدفعه المالك بنفسه إلى السادة بلا مراجعة الحاكم الشرعي أو يتوقف على مراجعته؟ قولان ذهب جمع إلى الأول، للأصل و الإطلاقات، و عموم ما دل على كون الخمس بدلا عن الزكاة، و أصالة عدم توقف الصدقات و المجانيات على الإذن مطلقا.

(و فيه): أنّ الأصل عدم الولاية على الإفراز و مقتضى الاشتغال عدم الفراغ و الإطلاقات ليست متكفلة للبيان من كل جهة، كما أنّ البدلية لا تعرض لها من هذه الجهة.

و عن جمع- بل نسبه المجلسي (رحمه اللّه) إلى الأصحاب- الثاني، و في المستند عن بعض الأجلة نسبة اشتراط إذن الفقيه في مصرف الخمس إلى الأصحاب، لقاعدة الاشتغال، و أصالة عدم جواز التصرف في حق الغير بالإفراز و نحوه، و جملة من الأخبار الظاهرة في أنّ تمام الخمس للإمام (عليه السلام) و يجب عليه تأمين معيشة السادة، لأنّهم عياله فإن زاد عنهم شي ء فله (عليه السلام) و إن نقص وجب عليه الإتمام منها قولهم (عليهم السلام): «لنا الخمس» (1)، و ما ورد من أنّ الإمام (عليه السلام) يقسّم الخمس بين مستحقيه فيستفاد منه أنّه له (2).

و الكل مخدوش: أما النسبة إلى الأصحاب أو الأشهر فلا وجه لها في هذه المسألة الخلافية. و كيف اطلع المجلسي (رحمه اللّه) و بعض الأجلة على الشهرة و لم يطلع عليها نقاد الفقهاء ممن تقدمهم، و يمكن أن يكون مراد صاحب المستند من بعض الأجلة هو المجلسي أيضا. و أما أصالة عدم جواز الإفراز و قاعدة الاشتغال فهي محكومة بإطلاق الآية و الروايات، و أيّ فرق بين المقام و الزكاة حتى يتمسك

ص: 476


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5 و غيره.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2 و 3 و غيره.

يوجد المستحق فيه (1) بل قد يجب كما (2) إذا لم يمكن حفظه مع ذلك، أو لم يكن وجود المستحق فيه متوقعا بعد ذلك، و لا ضمان حينئذ عليه لو تلف (3) و الأقوى جواز النقل مع وجود المستحق أيضا، لكن مع الضمان لو تلف، و لا

______________________________

بالإطلاق هناك دون المقام مع كثرة رأفتهم (عليهم السلام) بالشيعة خصوصا السادة، و قولهم (عليهم السلام): (من لم يستطع على أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» (1) و نحو ذلك من الأخبار، مع كثرة تسهيلات الشارع بالنسبة إلى الملاك و التيسير عليهم في الخيرات و الصدقات.

و أما مثل قولهم (عليهم السلام): «لنا الخمس»- على ما تقدم- ففيه أولا:

أنّ هذا الإطلاق باعتبار أنّ نصفه لهم و هو يكفي في صحة الإطلاق.

و ثانيا: أنّ الإطلاق لأجل أنّ أهل البيت هم الأصل في تشريع الخمس.

و ثالثا: أنّه معارض بظاهر الآية و المستفيضة الدالة على أنّ نصف الخمس للمستحقين من بني عبد المطلب من اليتامى و المساكين و ابن السبيل و غيرهم- كما تقدم.

و أما ما يدل على أنّه (عليه السلام) يقسّم الخمس- كما سبق- فهو من ولايته (عليه السلام) على التقسيم في زمان الحضور و هو أعمّ من كونه له (عليه السلام).

و من ذلك كله ظهر وجه الاحتياط و أنّه للطرفين، فالأحوط للمالك مراجعة الحاكم الشرعيّ، كما أنّ الأحوط له مراعاة رضاه إن لم ينطبق عنوان آخر على الأخذ منه.

(1) للأصل، و ظهور الإجماع.

(2) من باب المقدمة لوجوب إيصال الحق إلى أهله.

(3) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم الوارد في الزكاة المنقولة: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو ضامن لها حتى يدفعها، و إن لم

ص: 477


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الصدقة حديث: 1 و غيره.

فرق بين البلد القريب و البعيد (1)، و إن كان الأولى القريب، إلا مع المرجح للبعيد.

مسألة 9: لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان

(مسألة 9): لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان، و لو مع وجود المستحق. و كذا لو وكله في قبضه عنه بالولاية العامة، ثمَّ أذن في نقله (2).

مسألة 10: مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز

(مسألة 10): مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز و من الخمس في صورة الوجوب (3).

______________________________

يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده» (1).

و لا ريب في أنّ عموم التعليل شامل للمقام أيضا، و الظاهر عدم الفرق بين نقل تمام المال، أو خصوص الخمس لإطلاق الكلمات و عموم التعليل، سواء قلنا بجواز العزل في الخمس أم لا، لأنّ النقل عرفا غير العزل، إذ الأول في طريق الإعطاء و الثاني إيقاف حتى يعطي.

(1) أما جواز النقل مع وجود المستحق، فللأصل إن لم يناف الفورية العرفية.

و أما الضمان مع التلف، فلقاعدة الاشتغال، و ظهور الإجماع، و ما تقدم في الزكاة.

و أما عدم الفرق بين البلد القريب و البعيد فللأصل مع عدم المنافاة الفورية المتعارفة.

و أما مع المنافاة لها، فيشكل الجواز في أصل النقل فضلا عن البعيد.

(2) أما الأول، فلأصالة البراءة بعد الشك في شمول أدلة الضمان له. و أما الأخير، فلأنّ يد الوكيل كيد الموكل في أخذ الحق و لا وجه للضمان في المأخوذ خمسا أو زكاة.

(3) أما الأول، فلأنّها ليست لمصلحة أرباب الخمس فلا وجه لتحملهم لها.

و أما الأخير فلأنّها حينئذ لمصلحتهم فلا وجه لتحمل المالك لها، و تقتضيه قاعدة نفي الضرر في الصورتين.

ص: 478


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

مسألة 11: ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحق عوضا عن الذي عليه في بلده

(مسألة 11): ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحق عوضا عن الذي عليه في بلده، و كذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمسا، و كذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضا عنه (1).

مسألة 12: لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده

(مسألة 12): لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك، و يجوز نقله إلى بلده مع الضمان (2).

مسألة 13: إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الإمام عليه السلام إليه

(مسألة 13): إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الإمام (عليه السلام) إليه، بل الأقوى جواز ذلك، و لو كان المجتهد الجامع للشرائط موجودا في بلده أيضا بل الأولى النقل إذا كان من بلد آخر أفضل، أو كان هناك مرجح آخر (3).

مسألة 14: قد مرّ أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له

(مسألة 14): قد مرّ أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له

______________________________

(1) لأنّ المراد- من النقل الوارد في أخبار الزكاة و كلمات الفقهاء في المقام- نقل العين خارجا كنقل العين الزكوي أو العين التي تعلق بها الخمس. و ما ذكره أولا ليس من النقل أصلا، و كذا الثاني فإنّه احتساب لا أن يكون نقلا. و الأخير نقل لماله لا للخمس و لكن لا بد من مراعاة الفورية العرفية في جميع ذلك و إلا فيأثم، و إن كان تبرأ ذمته بعد الدفع.

(2) أما أنّ الأولى الدفع في بلد المال، فلما تقدم في المسألة الثالثة عشرة من (فصل بقية أحكام الزكاة) فراجع. و أما جواز النقل إلى بلده، فللأصل مع عدم المنافاة للفورية. و أما الضمان مع التلف، فلقاعدة الاشتغال، و ظهور الإجماع.

(3) لأنّ كل ذلك من الطرق المتعارفة في إيصال الحق إلى أهله و الظاهر حصول العلم برضاه (عليه السلام) في إيصال حقه إلى نوابه (عليهم السلام) بما هو متعارف بين الناس في إيصال الحقوق إلى أهلها و لكن يضمن لو تلف في موارد عدم وجوب النقل، كما مرّ.

ص: 479

نقدا أو عروضا، و لكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية (1) فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمته و إن قبل المستحق و رضي به (2).

مسألة 15: لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض المستحق أو الحاكم

(مسألة 15): لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض المستحق أو الحاكم سواء كان في ذمته أو في العين الموجودة، و في تشخيصه بالعزل إشكال (3).

مسألة 16: إذا كان له في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه

(مسألة 16): إذا كان له في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه

______________________________

(1) لأنّها الأصل في الأعواض و القيم إلا أن يرضى صاحب الحق بالأقل و كان رضاؤه معتبرا شرعا.

(2) أما عدم فراغ الذمة إلا بمقدار القيمة الواقعية، فلقاعدة الاشتغال، و أما عدم الاعتبار برضا المستحق، فلأنّ الحق نوعيّ لا أن يكون شخصيا فليس له حق ذلك. نعم، للحاكم الشرعيّ أن يصالح مع المالك إن كانت في البين مصلحة ملزمة لذلك أهمّ من مراعاة حق أرباب الخمس و تقدم في كتاب الزكاة [مسألة 16] من مسائل الختام ما ينفع المقام فراجع.

(3) أما عدم براءة ذمة المالك إلا بالقبض، فللإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة الاشتغال. و أما الإشكال في تشخيصه بالعزل، فلأصالة عدم التشخّص إلا إذا دلّ عليه الدليل و لا دليل في المقام و إن ورد في الزكاة و لكن يمكن أن يقال: إنّ من ورود الدليل على صحة العزل في الزكاة و كونه تعجيلا في إفراز الحق نحوا من الانقياد، و بناء الشارع على التسهيل و الإرفاق بالملاك يستفاد صحة العزل هنا أيضا خصوصا مع عدم المستحق، مضافا إلى ظهور تسالمهم على أنّ كل ما يجري في الزكاة يجري في الخمس إلا ما خرج بالدليل، و يقتضيه بدليته عنها أيضا.

ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) لم يذكر صرف الخمس في حوائج السادة مع تعرضه له في الزكاة في [مسألة 2] من (فصل أوصاف المستحقين) و الظاهر الجواز هنا أيضا.

و المستفاد من نصوص قسمة الخمس الإغناء و التموين و دفع الكفاية و نحو ذلك من التعبيرات، و كل ذلك يصدق على الصرف أيضا.

ص: 480

خمسا (1)، و كذا في حصة الإمام إذا أذن المجتهد.

مسألة 17: إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقدا أو عرضا

(مسألة 17): إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقدا أو عرضا لا يعتبر فيه رضا المستحق (2) أو المجتهد بالنسبة إلى حصة الإمام، و إن كانت العين التي فيها الخمس موجودة. لكن الأولى اعتبار رضاه، خصوصا في حصة الإمام (عليه السلام).

مسألة 18: لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس و يرده على المالك إلا في بعض الأحوال

(مسألة 18): لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس و يرده على المالك إلا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير و لم يقدر على أدائه-

______________________________

(1) الظاهر أنّ كفاية الاحتساب موافق للقاعدة، لأنّ المناط في تشريع الحقوق خمسا كانت أو زكاة سدّ حاجة المحتاجين من السادة و الفقراء و حفظ شؤونهم عن سؤال الناس و دفع الذل عنهم و ذلك يحصل بالاحتساب كحصوله بالقبض و الإقباض. و أيّ رفع حاجة أعظم من فك رقبة عن ذل الدّين، و ليس للقبض موضوعية خاصة بل هو طريق محض لرفع الحاجة و المسكنة، و لا فرق فيه بين كون الواجب على من عليه الحق الصرف أو التمليك، إذ المناط في كل منهما واحد، فما ورد من النص في صحة احتساب الدّين من الزكاة موافق للقاعدة و يجري في المقام أيضا.

و المستفاد من مجموع الأدلة إنّما هو الاختصاص فقط، و عمدة ما استدل به على التمليك كلمة (اللام). و فيه: أنّه للاختصاص كما في اللغة و موارد استعمالاتها.

نعم، الاختصاص قد يفيد الملكية، و قد يفيد الحقية، و قد يفيد مجرد الأولوية و ذلك كله بالقرائن الخارجية.

(2) لأنّ ولاية الإخراج للمالك و إذن الشارع في صحة الإخراج بالقيمة و لا وجه بعد ذلك لرضا المستحق، مضافا إلى الأصل، و كون الخمس نحو حق متعلق بمالية المال. نعم، لو كان من الشركة العينية الخارجية لكان لهذا التوهم مجال مع أنّه باطل على هذا أيضا، لإذن الشارع في دفع القيمة للمالك، مضافا إلى السيرة.

ص: 481

بأن كان معسرا- و أراد تفريغ الذمة، فحينئذ لا مانع منه إذا رضي المستحق بذلك (1).

مسألة 19: إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه كالكافر و نحوه- لم يجب عليه إخراجه فإنّهم (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم ذلك، سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، و سواء كان من المناكح و المساكن، و المتاجر، أو غيرها (2).

______________________________

(1) راجع المسألة السادسة عشرة من ختام الزكاة، فيجري في المقام جميع ما مرّ فيها.

(2) على المشهور بل المجمع عليه بين الإمامية، و تدل عليه السيرة المستمرة في كل عصر، و أنّ ذلك هو المتيقن مما تقدم من أخبار التحليل و للقطع برضائهم (عليهم السلام) بذلك لئلا يقع شيعتهم في الضرر و الحرج من غير فرق بين الأسهم الثلاثة التي تكون له (عليه السلام) و حصة السادة التي هي النصف الآخر من الخمس لولايته (عليه السلام) على حصتهم كولايته على سهمه (عليه السلام). و المراد بالمناكح الجواري المشتراة ممن لا يعتقد الخمس التي لا موضوع لها فعلا. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 482

ختام و فيه مسائل

اشارة

(ختام و فيه مسائل) (1)

الأولى: لو استقرض شيئا و زاد عن مئونة سنته

(الأولى): لو استقرض شيئا و زاد عن مئونة سنته، فالظاهر عدم الخمس فيه (1).

الثانية: لو استفاد من الأرباح أو من الفوائد و أقرضها إلى غيره

(الثانية): لو استفاد من الأرباح أو من الفوائد و أقرضها إلى غيره وجب فيه الخمس (2).

الثالثة: لو اشترى شيئا للمؤنة، فمنعه مانع عن صرفه فيها

(الثالثة): لو اشترى شيئا للمؤنة، فمنعه مانع عن صرفه فيها حتى انقضى الحول و زاد عن المؤنة حينئذ مع وجود المنع يجب فيه الخمس (3). إلا إذا كان محتاجا إلى حفظه للصرف في المؤنة كاحتياجه إلى سائر مئونة التي يدخرها

______________________________

(ختام و فيه مسائل)

(1) لأنّه ليس من الأرباح و لا من مطلق الفائدة إلا إذا كان مبنيا على عدم أخذ العوض. نعم، لو استقرض من النقود و اشترى بها شيئا للمؤنة و زاد ذلك الشي ء عنها يجب فيها الخمس، لأنّها من الأرباح.

(2) للإطلاقات، و العمومات. و ما يتوهم من أنّه غير متمكن من التصرف بعد الإقراض (مدفوع): بأنّ متمكن منه حين حصول الفائدة و إلا لما أقرضها.

و التمكن منه لا يعتبر في تمام الحول، لما مرّ من عدم اعتبار الحول، فليس المقام مثل الزكاة.

(3) للعمومات و الإطلاقات.

ص: 483


1- من إضافات سيدنا الوالد- (قدس سرّه)- إلى آخر الكتاب.

لوقت الحاجة إليها (1).

الرابعة: لو استأجر دارا- مثلا- في أثناء السنة و أدّى تمام أجرتها من الأرباح و الفوائد

(الرابعة): لو استأجر دارا- مثلا- في أثناء السنة و أدّى تمام أجرتها من الأرباح و الفوائد فزادت مدّة الإجارة عن انقضاء سنة الربح هل تحسب تلك الزيادة من الزائد على المؤنة أو لا؟ الظاهر هو الأخير (2).

الخامسة: لو مضت عليه سنين و لم تكن له سنة شرعية

(الخامسة): لو مضت عليه سنين و لم تكن له سنة شرعية و لم يعلم مقدار الربح و الفائدة ثمَّ أراد تصفية ماله- و احتسابه- فيما مضت عليه- في تلك الأحوال، فإما أن يعلم تفصيلا بقدر الزيادة لو كانت له سنة معينة، أو يعلم إجمالا بها، أو يشك في أصلها، و في الأول يجب تخميس مقدار الزيادة، و في الثاني يأخذ بالأقل المعلوم و يخمسه، و في الأخير لا شي ء عليه، و الأولى في الأخيرين المصالحة مع الحاكم الشرعي (3).

السادسة: لو تردد شي ء بين ما يجب فيه الخمس

(السادسة): لو تردد شي ء بين ما يجب فيه الخمس كالأرباح- و ما لا يجب كالميراث و لم يعلم الحالة السابقة، فلا يجب الخمس فيه (4).

______________________________

(1) فلا يجب حينئذ، لأنّه من المؤنة.

(2) لأنّ تمام الأجرة يحتسب من مئونة سنة الربح، كما مرّ نظيره في [مسألة 81] من مصارف الحج. و يمكن أن يعدّ المدة الزائدة من المؤنة مثل الأشياء التي يشتريها في سنة الربح و يحتاج إلى إبقائها إلى ما بعد السنة كالفرش و نحوها.

(3) أما وجوب تخميس الزيادة المعلومة في الصورة الأولى، فلتنجز العلم التفصيلي بالفطرة. و أما الصورة الثانية فللعلم التفصيلي بالنسبة إلى الأقل و الشك في الأكثر، فتجري بالنسبة إليه البراءة العقلية و النقلية كما في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر من العبادات و الماليات مطلقا. و أما الأخير، فللشك في أصل توجه تكليف الخمس بالنسبة إليه و المرجع البراءة كما هو واضح إلى النهاية.

(4) للأصل بعد عدم صحة التمسك بالأدلة، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

ص: 484

السابعة: الحول في الأرباح عبارة عن تمام الشهر الثاني عشر

(السابعة): الحول في الأرباح عبارة عن تمام الشهر الثاني عشر (1) لا الدخول فيه كما في الزكاة (2).

الثامنة: يجوز للحاكم الشرعي أن يؤجر العين التي تعلق بها

(الثامنة): يجوز للحاكم الشرعي أن يؤجر العين التي تعلق بها الخمس و يأخذ الخمس من مال الإجارة من باب القيمة (3).

التاسعة: لو تردد ربح بين كونه مما أدى خمسة أو مما لم يؤد خمسة

(التاسعة): لو تردد ربح بين كونه مما أدى خمسة أو مما لم يؤد خمسة لم يجب فيه شي ء (4).

العاشرة: لو كان عنده مالان علم بتخميس أحدهما دون الآخر

(العاشرة): لو كان عنده مالان علم بتخميس أحدهما دون الآخر فمع التساوي في المالية يخمس أحدهما. و مع الاختلاف فيهما يخمس الأقلّ و الأحوط الأكثر (5).

الحادية عشر: يعتبر في أداء الخمس قصد القربة

(الحادية عشر): يعتبر في أداء الخمس قصد القربة، كما مرّ في الزكاة (6).

الثانية عشرة: لو قال المالك: خمست مالي يقبل قوله

(الثانية عشرة): لو قال المالك: خمست مالي يقبل قوله بلا بينة و لا يمين (7).

______________________________

(1) لأنّه المنساق منه عرفا و لا دليل على الخلاف. و المناط الهلالي لأنّه المدار في الأحكام الشرعية و يجوز التغيير إلى الشمسي إن لم يكن فيه ضرر على السادة و الفقراء و اذن الحاكم الشرعي في ذلك.

(2) لأنّه كان لأجل دليل مخصوص بها.

(3) بناء على أنّه من مجرّد الحق المتعلق بالعين، و ذلك لأجل ولايته على مثل هذه الأمور.

(4) للأصل و لا يجوز التمسك بالأدلة الدالة على وجوبه، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية.

(5) لأنّ المسألة من الدوران بين الأقلّ و الأكثر و لا ريب في وجوب الأقلّ.

و وجوب الأكثر ينفى بالأصل، كما في جميع موارد الدوران بينهما.

(6) لظهور إجماعهم عليه.

(7) للسيرة، و لما تقدم في الزكاة.

ص: 485

الثالثة عشرة: إذا قبض الفقيه الجامع للشرائط الخمس من المالك

(الثالثة عشرة): إذا قبض الفقيه الجامع للشرائط الخمس من المالك من باب الولاية العامة برئت ذمة المالك و إن تلف عنده (1).

الرابعة عشرة: لو تعدّد سبب الاستحقاق في سيّد

(الرابعة عشرة): لو تعدّد سبب الاستحقاق في سيّد كأن يكون فقيرا و من أبناء السبيل يجوز أن يعطى لكل سبب نصيبا (2).

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يشتري من الخمس دارا أو نحوها

(الخامسة عشرة): يجوز للحاكم الشرعي أن يشتري من الخمس دارا أو نحوها و يوقفها للسادة (3).

السادسة عشرة: لا مانع من إعطاء الخمس للسيد السائل بكفّه

(السادسة عشرة): لا مانع من إعطاء الخمس للسيد السائل بكفّه (4).

السابعة عشرة: لو كان شي ء من المؤنة و خرج عنها خروجا دائميا

(السابعة عشرة): لو كان شي ء من المؤنة و خرج عنها خروجا دائميا و قلنا بوجوب الخمس فيه، فهل يعتبر فيه مضيّ السنة أيضا أو لا؟ الظاهر هو الأخير (5).

الثامنة عشرة: لو كان شي ء زائدا عن المؤنة و تعلق به الخمس

(الثامنة عشرة): لو كان شي ء زائدا عن المؤنة و تعلق به الخمس، فذهبت ماليته بالمرة- كما في كسر بعض المكائن أو كان عنده ثلج فذاب، أو كان ماء في فلاة من الأرض ثمَّ جاء المطر و سقط الماء عن المالية- هل يجب فيه الخمس أو

______________________________

(1) لأنّ الوصول إلى يده من حيث ولايته على فقراء السادة كالوصول إليهم، و كالصرف في مصرفه.

(2) للإطلاقات الشاملة لهذه الصورة و تقدم في الزكاة أيضا.

(3) إن اقتضت المصلحة لذلك، لعموم ولايته على هذا المال، فيتصرف فيه بما اقتضته المصالح الشرعية.

(4) للإطلاقات، و العمومات الشاملة له أيضا، و قد مرّ نظيره في الزكاة أيضا و تقدم القول بالخلاف و ناقشنا فيه فراجع.

(5) للأصل بعد صدق كونه زائدا عنها، و تقدم أنّ أصل اعتبار مضيّ السنة في الزائد عن المؤنة إرفاقيّ لا أن يكون شرطا شرعيا.

ص: 486

لا؟ الظاهر هو الأول مع إمكان الأداء و كون التأخير فيه عمدا (1).

التاسعة عشرة: الحقوق التقاعدية التي تعطى للموظفين يجب فيها الخمس مع زيادتها عن المؤنة

(التاسعة عشرة): الحقوق التقاعدية التي تعطى للموظفين يجب فيها الخمس مع زيادتها عن المؤنة (2)، و كذا ما يعطى لعوائل الموظفين بعد موتهم.

العشرون: الظاهر جواز صرف الخمس في تجهيزات الميت المستحق

(العشرون): الظاهر جواز صرف الخمس في تجهيزات الميت المستحق (3) و الاحتياط في الاستيذان من الحاكم الشرعي (4).

______________________________

(1) للأصل، و عدم دليل على سقوطه إلا أن يقال: إنّ حكمة الإرفاق في التأخير إلى السنة يشمل ذلك أيضا و هي أنّه لو تجدّدت مؤن جديدة أو حدث ضرر سقط أصل الربح به عرفا.

(2) لكونها إما من الأرباح، أو من مطلق الفائدة، و كذا الكلام فيما يعطى لعيالات الموظفين بعد موتهم، فيجب الخمس فيه.

(3) لأنّه من مصارفها عرفا.

(4) لاحتمال سقوطه عن المصرفية بالموت و يقوى هذا الاحتمال في صرف الخمس في تعمير مقبرته.

ص: 487

الأنفال

اشارة

(الأنفال) و هي: ما يستحقه الإمام (عليه السلام) بالخصوص لمنصب إمامته، كما كان للنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لمقام نبوته و رئاسته الإلهية (1) و هي تسعة:

______________________________

(الأنفال) و هي جمع نفل- ساكنا و متحركا- بمعنى الزيادة، و هي زيادة فضل من اللّه تعالى نفل على المسلمين دون الأمم السابقة. و يطلق على مطلق الغنيمة، لأنّ الأمم السابقة لم تكن تحل لهم الغنائم، و على خصوص ما يستحقه الإمام (عليه السلام) كما كان يستحقه النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله).

(1) بالأدلة الأربعة: فمن الكتاب قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِهِلم وَ الرَّسُولِ (1) و من السنة ما استفاض بل تواتر بين الفريقين قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «و أما الفي ء و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)» (2). و من العقل: ما أشرنا إليه في أول كتاب الخمس ثمَّ هي للإمام المعصوم من بعده (صلّى اللّه عليه و آله) إجماعا من الإمامية، و نصوصا مستفيضة بينهم قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا لنا الأنفال، و لنا صفو المال» (3) و يأتي ما يدل عليه أيضا.

و الأنفال: من مختصات منصب الإمامة و إن مات الإمام لا ترثها ورثه الإمام غير الإمام الذي يكون بعده، فعن عليّ بن راشد: «قلت لأبي الحسن الثالث (عليه

ص: 488


1- سورة الأنفال: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأنفال حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأنفال حديث: 2.

الأول: الأرض إن لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب

(الأول): الأرض إن لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، سواء انجلى عنها أهلها أو أسلموها للمسلمين طوعا (1).

الثاني: الأرض الموات

اشارة

(الثاني): الأرض الموات التي لا ينتفع بها إلا بتعميرها (2).

مسألة 1: لا فرق بين أن يكون الخراب لانقطاع الماء عنها

(مسألة 1): لا فرق بين أن يكون الخراب لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلائه عليها، أو لاستيجامها، أو لموانع أخر (3) كما لا فرق بين ما لم يجر عليها ملك لأحد- كالمفاوز- أو جرى، و لكن باد و لم يعلم الآن بحيث يصدق

______________________________

السلام): إنا نؤتى بشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه السلام) عندنا فكيف نصنع؟ فقال (عليه السلام): أما ما كان لأبي (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنة نبيه» (1).

(1) للإجماع، و النصوص المستفيضة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الموثق: «الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا أو أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة، أو بطون أودية فهذا كله من الفي ء و الأنفال» (2).

و قوله (عليه السلام) في صحيح حفص: «الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه» (3).

و مقتضاه أنّ كل ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب من الأنفال لا خصوص الأرض، فيكون ذكر الأرض في بعض الأخبار من باب الغالب.

(2) للنصوص، و الإجماع منها: ما تقدم من الخبرين: و منها: قول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في خبر حماد: «الأنفال كل أرض خربة باد أهلها» (4).

(3) لأنّ المرجع في الموات و الخراب إنّما هو العرف و هو يحكم بتحققها في جميع ذلك.

ص: 489


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأنفال حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 10.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 1.

أنّه لا ربّ لها (1).

مسألة 2: القرى الدارسة التي قد جلا عنها أهلها فخربت

(مسألة 2): القرى الدارسة التي قد جلا عنها أهلها فخربت على نحو يصدق أيضا لا ربّ لها تكون من الأنفال بأرضها، و آثارها، و آجرها و أحجارها (2).

مسألة 3: الموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوة

(مسألة 3): الموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوة من الأنفال (3).

مسألة 4: الأرض المفتوحة عنوة التي كانت محياة حال الفتح

(مسألة 4): الأرض المفتوحة عنوة التي كانت محياة حال الفتح ثمَّ عرضها الموت باقية على ملك المسلمين (4).

الثالث: سيف البحار

(الثالث): سيف البحار، و شطوط الأنهار، و كل أرض لا ربّ لها و إن لم تكن مواتا، بل كانت قابلة للانتفاع بها، كالجزيرة الخارجة من البحار، و بعض الأنهار (5).

______________________________

(1) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك كلّه.

(2) لظهور الإطلاق الشامل لذلك كله خصوصا مثل قوله (عليه السلام):

«و كل أرض ميتة لا ربّ لها» (1)، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن عمار بعد أن سأل عن الأنفال: «فقال هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها» (2)، و خبر ابن سنان: «هي القرية التي قد جلا أهلها هلكوا فخربت فهي للّه و للرسول» (3).

(3) للإطلاق الشامل لها أيضا، فيكون ملكه (عليه السلام) لها أسبق من المسلمين للمفتوحة عنوة.

(4) للأصل بعد الشك في شمول أدلة الأنفال لها، و في الجواهر دعوى القطع بذلك.

(5) لإطلاق خبر أبي جعفر (عليه السلام): «قال لنا: الأنفال، قلت: و ما الأنفال؟ قال (عليه السلام): منها المعادن، و الآجام و كل أرض لا ربّ لها، و كل

ص: 490


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأنفال حديث: 4.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأنفال حديث: 20.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأنفال حديث: 24.

الرابع: رؤوس الجبال

اشارة

(الرابع): رؤوس الجبال، و بطون الأودية، و الآجام (1).

مسألة 5: كل ما يكون على رؤوس الجبال من النبات

(مسألة 5): كل ما يكون على رؤوس الجبال من النبات، و الأشجار و الأحجار تكون له (عليه السلام) (2).

مسألة 6: الآجام

(مسألة 6): الآجام: الأراضي الملتفة بالقصب أو المملوّة من سائر الأشجار- التي تطلق عليها في الفارسية (جنگل)- (3).

مسألة 7: لا فرق في كون هذه الثلاثة

(مسألة 7): لا فرق في كون هذه الثلاثة التي له (عليه السلام)- بين كونها في أرض الإمام أو المفتوحة عنوة (4).

الخامس: قطائع الملوك

(الخامس): قطائع الملوك و هي: اسم لما لا ينقل من المال كالقرى و الأبراج، و الأراضي، و الحصون (5).

______________________________

أرض باد أهلها فهو لنا» (1)و تقييدها في بعض الأخبار- على ما سيأتي- بالميتة من باب الغالب فلا يضر بالإطلاق.

(1) لجملة من الأخبار:

منها: خبر ابن فرقد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت: و ما الأنفال؟ قال (عليه السلام): «بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن، و كل أرض ميتة قد جلا أهلها» (2) و عن الكاظم (عليه السلام)

في خبر حماد: «و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام» (3).

(2) لظاهر الإطلاق، و الاتفاق.

(3) كما عن جمع منهم صاحب الرياض تبعا للروضة و هذا مراد من عبّر بغير ذلك.

(4) للإطلاق الشامل لجميع ذلك إلا إذا كان ملكا لأحد ثمَّ عرضت عليها الأجمة و نحوها، فمقتضى الأصل بقاؤها على ملك مالكها.

(5) إجماعا، و نصّا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في تفسير الأنفال: «و قطائع

ص: 491


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأنفال حديث: 27.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الأنفال حديث: 32.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الأنفال حديث: 4.

السادس: صفو الغنيمة

(السادس): صفو الغنيمة (1).

السابع: الغنائم

(السابع): الغنائم التي غنمت بغير إذن الإمام (2).

الثامن: إرث من لا وارث له

(الثامن): إرث من لا وارث له (3).

التاسع: المعادن

اشارة

(التاسع): المعادن (4).

مسألة 8: كل معدن كان مورد حق أحد

(مسألة 8): كل معدن كان مورد حق أحد و لو تبعا للأرض ليس من الأنفال (5).

______________________________

الملوك كلها للإمام (عليه السلام) و ليس للناس فيها شي ء» (1).

(1) إجماعا و نصّا قال الكاظم (عليه السلام): «للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها، الجارية الفارهة، و الدابة الفارهة، و الثوب، و المتاع مما يجب و يشتهي فذلك له قبل القسمة» (2).

(2) لما تقدم تفصيله في خمس الغنيمة.

(3) نصّا، و إجماعا قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «من مات و ليس له وارث من قبل قرابته و لا مولى عتاقه و لا ضامن جريرته فما له من الأنفال» (3).

(4) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في تفسير الأنفال: «و كل أرض لا ربّ لها و المعادن» (4) و قوله (عليه السلام) أيضا في تفسيرها: «بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن» (5).

(5) لأنّ المنساق من أدلة الأنفال إنّما هو فيما إذا لم يكن موردا لحق ذي حق.

ص: 492


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الأنفال حديث: 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الأنفال حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة حديث: 1 (كتاب الإرث).
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 32.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 20.
مسألة 9: قد أباحوا عليهم السلام الأنفال لشيعتهم

(مسألة 9): قد أباحوا (عليهم السلام) الأنفال لشيعتهم غنيا كان أو فقيرا- فيملكونها بالحيازة بل يملكها غيرهم أيضا بالحيازة (1).

مسألة 10: يعتبر الفقر في مصرف إرث من لا وارث له

(مسألة 10): يعتبر الفقر في مصرف إرث من لا وارث له بل الأحوط إيصاله إلى الفقيه، و الأحوط له صرفه في فقراء بلد الميت (2).

تمَّ كتاب الخمس و للّه الحمد

______________________________

(1) لعموم قوله (عليه السلام): «من حاز ملك»- كما سيأتي- الشامل لجميع ذلك، مع ما ورد بالنسبة إلى خصوص الشيعة بالخصوص كقولهم (عليهم السلام):

«أحللنا لشيعتنا» (1) أي: لأجل شيعتنا أبحنا للعموم فتكون الشيعة من العلة الغائية، و يأتي التفصيل في كتاب الإحياء إن شاء اللّه تعالى.

(2) أما الاحتياط في إيصاله إلى نائب الغيبة، فلاحتمال شمول ولايته و نيابته لمثل هذا المال أيضا، و حصول القطع بالفراغ حينئذ، و أما الصرف في فقراء بلد الميت، فلجملة من النصوص:

منها: ما عن المقنعة: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعطي تركة من لا وارث له من قريب و لا نسيب، و لا مولى فقراء أهل بلده، و ضعفاء جيرانه و خلفاءه تبرعا عليهم من ذلك» (2) و مثله غيره من الأخبار.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و له الشكر على ما أنعم

_______________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 493


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 9 و غيره.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة (كتاب الإرث) حديث: 11.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.